أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نعمة السوداني - قرأة نقدية نعمة السوداني : لعرض الكيروغراف مهند رشيد ( الحداد )















المزيد.....


قرأة نقدية نعمة السوداني : لعرض الكيروغراف مهند رشيد ( الحداد )


نعمة السوداني

الحوار المتمدن-العدد: 2877 - 2010 / 1 / 3 - 23:11
المحور: الادب والفن
    


الكوريغراف العراقي الفنان مهند رشيد من المحلية الى العالمية


قرأة نقدية
نعمة السوداني
هولندا


الحداد : عرض كوريغرافيا

اعداد ..اخراج ...سينوغرافيا الفنان العراقي مهند رشيد المقيم في هولندا ....

ساهم في تقديم العرض مجموعة من الراقصات الهولنديات ....
التقنيات والمونتاج الموسيقي والانارة والمكياج تمت من قبل فريق فني من هولندا منهم :

(Rob Scheeren ,Kay Krijnen....philip Glass, Thomas Newmann ,abdul baset Doron lenferink , Iva lesic. ............................................


قدم هذا العرض الفني الراقص في العديد من المدن الهولندية , امستردام , روتردام, خروننجن , اوترخت .... ضمن احتفالية كبيرة ساهمت فيها بلدان عديدة من الشرق الاوسط مصر,فلسطين,ايران, العراق ,لبنان , المغرب , سوريا , والاردن تحت عنوان :
Dancing on the Edge 2009
Theatre and dance from the Middle – East



الكوريغراف:
فن تصميم الرقصات .. يجسد هذا العمل وفق افكار تطرح من قبل (المصمم الفني ) و يعتمد فيها على كل ما يحدث من - حركات فنية راقصة تشكيلية في فضاء العرض - لأنه المسؤول الاول عنها في تقديم و تنظيم الجو العام في ذلك الفضاء بكل مكوناته عبر لوحات فنية تقدم للمتفرج كنص بصري ممتع يحمل الاثارة والتشويق.

ومن الصعوبة بمكان التحدث عن فن تصميم الرقصات الكوريغرافيا -- هذا الفن الذي يتحتم فيه على ( مصمم الرقصات ) والتشكيلات الحركية المتعددة الغير متكررة وأن يكون مسؤولا عن تنظيم العلاقات التي تتشابك فيها الاجساد اثناء العرض في ذلك المكان الذي يقدم فيه لوحاته الفنية بكل مكوناته -- من دون ان يكون ملما في كل تفاصيل العمل ومنها تحديدا:
سينوغرافيا العرض ومكوناته ابتداء بالايقاع و بالمكياج والموسيقى الاضاءة الديكور جسد الممثل و تقنياته والازياء والالوان المتعددة التي تعتبر مهمة جدا بالاضافة الى ما يكتنف عرض الكوريغراف من الحركات المنمطة حسب نوع الشخصيات و من أنتقالات فنية من حال الى اخر , ومن شكل الى اخر بسبب ان هذه المكونات تعطي دلالات فنية يتبلور فيها الشكل الجمالي لهذا المنتوج الفني الراقص الساحر, اي هنا تبرز اهمية بالغة تتعلق بكيفية التعامل بين العلاقات المتشابكة بين الاجساد التي نراها تتلوى وتتصارع , تتلاقى وتتبتعد وتتنافر ... الى اخره من اوضاع وتشكيلات وبالتالي فانها تقدم منتوجها الاشاري والدلالي عبر خطابها الفني الراقص المليء بالحركات المرمزة والمشفرة على خشبة المسرح وامام الجمهور كمادة غنية فنية مؤثرة حقا وممتعة ايضا .

الكينتوغراف :
ان فن كتابة حركات الرقص وتدوينها ليس بالامر السهل على الاطلاق ايضا لكونها تعتمد في ذلك على جهد وتركيز من قبل المؤلف الموسيقي وثقافته الموسيقيه لكي يتمكن من صنع رقصات متنوعة ومختلفة..لان الحركات الراقصة تعتمد على موسيقى وايقاعات مختلفه فمنها رقصات للجوقة ورقصات لفئة صغيرة وكبيرة وانفرادية وهكذا,, اذن لابد من دراية وفهم عال لما يكتب في فن ( كتابة الحركة الراقصة ) ولما يقدم عبر هذا التجسيد لهذه الحركات بتناسق وتناغم مفعم مع ضرورة ضبط الايقاعات والموسيقى المصاحبة لكل حركة اي اللحاق بالمسافة الزمنية بين الحركة والحركة على طول فترة العرض من دون ان يكون خلل.. بالاضافة الى عدم خلق حالة من الملل والسأم الذي قد يلحق بالمتفرج او العين المتابعة الى تلك اللوحات الراقصة ....
وقد ارتبطت اهمية تدوين هذه الرقصات او الحركات التي ترتبط في العلاقات الاجتماعية المتصارعة عبر طقوس خاصة للشعوب عبر التاريخ كما في الحضارات القديمة ,عندما ارتبط الرقص بالطقوس الدينية وعرفناها من خلال ماهو مدون لهذه الحركات على جدران المعابد والكهوف و بأوضاع مختلفة للرقص وحركاته بأشاراته وعلاماته ... ثم قدمت هذه الرقصات بروامز مختلفة وعلامات اعتمدت على الحروف او الرسوم التخطيطية للحركة مثلما هو معمول في تدوين الموسيقى بالنوتات ...

ان عناصر مثل الرقص والغناء والايماء انما هي شكل من اشكال عناصر المسرح وبالتالي تعطينا حكاية يريد بها ( المخرج ) المتمكن ان يستطيع ان يوصل الفكرة على شكل لوحات راقصة تتمتع بسطوح فنية ذات جمالية عالية , بمقاطع حوارية راقصة تبث من خلال صورة بصرية اي ترجمة نص مكتوب الى نص بصري راقص - حركي بمصاحبة الالات الايقاعية والموسيقى المختلفة والمؤثرات الصوتية الخاصة لمثل هذه ( الحكايات وما يدور فيها ) عبر الخط الدرامي المرسوم وما يحتوي من صراعات .. كل هذا يقدم وفق ما يؤديه الراقصون بالحركة الممشوقة والمحسوبة لتقديم النص عبر مفرداته التي تنبع من اجساد رشيقة ( أي أستخدام سينوغرافيا الجسد )..أجساد مرنة متدربة بشكل يليق بالتقديم , وبالتالي ياخذ العمل الفني هذا او اللوحات الراقصة المرتبطة بعضها البعض طابع التشويق على اعتبار ان (الصورة ) هي تمثيل لذلك التشكيل الحركي والثابت والمفهوم الدلالي للفكرة وانها تحمل المضمون والكتلة والخط والمعنى والمرمى واللون ...بالاضافة الى كونها تحتوي الزمان والاشارة ايضا الى المكان وهي اسلوب له علاقة بالفنون التشكيلية والشعر والخيال ..

الحداد : Mourning

سينوغرافيا العرض :
بعد تجربة العمل الراقص الكوريغراف ( بكاء أمي ) والذي قدم ايضا في اغلب المدن الاوربية
اليوم يطل علينا الفنان المبدع مهند رشيد بعمل اخر جديد يحمل عنوان: MOURNING: (الفجيعة او الحداد ) . وقد عمل على تصميم الرقصات والتشكيلات الفنية الحركية للعمل بجهود واضحة , اذ أستطاع ان يجسد دراما حياتية على خشبة المسرح دون ان يمر بالمباشرة او التقريرية انما قدم لنا سطوح للوحات فنية تتميز بالابداع الفني المتقن والجهد القائم على متابعة كل حركة تجمع ماهو رقص ديني ورقص شعبي ... ولكن من نافذة الحزن الشديد ( التراجيديا ) وكأنه يصف لنا حال مأساوية كما :( الطير الذي يرقص مذبوحا من شدة الألم ) وبالتالي يعطينا شكلا جديدا ونموذجا جديدا في مجال فن الكوريغرافيا وبعمل يكاد يكون اول مرة يطرق في هذا المجال ...

يبحث الفنان مهند رشيد في عرضه الراقص هذا الموسوم بالحزن العراقي الشفاف والاصيل المتجذر منذ ان طل علينا التاريخ البشري في مرثية اور واكد وسومر وبابل واشور وبغداد و ليومنا هذا.
هذا الحزن الشفاف الذي عبر عنه في لوحات فنية متداخلة غير منفصلة بل انها مرتبطة ببعضها البعض كالبنيان المرصوص يجسد فيها لحظات أي (مسافات زمنية ) من التأمل لعمق المصيبة بالحزن مستخدما عوالم الضوء الذي يضيف طاقة تبهر العين ,علاقات لونية تمتد في فضاءات العرض ملونه بلون الحزن العراقي وباختلاف المناطق اللونية والدرجات ... فالوان مثل :الاسود الذي يؤكد عمق المأساة..والرصاصي والازرق الشفاف والبرتقالي الذي بدى و كأنه التراب الذي (ترش به الام العراقية نفسها ) حينما تسمع بالفجيعة قد حلت بها وهي تودع ذاك الجسد الفاني... نعم التراب بعينه يختلط بالبكاء والعويل ...الوان تتساقط من اعلى المسرح بلون الارض ولون الموت .. تفرش لنا خشبة المسرح وترسم لنا حزنا عراقيا لم يكن له مثيل على المعمورة فيمتلىء الفضاء خشوعا ورهبة ..
ثمت لحظات حتى تداهمك المؤثرات الصوتية المتمثلة في مايسمى ب( النعي )أو ( النعاوي) في المفهوم الشعبي العراقي , المنسابة عبر صوت أم عراقية مفجوعة وهي تنحب وتنعي ابنها الفقيد بمأثورات شعرية شعبية باكية في مجالس العزاء تدمي النفس .. ومن منا لم يسمع ذلك الصوت الشجي الذي يبكينا ويدمي قلوبنا ونحن نفقد عزيزا علينا ؟؟؟
نواح يستمر لمدة سبعة دقائق كانت الام تعبر فيه بشجن وألم وحزن صادق وشفاف و أصيل وهي تنوح فقيدها (تنعي بالمفردة العامة الشعبية العراقية وجمعها نعاوي كلام + صوت يصاحبها بكاء متقطع بحشرجات وانين وبصوت حزين وباكي وهي تحاوره ) لماذا غادرها وهي لازالت على قيد الحياة وهي التي تحتاجه و تريده يوم الكبر في السن و يوم العوز فتبكيه بالطريقة العراقية :

ردتك ماردت دنيه ولامال .. ردتك تعدل الحمل لو مال .ردتك العازات الزمان ... وردتك الي هيبه او ناموس الى اخره ....

لقد كان استخدام هذا الصوت في غاية من التكامل في اللوحات التي بدت تاخذ شكلها في التصاعد الدرامي منذ بداية الاستهلال و المشهد الافتتاحي مرورا بالتعقيدات والتحولات وصولا الى نقطة ( الذروة ) اختزل اللوحات في طبقات صوت هذه المرأة الشجي وهي تقدم الشكوى الانسانية في الموت المستمر ...

لقد تطرق مخرج العمل بتصميمه للرقصات هذه عبر مهارته الفائقة التي طرح بها موضوعة الحزن العراقي الاصيل النادر لهذه الأم حينما استعرض لنا لوحات ذات هدف واضح تتميز بما تحتوي , لقد كان تجريديا في لحظات وواقعيا في لحظات ورمزيا في لحظات , لوحات فنية تصور (الفجيعة) العراقية .. لوحات انتهت بعد العرض ... لكنها لم تكتمل ... لان الموت لازال فينا والنسوة العراقيات هن خير من يعبر عن ذلك الفقدان والفجيعة والحزن . هناك ملاحظة مهمة كانت المشاهد او اللوحات تحمل الطابع التأملي وتولد اللوحة في رحم اللوحة الاخرى تبعا للتامل الكبير الذي ساهم للانتقال من عمق اللحظة الى اللحظة القادمة او الرقصة القادمة ..

هذا العمل يحمل في طياته اصالة واضحة لجهود كبيرة لفنان تشكيلي منتج لافكار موجودة في داخله في جوانياته مثلما قال ... وقد كشف لنا هذه النماذج التي هي ايضا كشفت لنا عن نفسها وهي تتوالد افكارها بخيالات ابداعية امام عين المتفرج ...
ومن مهم القول انه صنع عمله بوسائل وعناصر مختلفة من الطبيعة , انه مساهم في عملية خلق ..لأن الاحداث الجارية في العراق وأثرها على اساليب الفنان المؤمن بالعراق واضحة وجلية في اعماله ... انه صانع متمكن في عمله .. و ( أسطى مثلما يقول المثل الشعبي في عمله ).
لوحات مهند رشيد الفنية الراقصة شملت في عمق جماليتها على الشكل والدلالة والتعبير والتوصيل ,, وفي الحقيقة اننا لسنا امام لوحات راقصة عادية انما امام لوحات فنية راقصة عالمية متكونه من خطوط والوان مثلثات ودوائر ومربعات ومستطيلات تحتوي الرمزية والتعبيرية ومع كل هذا الكم الكبير من اللوحات الراقصة لم يقدم لنا شئ مباشر ,, انما هناك محاكاة حقيقية للواقع غير مباشرة .هناك خط درامي متصاعد ..لوحات فنية راقصة اثارت فينا اسئلة عبر صرخات الرؤية البصرية عن حال المرأة العراقية وهي تحتضن الموت وتودعه وتنتحب على العزيز بكل ما لديها من قوة ...لوحات استوعبت عين المتفرج حقا ..
والعمل يستند على تكييف خيالات تمتد عبر جسورالابداع في جمال الرقص والتناسق في الايقاع وفي بناء معماري اعطى قوة كبيرة لوجود الفعل او الثيمة في لوحاته ..

و من طبيعة (الخطاب المرئي ) أن يقدم عبر قنواة مهمة جدا مثل الحركة/ الايماءة/ الالوان الاصوات /اي نقول السينوغرافيا/ ,ومن خلال الاداء الايمائي الذي يوصل للمتفرج عبر وظيفة الاتصال اي بمعنى اخر ايصال المعلومة بمعنى متكامل,هذه الحركات الراقصة تعطينا علامات ودلالات بصرية تلعب دورا مهما في عملية (التواصل ) اي بين الارسال والاستلام ونقل ماهو يعتبر (المضمون ) الى المتفرج لان كل الحركات التي قدمها المخرج الكيروغراف مهند رشيد تعتمد نظم حركية دلالية اي نستطيع ان نقول النص الحركي الذي اعتمده بالاضافة الى الانفعالات المتصاعدة حسب ايقاع العرض التي حدثت اثناء القديم والتي اضافة للمتفرج المتعة والجمالية واداء رفيع المستوى وهي حالات من الحزن !!!!!

نساء مهند رشيد في التعبير والرقص :

الراقصات العشر اللواتي قدمن العمل الذي يجمع بين الرقص والتمثيل وهن يتمتعن بطاقات خاصة اكدن فيها على التعبير والتجسيد لحالات الفجيعة وكأنهن نساء عراقيات ( كل الراقصات هن لسن بعراقيات ) انما هن من هولندا ومن اصول مختلفة ... وبالتالي هنا يأتي نجاح المخرج الذي عمل وبشكل لايصدق على ترجمة مشاعر الام العراقية اولا على اعتبار انه رجل وهو صاحب الافكار وكتابة المادة !! وثانيا حينما عمل على نقل (مشاعر الحزن العراقي الاصيل ) التي هي جزء لايتجزء من تكوين الشخصية العراقية وتحديدا ( النساء ) الى نساء اجنبيات يمثلن دور الام والاخت والزوجة العراقية .. وهذه سابقة لم يقدمها مخرج من قبل في مجال (الكوريغراف ) ...بالاضافة الى ان كل العناصر الفنية والتقنية التي عملت في الاضاءة والموسيقى وترجمة السينوغرافيا هي ايضا من كاست مختلف متعدد اللغات .

ولابد من الاشارة الى ان هناك في المسرح العالمي من عمل منذ السبعينيات على تقديم اعمال تحمل لغة مشتركة عالمية كما لدى المخرج البريطاني العظيم بيتر بروك ..والذي لابد ان نشير اليه في هذا المجال و الذي يعتبر من ابرز الشخصيات في عالمنا المعاصر وهوالذي استوعب نظريات عديدة في تكوين الممثل وتقديم فرجة سينوغرافية متكاملة عندما استخدم العديد من الممثلين من مختلف انحاء العالم في اعماله كما في (الماهابهاراتا ) وقد اعتمد على لغة مسرحية عالمية مشتركة... وهنا في هذا العمل ( الحداد ) اشتغل المخرج مهند رشيد على هذه الثيمة المهمة في فن الكوريغراف واستفاد من هذه التجربة المسرحية العملاقة للعالمي بيتر بروك...

التواصل :

وبهذا التفعيل ربما اراد المخرج مهند رشيد في هذا العرض ( الحداد ) العمل على تلك الخطوات ...ولكن في مجال تصميم الرقصات ولأن هذا الفن يتصف ايضا بالحركة والديناميكية التي تتوالد من رحم المشاهد والاحداث امام المتفرج وهي ضمن منظومة سمعية بصرية فبالتالي ستنتج لنا صورتين في تفعيل الراقصات عبر ادائهن وتجسيدهن للنص عبر الية الارسال وعبر استيعاب النص والحركة في الية التلقي عند المتفرج وهي قضية التواصل ...وكما هو معلوم ان نوع - العلاقات الجمالية - في فن الرقص تكون محددة لكونه فنا مستقلا , و لكون هذه العلاقات تقوم على فن الرقص الذي يقدمه الفنان ويستقبله المتفرج من احساس لما فيها من متعة ولذة جمالية بسبب اعتماد هذا الفن على الحركة التي تعتبر من الاساسيات المهمة وهي تعبر عن افكار حسيه موضوعية.
ان فن الرقص هو فن تركيبي تجتمع فيه الموسيقى والايقاعات والاغاني الى اخره من اصوات و يقدم في المناسبات العامة او الخاصة ويعتمد في ذلك على الحركة الجميلة والخطوة والقفزة والالتفاته كل هذا في لحظات مع تناسق في الايقاعات المنتظمة لكل واحدة منها تتساوق مع المضمون والشكل التعبيري الخاص لها ....

الايقاع والموسيقى :

اعتمد الفنان مهند رشيد على الرقص الجماعي وفي اشكال متعددة وعلى الموسيقى الصوفية المتنوعة وهي موسيقى ذات طعم خاص وموسيقى ايقاعية ولعب الصوت البشري دورا مهما فيها وقد خلق لنا انساق سمعية مؤثرة عبر استثماره للقدرة التعبيرية للصوت الحزين (النعاوي العراقية ) من اجل تحقيق مناخ لحالات شعورية مختلفة تؤثر بشكل سريع على المتفرج ..

الحداد او الفجيعة او الحزن او مجلس العزاء اسماء متعددة لحالة واحدة من التوحد الروحي
بين المرأة العراقية (الأم الأخت الزوجة الأبنة ) ... و(الجسد المسجى في باحة البيت او مايسمى الحوش )... و (بين عواطف بشرية انثوية ) جياشة تعبر عن عمق المأساة التي حلت بالمجتمع عبر التاريخ منذ فجر التاريخ كما اشرت الى ذلك سابقا منذ أور وسومر وبابل وليومنا هذا في عراقنا الحالي لتستقر في بغداد والمدن الاخرى....
في هذا العرض المثير للغاية الذي يقدم لنا حكاية ( تراجيديا ) مأساوية نرى تألق المخرج وهو يضع بصمته فوق هذا العمل الدرامي .. حيث كان موفقا في انتقائه المنظم والمعقول لادوات أو (متريال ) العرض دونما يوجد هناك اي عنصر فيها ليس ضروري..

* حينما وضع لنا الجنازة وسط المسرح وكأنه البيت وتحيط بها من اربعة اضلاع مفروشات من السجاد لجلوس النساء وهن يبكين الميت .. ويرتدين ازياء سوداء خاصه محاطات براوائح البخور والصمت ...
بجانب الجسد المسجى على الارض امرأة تنظر اليه النظرة الاخيرة ( الوداع الاخير ) ورائحة البخور قد افاضت المكان بكامله حتى خرجت الى خارج مكان العرض وهي تستقبل الجمهوروقد امتزجت هذه الرائحة باصوات متعددة لتلاوة القران الكريم (سورة ياسين ) تلاوة بعيدة واخرى قريبة وكأن الموت ينتشر في كل مكان , حتى يكاد يترك مكان العرض الى الخارج وهذه دلالة واضحة على عمق وحجم المأساة , وكانها في كل مكان من العراق .. والمخرج هنا اراد ان يقول لنا وللعالم حقيقة مهمة ان هذه هي نتائج الحرب والانفجارات والقتل والموت الذي يدق فينا يوميا لماذا ؟؟ انها الفجيعة وحيثما يكون الموت في العراق هناك مجالس للعزاء متعددة .... وهو هنا يقدم نموذجا واحدا منها ؟؟؟؟.

* ومن اللوحات المهمة عملية مواراة الميت في الارض ومن ثم دفنه ورمي التراب عليه كانت غاية من التأثر و الرائعة جدا ...
* ثم لوحة تمثل الصلاة على الميت .. ثم الانسحاب والعودة من مراسيم الدفن.. لتبدء بعد ذلك (لوحات فيها اثارة الى لوحات اكثر اثارة ) متعددة قدمت بتقنيات عاليه ليفتح لنا بابا اخرا من العزاء وهذا عرفا قائما في الجنوب العراقي يسمى شعبيا ( الملاجات ) حينما تتقدم مجموعة من النسوة وعلى بعد ومسافة معينة من مكان البيت ويبدئن في شد اوساطهن بأحزمة وليشكلن جوقة تقودهن فيها ( امرأةكبيرة ) ومن ثم يبدءن في نشاط انساني ذو فاعلية مؤلمة ... تعبر فيها الجوقة عن اللطم على الخدود والبكاء والعويل ورمي التراب او الطين على الرؤوس الى اخره من حركات تقشعر لها الابدان ....

* اثناء العرض تجد نفسك انك في مأتم حقيقي فعلا .انك في عزاء عراقي.. كان هذا بفعل السينوغرافيا وتوظيفها بشكل رائع ...

اما نساء مهند رشيد الهولنديات فكان لهن دور اخر في تجسيد هذه الماساة العراقية وعلى اعتبارهن من ثقافات مختلفة ومتعددة كان هناك تلاقحا حقيقيا في عمق المأساة والعمل على ترسيخ المشاعر وانتقالها لهن بشكل لايوصف ..وهذي براعة مشهودة للفنان المخرج...
حقيقة ان تلاقح الثقافات الذي عمل عليه المخرج الكوريغرافي - مهند رشيد - انما هو فهم يعتبر اكثر انسجاما وعالمية وتوافقا وبالتالي يعتبر هذا العمل من الاعمال التي تحمل الهم العراقي او العربي اي اكثر من ثقافة وعلى اعتباره جهد توثيقي لما يدور في العالم العربي والعراقي سار عبر صوت المرأة...
لقد جسد العمل الجذور الحقيقية للثقافة العراقية عبر تراكمات الحزن والفجيعة وانا هنا ارى انها نقطة تحول او علامة بارزة في اعمال هذا المخرج الشاب ..لانه حشد العديد من الفنيين والتقنيين من هولندا بالاضافة الى الراقصات الهولنديات... وتم توزيع العمل على الجميع.. انه حقا حفلا مؤثر وحزين , وبالتالي فانه يسجل حضورا يعطي قيمة فنية تعبر عن تصور وموقف لهذه الحالة من الحزن .



#نعمة_السوداني (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- بغداد في امستردام
- الممثل بين التمثيل والاداء المسرحي في نافذة على المسرح
- حوار
- نافذه على المسرح
- مهرجان روتردام للسينما العربية
- قرأة نقدية لفيلم بصرة
- تركت الهوى
- ملعب الكشافة ... وداعا عمو بابا
- وداعا قاسم محمد
- رسالة الى معالي السيد رئيس الوزراء بيوم المسرح العالمي
- أحتلال التواريخ
- احتلال التواريخ
- مقهى بغداد في مهرجان الموسم في بلجيكا
- حينما ... جمهورية الذاكرة
- سارق البصائر
- الفنان ستار الساعدي نموذجا ً
- قراءة في مسرحية نقطة العودة
- ريتشارد الثالث في امستردام
- دلالات خارطة الجسد
- حكاية ظلي


المزيد.....




- مصر.. الفنان بيومي فؤاد يدخل في نوبة بكاء ويوجه رسالة للفنان ...
- الذكاء الاصطناعي يعيد إحياء صورة فنان راحل شهير في أحد الأفل ...
- فعالية بمشاركة أوباما وكلينتون تجمع 25 مليون دولار لصالح حمل ...
- -سينما من أجل غزة- تنظم مزادا لجمع المساعدات الطبية للشعب ال ...
- مشهور سعودي يوضح سبب رفضه التصوير مع الفنانة ياسمين صبري.. م ...
- NOW.. مسلسل قيامة عثمان الحلقة 154 مترجمة عبر فيديو لاروزا
- لماذا تجعلنا بعض أنواع الموسيقى نرغب في الرقص؟
- فنان سعودي شهير يعلق على مشهد قديم له في مسلسل باللهجة المصر ...
- هاجس البقاء.. المؤسسة العلمية الإسرائيلية تئن من المقاطعة وا ...
- فنانة لبنانية شهيرة تكشف عن خسارة منزلها وجميع أموالها التي ...


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نعمة السوداني - قرأة نقدية نعمة السوداني : لعرض الكيروغراف مهند رشيد ( الحداد )