أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - حسين الهنداوي - تهافت المشروع البعثي للتطور (1968-2003)















المزيد.....



تهافت المشروع البعثي للتطور (1968-2003)


حسين الهنداوي

الحوار المتمدن-العدد: 2870 - 2009 / 12 / 27 - 01:22
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    



اذا أخذناه كمجرد مشروع على الورق، يبدو المشروع البعثي للتطور وعداً مغرياً لاسيما وانه وصف نفسه دائماً وبعنف كمشروع قومي وطني اشتراكي وتحرري. الا ان هذا الوعد ليس في واقعه العملي إلا وهماً كما أن التوصيف المذكور لم يتجاوز بعده اللفظي الانشائي المحض، فيما أظهر الواقع الملموس وعلى ضوء التجربة التاريخية المحققة ان المشروع البعثي للتطور لم يكن الا المشروع الأكمل والأسرع في تدمير امكانيات التطور الفعلية والكامنة للبلاد، وبالتالي في تدمير أي نزوع شعبي نحو تحقيق الاستقلال الوطني والتقدم الاقتصادي والتحرر والسير الفعلي نحو أي نوع من الازدهار، سواء الاشتراكي او الرأسمالي او غيرها على حد سواء.

ويعزز هذا الاستنتاج كون هذا المشروع اسفر عن ازدهار طبقة من الطفيليات الاجتماعية المتسربة من مختلف الطبقات الاجتماعية لتشكل في صفقة شوهاء في ما بينها فئة شبه تجارية جديدة ذات اصول ريفية حديثة في الغالب متخصصة في نشر العسكرتارية والمحسوبيات والفساد والمديح الاعلامي الى جانب القمع والتهريب كبضائع بذاتها. وهكذا، فالدولة البعثية في العراق لم تكن دولة لطائفة او اقلية معينة، انما هي دولة طفيلية بذاتها ولدت كنتيجة لقضاء النظام البعثي على البرجوازيات المدينية القديمة وتصفية المنظمات الشعبية واليسار التاريخي من جهة، ولبروز فئات وسطى جديدة في الريف والمدينة نصف أمية وشرهة بفضل فرص الإثراء السريع التي وفرها لها القمع البعثي العام للمجتمع.

ان اولئك الذين اطلعوا على كتاب «العراق وسوريا – 1960/1980» للمفكر الاقتصادي المصري سمير امين قليلون جداً ربما الا انهم يعرفون ان هذا الاستناج ليس غريبا بذاته. فهذا الكتاب الذي اكتمل تأليفه قبل بدء الحرب العراقية- الايرانية بقليل ونشرته بالفرنسية دار "منوي" قبل ربع قرن، تعرض الى ما يشبه النسيان حتى في فرنسا على الرغم، وربما بسبب، من كون الكتاب دراسة اقتصادية علمية محضة، وعلى الرغم من كون المؤلف يحتل مكانة رفيعة في ميدان الفكر الاقتصادي العالمي المعاصر. فهو صاحب نظرية "رأسمالية المركز والمحيط" التي تعتبر، حتى في الاوساط الرافضة لها، اهم نظرية في تفسير الطبيعة المشوهة للتطور الاقتصادي في بلدان العالم الثالث في القرن العشرين لا سيما تلك البلدان الغنية بالطاقات البشرية والثروات الطبيعية والمكانة الاستراتيجية والتاريخ اللامع وبكل ما من شأنه تحقيق تطور اقتصادي متين وشامل ومستديم في النصف الثاني من القرن العشرين كالعراق خاصة.

ان جوهر التفسير الذي تقترحه تلك النظرية ونتبناه هو، بكلمة، ان المشروع البعثي للتطور الاقتصادي لم يؤد في واقع الحال سوى الى ربط العراق اكثر فاكثر بدول المركز الرأسمالي الغربي في علاقة تبعية محضة تنسجم كل الانسجام مع الآلية الرأسمالية العالمية والتوزيع الدولي للعمل والثروات والادوار. بمعنى اخر ان هذا التفسير يقف ضد ويفنّد، النظرية المعروفة باسم "التطور اللارأسمالي" التي فبركها الموظفون الايديولوجيون الكسالى التابعون للحزب الشيوعي السوفييتي وتبناها الاخير رسمياً منذ مؤتمره العشرين (في 1956) ليبرر عبرها تحالفاته مع اكثر الانظمة دموية وفساداً وتبعية في العالم الثالث كنظام البعث العراقي. واذا كانت نظرية "التطور اللارأسمالي" قد سقطت الآن مع سقوط واضعيها، وسمير امين من القلة الاوائل الذين بشروا بحتمية كلا السقوطين، فان الكثير من نتائجها لا تزال تلحق الكوارث والآلام بشعوب العالم الثالث والشعب العراقي في مقدمتها.

وكما هو جلي بنظرنا، فان الكتاب اعلاه هو بمثابة تطبيق لنظرية "رأسمالية المركز والمحيط" المذكورة، من حيث ان سمير امين يتخذ من تجربة العراق وسوريا في ظل السياسة العملية لنظامي البعث الحاكمين فيهما، نماذج ملموسة لاثبات نظريته التي سبق له طرح مضمونها ومقوماتها بشكل مفصل وشامل في عدد من المؤلفات ذات الاهمية الكبرى في الفكر الاقتصادي العالمي الراهن ككتاب «التطور اللامتكافئ» و«قانون القيمة والمادية التاريخية» و«التراكم على الصعيد العالمي» و«نقد نظرية التخلف» و«التبادل اللامتكافئ وقانون القيمة» وغيرها. وبعض هذه الكتب جرت ترجمته الى العديد من اللغات بما فيها اللغة العربية في اوقات مختلفة.

واذا اقتصرنا على منظور سمير امين حول المشروع البعثي للتطور، فاننا نجده مبثوثاً في عدد من النصوص الصادرة بعد 1980 لاسيما كتابه "العراق وسوريا" ونصوص اخرى دأب على نشرها في السنوات الاخيرة. ولنلاحظ منذ الآن ان الكاتب رغم منهجيته الماركسية الصريحة، يتجنب، في كافة مؤلفاته في الواقع، الركون للاغراء الايديولوجي وما يتمخض عنه من تقييمات مسبقة؛ انما، وبلغة الباحث الاقتصادي الموضوعي، يحاول استقراء الاحداث وتحليل المعطيات الاقتصادية الفعلية. فمصادره الوحيدة، الى حد كبير، هي الاحصائيات والوثائق الرسمية ذاتها والنتائج هي وحدها من يتعرض للتقييم والمحاكمة وليس الاشخاص او المسؤولين الأمر الذي يضفي على الاستنتاجات قوة علمية صارمة، ومن هنا يأتي رصيدها والاعتراف العالمي بأهميتها.

خلاصة القول، يقوم منظور سمير امين حول "المشروع البعثي للتطور" على دراسة التطور الاقتصادي – السياسي لمنطقة الهلال الخصيب (العراق وسوريا حصراً) خلال القرن الاخير مع التركيز على الفترة ما بين 1963 و1980. فهذه الفترة، حيث يتموضع تطبيق المشروع البعثي زمنياً، تتسم بعدة خصائص تجعل منها موضوعاً نموذجياً في الدراسة. فهي تتميز بالاستقرار السياسي النسبي الداخلي واستمراريته تحت قيادة حزب البعث في كل من البلدين وبالازدهار المالي (لاسيما بالنسبة للعراق الذي ازدادت وارداته النفطية بشكل كبير جداً خلالها) وبحصول النظامين على دعم كبير من المعسكرين الدوليين في ذات الوقت على الصعيدين المادي والمعنوي.

وهذه العوامل، متظافرة، وفرت فرصة استثنائية لوضع المشروع البعثي للتطور موضع التطبيق العملي بعد ان كان مجرد وعد وشعار. وبالتالي اصبح من الممكن الحكم عليه موضوعياً، وعلى ضوء النتائج الملموسة، بعيداً عن التكهنات ومحاكمة النوايا. خصوصاً وان النظامين راحا في نهاية السبعينات، يتباهيان بالتطور الذي تحقق تحت قيادتهما حتى ان قيادة نظام البعث العراقي صارت تزعم بان "النموذج البعثي" للتطور الذي حققته يستحق ان يكون مثالاً يقتدى به بالنسبة لبلدان العالم الثالث الاخرى، بل وراحت تدعي بان العراق مدين لمشروعها بكل شيء تقريباً.

ان الاستنتاج النهائي الذي يخرج به سمير أمين من تحليل التجربة الاقتصادية التي قادها نظام البعث يثبت ان الحقيقة مغايرة كلياً لمزاعم الانظمة البعثية. بلا شك لديه ان المشروع البعثي للتطور، اذا أخذناه كمجرد مشروع مكتوب على الورق، وتجاوزنا هلامية الكثير من مبادئه المركزية، يمثل وعداً مغرياً لاسيما وانه طرح نفسه دائماً كمشروع قومي وطني اشتراكي وتحرري. الا ان هذا الوعد ليس إلا وهماً لأن الطرح المذكور لم يتجاوز عملياً بعده اللفظي. ففي الواقع العملي وعلى ضوء التجربة التاريخية المحققة فان المشروع البعثي للتطور ليس الا المشروع الأكمل والأسرع في بعثرة امكانيات التطور الفعلية والكامنة لدى البلدين، وبالتالي في تدمير أي نزوع شعبي نحو تحقيق الاستقلال الوطني والتقدم الاقتصادي والتحرر والسير الفعلي نحو الاشتراكية.

بعبارة اخرى ان هذا المشروع لم يكن، منذ بدايته- سوى الطريق الأقصر نحو اقامة نظام "رأسمالية المحيط"، التابع كلياً للمركز الرأسمالي الغربي. اما الدعم السوفيتي الفعلي فلا يصبح موجهاً سوى للمساعدة في تحقيق ذلك لانه لم يكن في حقيقته إلا دعماً للانظمة ذاتها المكلفة بقيادة هذه السيرورة، وبالتالي فقد ساهم مباشرة في ضمان تحققها.

لاختبار مصداقية هذا الاستنتاج، سنركّز هنا على المشروع البعثي للتطور في العراق. دون ان يعني هذا الاقتصار ان المشروع البعثي قي سوريا يختلف جوهرياً عن مثيله العراقي. ولفهم هذا الاستنتاج يدعونا سمير امين الى ان نقوم بعودة سريعة الى التاريخ بهدف التعرف على المحطات الكبرى للتطورات الاقتصادية في العراق وفي المنطقة عموماً. ففي سنوات الخمسينات والستينات من هذا القرن مرّ الشرق العربي بجملة من التحولات السياسية المهمة، جاءت المبادرة فيها من مصر بانقلاب 1952 الذي اطاح بالنظام الملكي ووضع برنامجاً للاصلاح الزراعي وعمل على تحويل الاقتصاد نحو القطاع العام.

وهذه الاجراءات اقترنت في الواقع بالتبلور التدريجي للايديولوجية الناصرية. بعد ذلك، في نهاية الخمسينات حدثت جملة من التغيرات في العراق وسوريا مشابهة أحياناً أو مقلدة لتلك التي شهدتها مصر. وقد شاع الانطباع بان هذه التغيرات ستقود الى تحقيق تطورات اقتصادية واجتماعية سريعة. كما سارع حزب البعث الى طرح نفسه كالقوة الاجدر لقيادة المرحلة. ثم نجح في اخذ السلطة في البلدين محتكراً اياها لنفسه على اساس ان ذلك تفرضه ضرورة التفرغ لتحقيق مشروع التطور الخاص به وكذلك مشروعه لتحقيق الوحدة العربية.

ورغم فشل أية خطوة باتجاه الوحدة العربية التي لم تتجاوز عملياً مشروع الوحدة المصرية – السورية (1958-1961)، فقد ظل الاعتقد قائماً بان هذه الانظمة السياسية – القومية الجديدة تسير بشكل ما على الاقل، على طريق تسمح بتنفيذ مشاريع تطور وطنية تكرس بعض استقلالية دول المنطقة وتقودها وان بشكل بطيء ومتعثر نحو حالة من التقارب الشامل. وهكذا- وتحت هذه الواجهة جاءت المساندة السوفيتية لهذه الانظمة، أي تحت واجهة الدفع في طريق "التطور اللارأسمالي"، لتؤكد هذه الفرضية بقوة لاسيما في أواسط الستينات.

بيد ان الهزيمة العربية في الحرب العربية- الاسرائيلية في 1967 مثّلت أول لطمة لهذه الاوهام عبر كشفها هزال تلك الانظمة. ولم يستطع نصف النصر الذي تحقق في حرب 1973 ان يقلب وجهة تلك المشاريع. بل على العكس. على الرغم من أن مصر دشنت طريقاً جديداً في التطور الاقتصادي سمي من قبل اصحابه بــ "الانفتاح"، وهو تطور يكفل بادخال هذا البلد دفعة واحدة، وصراحة، ضمن الانظمة التابعة لنظام الرأسمالي. اما في سوريا والعراق فقد بقيت انظمة الحكم البعثية محافظة كما يبدو على متابعة مشروعاتها ذات المظاهر القومية- الوطنية والتقدمية. ومن هنا يجيء السؤال حول معرفة فيما اذا كانت الانعطافة المصيرية هي حالة استثنائية- عابرة ربما- وفيما اذا كان تطور العراق يقود بدوره حتماً الى عودة التبعية.

ان الجواب الذي يقدمه سمير امين هو عدم وجود اي استثنائية جوهرية في الامر. ولتلمس شرعية ذلك ينبغي بنا ان نعود الى فترة سابقة على قيام الدول الحديثة في الهلال الخصيب. فلقرون طويلة تميزت جميع بلدان هذه المنطقة بافتقادها الى طابع الدولة بالمعنى الحديث ولم تكن في الواقع سوى اقاليم تابعة او خاضعة لامبراطوريات شبه عسكرية آخرها العثمانية. وهي حالة لا تقتصر عليها انما تشمل جميع بلدان قارات آسيا وافريقيا وامريكا الجنوبية. فهذه البلدان لم تكن تعرف بانها جديرة بان تعامل كدول ذات سيادة ولم تطالب بذلك أصلاً.

ولقد قاد هذا الحال الرأسماليات القومية الغربية الى النظر الى اراضي هذه البلدان كمجرد مساحات مفتوحة امام توسعها حالما تتوفر لها القدرة العسكرية لتحقيق ذلك. وهكذا وبينما تحولت امريكا الوسطى والجنوبية حصة للمركز الرأسمالي الامريكي الشمالي، اصبحت بلدان أسيا وافريقيا حصة للمراكز الرأسمالية الاوربية الاقوى كبريطانيا وفرنسا والمانيا وهولندا وبلجيكا. وهذا ما يفسر الى درجة مهمة نزعة العزلة التي طبعت السياسة الامريكية حتى اواسط القرن العشرين. بكلمة اخرى ان اقطار الهلال الخصيب لم تكن في الواقع حتى نهاية الحرب العالمية الاولى سوى "ممتلكات" خاصة بالرجل المريض. على العكس من اوربا، اذن، حيث ولدت النزعة القومية جنباً الى جنب مع انبثاق "الدولة القومية" فان النزعة القومية في الشرق الاوسط، وكل العالم الثالث، هي نزعة مصطنعة بشكل كامل، ظهرت بعد قيام الدولة فيها ومصنوعة صنعاً من قبل الدولة نفسها: "الدولة ارادت ان تعطي نفسها مشروعية التمثيل القومي - غير الموجود- فخلقت النزعة القومية وشعبويتها".

وبالطبع، لا يغير من هذا الاستنتاج واقع ان حركات التحرر الوطني وجدت بشكل او بآخر من التبلور خلال فترة سبقت تاريخ قيام الدولة في هذا البلد او ذاك من بلدان العالم الثالث.

وعلى أية حال ان المشروع الحضاري الذي طرحته حركة التحرر العربية منذ 1800 ولحد الثمانينات من هذا القرن هو هو في الجوهر، حسب سمير امين، باستثناء بعض الفوارق السطحية والتلوينات المحلية. وهو بناء مجتمع حديث يتمتع بالاستقلال الوطني. فهذا المشروع نجده لدى محمد علي باشا والناصرية والبعث والاصولية الاسلامية على حد سواء. كما انه ايضاً مشروع جميع الحركات المماثلة في كافة بلدان آسيا وافريقيا. بيد انه يتميز من حالة الى اخرى تبعاً للقوة الاجتماعية التي يتحدث باسمها او يقول بالاعتماد عليها. فمحمد علي باشا والهاشميون والنخب التي قادت حركات التحرر الوطني في المغرب وتونس ولبنان اعتبروا أنفسهم ناطقين باسم البرجوازيات المحلية. بينما اعتبرت الحركة الناصرية وحركة البعث، والاصولية الاسلامية فيما بعد، بانها تنطق باسم الحركات الجماهيرية الشعبية. لكن في الحالتين سعى الجميع عملياً الى تهميش القوى الاجتماعية تلك في عملية التغيير رغم مواصلة التحدث باسمها. ففي هذا المجال كما في غيره بدت هذه النخب بمثابة الوريث المخلص للنخبة العثمانية. وعليه ليس غريباً ان تسعى الى تقليد هذه الاخيرة عندما وجدت ان عليها بناء الدولة في بلدانها.

في المشرق العربي "الدولة الجديدة هي دائماً الوريث الفعلي للدولة العثمانية" سواءاً اخذت هذه الدولة الجديدة صيغة نظم جذرية (كما في مصر وسوريا والعراق) او نظم "ليبرالية" (كما في المغرب وتونس والاردن ولبنان) او نظم مشائخية (كما في اجزاء جزيرة العرب). صحيح ان حركات التحرر الوطني التي قادت استقلال المشرق في اعقاب الحرب العالمية الاولى (ولو ان هذا الاستقلال ظل مقيداً بشروط معاهدات غير متكافئة)، وان اقطار المغرب بعد الحرب العالمية الثانية سعت فعلاً الى اقامة نظم دستورية مؤسسة على قدر، مهما كان محدوداً، من المبادئ الديمقراطية المقتبسة من التجربة الغربية للدولة، لكن هذه النظم على شكليتها لم تكن لتتلاءم مع الذهنية العثمانية التي تربت عليها تلك النخب وبالتالي فان هذه النظم سرعان ما تأزمت منذ الساعات الاولى لقيام الدولة الجديدة وفشلت فشلاً نهائياً.

بعبارة اخرى ان حركات التحرر الوطني تلك والتي نجحت خلال فترة ما قبل الاستقلال في ان تلف حولها مختلف الفئات الاجتماعية بفضل شعار الاستقلال الوطني، سرعان ما انفجرت بمجرد تحقيق هدفها المبدئي الاول -الاستقلال- وتشعبت نتيجة تناقض المصالح الاجتماعية المحلية. وهذا الانفجار ادّى، كما يرى سمير امين، الى تبلور معتمد على الملكية العقارية الكبرى والتجار الكومبرادوريين والاعيان من جانب، وادى من جانب آخر الى فتح الآفاق امام امكانية تطور الفئات اليسارية لتظهر اما على شكل قوى واحزاب تتبنّى ايديولوجية اشتراكية او شيوعية او على شكل اجنحة وكتل جذرية داخل التنظيمات التي نشأت خلال حقبة النضال الوطني من اجل الاستقلال، تنادي جميعاً بحل جذري للمشكلات الاجتماعية.

ومنذ ما بعد الحرب العالمية الاولى فان الصراع بين هذين التوجهين هو الذي سيهيمن على الاحداث مستمراً حتى الخمسينات من هذا القرن ومتخذاً صيغ مختلفة منسجمة مع حركة تطور النظام الرأسمالي العالمي نفسه. فقد تبنّت الانظمة اليمينية حلاً وسطاً يقوم على الاستحواذ والتفرد بالسلطة، مقابل السماح لرأس المال الاجنبي في التحكم بالاقتصاد المحلي. فهذا الحل بدا لها كفيلاً بدحر أية اخطار داخلية ضدها لاسيما اخطار انتفاضة الطبقات الشعبية التي اصبحت الضحية المباشرة لمعادلة الاستقطاب الرأسمالي. اما القوى اليسارية فقد وقعت ضحية القمع والاضطهاد إلاّ انها واصلت صمودها اعتماداً على الدعم الشعبي وحده.

الا ان الجوهري هو ان الازمة الناتجة عن هذا النزاع، بين الانظمة الحاكمة والحركة الشعبية، اصبحة ازمة مزمنة لا حل لها. فالانظمة التقليدية المتسلطة لم تصبح يوماً قادرة على تثبين حكمها دون انتهاك القواعد الدستورية التي انشأتها او وعدت بها هي ذاتها. والطبقات الشعبية لم تكن لتقبل الخضوع لهذه الانظمة التي وضعت اقتصادها الوطني في عهدة الاستعمار من جانب وعجزت عن ان تقدم حلولاً، ولو بالحد الادنى، للمطالب والطموحات الاجتماعية من جانب آخر. وقد نتج عن ذلك ان تهديد اندلاع ثورات شعبية هو الذي راح يتفاقم، بل وبدا خطراً حقيقياً بنظر الطبقة الحاكمة والقوى الخارجية المهيمنة، بالرغم من تواصل القمع واشتداده. وهكذا استمرت هذه الحالة حتى سنوات الخمسينات دون ان تستطيع الانظمة، الملكية باغلبها، ان تجد حلاً لتلك الازمة. ولذلك ستجيء الانقلابات العسكرية بمثابة جواب طبيعي عليها.


جوهر الناصرية وحركة البعث

ولقد بدأت سلسلة الانقلابات العسكرية في المشرق العربي بذلك الذي قامت به حركة الضباط الاحرار في مصر في 23 تموز من عام 1952. ثم الانقلابات الاخرى المماثلة في سوريا والعراق. حيث يذهب سمير امين الى الاعتقاد بان هذه الانقلابات، والتي قامت على ايدي فئات ولدت في رحم الانظمة المطاح بها، مثلت في الواقع محاولة لحل الازمة المذكورة من خلال إنهاء جدلية النزاع بين اليمين واليسار. وهذا التصور العام يعتبره جوهرياً دون ان ينفي ذلك واقع وجود تمايزات فعلية بين كل من الحالات المعنية. بمعنى آخر ان هذا الحكم يصدق على الحركة الناصرية وعلى حركة البعث بنفس الدرجة على الرغم من خصوصية كل منهما وتغايرها عن الاخرى. لكن بأي معنى يمكن اعتبار الانقلابات العسكرية المذكورة تمثل حلاً للازمة السالفة؟

للوهلة الاولى، كما يرى التصور السائد عموماً، تبدو الانظمة التي ولدت عن تلك الانقلابات العسكرية كما لو انها انتصار لليسار وللحل الجذري الذي كان ينادي به بالقدر الذي جرى التخلص فعلاً من الانظمة اليمينية السياسية السابقة، وبالقدر الذي تبنّت وحققت، جزئياً عموماً، اصلاحات هامة جاءت لصالح الطبقات الشعبية المضطهدة كالاصلاح الزراعي والمشاريع التعليمية والصحية والتصنيعية او لصالح مستقبل المجتمع والاستقلال الوطني كالتأميمات والخروج من التبعية النقدية وما شابه. كما انها تعرضت للاستعمار علناً ورفضت الاحلاف والمعاهدات العسكرية التي دعت الولايات المتحدة الامريكية وبريطانيا الى اقامتها في المنطقة ونهجت نهج عدم الانحياز وانهت حالة العداء مع الاتحاد السوفييتي وحلفائه.

لكن هذا التصور، رغم صحة حجته، يغفل حقيقة جوهرية كبرى كفيلة بدحض فكرة ان الانظمة المذكورة مثلت انتصاراً فعلياً للقوى اليسارية في المجتمع. وهذه الحقيقة هي أن النظم العسكرية قامت ايضاً وخصوصاً بتصفية القوى الثورية في المجتمع حيث سلطت عليها قمعاً ارهابياً ورهيباً لم يسبق له مثيل. الامر الذي ادّى موضوعياً الى تجريد الطبقات الشعبية من وسائل الدفاع عن مصالحها في مواجهة هجوم القوى الكومبرادورية التي كانت تتربص الفرصة للعودة الى السيطرة من جديد. اذ من الجدير بالذكر ايضاً ان الاجراءات الايجابية التي قامت بها انظمة الانقلابات العسكرية تجنّبت دائماً القضاء الفعلي والحاسم على القوى الكومبرادورية في حين حرصت بشدة على تدمير لقوى اليسارية في المجتمع، مما صب في الواقع في صالح الاولى ومثل دعماً مباشراً لها.

ومما يؤكد هذا الاستنتاج ان مراكز رأس المال العالمية، وفي مقدمتها الولايات المتحدة الامريكية، اتخذت موقفاً متواطئاً او حتى مؤيداً في بعض الاحوال للانتقلابات العسكرية (كما في انقلاب شباط 1963 البعثي في العراق) والانظمة المنبثقة عنها. كما انها غالباً لم تر ضرراً يذكر في الاجراءات التي قامت بها تلك الانظمة. إن النتيجة الاساسية التي ترتبت عن هذه الاجراءات هي تقوية موقع الدولة وتعزيز استقلاليتها في مواجهة المجتمع، مما خلق الشروط المادية المثلى لقيام دولة استبدادية تستطيع إعادة توليدها وتضمن استمرارها على كاهل المجتمع، وتنقل السلطة في اقرب فرصة الى يد القوى الكومبوادورية دون ان يقتضي ذلك تقديم أي تنازل باستثناء الطفيف والشكلي منه في صالح الدمقرطة وتقدم الطبقات الشعبية.

فالانقلابات العسكرية قادت في الواقع الى خلق الشكل الشعبوي للدولة الاستبدادية، أي الشكل الأكثر فاعلية في حماية نزوع القوى الكومبوادورية الى الاستيلاء على ثروات المجتمع والاكثر كفاءة في القضاء على خطر الثورة الشعبية. بيد أن الدرجة العالية من الاستغلال الذي يترتب في ظل هذا النمط من الدولة أنتجت بدورها منطقاً ذاتياً مستقلاً، هو منطق السلطة، الذي سرعان ما يدخل في تناقض حاد مع منطق التراكم الرأسمالي نفسه. وهذا التناقض لابد ان يقود، وسريعاً أيضاً، الى افلاس الدولة الاستبدادية الجديدة هذه. لان السيرورة الطبيعية لتراكم رأس المال لا يمكن جدلياً ان تعمل في ظل الاستبداد في بلد من البلدان.

بعبارة اخرى، ان الانقلابات العسكرية "الوطنية" التي حدثت في مصر وسوريا والعراق، وجهت ضربة كبرى لمجتمعاتها عبر زعمها بانها جاءت لتحقيق ذات المشروع التقدمي الوطني الذي كانت الطبقات الشعبية تناضل من اجله ضد الانظمة اليمينية القديمة. كما ان الانظمة التي قفزت الى السلطة بفضلها، أي الناصرية والبعث، لم تنفذ في آخر المطاف وعلى اساس النتائج، الا ردة خطيرة مضادة لمصالح الطبقات الشعبية. فلقد منعت ابسط مظاهر حرية التعبير والفكر المستقل وسلطت القمع والارهاب على افراد المجتمع دون تمييز فقضت على أية امكانية فعلية يمكن للطبقات الشعبية ان تلجأ لها للدفاع عن مصالحها وللتعبير عن محنتها الشاملة.

ولا ريب فان احدى نتائج هذا القمع هو انتقال القدرة على التعبير عن النقمة الشعبية الى القوى السلفية وحدها. فحملات القمع القاسية التي تعرضت لها القوى التقدمية الحقيقية في المجتمع، ادت موضوعياً الى جعل الخطاب الايديولوجي حكراً على القوى السلفية. صحيح تماماً ان القوى السلفية تعرضت هي أيضاً للقمع، بيد ان خطابها السياسي لم يتعرض لأية اساءة أو سرقة مقارنة مع ذلك الخاص بالقوى التقدمية. أضف الى ذلك أن الاتحاد السوفييتي سيوظف قوى اليسار التابعة له والمرتبطة به، في خدمة الانظمة القمعية تلك وفي تعزيز قبضتها على مجتمعاتها.


دولة رأسمالية محيط تابعة

اما عن النتائج الموضوعية التي آلت إليها ممارسات الدولة الاستبدادية الشعبوية التي اقامتها الناصرية والبعث، فيلخصها في عبارة واحدة هي ان إنجازاتها جميعاً لم تصبّ الا في تعميق دمج وربط البلدان التي حكمتها في التبعية للمراكز الرأسمالية العالمية. وهي بهذا لا تختلف قيد انملة عن تبعية نظم بلدان اخرى في العالم الثالث (كالنظام المشائخي السعودي مثلاً) والتي لم تلجأ الى ادنى توظيف للخطاب الاشتراكي ولم تخدع احداً بشعارات العداء للغرب.

لقد تزامنت الانعطافة المصرية مع اندلاع الازمة العالمية، التي كما نعلم اقترنت بالارتفاع المتزايد لاسعار البترول ابتداءاً من عام 1973، وعبرت عن نفسها في الغرب بتباطئ معدلات التراكم الرأسمالي وعودة البطالة الى الظهور بنطاق واسع وارتفاع معدلات التضخم فيها.

هذه الظواهر لم تمس العالم الثالث بنفس الدرجة التي مس بها الغرب، فجاء هذا التباين في صالح العالم الثالث عموماً وبشكل خاص البلدان المنتجة للبترول والبلدان نصف الصناعية في العالم العربي وامريكا اللاتينية وشرق آسيا. وبدت تلك الازمة كمجرد مرحلة في انتقال مركز ثقل التراكم الرأسمالي من الغرب العجوز الى الجنوب الشاب. ومن هنا فقد اخذ النمو في العراق يسجل معدلات مرتفعة خلال سنوات السبعينات مقارنة مع معدلاته في الخمسينات والستينات. حتى ان ظاهرة فائض ايدي العاملة -التي تطبع العالم الثالث غالباً- اصبحت فيه اكثر فاكثر تقلصاً ومحدودية وتسير نحو الانتهاء. بل ان العراق اخذ يفتقد الى الايدي العاملة وراح يستوردها على نطاق واسع.

فهل يعني هذا عدم امكانية الحديث عن ازمة فيه بالمعنى الفعلي للعبارة؟

ان الاجابة تتطلب معرفة درجة النجاح والفشل –الملموسين- التي حققها سواء في التخلص من التبعية للمراكز الرأسمالية على الصعيدين التكنولوجي والمالي او في بلوغ هدف مشاريعه في الخروج من دائرة البلدان المتخلفة. ومن الممكن في كل الاحوال ملاحظة ان الطاقة الخاصة بالاستيعاب التكنولوجي كانت تسير على طريق التحسن ضمن نفس السيرورة التي يمر بها العالم العربي عموماً والذي يمتلك منذ عام 1976 ما مقداره 800 رجل علم ومهندس لكل 100 الف من السكان، مقابل 100 و1000 و 2875 لنفس العدد من السكان في افريقيا وامريكا اللاتينية والبلدان المتطورة على التوالي. لكن النقص يبدو واضحاً في عدد التقنيين حيث يبلغ عددهم 150 تقني لكل 100 الف من السكان مقابل 130 و1475 و4800 في افريقيا وامريكا اللاتينية والبلدان المتطورة على التوالي. إلا ان هذا النقص او ذاك ليس معضلة بحد ذاته، وكان من الممكن ادراكه خلال جيل او جيلين من الزمن. اما بالنسبة للمساعدات المالية والديون الخارجية، فان العراق حصل على 46 مليون دولارا من امريكا بين 1945 و1964، وعلى 55 مليوناً من مجموعة البلدان الاوربية بين 1964 و1969، وعلى 487 مليوناً من الاتحاد السوفييتي بين 1964 و1969. وكان يبدو ان العراق استطاع التخلص من ديونه الخارجية بفضل ازدياد عائداته من البترول.

من هذه المعطيات الرقمية، كان المتوقع ان تستطيع الدولة البعثية تنفيذ مشاريع وطنية غير تابعة للمراكز الرأسمالية، غير ان التحليل العميق للبنى الاقتصادية الداخلية يثبت فشلها في تحقيق تطور كهذا. فعلى الرغم من ان نظام البعث استطاع ادخال تحولات عميقة على البنى الاجتماعية للبلد، إلا ان هذه التحولات ظلت اسيرة للسيرورات الداخلية القديمة وبالتالي ظلت نتائجها بعيدة عن تحقيق التطور المستقل عن المراكز الرأسمالية. وهذا الاستنتاج يمكن التثبت منه في نتائج ميداني التطور الزراعي والصناعي بشكل خاص.

زراعياً، يقع العراق كما هو معروف في منطقة تسمى "الهلال الخصيب". لكن هذه الخصوبة لا وجود لها فعلاً إلا بالمقارنة مع صحراء جزيرة العرب. لان مناخ هذه المنطقة يتميز بقلة الامطار باستثناء الشريط المحاذي للبحر الابيض المتوسط الذي يحصل على كميته من الامطار الكافية لاشباع الحاجة السنوية للزراعة من المياه، وكذلك المناطق الزراعية الجبلية (كمنطقة كردستان في العراق). اما المناطق الزراعية الاخرى فهي تعتمد على مياه الانهار كأحواض الاردن ودجلة والفرات. بيد ان الازدهار الزراعي فيها يعتمد بشكل كبير على دور الدولة في تنظيم مشاريع الارواء وفي حماية الفلاحين من هجمات القبائل القادمة من الصحراء الجنوبية.

واذا عدنا قليلاً الى الماضي القريب لمعرفة دور الدولة في المنطقة نجد ان السياسة العثمانية لم تكن مهمته ادنى اهتمام بالزراعة او اقتصاد البلدان التي سيطرت عليها. وكل ما كان يهمها هو ضبط سيطرتها عليها، ولذلك فان سياسة الارض التي اتبعتها- خلال قرونها الطويلة- كانت تقوم على توزيع ملكية الاراضي على كبار رؤساء القبائل الموالين لها. وقد تكرس ذلك في قانون 1858 (قانون الطابو) الذي قام بتسجيل تلك الملكية رسمياً بأسماء كبار الشيوخ والتجار، وهؤلاء لم يكن يهمهم القيام بتطوير الزراعة انما فقط الاستحواذ على الارباح التي تدرها الاراضي الزاعية الواسعة.

وبعد سقوط الدولة العثمانية ومجيء سلطات الانتداب (البريطانية والفرنسية) اعتمدت هذه الاخيرة في سيطرتها على نفس القوى الاجتماعية السابقة، وقد استمر هذا الحال طيلة الاربعينات والخمسينات، لذلك فان النتائج التي حققها التطور الزراعي كانت متواضعة للغاية. واذا كان بعض التطور قد تحقق في سوريا فذلك بفضل التركيبة المتجانسة للبرجوازية التجارية السورية المهمة نسبياً التي وضعت جهوداً مهمة في تطوير الزراعة في منطقة الجزيرة خصوصاً، غير ان المناطق الاهلة بالسكان لم تتأثر إلا سلبيا.

اما في العراق، الذي لم تكن فيه البرجوازية التجارية ذات اهمية تذكر فان التدهور كان مضاعفاً لصالح ظهور برجوازية بيروقراطية ممسوخة. وعلى الرغم من توظيف بعض عائدات البترول في بناء السدود ومشاريع الري، إلا ان ذلك لم يؤدّ الى ايقاف تدهور حياة الفلاحين. اذ ان قانون 1933 في العراق ادى الى تمليك مجمل اراضي البلاد الى حفنة لا تتجاوز الألف من الشيوخ المحليين وعلى أية حال كانت الاراضي المزروعة تتقلص على الدوام حيث انتقلت نسبة الاراضي المزروعة من 20% من مجموع الاراضي في الثلاثينات الى 15% ثم 13% في عامي 1954 و1955 على التوالي. واذا كان هذا هو حال الزراعة فان الصناعة دخلت منذ البداية في طريق التبعية للاقتصاد الاستعماري.

اذن، كان مجيء النظام البعثي بمثابة جواب على فشل التطور القائم على الملكية الخاصة للارض، وعلى الصناعات الضعيفة ومراكز التجارة والمال النادرة. لكن هذا النظام لم يصل الى السلطة بفضل ثورات فلاحية او شعبية. انما جاء كمجرد محاولة من الدولة لفرض رقابتها على الارض بدلاً من الملاكين العاجزين. ونفس الروحية بالنسبة للصناعة حيث جاءت الدولة لتحل محل رؤوس الاموال الخاصة العاجزة هي الاخرى. وفي الحالتين فان القيادات الجديدة لم تضع بين اهدافها السعي لتحسين اوضاع الفلاحين انما ركزت على تسخير الزراعة لخدمة التصنيع.

ضمن هذه التغيرات ونتيجة لها ظهرت نزاعات جديدة بوجه المشاريع البعثية. فمقاومة الملاكين القدامى وظهور حركة فلاحية تطالب بالاصلاح ارغمت الدولة على البحث على تحالف جديد مع بعض الشرائح الزراعية لعزل الملاكين. حيث جرى التوجه لتأجير الاراضي التي صادرتها الدولة للشرائح المتوسطة من المزارعين، لكن هذه السياسة فشلت في محاولة الدولة الحصول على عائدات زراعية لها. لذلك جرى التحول نحو سياسة جديدة هي "مزارع الدولة" التي فشلت بدورها هي الاخرى، ولم تقم سوى بأثقال كاهل فقراء الفلاحين بجهازها البيروقراطي المكلف. وازاء مقاومة الفلاحين واستيائهم ذهبت الدولة الى استبدال التعاونيات بسياسة القروض الزراعية وغير ذلك. الامر الذي ادى الى تقوية الشرائح المتوسطة وازدياد ثرواتها بينما راحت الاغلبية الفلاحية الفقيرة تزداد فقراً.

أي ان الدولة البعثية في العراق لم تقم بشيء في التحصيل النهائي سوى تعزيز الاستغلال الطبقي في الريف وربط الزراعة بشكل تابع للسوق الرأسمالية العالمية. ورغم الاموال التي وظفت والمكننة التي ادخلت فان معدلات التطور الزراعي ظلت متواضعة الى درجة لا تستحق الذكر: أقل من 2% كمعدل سنوي للنمو. وفي الحقيقة ان تلك الاموال ومعدلاتها المرتفعة وكذلك المكننة راحت تصب في خدمة المزارعين المتوسطين، ولم يستطع فقراء الفلاحين الاستفادة منها لسياسة الدولة من جهة ولارتفاع الفوائد المفروضة على استثمارها. إلا ان الدولة استمرت على هذه السياسة نظراً لكونها وسيلة مجدية في فرض سيطرتها على الارياف. وهكذا فان النتيجة كانت الهجرة الواسعة من الريف الى المدن، باعتبارها المخرج الوحيد امام الفلاحين الفقراء للخلاص من الفقر والقمع. فقد انتقل عدد سكان الريف في العراق من 80% من مجموع السكان في عام 1920 الى 60% في عام 1950 ثم الى 50% في عام 1980 ثم الى اقل من ذلك بكثير بعده.

ضمن هذه الظروف اصبحت الزراعة اقل فأقل قدرة على سد الحاجة الغذائية للبلاد وبالتالي ازدادت معدلات العجز الزراعي بشكل اكبر. والادهى من ذلك هو ان البرامج الزراعية الموضوعة لم تسمح في كل الاحوال بتصور امكانية الحكومة على تصحيح تلك السيرورة السلبية، على الرغم من ضخامة المبالغ التي خصصت لذلك. فالحقيقة الوحيدة التي تبرز امامنا هو ان الدولة استخدمت كامل ثقلها في هذه العملية، إ‘لا ان بيروقراطيتها وفوقية اجراءاتها وقمعها لم يجعلها تقدم إلا نتائج معكوسة.ولم تفعل في الواقع العملي إلا ربط الاقتصاد الزراعي المحلي بالاقتصاد الرأسمالي العالمي، والنتائج جميعها تؤكد ذلك.

من جانب آخر، ان التصنيع في العراق لم يمكنه بأية حال ان يكون العلاج. ففي هذا البلد الذي تشكل عائدات البترول المصدر الوحيد للنمو، ذهبت الدولة الى اقامة صناعات ثقيلة (عسكرية غالباً) لا تنسجم بأي حال مع مجمل البنية الاقتصادية والاجتماعية للبلد. وقد قادها هذا ايضاً الى اللجوء الى المساعدات الخارجية والقروض. وباختصار فان السياسة الصناعية للدولة البعثية العراقية سارت دائماً وبشكل وثيق ضمن التقسيم الدولي للعمل وحصة العالم الثالث منه. لان هذا النمط من الانظمة يظل عاجزاً بطبيعته عن تلبية الحاجات الاولية للقطاع الاكبر من السكان وبفضل التركيز بشكل خاص على مجالات الخدمات التي تسجل فيهما معدلات نمو اكبر من معدلات نمو الزراعة والصناعات الزراعية، بقصد المساهمة في رفع معدلات نمو الشرائح العقارية. وفي احسن الاحوال - كما تؤكد الدراسات الميدانية – فهو لا يهتم بخدمة إلا حوالي نصف المجتمع (ثلثي سكان المدن وثلث سكان الارياف) وتبعاً لمعدلات الدخل التي تخضع لمجمل الدورة الاقتصادية وبشكل لا يمكن مطلقاً معالجته باجراءات فوقية.

وهذه السياسات جعلت معدل النمو الصناعي للبلاد يظل متدنياً جداً ويتناسب عكسياً مع معدلات ازدياد السكان. الامر الذي جعلها تحتل موقعاً مركزياً في بلدان رأسمالية المحيط. وهذا الحال يعكس بشكل اكيد طبيعة الطبقة الموجودة على رأس الدولة، لانها السبب والنتيجة في عملية توزيع الدخل وعملية الارتباط بالخارج. لذلك ليس من المدهش ان نجد استراتيجيات السياسة التنوية في العراق تخضع بشكل كبير ونموذجي لمقتضيات تطور النظام الرأسمالي على نطاقه العالمي. اذ ان هذا التصنيع المضطرب، المتكيف اكثر فاكثر ضمن النظام الدولي الرأسمالي، كان لابد ان يسير نحو الاعتماد على المؤسسات الرأسمالية الاجنبية متعددة الجنسية، ونحو جعل الرأسمال المحلي اكثر فاكثر نزوعاً للارتباط بالرأسمال العالمي والتبعية له.

صفوة القول، هي ان كومبوادورية جديدة وجدت نفسها تقفز الى السلطة من خلال دينامية التجربة البعثية في قيادة الدولة. لكن هذه العملية لم تكن نتيجة «ثورة مضادة» حقيقية بل نتيجة التطور المشوه والمعجل الذي انضجته الاستبدادية الشعبوية البعثية. لكن كيف تم للكومبرادورية ان تعود في ظل دولة تقول بالاشتراكية وتمجد الوحدة والحرية؟

ان الاجابة على هذا السؤال تكمن اساساً في حالة الانفصام العضوي الذي تعاني منه حركة البعث فيما يتعلق بوظيفة الدولة. فمن جهة رفعت هذه الحركة ايديولوجية تتبنى دوراً تقدمياً للدولة يركز على حماية وحدة وتساوى المصالح الاساسية لكل فئات المجتمع وعلى احترام الحرية والثقافة. كما تطرح بديلاً مبدئياً مناسباً لمواجهة تحديات العصر ولانجاز شروط تحرر حقيقي من ربق الهيمنة الاستعمارية. الا ان فهمها الفعلي لوظائف الدولة لم يتجاوز ذلك الفهم الموروث عن وظائف الدولة العثمانية. وهذا الفهم الاخير هو ما ستمارسه عند وصولها الى الحكم. حيث حرصت على اداء الدور الاساسي الذي كان للدولة العثمانية، ألا وهو دور جابي الضرائب. هذا الدور يفرض على الدولة ان تتموضع بالضرورة في موضع حكمٍ بين الملل والطوائف والمؤسسات الجهوية القائمة، وهذا التموضع قادها الى الانخراط في ممارسات اكثر فاكثر استبدادية وقمعية. فتبنيها لمفهوم التجانس الوطني دفعها، كحكم بين الجماعات الاجتماعية، الى فرض كل ما من شأنه تحقيق اندماج تلك الجماعات ولو قسرياً. فقد عملت عموماً على انكار الخصوصيات والحقوق المترتبة عن الاعتراف بهذه الجماعات او وظفتها بشكل انتهازي في مصلحة تعزيز سلطتها. وعن هذه الممارسات بالذات ولدت مفاهيم الاقلية والاكثرية التي لم يكن قد عرفها المجتمع العراقي من قبل. فالدولة البعثية، حسب سمير امين، "لم تواجه هذه المشاكل الحقيقية من خلال ممارسات شعبية ديمقراطية، بل استحدثت الدكتاتورية التي حلت محل النظام الأبوي العثماني، فتجلت الأساليب غير الديمقراطية في ترويج لغة سياسية تتسم بالفاشستية وأعمال قمع أردأ. وهكذا وقعت النظم نفسها – في سوريا والعراق – في مأزق، بالرغم، من انجازاتها المادية التي لا ينكرها أحد، من تصنيع وتمدين وتعليم. فلهذه الانجازات – المماثلة تماماً لما تحقق في مصر وفي العالم الثالث بشكل عام – معنى واضح، هو أنها خلقت القاعدة الموضوعية المكونة من الطبقات الوسطى التي ساندت الدولة المتسلطة. على أن الممارسات القمعية لم تنجح في إلغاء واقع الجماعات والملل والطوائف، الأمر الذي أدى الى إعادة انعاشها كوسائل مواجهة لتسلط الدولة. والحكام أنفسهم من جانبهم أخذوا يوظفون هذه الأوضاع من أجل الاستمرار في الحكم، ولو على حساب خطابهم الايديولوجي حول وحدة الوطن وضده في أكثر الأحيان." .

ان النزوع الذي ترتب عن هذا المأزق هو السعي لجعل الدولة تمتلك استقلالاً ذاتياً كاملاً في مواجهة المجتمع الشعبي او المدني. وهذا يعني ان سلطة الدولة صارت هدفاً بذاتها، نظراً لأن "الدولة هي ملك خاص لمن يمسك بزمامها" كما يقول عزيز العظمة.لكن هذا لا ينبغي ان يعني، بالمقابل، ان الدولة الاستبدادية البعثية في العراق اليوم هي ملك لطائفة معينة او لأقلية سكانية او جغرافية ما كما يحب ان يروج النظام نفسه والبعض من الطامعين بالسلطة في المعارضة. صحيح ان الطائفة السنية العربية تبدو ظاهرياً اكثر نفوذاً وحظوة من غيرها في ظل الدولة البعثية. الا ان هذا المظهر زائف وخدّاع. فالدولة هذه هي ملك من يمتلك سلطة القرار فيها وحده. اما كون عدد كبير من هؤلاء الذين يحتكرون السلطة هم من الطائفة السنية العربية فهو وضع يرجع الى ظروف تأريخية عرضية موروثة من سياسات الدولة العثمانية (في الجانب المتعلق بالشيعة منه)، ا والى غياب الديمقراطية (في الجانب المتعلق بالاكراد). اما في الجوهر، فالدولة البعثية ليست دولة اقلية طائفية او قومية او سكانية ما. فلا مصلحتها تفرض ذلك ولا ايديولوجيتها تستوعبه. وعموماً فان التجربة التاريخية الملموسة تثبت بشكل قاطع بان الطغمة البعثية العراقية لم تتردد، في سعيها لاحتكار الدولة، من قمع العراقيين السنة العرب بشكل وحشية واسوةٌ بالشيعة والأكراد عندما اقتضى الامر ذلك، كما لم تبخل بالامتيازات على اعوانها وخلصائها من السنة والشيعة والأكراد وغيرهم على حد سواء.

قطعاً، لقد تعرض سكان كردستان العراق الى اضطهاد صارخ وقمع همجي من قبل الدولة البعثية وبشكل لم يسبق له مثيل على الاطلاق، كما تعرضت قراهم الى حملات تدمير رهيب بشتى الاسلحة بما في ذلك الاسلحة الكيمياوية المحرمة الاستعمال دولياً. الا ان ذلك لم يكن موجهاً ضدهم لمجرد كونهم أكراداً، انما لكون الكادحين الاكراد (الذين اخذوا يعون اكثر فاكثر بانهم يشكلون فئة مسحوقة) يمثلون قوة ثورية تهدد باضعاف احتكار الطغمة البعثية للدولة. وينبغي ان نلاحظ هنا ان هذه الطغمة اظهرت استعداداً في فترات عديدة (ولا تزال مستعدة) لتقديم التنازلات بما في ذلك الأعتراف بحقوق ثقافية وقومية للاكراد، كلما وجدت ان في ذلك فائدة لتعزيز سيطرتها على سلطة الدولة وازالة الاخطار الاخرى التي تهددها. لكن هذه التنازلات تظل محدودة القيمة وثانوية وذلك لانها لا تجد مكانها في اطار سياسة ديمقراطية عامة وشاملة وحقيقية تنطبق على شعب العراق بأكمله.

الامر اذن يرجع، ودائماً، إلى غياب الديمقراطية وبالتالي إلى رفض الاعتراف بأن مشكلة حقوق الاكراد لابد ان تعالج على أساس الاستقلال الذاتي.

اما بالنسبة لموضوع الطائفية وتغلب العنصر السني في نظام الحكم العراقي، فيرجع إلى سياسة الدولة العثمانية التي قامت فعلياً على استبعاد أعيان الشيعة من الوظائف العليا. ثم جاءت الملكية الهاشمية التي استمرت بطبيعة الحال في هذا الاتجاه. وإذا كان النظام البعثي لم يغير هذه الأوضاع بشكل جاد، فإن هذا يرجع إلى ظروف عارضة، وهي قيام الانكليز بالاعتماد على الضباط العراقيين الذين عملوا في الجيش العثماني في عملية بناء الجيش العراقي بعد تأسيس الدولة العراقية الحديثة. الأمر الذي حفظ للجيش هذا خاصيته المفضلة في التراث العثماني، أي طابع ضباطه السنّي. وهنا ايضاً فان غياب الديمقراطية عزز من الايحاء بالطابع الطائفي لدولة لا تجد امامها سوى القمع (عبر جيش مؤسس طائفياً) للمحافظة على سيطرتها. فالطوائف ليست ظواهر اجتماعية عريقة، بل هي اكتسبت مضموناً جديداً متفجراً لم يكن موجوداً في ظل نظم الحكم التقليدية. وبدون هذا التحليل الملموس لا يمكن فهم الكثير من ممارسات الحكم البعثي، كما ان انجراف النظم البعثية نحو الاغراق في استخدام القمع والارهاب والعنف هو الناتج الضروري لمحاولته البقاء في الحكم.

وهكذا، فالدولة البعثية في العراق ليست دولة طائفة او اقلية معينة، انما هي دولة طبقة من كومبرادوريين جدد ذوي اصول ريفية قريبة. لأن "البعث تخلص من البرجوازيات المدينية القديمة وصفى المنظمات الشعبية واليسار التاريخي، ورقى طبقات وسطى جديدة في الريف والمدينة نصف أمية وشرهة، واستعد لأن يقدم تنازلات خطيرة أمام ضغط الاستعمار للبقاء في الحكم، وفي هذا الإطار أعطى برجوزية كومبرادورية جديدة فرصاً للإثراء السريع".

لكن هذه الطبقة الجديدة لم تستطع ابداً ان توفر لسيطرتها الأسس المتينة التي تضمن بقاءها. فهي لم تنجح في اقامة تحالف اجتماعي حقيقي تديره على نحو تندمج فيه الطبقات الوسطى التي مثلت القوى الأساسية المساندة لها. كما انها جاءت في ظروف موضوعية من التطور تسير في اتجاه غير ملائم لها عالمياً واقليمياً وقطرياً. ويرجع هذا الفشل الى حد كبير، الى عدم نجاحها في التوصل، سلمياً، الى حل مشكلة الجماعات والطوائف التي يتكون منها المجتمع العراقي. فبمواجهة هذه الظروف لم يتبق للنظام الا ان يلجأ الى أساليب متدنية وتافهة في فاعليتها العملية لمجرد الاستمرار في الحكم يوماً بيوم، ومن هذه الأساليب الانجراف نحو دكتاتورية مشخصة لأقصى درجة. وممارسة قدر كبير من العنف السياسي.

وبمواجهة هذا المأزق ايضاً تندرج محاولتها الاعتماد على أية قوة تستطيع ان تستغلها على المدى القصير، بما فيها النزعات الطائفية والشوفينية، ولو على حساب الخطاب الرسمي العلماني والاشتراكي والوحدوي. كما يندرج ايضاً وخصوصاً، قيامها باشعال الحرب بين العراق وايران واحتلال الكويت. فكل ما يهم هذه الكومبرادورية هو البقاء في موقعها كمحتكر للدولة، لذلك تحاول دائماً اللجوء الى تصريف الاخطار التي تهددها عبر خلق نقاط تصادم موازية تسمح لها بتشتيت وتدمير قوى التغيير الشعبية.

انتهى

د. حسين الهنداوي: متخصص في الفلسفة الهيغلية وشاعر وأول رئيس للمفوضية العليا المستقلة للانتخابات في العراق بين 2004 و2007.



#حسين_الهنداوي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هل عرف البابليون الفلسفة؟
- الهندية – طويريج : بيتنا وبستان بابل
- علي الوردي والمنطق الجدلي
- لغة الضاد حين نخذلها..
- محنة «النهضة» و «الاصلاح» و «التنوير» بالعربية...
- قناة فضائية عراقية طليعية حاجة عاجلة
- هيغل وأهل الحلة!
- أحمد أمير – بيوغرافيا حميمة
- العراق بين احتلالين: 11 آذار 1917 - 9 نيسان 2003
- المثقف بين الحلم وخيانة الذات
- حلبجه 88
- مئات القتلى في حرائق سجون عربية وشكوك حول الروايات الرسمية
- الايام...
- رحيل عبد الرحمن منيف روائي الصحارى المتخيلة
- الديمقراطية الدستورية في العراق وهشاشة التأسيس
- العراق واوهام العرش الفارغ الاحرى بالعراقيين استلهام النظم ا ...
- وجها لوجه مع قوات الاحتلال الامريكية في العراق
- الفلسفة ليست غير الحرية في تعريفها الاول والاخير والاسمى
- اوليفيه روا: -عولمة الاسلام- تجري بسرعة وكذلك فشل الاصولية
- الترجمة الفلسفية إلى العربية ونحو فلسفة للترجمة


المزيد.....




- سلاف فواخرجي تدفع المشاهدين للترقب في -مال القبان- بـ -أداء ...
- الطيران الإسرائيلي يدمر منزلا في جنوب لبنان (فيديو + صور)
- رئيس الموساد غادر الدوحة ومعه أسماء الرهائن الـ50 الذين ينتظ ...
- مجلس الأمن السيبراني الإماراتي يحذّر من تقنيات -التزييف العم ...
- -متلازمة هافانا- تزداد غموضا بعد فحص أدمغة المصابين بها
- ناشط إفريقي يحرق جواز سفره الفرنسي (فيديو)
- -أجيد طهي البورش أيضا-... سيمونيان تسخر من تقرير لـ-انديبندت ...
- صورة جديدة لـ -مذنب الشيطان- قبل ظهوره في سماء الليل هذا الش ...
- السيسي يهنئ بوتين بفوزه في الانتخابات الرئاسية
- الفريق أول البحري ألكسندر مويسييف يتولى رسميا منصب قائد القو ...


المزيد.....

- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل
- شئ ما عن ألأخلاق / علي عبد الواحد محمد
- تحرير المرأة من منظور علم الثورة البروليتاريّة العالميّة : ا ... / شادي الشماوي


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - حسين الهنداوي - تهافت المشروع البعثي للتطور (1968-2003)