أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم - نضال نعيسة - في جدل الغزو البدوي















المزيد.....

في جدل الغزو البدوي


نضال نعيسة
كاتب وإعلامي سوري ومقدم برامج سابق خارج سوريا(سوريا ممنوع من العمل)..

(Nedal Naisseh)


الحوار المتمدن-العدد: 2892 - 2010 / 1 / 18 - 11:24
المحور: اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم
    


تباهى أحد المعلقين الكرام، في معرض تعليقه على مقالنا الساخر بشأن الشروط الواجب توفرها لاختيار عاصمة عربية لثقافة الطلقاء، تباهى بانتمائه للأمويين، وبأنهم أنشئوا "حضارة ودولة و بناء أمة عظيمة، وفي تعريب الدواوين وفي ترجمة الكتب، وفي بناء جيش كبير، وفي توحيد بلاد شاسعة تحت مبدأ دولة واحدة أعقبها تفاعل إنساني هائل ساهمت فيه شعوب كثيرة، وفي تأسيس حكم الأندلس قاعدة الفكر الإنساني على مر العصور حيث ومن هناك مر الفكر اليوناني القديم عبر هذا الممر الإجباري الوحيد إلى أوربا...إلخ"، (انتهى الاقتباس). ولكن لم يقل لنا المعلق الكريم أن هذه الدولة التي يتباهى بها قد بدأت بمذبحة وقامت على آلام ودماء وأمن الغير، وانتهت، أيضاً، وكل الحمد والشكر له الذي لا يحمد على مكروه سواه، بمذبحة واستمرت على جبال من الجماجم وارتوت بأنهار من الدماء يبدو أنها لا تعني كثيراً أخينا الكريم، المهم، برأيه، أن أجداده البدو قد سادوا ومادوا، وساحوا وناحوا، وسرحوا ومرحوا، والثمن غير مهم البتة.

وبداية، لا نلوم أحداً في خياراته، ولا نعيب عليه انتماءاته فهذا حق وخيار شخصي ورغبة خاصة، حتى لو كان ذلك الانتماء للنازية والفاشية والدعوات العنصرية الأخرى، لكن ما يمكن القول للأخ الكريم هو أن لا أحداً أفضل من أحد من الناحية الأخلاقية وانتماؤه لهوية ما لا يجعله أفضل من غيره ومميز عن الآخرين. ثم يا أخي إن أحداً لم يطلب ولم يجبر أولئك البدو الغزاة على تجييش الجيوش وعلى غزو الشام والعراق ومصر وبقية دول المحيط والجوار ونهبها وسلبها وسبي نساءها وبيعهم علناً في أسواق النخاسة ووطئهم واعتبارهم جوار ومغانم حرب...إلخ، ونشر البدونة والقبلية والنزاعات والانقسامات التي جرّت على هذه الشعوب والأمم الويلات والخراب والدمار. والشعوب التي كانت تعيش ها هنا، يا صديقي العزيز، كانت تولد وتبدع الحضارات قبل مجيء البدو، وحضارات المنطقة العظيمة والمعروفة انتهت وانقرضت، فقط، وحتى اليوم لم يقم لها قائمة، عند مجيء البدو فقط، وكانت تلك الشعوب العظيمة والمبدعة المتحررة من ثقافة الطلقاء تتدبر أمرها وتنتج الحضارات وتعيش برخاء وسلام وأمان أيضاً قبيل مجيء الغزاة البدو إلى هذه الأمصار التي لم تعرف، وعلى عكس ما تقول، أي نوع من التقدم والازدهار وحياة الأمن والاطمئنان منذ مجيئهم وإلهاء الناس بفقه الحيض والنكاح وستر العورات ودخول وخروج الحكام، فهل لم يكن الناس يعرفون كيفية دخول الحمام، وفضاء حاجاتهم الطبيعية قبل مجيء البدو؟

وللعلم فإن الإمبراطورية العسكرية، وعلى مر التاريخ، تختلف كلياً عن مفهوم الدولة والأمة الواحدة ذات الكيان السياسي الواحد فوق رقعة جغرافية محددة كما يعرفها علم الاجتماع السياسي. ومن هنا، لا يمكن اعتبار أية إمبراطورية عسكرية أمة أو ودولة قائمة ومتماسكة وحقيقية بمفهوم الأمة الحديث، وهناك الكثير من الأمثلة في إمبراطورية الإسكندر المقدوني، والإغريقية، والعثمانية والسوفياتية، والأمريكية اليوم. هل نعتبر وصول الجيش الأمريكي للعراق، والفيليبين أن ذلك توحيداً للأمة الأمريكية أم أن هذه إمبراطورية ومحض انتشار وتوسع عسكري مصيره الزوال والانهيار؟

ثم لماذا لم يبن أولئك البدو صحراءهم وبلادهم ويعمرونها بدل الذهاب إلى بلدان الغير واحتلالها وإخضاعها بالسيف وإعمال القتل بسكانها؟ولذا لم تقم حضارة في أي يوم من الأيام وحتى الآن (لا تعتقدوا أن بناء برج دبي وأبراج المشيخات الأخرى بعرق وجهد وخبرة مهاجرين وعمال لا يتمتعون بأي قدر من الحقوق والأوضاع الإنسانية وهضم حقوقهم والتمييز العنصري ضدهم هو حضارة ورقي وفضل من الله) في تلك البلاد رغم أنها مهد الوحي كما يقال والمفترض أن تكون مميزة عن عيرها من بلاد العالم، وحتى اليوم لا يوجد فيها نبع ولا جدول ماء وهي أساس بناء وقيام الحضارات؟ لماذا لم ينعم الله عليها بجدول ماء واحد؟ أليس الأصل والأساس أن يبني الإنسان بلاده ويعمل على تنميتها وازدهارها بدل التفاخر بإعمار بلاد الغير، على حد زعمه؟ من طلب منهم أصلاً من شعوب العالم القديم احتلال بلده والتدخل بشؤونها وغزوها عسكرياً؟ وهل استأذنوا تلك الشعوب في الاحتلال، أم انقضوا عليهم في ليلة ليلاء بالسيف واستباحوا المدن والأمصار؟

هل هذا الأمر هو مدعاة للتباهي والتفاخر أم للخجل والصمت والانزواء والاعتذار؟ يطالبون بابا الفاتيكان بالاعتذار عن الحملات الصليبية، التي ندينها نحن باعتبارها احتلال وغزو وإخضاع وجرائم ضد الإنسانية، ولكن أخينا الكريم لا يعتذر لا هو ولا أي من "باباواته" عن غزو شعوب الجوار وتدمير حضاراتهم وإشعال نار الفتن الطائفية التي لا تهدأ ولا تكل ولا تمل فيها، لا بل يتمادى في التباهي باحتلال ما يسميها بالأندلس ويعتبر ذلك عملاً بطولياً وخارقاً ومقدساً يجب أن نحييه عليه؟ ما الفرق بين الحروب الصليبية والحروب البدوية من حيث الأساس، وكلتاهما كانتا باسم الله، وتسببت بالحروب والدماء والضحايا الأبرياء؟ لماذا التباهي بالحروب البدوية وإدانة الحروب الصليبية والطلب من البابا الاعتذار؟ لماذا لم يعتذر أي بابا من باباوات البدو حتى الآن عن الجرائم، التي سميت فتوحات في ثقافة الطلقاء، المرتكبة بحق الدول وشعوب الجوار؟ وإذا كان أخونا الكريم يتباهى بذلك العدوان البدوي والحروب الدينية، فمن حق الإسرائيلي، ومن حق الأمريكيـ والبريطاني، التباهي، إذن، باحتلال، فلسطين، والعراق، وأفغانستان، على التوالي، وكل على حدة، لاسيما أن المجرم بوش قال بأن الله أوحى له، وتصوروا، ويا لمحاسن الصدف الإيحائية، باحتلال العراق واليهودي، أيضاً، يعتبر قد عاد لأرض التوراة؟ ماذا يفرق هذا عن ذاك؟

ثم أن الدواوين، وإدارة الدول والحضارات وأقنية الري والمسارح الرومانية الباقية حتى اليوم وترجمة الكتب ليست اختراعاً ولا ابتكاراً بدوياً حصرياً، ومن قام بذلك هم الفرس في الحقيقة، وكان موجوداً قبل ظهور البدو على مسرح التاريخ، واستمر حتى اليوم، ولا تكاد تخلو مدينة سورية من وجود مسرح روماني، كانت تؤدى فيه أروع الإبداعات لهوميروس، والثالوث الإغريقي الشهير يوربيدوس واسخيلوس وسوفوكليس، في الوقت الذي لا يوجد فيه أي مسرح حتى اليوم في حواضر البدو في الخليج، ومازالت ثقافة الطلقاء تنظر بعين الريبة للإبداع وتعتبره بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار، وتعتبر المسرح والموسيقى والفن والشعر وكافة أنواع وأجناس الإبداع البشري والفلسفة رجساً من عمل الشيطان، فيجتنبوه وكل الحمد والشكر لله. وهل يستطيع الأخ الكريم الذي يتباهي باحتلال الأندلس ، أن يتصور ماذا ستكون عليه حالة هذا البلد فيما لو استمر البدو الغزاة باحتلاله ولو لم يتم طردهم بعدما أنشأ أمراء وملوك الطوائف أرث وأحط أنظمة الحكم البشرية المتناحرة فيما بينها؟ أعتقد أن حال الأندلس اليوم لن يكون أفضل بكثير من أي من إمارات الاستبداد الديني المشهورة عالمياً والمسماة زوراً وبهتاناً بدول عربية والتي لم تتحرر من مفاعيل وآثار الغزو البدوي، مثل الصومال، واليمن، والسودان، ومدن الملح في الخليج الفارسي، والعراق، ومصر والجزائر.

في الواقع، لقد كانت كل تلك المعارف والخبرات البشرية الإدارية والعملية موجودة للتو، ومعروفة ومتداولة وهي حصيلة لتراكم بشري هائل ساهمت فيه عدة حضارات، قبل ظهور البدو بوقت طويل، وإلا لماذا لم تعرفه الصحراء التي يتباهون بأنها من عبقريتهم ولم يطبقوها في صحرائهم، إذا كانت إبداعاً حصرياً بهم كما يزعمون، تلك الصحراء التي لم تعرف سوى الجفاف وقسوة الحياة التي أنتجت لنا هذا الفكر المتيبس القاحل المتحجر الجاف؟ ولماذا لم يعرفوها إلى أن خرجوا من صحرائهم وتعرفوا على حضارات الشعوب والأمم الراقية وقتذاك فيما كانوا يعيشون على القنص والغزو والرعي والترحل والتنقل بين هذا المضرب وذاك؟

باعتقادنا، ليس ثمة ما يدعو للفخر والاعتزاز والتباهي بالعدوان وبغزو، واحتلال بلدان الغير، وشن الحروب على الشعوب المسالمة، بل الأقرب للمنطق والعقل هو الخجل، والصمت، وربما، وإذا توفر قسط من الوعي والأخلاق واحترام الآخر والذات، هو التعبير عن الأسف، وتقديم الاعتذار.



#نضال_نعيسة (هاشتاغ)       Nedal_Naisseh#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- فرمان لاختيار عاصمة للثقافة العربية
- عربي سوري أم سوري عربي؟
- تركيا بين الأردوغانية والأتاتوركية
- الرد الأردوغاني المزلزل
- العهدة العمرية والوزير الفصيح
- سوريا وأمريكا والمعاملة بالمثل
- العريفي وتفسيق آيات الله
- همام البلوي: أيهما أجدى للمسلمين؟
- وانكشفت جميع العورات
- يوميات إعرابي بدوي في ديار الإيمان
- تجريم الخطاب الصحوي
- الاستخبارات الأمريكية من فشل لآخر
- المنظومة الفارسية: مدن صناعية ومعسكرات عمل
- هل سقطت دولة الخلافة فعلاً؟
- هل القاعدة تنظيم إيراني؟
- رسالة من جماعة القرضاوي
- آلهة العصر الحديث
- لماذا لا يقاطع القرضاوي، فعلاً، المسيحيين؟
- هل يسقط نظام الملالي في إيران؟
- جورج غالاوي يرد التحية للشيخ القرضاوي


المزيد.....




- وزير الدفاع الأميركي يجري مباحثات مع نظيره الإسرائيلي
- مدير الـ -سي آي إيه-: -داعش- الجهة الوحيدة المسؤولة عن هجوم ...
- البابا تواضروس الثاني يحذر من مخاطر زواج الأقارب ويتحدث عن إ ...
- كوليبا: لا توجد لدينا خطة بديلة في حال غياب المساعدات الأمري ...
- بعد الفيتو الأمريكي.. الجزائر تعلن أنها ستعود بقوة لطرح العض ...
- السلاح النووي الإيراني.. غموض ومخاوف تعود للواجهة بعد الهجوم ...
- وزير الدفاع الأميركي يحري مباحثات مع نظيره الإسرائيلي
- مدير الاستخبارات الأمريكية يحذر: أوكرانيا قد تضطر إلى الاستس ...
- -حماس-: الولايات المتحدة تؤكد باستخدام -الفيتو- وقوفها ضد شع ...
- دراسة ضخمة: جينات القوة قد تحمي من الأمراض والموت المبكر


المزيد.....

- يسار 2023 .. مواجهة اليمين المتطرف والتضامن مع نضال الشعب ال ... / رشيد غويلب
- من الأوروشيوعية إلى المشاركة في الحكومات البرجوازية / دلير زنكنة
- تنازلات الراسمالية الأميركية للعمال و الفقراء بسبب وجود الإت ... / دلير زنكنة
- تنازلات الراسمالية الأميركية للعمال و الفقراء بسبب وجود الإت ... / دلير زنكنة
- عَمَّا يسمى -المنصة العالمية المناهضة للإمبريالية- و تموضعها ... / الحزب الشيوعي اليوناني
- الازمة المتعددة والتحديات التي تواجه اليسار * / رشيد غويلب
- سلافوي جيجيك، مهرج بلاط الرأسمالية / دلير زنكنة
- أبناء -ناصر- يلقنون البروفيسور الصهيوني درسا في جامعة ادنبره / سمير الأمير
- فريدريك إنجلس والعلوم الحديثة / دلير زنكنة
- فريدريك إنجلس . باحثا وثوريا / دلير زنكنة


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم - نضال نعيسة - في جدل الغزو البدوي