حوارية عبر خيوط ألشبكه ( 3 )

صادق الحر

الحوار المتمدن-العدد: 2909 - 2010 / 2 / 6 - 18:45
المحور: الادب والفن
    

" في ذكرى حُر "

"آه يا بغداد لو تعرفين .. ماتت خيولي كلها وتبعثرت ضلوعي تحت أقدام العابرين .. وصار العيد حينها حريق وطاعون .. لم يبق غير الروح تشمخ عاليا صدقا ينير للأحرار ألف جيل جبين.. فتعالي نقيم لنا بروحي صرحا عرين .. نقاء بلور ينار بنورين.. ذِكْر عز يبقى رغم غبار ألسنين .. وانتقام عار يلحق العبيد الخائبين."
- هي: حبيبي حدثني عن الذي حصل في 8 شباط بشكل حر لأني سمعت الكثير عن ذلك اليوم الذي سبق ولادتي بسنين طويلة كان اغلب ما سمعته وقرأته لا يشبع إحساسي بالحقيقه.
- أنا: في الأيام الأولى لعام 1963 تلك التي سبقت صباح 8 شباط انهالت على الحر عبد الكريم قاسم تقارير متضاربة ومعلومات مشوشة عن انقلاب وشيك الحدوث يقوده مجموعة من الضباط القومجيه ولم يعر الحر اهتماما لذلك بشكل كاف بسبب ما وصل له من معلومات حرصت مصادرها أن تكون مشوشة ومبهمة وكثيرة اغلبها غير صحيح فيما راحت المعلومات الأكيدة حبيسة خيانة رؤساء الأجهزة الأمنية الذين تم شرائهم بالمال الكويتي والوعود أو الوعيد الذي حملته عناصر الانقلاب ووكالة المخابرات المركزية الأمريكية وموظفيها في المنطقة. وبرغم ذلك تم إلقاء القبض على علي صالح السعدي رئيس عصابة ما يسمى بحزب البعث والمقدم صالح مهدي عماش عضو ذلك الحزب وتم إحالة عدد آخر من الضباط القومجيه المشتبه بهم إلى التقاعد ولكن الأفاعي الكبرى بقت تسعى من غير مساس. لقد مثلت أيام الحر عبد الكريم قاسم صحوة الضمير الحر في العراق أو نهوضه برغم الضعف بعد سبات لمدة 700 سنه. كانت سنين 58-63 تشكل سنين النهوض السقيم الذي اطل به العراقيين إطلالتهم المخنوقة نحو الحرية و مازال لحد الآن يعيش العبيد على ذكرى ذاك الحلم السعيد.
- هي: كما هو دأبهم يعيشون الحلم السعيد ويعجزون عن خلق السعادة الحقيقية. وهاهم يعيشون على ذكرى أمام الحرية علي الذي امتد مكوثه بين العبيد لنفس المدة التي امتد فيها مكوث الزعيم الحر بين نفس العبيد مع فارق التشبيه ألزماني فقط.
- أنا: لقد كانت إطلالة فقط بعد أن تم وئدها من قبل العراقيين أنفسهم واستعجلوا لتقطيع أوصالها وحرق جسدها. لقد تضافر العبيد عرب وأكراد معممين وعلمانيين يعاونهم سفلة من الخارج عجم وعرب تساندهم كل قوى الاستعباد في العالم على وئدها من خلال ملاحم وفتن ثم رقصوا على أشلاء جسدها بعد موتها في يوم مشئوم من تاريخ العراق المظلم بكليته إلا قليل القليل لحد الآن. في يوم ألجمعه 8 شباط 1963 المصادف لليوم الرابع عشر من رمضان حدثت الواقعة على شكل انقلاب مجزره ومزاد حمام دم افتتح باغتيال قائد القوة الجوية الزعيم الركن الطيار جلال جعفر الاوقاتي أمام داره ببغداد في الساعة التاسعة إلا ربع صباح ذلك اليوم وبهذا انطلق سعار الانقلابيين في وحشية فاقت وحشية الوحوش فالذي حدث في هذا اليوم وما تلاه شيء لا يمكن وصفه بالكلمات ولا بالأفلام أو الصور لما فيه من مشاهد القتل ولون الدماء ورائحتها والأجسام المقطعة والبطون المبقورة والرؤوس المقطوعة والعيون المقلوعة والجماجم المهشمة والأرحام والأعراض النازفة حتى الموت تقطيعا وهتكا. كان الحر قد أصبح صائما بذلك الصباح في الدار التي يشغلها والتي هي مملوكة للحكومة بمنطقة العلوية ببغداد حين استلم اتصال هاتفي يخبره عن حركة غير طبيعية في معسكر أبو غريب فارتدى بدلته العسكرية التي ما كان يرتدي غيرها إلا لينام وكثير ما كان حسب ما قال متندرا ( ينام بالخاكي حتى لا يشرد به الحلم عن أداء الواجب بشكل رسمي ومنضبط بخدمة الثورة ) دخل عليه في تلك الأثناء طه الشيخ احمد ووصفي طاهر والمرافق الخفر المقدم قاسم الجنابي والمرافق المناوب المقدم حافظ علوان. اتصل الزعيم بمعسكر الرشيد وكان عازما للذهاب إليه فعدل عن تلك الفكرة بعد أن تعذر حصوله على جوابا من هناك في حين سمع الحاضرون أزيز طائرات حلقت في سماء بغداد تبعها أصوات انفجار قنابل باتجاه معسكر الرشيد فقرر الزعيم الذهاب إلى وزارة الدفاع عن طريق شارع الجمهورية وسارت المجموعة بذلك الاتجاه ووصلوا مقر وزارة الدفاع في الباب المعظم في الساعة التاسعة والنصف وبعد دقائق أغارت طائرة من نوع ميك 17 على بناية وزارة الدفاع مطلقة صاروخا وتبعتها طائرة أخرى من نوع هوكرهنتر أسقطت قنابلها على نفس الهدف و كان قائدا الطائرتين هما الخائبين منذر الونداوي و حردان التكريتي يغيران على الهدف الأساسي من تلك العمليات وهو مبنى وزارة الدفاع بعد أن قصفا معسكر الرشيد وقاعدته الجوية حيث تم حرق الطائرات الرابضة على المدرج وتدمير المطار بمساندة الطائرة التي يقودها العبد الخائب عارف عبد الرزاق.
- هي: متى بالضبط تم إعلان الانقلاب.
- أنا: في الساعة التاسعة والربع صباحا بدأت إذاعة نقالة أهداها للعبيد المنقلبون رئيس مصر العبد الذليل جمال العروبة الأكذوبة تبث عبر مرسلات أبو غريب التي تم احتلالها من قبل أولئك العبيد نشيد الله اكبر وأناشيد مصرية متنوعة تقطعها شعارات وسيل من الأكاذيب التي تتحدث عن إلقاء القبض على الحر وانتهاء المقاومة وغيرها من البيانات التي فعلت فعلها في تثبيط عزيمة المدافعين عن الحرية من البسطاء وكان من تلك الأكاذيب بيان رقم واحد الصادر عن ما اسماه الناطق به المجلس الوطني لقيادة الثورة الذي أعلن زورا وبهتانا وبكذب واضح اعتاد عليه العبيد منذ ألاف السنين ولحد الآن ( إن زمن الدكتاتورية الخائنة وزمرتها انتهى بعد أن سحقت كالجرذ تحت أنقاض وزارة الدفاع ) وتكرر إذاعة ذلك عدة مرات حتى قبل أن يصل الزعيم إلى وزارة الدفاع.
- هي: وبعد مما يتعلق بالهدف الرئيسي أي وزارة الدفاع.
- أنا: التحق بمقر وزارة الدفاع لاحقا الزعيم عبد الكريم الجده آمر الانضباط العسكري واخذ موقعه والمقدم سعيد مطر بجانب الحر في قيادة قوة وزارة الدفاع المتشكلة من عدد قليل من الضباط الخفر والمراتب والجنود الحرس والخفراء غير المسلحين ومجموعة الواجبات كمجموعة مقاومة الطائرات التي بدأت ترمي الطائرات الغائرة فيما اتصل الحر باللواء التاسع عشر المكلف بحماية بغداد وأجابه على الطرف الثاني العبد الذليل المقدم الركن طه الشكرجي وكانت جواب ذلك الإمعة كما هو طبعه سوء بالأدب ودناءة وانعدام للأخلاق مما أزعج الحر كثيرا وقرر الذهاب إلى اللواء التاسع عشر بنفسه ولكن تواصل قصف الطائرات منعه من الخروج من وزارة الدفاع حيث عاد إلى البناية بالخطوة السريعة صائحا بأعلى صوته ( خونه .. كل هذا ألذي يحصل بسبب النفط الذي حررناه في قانون 80 .. والكويت .. يريدونا عبيد ) ثم استدار رافعا يده إلى السماء التي راح يلملم فيها دخان اسود فيما بقت الثانية بلا حراك وهذا ما كانت عليه ومنذ أن أصابتها طلقة الغدر ومنذ الأشهر الأولى للثورة. وقال موجها كلامه لأحد مرافقيه ( بسرعة .. اجلبوا لي ملف قانون شركة النفط الوطنية حتى أوقعه وليذهب الاستعمار وعملائه إلى جهنم ). جلس في مكتبه المتواضع يتطلع عبر بابه المفتوحة نحو السماء في ذلك اليوم ألشتائي الدافئ على غير عاده وابتسم وهو يرى الدخان يتصاعد من بناية وزارة الدفاع المقصوفة لتوها. دخل مرافقه حاملا الملف المطلوب فأخذه الزعيم ووقع على القانون وهو يقول بصوت مسموع ( إلى جهنم يا أولاد الزنا يا مطايا الاستعمار.. نفط العراق للشعب وللعملاء الخزي والعار) اشتد القصف على وزارة الدفاع وبرغم ذلك تجمعت أعداد كثيرة من فقراء وصعاليك وكادحين أهالي بغداد أمام الوزارة يطلبون تزويدهم بالسلاح دفاعا عن الثورة وهم يهتفون ( بسم العامل والفلاح يا كريم انطينا سلاح ) حينها ظهر الزعيم لهم على منصة خشبية قرب الباب الرئيسية لمبنى الوزارة وهو يلوح بيده تحية مؤشرا بعلامة النصر وعلى محياه تلك الابتسامة الوديعة المطمئنة بحريتها.. حبيبتي عذرا سأكمل لك القصة بثقلها يوم غد لأني على موعد في مكتبة ألجامعه. ضعي تحت مكتبة الجامعة خطين أرجوك.

#صادق_الحر (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين	حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات