أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - شيماء الشريف - ابن عطاء الله السكندري - اسكندراني من بلدي!















المزيد.....

ابن عطاء الله السكندري - اسكندراني من بلدي!


شيماء الشريف

الحوار المتمدن-العدد: 2862 - 2009 / 12 / 19 - 20:31
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


كم سكندري في مصر الآن يعرف ابن عطاء الله، السكندري المولد والنشأة الذي عاش ومات على أرض مصر؟ وكم مصري قرأ التراث الزاخر والكلمات العاطرات التي تركها هذا الصوفي المتميز في أعماله الزاهرات: تاج العروس ولطائف المنن ومفتاح الفلاح والقصد المجرد ثم درة أعماله الحكم العطائية وغيرها من أعماله الخالدات؟ أيعرف أحد إنه كان التلميذ الأنجب للشيخ الصوفي الأشهر عند السكندريين المصريين أبي العباس المرسي، وريث الشيخ أبي الحسن الشاذلي مؤسس الطريقة الصوفية الشاذلية؟ لقد مدح أبو العباس المرسي ابن عطاء وكان لا يزال شابًّا في مقتبل العمر، قائلا: "والله لا يموت هذا الشاب حتى يكون داعيًا إلى الله وموصلاً إلى الله، والله ليكونن لك شأن عظيم! والله ليكونن لك شأن عظيم!" وهو ما تحقق بالفعل بعد سنوات، فأصبح ابن عطاء الله السكندري من عيون التصوف وأيضًا من أعلام الفقه والتفسير، حتى أُطلق عليه قُطب العارفين وتُرجمان الواصلين ومرشد السالكين ولسان المتكلمين.

إنه تاج الدين أبو الفضل أحمد بن محمد عبد الكريم بن عبد الرحمن بن عبد الله بن أحمد بن عيسى بن الحسين بن عطاء الله الجِذامي من قبيلة جِذام العربية التي هاجر بعض أبنائها إلى الإسكندرية المصرية واستقروا بها، حيث وُلد أحمد بن عطاء الله السكندري عام 1260 م (658 هـ)، وقد تلقى ثقافته الأولى في هذه المدينة الساحلية التاريخية الشهيرة، حيث تخصص في دراسة الفقه المالكي حتى نبغ فيه، وفي هذا الوقت، كان ينكر على المتصوفين طريقتهم وعلومهم، حتى أتيحت له الفرصة حوالي عام 1286 م والتقى مع المتصوف الكبير الشيخ أبي العباس المرسي، هذا اللقاء الذي كان نقطة التحول المفصلية في حياته، ولنقرأ ما كتبه بنفسه في كتابه "لطائف المنن" عن تفاصيل هذا اللقاء:
"كنت لأمرِه – أي أبي العباس – من المنكرين، وعليه من المعترضين، لا لشيء سمعته منه، ولا لشيء صح نقله عنه، حتى جرت بيني وبين بعض أصحابه مقاولة، وذلك قبل صحبتي إياه، وقلت لرجل منهم، ليس إلا أهل العلم بالظاهر، وهؤلاء القوم يدعون أمورًا عظيمة، ظاهر الشرع يأباها، ثم قلت في نفسي، دعني أذهب إلى هذا الرجل وأنظر في شأنه فصاحب الحق له أمارات لا تخفى، فأتيت مجلسه فوجدته يتكلم في الأنفاس التي أمر الشارع بها فقال: "الأول إسلام، والثاني إيمان، والثالث إحسان. وإن شئت قلت الأول عبادة، والثاني عبودية، والثالث عبودة. وإن شئت قلت: الأول شريعة، والثاني حقيقة، والثالث تحقق. فمازال يقول: وإن شئت قلت، وإن شئت قلت، إلى أن بهر عقلي، وعلمت أن الرجل إنما يغترف من فيض بحر إلهي ومدد رباني، فأذهب الله ما كان عندي". ويستكمل ابن عطاء الله السكندري قصته قائلاً: "ثم أتيت إلى المنـزل فوجدت معنى غريبًا لا أدري ما هو، فانفردت في مكان أنظر إلى السماء وإلى كواكبها وما خلق الله فيها من عجائب قدرته، فحملني ذلك على العودة إليه مرة أخرى. فأتيته فاستؤذن لي عليه، فلما دخلت عليه قام قائمًا، وتلقاني ببشاشة وإقبال، حتى دهشت خجلا، واستصغرت نفسي أن أكون أهلا لذلك، فكان أول ما قلت له: يا سيدي أنا والله أحبك، فقال أحبك الله كما أحببتني. ثم شكوت إليه ما أجد من هموم وأحزان فقال: "أحوال العبد أربع لا خامس لها: النعمة، والبلية، والطاعة، والمعصية. فإن كنت بالنعمة فمقتضى الحق منك الشكر، وإن كنت بالبلية فمقتضى الحق منك الصبر، وإن كنت بالمعصية فمقتضى الحق منك الاستغفار، وإن كنت بالطاعة فمقتضى الحق منك شهود مننه عليك فيها". فقمت من عنده وكأنما كانت الهموم والأحزان ثوبًا نزعته. ثم سألني بعد ذلك بمدة، كيف حالك؟ فقلت: أفتش عن الهم فما أجده، فقال: إلزم، فوالله إن لزمت لتكونن فقيهًا في المذهبين، يريد مذهب أهل الشريعة من أصحاب العلوم الظاهرة ومذهب أهل الحقيقة من أصحاب علوم الباطن."

وقد تتلمذ ابن عطاء الله السكندري على يد أستاذه أبي العباس المرسي حوالي اثنتي عشرة سنةً، وبعد أن توفي أستاذه، انتقلت إلى ابن عطاء الله زعامة الطريقة الصوفية الشاذلية، وتبوأ مكان أستاذه يلقي المواعظ والحكم ويفسر القرآن تفسيرًا صوفيًّا روحيًّا، ويُنسَب إليه فضل التدوين في تفسير الطريقة الشاذلية حيث لم يترك كلٌّ من أبي الحسن الشاذلي وأبي العباس المرسي تراثًا مكتوبًا. ولا نعرف على وجه الخصوص أسباب تركه الإسكندرية وانتقاله إلى القاهرة، لكننا نعرف أنه كان صاحبَ مجلسٍ في الجامع الأزهر يلقي فيه دروس الفقه والتفسير ويشرح فيه آداب التصوف وتعاليمه، وربما يفسر هذا مغادرته الإسكندرية، فلم يكن فيها مركز علمٍ دينيّ في حجم الجامع الأزهر، وهذا مما يؤكد على أن شهرة ابن عطاء الله قد ضربت الآفاق، مما استدعى انتقاله إلى العاصمة وتدريسه في أكبر مجمع علمٍ دينيّ بها.

وقد عُرف عن ابن عطاء الله السكندري أنه كان عذب الحديث وحلو الكلام، يتميز بعبارات رائقة وبأسلوبٍ راقٍ يضفي إشراقًا وبهاءً على الأفكار التي كان يعرضها شفاهةً أو كتابةً، مما جعل لدروسه أثر كبير في النفوس. ولابن عطاء الله مؤلفات كثيرة، أبرزها وأشهرها كتابه البديع "الحكم العطائية" التي صهر فيها ما تعلمه من خلاصة العلم الباطن بكل آفاقه السماوية وفيوضاته النورانية وجمالياته الربانية، وباستعراض بعض ما ورد في كتاب الحكم، ندرك مقدار ومقدرة هذا الصوفي الكبير على تخطي الحواجز المادية والسفر بالروح إلى رحاب الأنوار القدسية، يقول ابن عطاء الله:

- من علامة الاعتماد على العمل، نقصان الرجاء عند وجود الزلل.
- سوابق الهمم لا تخرق أسوار الأقدار.
- أرح نفسك من التدبير، فما قام به غيرك عنك لا تقم به أنت لنفسك.
- تنوعت أجناس الأعمال بتنوع واردات الأحوال.
- الأعمال صور قائمة، وأرواحها وجود سر الإخلاص فيها.
- ما نفع القلب شيءٌ مثل عزلة يدخل بها ميدان فكرة.
- من علامة الناجح في النهايات الرجوع إلى الله في البدايات.
- تشوُّفك إلى ما بطن فيك من العيوب خير من تشوُّفك إلى ما حجب عنك من الغيوب.
- فأي علمٍ لعالم يرضى عن نفسه؟ وأي جهلٍ لجاهل لا يرضى عن نفسه؟
- لا تصحب من لا ينهضك حاله، ولا يدلك على الله مقالُه.
- ما قل عمل برز من قلب زاهد، ولا كثر عمل برز من قلب راغب.
- لا يعظم الذنب عندك عظمة تصدك عن حسن الظن بالله.
- لا صغيرة إذا قابلك عدله، ولا كبيرة إذا واجهك فضله.
- الأنوار مطايا القلوب والأسرار.
- النور له الكشف، والبصيرة لها الحكم، والقلب له الإقبال والإدبار.
- ما بسقت أغصان ذل إلا على بذر طمع.

ولا أدل على التصوف النوراني لابن عطاء الله السكندري من هذه الكلمات المضيئات اللائي يفضن بعذوبة ويتجلى فيهن جوهر الحياة وحكمة الخلق. وقد توفي المتصوف الكبير عام 1309 م (709 هـ) واحتضنه ثرى مصر الطاهر حيث دُفن في القاهرة في زاويته التي كان يتعبد فيها أسفل جبل المقطم، ولا تزال مقبرته إلى اليوم مزارًا مباركًا يقصدها المئات من العرب والأجانب المسلمين من مريديه ومحبيه، رحمه الله رحمة واسعة وأفادنا بسعة علمه وصفاء روحه وبحور حكمته.




#شيماء_الشريف (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- معاصينا ...
- حول الفتنة الطائفية ..
- إلى مريم العذراء (عليها السلام)
- أقواس الوهم القزحية
- لا أريد أن أكون ..
- هل بيننا مارتن لوثر؟
- اللصوص (عن بيزنس الدين وسماسرة الفتاوى)
- مجرد ... كلمات
- لا تجلسوا فوق الأعمدة !
- دُرَّةُ الزمان .. مكتبة الإسكندرية القديمة
- التعليم من أجل الإبداع
- ومن مِصر ... أشرقت شمسُ الأخلاق
- سيمافور الإسكندرية أو معزوفات التاريخ الروائية
- إيراتوسثينس القوريني
- تغيُّر الفتوى بين المرونة الدينية والضرورة الدنيوية


المزيد.....




- طالب بتسليم السلاح وحل الميليشيات.. مقتدى الصدر يدعو لمقاطعة ...
- يوم عاشوراء في مصر، من المآتم والأحزان إلى البهجة وأطباق الح ...
- مساعد الرئيس الأوكراني يُعلن إجراء محادثة بين ترامب وزيلينسك ...
- غزة تحت النار: عشرات القتلى بسبب القصف وفي طوابير انتظار الم ...
- معاداة السامية .. ترامب في مرمى النيران بسبب -شايلوك-
- إلى أين تتجه ألمانيا: ما رأي الألمان؟
- البوسنة والهرسك: بعد 30 عاما من الحرب.. -آثار الجراح-
- الصين تهدد بفرض زيادة في أسعار البراندي الأوروبي لتفادي الرس ...
- كيف أنقذ الجمهوريون بمجلس الشيوخ قانون -ترامب الكبير-؟
- ماذا يحمل بزشكيان في جعبته إلى قمة إيكو بأذربيجان؟


المزيد.....

- السيرة النبوية لابن كثير (دراسة نقدية) / رحيم فرحان صدام
- كتاب تاريخ النوبة الاقتصادي - الاجتماعي / تاج السر عثمان
- كتاب الواجبات عند الرواقي شيشرون / زهير الخويلدي
- كتاب لمحات من تاريخ مملكة الفونج الاجتماعي / تاج السر عثمان
- كتاب تاريخ سلطنة دارفور الاجتماعي / تاج السر عثمان
- برنارد شو بين الدعاية الإسلامية والحقائق التاريخية / رحيم فرحان صدام
- الانسان في فجر الحضارة / مالك ابوعليا
- مسألة أصل ثقافات العصر الحجري في شمال القسم الأوروبي من الات ... / مالك ابوعليا
- مسرح الطفل وفنتازيا التكوين المعرفي بين الخيال الاسترجاعي وا ... / أبو الحسن سلام
- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - شيماء الشريف - ابن عطاء الله السكندري - اسكندراني من بلدي!