أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نضال الصالح - رقة الغزل وعفة السلوك














المزيد.....

رقة الغزل وعفة السلوك


نضال الصالح

الحوار المتمدن-العدد: 2922 - 2010 / 2 / 19 - 13:40
المحور: الادب والفن
    


سألني صديقي تعليقا على قصيدة والدي " جن الفلم فاحترقا"، التي نشرتها على هذا الموقع إن كان شعر الغزل والتغزل بجمال المرأة يدل على عبث الشاعر ومجونه فأجبته بالنفي المطلق. شعر الغزل والتغزل بجمال المرأة يدل على رفاهية ورقة حس الشاعر وسعة خياله. قال والدي عبدالقادر الصالح، رحمه الله، قصائد كثيرة في غزل الحسناوات وكان يقول:

لا أقول الشعر إلا غزلا أقرب الشعر إلى نفسي الغزل
باعث الشعر خدود وردت وقدود مائسات ومقل
وشفاه جثم الحب بها كل ما فيها جدير بالقبل
والحديث العذب من غانية تفتن اللُبَ بغنج وكحل
بضَة الجسم هضيم كشحها يضرب الناس بساقيها المثل
تشبه الضبي بجيد زانها وتفوق’ الظبي تلويع ودل

من يقرأ هذا الشعر ومثيله يظن أن والدي كان عابثا يتنقل بين الحسناوات طمعا في وصل ووصال. ولكن الحقيقة عكس ذلك تماما، فلقد كان مسلما ملتزما بفروض دينه لم يقطع فرضا من فروضه حتى في آخر لحظات حياته. لم يدخن سيجارة في حياته ولم يذق الخمر أبدا ولم يعاشر من النساء غير والدتي رحمها الله وكان يحبها ويقول فيها الشعر ولقد وجدت قصيدة له على شكل رسالة أرسلها إلى خالي يشكو فيها من طيل غياب زوجته في زيارتها لأخيها في مدينة الرملة، يقول فيها:

خلَفت’ عندك من لو غاب عن بصري لم يبرح القلب إن القلب مأواه’
خلَفته، إذ بدا لي من إرادته هذا البقاء، وما يرضيه أرضاه’
يصور’ الوهم’ أني دائما معه وحيثما حلَ، عين الله ترعاه’
لا أعرف البشر إلا حين يبسم’ لي ولا السعادة إلا يوم ألقاه’
أبهى لديَ من الأقمار طلعته وجلُ ما تشتيه النفس مرآه’
ليس الرياض’ وزهر الروض يسحرني، هو الرياض’ وريَا الزهر رياه’
حباه’ ربي شتيت الحسن واجتمعت حلو الشمائل فيه، حين أعطاه’
من يخجل’ البدر، حاشا أن يكون له في عالم الحسن والأخلاق، أشباه’

لقد كان يتغزل بالحسن والجمال أيا كان وفي أي مخلوق حسنت صورته وسلوكه. وجدت له قصيدة قديمة نظمها عام 1933 تحت عنوان "شاد" يصف بها غرام البلبل بالورد،أحببتها وحفظتها رغم أن والدي وصفها بأنها لم تنضج بعد. يقول فيها:
على ضفاف غدير لا يحفٌ به إلا الرياض’ وأزهار بها بدع’
شاد يردد ألحان الهوى سحرا يهوي به فنن’’ طورا ويرتفع’
لاه عن الكون ساه غير مكترث لما يحيط به، أزرى به الجزع’
مضنى له كبد’’ حرَى مولهة تكاد من شدة الأشواق تنصدع’
يشكو إلى الورد في رفق صبابته عساه إن سمعت شكواه تنتفع’
بالله يسأله’ رفقا بنضو جوي والورد في الصد ماض ليس يرتدع’
يدنو فيلثمه، لا الشوك يمنعه وارحمتاه له، جرح’’ ولا وجع’
سكران من عرفه معمود طلعته يشدو، فيشجي، إلى من ليس يستمع’
يصفق القلب’ من ألحانه طربا وارحمتاه له قد شفَه الولع’
يا بلبل الروض كم في الكون من دنف يقض’ مضجعه الأشواق والولع’
فلست أوَل من في الحب غيره طول الصدود، وقد أزرى به الوجع’
هون عليك ، نياط القلب متعبة’’ تكاد من كثرة التحنان تنقطع’

كان الشيخ حلمي الإدريسي من أعز أصدقاء والدي ولقد عمل الشيخ قاض في المحكمة الشرعية في مدينة جنين ومن ثم ترأس المحكمة الشرعية في نابلس. كان الشيخ واسع الثقافة، خفيف الروح، وكان شاعرا لم تمنعه عمامته من نظم الشعر الغزلي في الحسناوات. كان والدي والشيخ حلمي، رحمهما الله، يتباريان في قول الغزليات وكانت بينهما رسائل وردود شعرية ومواقف فكاهية.
خطب الشيخ فتاة من مدينة جنين، لم تعجب والدي لسوء سمعة أخ لها، فبعث له بذلك قصيدة مطلعها:" شيخ المواعظ والخطب يا ليت شعري من خطب؟" أثارت القصيدة غضب الشيخ فرد على والدي بقصيدة مطلعها:" جاءت خريدتك التي تختال في الثوب القشب". أجابه والدي بقصيدة ثانية يراضيه ويطيب من خاطره، يقول فيها:
عزيزي الشيخ لا تشحذ سنانك ولا تحمل على هجوي لسانك
ولا ترسل إليَ شواظ نار تألق في الدجا غضبا حنانك
أراك تلجُ في عذلي، فمن لي بقاض إن درى، كلمي أدانك
أسأت مقالتي فهما وإني وحقك ، ما أردت بها إمتهانك
فتاتك مثل ماء المزن صفوا وقاها الله من دنس وصانك
يزيد كمالها خلق’’ وخلق’’ وزان جمالها أدب’’ وزانك
علقت بظبية بالشمس تزري فسرح في شمائلها بيانك
ولا تسمع إلى العذال فيها وصدق في محبتها جنانك

ولكن فتاة شيخنا تركته وتزوجت من غيره أكثر جاها ومالا. نظم الشيخ بهذه المناسبة قصيدة بعنوان "إلى تاجرة" نشرها في مجلة الرسالة المصرية. ولقد تزوج الشيخ بعدها من سيدة فاضلة من نابلس عاشت معه إلى مماته وخلفت له أبناء حسنت تربيتهم وصانوا إسم أبيهم.
عندما أقرأ ما بقي من تلك الرسائل الشعرية المتبادلة بين الشيخين، والدي والشيخ حلمي الإدريسي، تصيبني الحسرة على زمنهم وأبكي على زمننا. فلم يمنع حسن تدينهما وتمسكهما بالأخلاق الحميدة من أن يقولا أروع وأرق الأشعار الغزلية في أجمل ما خلق الله وهي المرأة. كانت مكتباتهما مليئة بكتب الأدب العالمي وخاصة الروسي مثل مكسيم جوركي وتولتستوي وغيرهم كثير، كما كانت تعج بالكتب الماركسية والإشتراكية والفلسفية. وعندما وجدتهما يناقشان معا كتابا لماركس علقت بقولي أيقرأ الشيخان ماركس؟ كان جوابهما بأنه تراث إنساني على كل مثقف الإطلاع عليه. كانا يقولان الغزليات في وصف وعشق جمال المرأة حتى ليظن البعض أنهما من المجان وما كانا، فلقد كانت قصائدهما مليئة بالتوعية والدعوة إلى صون العفة والعفاف وكان والدي يقول:
زكي جمالك طالما فرص’ الشباب مساعدة
وحذار أن تتحرجي ساع’ الملاحة نافذة

رحم الله الشيخين وما أحوجنا لأمثالهما في يومنا هذا، حيث نعيش بين فكي شيوخ متزمتين، يعتبرون العشق والغزل كفرا والفلسفة هذيانا، وبين حملة العهر الفكري والفني الذي لا يعرف حدودا لإنحطاط الأخلاق والأدب.



#نضال_الصالح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ذئاب بلحية ومسبحة
- جنَ الفلم فاحترقا
- دفاعا عن الحائط
- هل ماتت الإشتراكية وإلى الأبد؟
- طوشة الموارس
- الجدل العقيم: ديني أفضل أم دينك؟
- رسائل وردود
- رسالة إلى المقاتلين بإسم الله
- قارئة الفنجان
- الجنس بين العيب والحرام والإحتكار الذكوري
- ضائعة بين عالمين
- رسالة إلى المرحومة أمي عادت لخطأ في العنوان
- ما بين ساقيها وعقلها
- يساريون لا يزالون يعيشون في الماضي
- في الذكرى الثامنة لتأسيس الحوار المتمدن
- كيف رفع الشيوعيون القدماء في الدول الإشتراكية شعار العداء لل ...
- لمن نكتب وهل من يقرأ؟
- الحقائق التاريخية والعلمية مقابل النص المقدس
- التدين واليسار
- صراع مع الموت


المزيد.....




- “بتخلي العيال تنعنش وتفرفش” .. تردد قناة وناسة كيدز وكيفية ا ...
- خرائط وأطالس.. الرحالة أوليا جلبي والتأليف العثماني في الجغر ...
- الإعلان الثاني جديد.. مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 الموسم ا ...
- الرئيس الايراني يصل إلي العاصمة الثقافية الباكستانية -لاهور- ...
- الإسكندرية تستعيد مجدها التليد
- على الهواء.. فنانة مصرية شهيرة توجه نداء استغاثة لرئاسة مجلس ...
- الشاعر ومترجمه.. من يعبر عن ذات الآخر؟
- “جميع ترددات قنوات النايل سات 2024” أفلام ومسلسلات وبرامج ور ...
- فنانة لبنانية شهيرة تتبرع بفساتينها من أجل فقراء مصر
- بجودة عالية الدقة: تردد قناة روتانا سينما 2024 Rotana Cinema ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نضال الصالح - رقة الغزل وعفة السلوك