أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - طارق الحارس - العودة الى الجنة















المزيد.....

العودة الى الجنة


طارق الحارس

الحوار المتمدن-العدد: 884 - 2004 / 7 / 4 - 06:14
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


في بعض الأحيان يعجز اللسان عن وصف مشاعره اتجاه قضية معينة ربما تكون قضية بسيطة جدا، فكيف الحال والمشاعر حينما يتعلق الأمر بالعودة الى الوطن بعد غيبة طويلة والخروج منه مرة أخرى الى المنفى البعيد . هذا ما حصل معي منذ عودتي من بغداد الى هذا اليوم فقد أردت أن أكتب ، قبل أي شيء ، عن المشاعر التي انتابتني حينما دخلت السيارة التي أقلتني من سوريا الى أرض العراق ، عن المشاعر التي انتابتني منذ لحظة خروجي من هناك . وجدت نفسي أكتب أشياء عديدة وفي كل مرة أجدها لا تتناسب مع الوصف الحقيقي لمشاعري في تلك اللحظات ، لحظات دخول السيارة الى الأراضي العراقية ولحظات خروج السيارة من الحدود العراقية .
ستة أعوام مضت كأنها 60 عاما ، بل والله أكثر، تلك التي بعدت فيها عن الأهل والأحبة والأصدقاء ، عن بغداد حبيبتي ، عن شارع الرشيد ومقهى حسن عجمي ، عن شارع السعدون وسينماته ، عن الكاظمية ومرقد الامام موسى بن جعفر ( ع( ، عن حي البنوك وشقتي التي لا أنساها أبدا ، عن الأعظمية ورأس الحواش ، عن الكسرة ومقاهيها الصاحية حتى الصباح ، عن باب المعظم وكلية الآداب التي لها في القلب حسرة كبيرة ، عن الكريعات ومطاعمها الخلابة ، عن دجلة الخير وأبو نؤاسه وسمكه المسكوف ، عن جزيرة بغداد وأيام نادي السياحة ، عن ملعب الشعب وعربانة الفلافل والبيض المسلوق والطماطة والعمبة ، عن ملعب الكشافة وجمولي الواقف أمام بابه دائما وأبدا ، عن الثورة وملاعبها الجميلة وسوقها الكبير ( سوق مريدي ( عن النجف وكربلاء ، عن بابل والموصل وأربيل والبصرة ، عن الديوانية والكوت وكركوك ، عن العمارة ودهوك والسماوة ... عن العراق بلدي وأهلي وأحبتي وطفولتي وفرحي ودموعي وأئمتي وقبور أهلي .
اذن ، سأعود الى هناك ، الى الجنة التي حاول الشيطان أن يدمرها لولا عناية الباري عز وجل . سأعود الى هناك بعد غربة قاتلة ومدمرة ومعاناة البعد عنكم ... سأعود بقلبي الذي يحبكم ولازال ينبض بحبكم وبعيوني التي بكت دما من أجلكم .
سقطت دموعي حينما دخلت أرض الوطن . سقطت دموعي حينما دخلت دار أهلي . سقطت دموعي حينما التقيت باخوتي وأخواتي . سقطت دموعي حينما التقيت بأصدقائي وأقربائي . سقطت دموعي حينما تكحلت عيوني برؤية بغداد مرة أخرى . سقطت دموعي حينما دخلت ضريح الامام علي ) ع ( . سقطت دموعي بغزارة حينما زرت قبر أمي .
لقد استمعت بدموعي التي سقطت في وطني كلها ، لكن أكثرها كان استمتاعا تلك الدموع التي سقطت على قبر أمي .
أما عن المشاعر التي انتابتني لحظة خروجي من العراق فأستطيع أن أصفها بهذه الجملة :
يخرج الطفل من رحم أمه باكيا . هكذا شعرت بعد خروجي من العراق فقد خرجت باكيا كأنني خرجت من رحم أمي مرة أخرى .
السؤال الآن هو : متى أستطيع العودة الى رحم أمي مرة أخرى ؟
****************************
أثناء وجودي في العراق وسوريا سجلت في دفتر ملاحظاتي بعض السطور هي عبارة عن ملاحظات عشتها هناك وقررت أن أكتب عنها بعد عودتي الى استراليا ، منها ما كان واضحا جدا ومنها ماكان عبارة عن كلمات متفرقة أعترف الآن أنني كنت خائفا من أن تراها عين الرقيب التي لا تختلف عن عين رقيب النظام الصدامي . اليوم ، وبعد أن وصلت الى منفاي الآمن سأحاول أن أرتب هذه الملاحظات ، فضلا عن استعادة شريط ذكريات الأيام التي قضيتها في العراق وأضعها في هذه المقالة .
هاني وهيب سيحرر العراق من الأمريكان والعملاء
في بار من بارات دمشق يجلس مع أمثاله من المجرمين البعثيين ) أمين سر فرع وعضو شعبة وعضو فرقة (من الذين هربوا من العراق بعد أول اطلاقة خرجت من فوهة الدبابات الأمريكية التي دخلت بغداد ، وللأسف قبل أن يتمكن أبناء العراق من ركله على مؤخرته وعلى وجهه القبيح . يجلس هاني وهيب المجرم ، الجبان هناك وبعد أن يصل به المطاف الى منتصف بطل العرق وبعد أن تنزل شفته السفلى وتظهر أسنانه البشعة التي تشبه أسنان أرنب نجا للتو من مطاردة صعبة يبدأ بخطبته ( العصماء ) التي من المؤكد أنه يبدأها بتمجيد قائده الهمام ، البطل صدام حسين ثم يبدأ بشرح الخطة التي سيعود بها هذا القائد الهمام لقيادة الحزب والدولة من جديد بعد ذلك يبدأ بشتم الشيعة وينعتهم بالخونة الذين سلموا البلد للمحتل الأمريكي ثم يشتم الشهداء الذين تم اكتشاف رفاتهم في المقابر الجماعية ، وينعتهم بالقتلة والحرامية والايرانيين ، ولا ينتهي بشتم أعضاء مجلس الحكم والأحزاب ويصفهم بالعملاء والخونة ويتفاخر أن قائده العظيم كان قد أعدم الآلاف منهم بأروع طرق الاعدام وأحدثها ، أما حين يصل الى الفلوجة ، العظيمة، البطلة ،المقاومة فيكبر ثلاث مرات ويقرأ سورة الفاتحة على أرواح الشهداء منهم ( هنا يكون قد تجاوز نصف بطل العرق بكأس واحد وشفته السفلى قد نزلت وبدأ اللعاب يسيل منها بشكل يجبرك على التقيؤ الفوري ( .
تهديد بالقتل
كنا نتابع أخبار العراق من خلال قناة فضائية عربية وقد اشارت مذيعة النشرة الى أن جيش المهدي قد أقام استعراضا لقواته في مدينة الثورة ( مدينة الصدر ) وظهر على الشاشة جزء من هذا الاستعراض .
قلت : بدلا من هذا الاستعراض أليس الأفضل أن يقوم هؤلاء الشباب بمهمات أكثر نفعا مثل تنظيف مدينة الثورة التي سمعت أن الأنقاض فيها قد تجاوز الحد المعقول ، لا سيما أننا شعبنا ومللنا من استعراضات جيوش النظام السابق مثل الجيش الشعبي وجيش القدس وجيش فدائيو صدام .
شاطرني الرأي أغلب الأصدقاء ، لكن كان يجلس معنا شخص فهمت أنه مشجع من مشجعي فريق الشرطة العراقي وفهمت أيضا أنه محدود الثقافة .
قال هذا المشجع بعصبية : يبدو أن هذا الجيش لا يعجبك .
قلت له : ليس الأمر أنه يعجبني أو لا يعجبني ، لكنني أعتقد أن هذا الاستعراض لن ينفع شعبنا في هذه المرحلة ولا في المراحل القادمة ولن ينفع أهالي مدينة الثورة بالتحديد ، إذ نحن بحاجة الى العمل لبناء العراق ومثل هذه الاستعراضات لا تدخل في مجال البناء ، بل أجد أنها مجرد استعراض عضلات لا معنى له .
ازدادت عصبية هذا المشجع وقال : هذا جيش المهدي الذي سيحرر العراق من المحتلين والشخص الذي لا يعجبه هذا الجيش خائن ويستحق القتل !!!
الفلوجة
لا أريد في هذه الفقرة أن أكتب رأي بالأحداث التي جرت بالفلوجة قبل دخولي الى العراق ، لكنني أريد أن أشير الى أن هذه الأحداث قد ساهمت في تأخير دخولي الى العراق بعد أن تم غلق الحدود العراقية السورية من نقطة حدود الوليد لأكثر من عشرة ايام تقريبا . كانت هذه الأيام العشرة أشد وقعا وألما وغربة علي من السنوات الست التي قضيتها خارج العراق فقد كنت في لهفة كبيرة لدخولي بلدي ، لاسيما أنني قطعت آلاف الكيلومترات من استراليا الى سوريا ولم يتبق من المسافة التي تفصلني عن العراق الا مئات الكيلومترات وها هي أحداث الفلوجة تمنعني من الدخول الى بلدي .
شعرت في هذه الأيام أن الفلوجة تتقصدني في ما فعلته وتريد ان تمنعني من دخول بلدي ... بعد أن هدأت العاصفة ووصلت الى أهلي ترسخت الفكرة السابقة التي شعرت بها وأنا في سوريا فقد اتضح أن أحداث الفلوجة ليست ضدي حسب ، بل أنها ضد تطلعات أبناء العراق جميعهم .
القامشلي
صادف وجود فريق الشرطة لكرة القدم في دمشق خلال الأيام التي قضيتها هناك قبل دخولي الى العراق ، إذ التقيت أصدقائي من الرياضيين مثل يونس عبد علي وعماد هاشم ورياض سالم وعدنان جعفر وحكمت محمد نديم والمشجعين المعروفين قدوري ومهدي وغيرهم من لاعبي فريق الشرطة وقضيت معهم أوقاتا خففت عني شعور الغربة الكبير الذي داهمني في سوريا .
بعد أن طالت أيام انتظار فتح نقطة حدود الوليد قرر فريق الشرطة العودة الى العراق عبر نقطة حدود القامشلي ومنها الى مدينة الموصل بالرغم من أن السفر عبر هذه النقطة أطول بحوالي عشر ساعات .
طلب مني يونس عبد علي مدرب فريق الشرطة العودة معهم بدلا من انتظار فتح نقطة الوليد الحدودية فربما سيطول انتظاري دون فائدة ، لاسيما أنني شعرت بالقلق بعد سماعي لأنباء سيئة من أهلي لذا حملت حقائبي ووضعتها في باص فريق الشرطة المتوجه الى الجنة .

نهاية الجزء الأول
[email protected]



#طارق_الحارس (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حقوق محمد عبدالمنعم على الحكومة
- الحالة المعنوية
- لقطات قبل التوقيع وبعده
- مجزرة جديدة لن تكون الأخيرة
- المغفرة من أجل عيون الوطن
- عقدة الخوف من اللجنة الأولمبية
- لكن ، هناك العراق
- الأمان ولقمة العيش ثم الانتخابات
- أمن الملاعب الرياضية في خطر
- مقترحات في مسألة تنفيذ الحكم على صدام
- أمنيات كانت أحلام
- وجهة نظر
- أسير حرب أم مجرم حرب .. مسلة حمورابي كفيلة بمحاكمته
- أخيرا صدام سجينا
- تهنئة لأبناء الشعب العراقي
- مبروك
- غيمة سوداء لابد لها من أن تنقشع
- الثرى والثريا زهير كاظم عبود وسمير عبيد
- عيدكم مبارك يا أهل العراق
- مطعم حبايبنا - قاعدة أمريكية


المزيد.....




- ماذا قال الحوثيون عن الاحتجاجات المؤيدة للفلسطينيين في الجام ...
- شاهد: شبلان من نمور سومطرة في حديقة حيوان برلين يخضعان لأول ...
- الجيش الأميركي بدأ المهمة.. حقائق عن الرصيف البحري بنظام -جل ...
- فترة غريبة في السياسة الأميركية
- مسؤول أميركي: واشنطن ستعلن عن شراء أسلحة بقيمة 6 مليارات دول ...
- حرب غزة.. احتجاجات في عدد من الجامعات الأميركية
- واشنطن تنتقد تراجع الحريات في العراق
- ماكرون يهدد بعقوبات ضد المستوطنين -المذنبين بارتكاب عنف- في ...
- جامعة جنوب كاليفورنيا تلغي حفل التخرج بعد احتجاجات مناهضة لح ...
- إعلام: وفد مصري إلى تل أبيب وإسرائيل تقبل هدنة مؤقتة وانسحاب ...


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - طارق الحارس - العودة الى الجنة