أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فاضل فضة - المعذبون جغرافياً














المزيد.....

المعذبون جغرافياً


فاضل فضة

الحوار المتمدن-العدد: 869 - 2004 / 6 / 19 - 05:13
المحور: الادب والفن
    


تنحسر الشمس ونورها، وتغلق النوافذ على القلب الممتليء حيوية، وعلى العقل المتموّج في المحيط، وتتضاءل الحياة في فضاء روحي بلا حدود في أفق الأرض والكون والمدى.
وأنا الإنسان ولدت للمطلق، بولادة متحررة، يريدون أن اختصر الفضاء وذاتي قصورا قسريا، أن أمارس الغريزة البدائية بعيدا عن التسامي ورقي التفاعل والعطاء الذي كان ثقافتي عبر آلاف السنين.
عبدت النار في ظلام التاريخ، فخدمتني لاحقا.
رمّزت الحجر، فحررته وصقلته فصار بيتا وأرصفة وتحفا للنظر.
بحثت عن اللامحدود فكان إلها أكبر من النظر ومن شعور القلب والأمل.
حاصرته بالحب، فرفضوا، أعادوني واعادوه إلى كهوف الظلام والقهر والتعذيب.
أنا الإنسان، رافض للسلاسل، متمرد على ذاتي، خارج من قلاع الحمقى والدوائر والمساحات والتأطير.
مطلق في تاريخي البشري والكوني، هارب من الضياع، باحث عن الإنسان أينما ولد وأينما كان.
العقل وطني والحرية قوميتي والمساواة والعدالة دستوري.
هجرت أرض الولادة بحثا عن أرض المساحات وعن وجود مسالم، عن قيم أوسع من أفق الغروب، عن الإنسان الذي لم يولد بعد.
ولدت لأكشف الحجب عن كل نظر، ولدت للمشاركة والإبداع. وظيفتي ان احرك الركود والبؤر المزمنة مرضا وإرهاقا.
أنا الإنسان، ابن التكوين الأول وأبن أقدم الحضارات المغتصبة حاضرا.
ابن شعلة النور التي حجبت، وحرية التسامح والقبول بالأخر التى منعت، أنا أبن للعدل والإنسانية.
كنت أول شمعة أضاءت الطريق للبشرية، فأصروا على اطفاء نور الحياة في قلبي، واصروا على سجن الحيوية في عقلي، وخدّروا بالفتات إنسانيتي.
أصبحت ابنا لغابة أمازونية لا تعرف إلا البقاء الركيك، ونسيت الرحمة، نسيت الشعور، وهجرت العالم.
اخترعت التراجع بشعار التقدم، وأنجبت ديكتاتورية الإنسان التي لم تبارح شواطئي منذ عصور الموت والتخدير.
اخترعت حكاما لا يعرفون الجفاف، وأنظمة تقهر الولادة.
قتلت ذاتي، دفنتها في قبور الجهل والتطرف الأسود إلى أبد لا يعرف نهاية.
أصبحت فصيلة لا معنى لها إلاّ في خرافات الحاضر، وصرت البقية في هموم ثقيلة همّها التدمير والقتل واستهلاك الحياة.
تحوّلت إلى بؤس في كيان بيولوجي لا يعرف للسعادة والعيش الآمن أي معنى.
حاصرني القلق في يومي وفي ليلي بدون عواصف. تعلمت الحذر من صورتي بدون أشباح. عدت إلى بدائيتي وأنانيتي، إلى حسد بدون سبب وحقد بدون جذور.
تعلمت منهجية الارتجال وطبقتها أجيالا. أصبحت هلاما وكلاما، خامدا بلا وجود، نائم الزمن الأسود، أنظر بحسرة إلى تقدم الآخرين وحضاراتهم الناصعة إبداعا، متقوقعا على ذاتي من ظلم قبيلتي وعشيرتي وعصابات الموت.
أصبحت ورقة خريفية، إنسانا منهكا تتلاعب به الرياح الملوّثة لإفنائه.
أنا الغض المجروح من حقيقة الألم ولا يعرف أين الدواء.
أنا مريض التاريخ المزمن في مدينة القهر التي لا تعرف التعب. اقتلعت من أرضي ومن تاريخي. حوكمت بدون جريمة، وسجنت بدون قانون، وما زلت هاربا في مكاني وزماني، أبحث عن جغرافيا جديدة، ومناخ أصفى.
حكايتي عجيبة وقصتي غريبة. حكاية الوطن المغتصب من حكايا التاريخ وحضاراته المتعاقبة.
وجودي اسمه النسيان. لم يكتب في وطني الأصلي ولن يكتب أبدا. منبوذ منه ومما تبقى. غريب عن ذاتي مع أنني الأصل بالولادة. مبعد من كل المعادلات والمساومات والماضي والحاضر والمستقبل، مع أنني الضمير والشاهد الأول والأخير على جغرافيا الإنسان وخرائط الأرض التي تنهب وما زالت، كل يوم وكل ساعة..
أنا ابن الكون المعذّب المتجذّر بدون وثيقة.
أنا الإنسان الذي غادر عمره وسجنه وحصاره بحثا عن مطلق الآتي في إنسانية أسمى، في جغرافية أكبر، وحدود لا تعرف التمييز والقهر والظلم والأحكام الجائرة.
أنا ابن الإله الأكبر الذي يرفض أن يحاصره الإنسان بأي اسم أو قانون أو شريعة.



#فاضل_فضة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نكتة الغرب الديكتاتوري المغيب لشعوبه
- من أجل وطن - سورية الجديدة
- لكي لانضيع في حوار الطرشان - دور النخب في الحث والبناء والتع ...
- اعادة الهيكلة السورية - البدء من أسفل الهرم
- في مهب الريح
- شعار الوحدة العربية بين الحلم والواقع المحبط
- أوراق في الاغتراب
- في الإتهام المعاكس
- أكثر من الهزيمة
- الإصلاح في سورية إلى من يهمه الأمر
- الاحتقان العربي


المزيد.....




- بثمن خيالي.. نجمة مصرية تبيع جلباب -حزمني يا- في مزاد علني ( ...
- مصر.. وفاة المخرج والسيناريست القدير عصام الشماع
- الإِلهُ الأخلاقيّ وقداسة الحياة.. دراسة مقارنة بين القرآن ال ...
- بنظامي 3- 5 سنوات .. جدول امتحانات الدبلومات الفنية 2024 الد ...
- مبعوث روسي: مجلس السيادة هو الممثل الشرعي للشعب السوداني
- إيران تحظر بث أشهر مسلسل رمضاني مصري
- -قناع بلون السماء-.. سؤال الهويّات والوجود في رواية الأسير ا ...
- وفاة الفنانة السورية القديرة خديجة العبد ونجلها الفنان قيس ا ...
- مطالبات متزايدة بانقاذ مغني الراب الإيراني توماج صالحي من ال ...
- -قناع بلون السماء- للأسير الفلسطيني باسم خندقجي تفوز بالجائز ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فاضل فضة - المعذبون جغرافياً