أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - شيماء الشريف - معاصينا ...















المزيد.....

معاصينا ...


شيماء الشريف

الحوار المتمدن-العدد: 2850 - 2009 / 12 / 6 - 17:49
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


في أزمنة الإحباط والانحطاط الفكري والأخلاقي، تظهر جماعات ممن لا يظهرون إلا في ظل هذه الظروف المتردية لاستغلال الأزمات النفسية التي يعيشها العامة من الناس بهدف غرس أفكار معينة لم يكن العامة ليقبلونها لو أن ظروفهم أفضل. فما من شكٍّ في أن الإحباط الشديد من الدنيا وانعدام الأمل في المستقبل وانهيار الأخلاق وانتشار الفساد وتوحش الفقر وتولي الأصاغر مقاليد الأمور وتقزيم الكبار وتهميش العلم وسيادة الخرافة، يجعل الفرد شديد التعلق بأي أمل غيبيّ، بل يكون لديه الاستعداد التام لتصديقه على الفور دون أن يُعمل عقله ولو لهنيهة، إن هذه الغيبيات هي طوق النجاة الوحيد الباقي له ليستمر على قيد الحياة. لقد غرست الطبيعةُ فينا جميعًا عشق الحياة والتفنن في التشبث بها، وفي علم النفس توجد أكثر من عشر حيل نفسية دفاعية يستخدمها الإنسان لتطييب خاطر نفسه ومداواة جراحه، تدور كلها في غياهب سراديب نفوسنا التي نجهل عنها أكثر مما نعلم.

وتحت هذه الآمال الغيبية يندرج ما يسمى بالوعي الأخروي أو La Conscience Escatologique، وهو خطاب يعتمد على إنتاج صور مفزعة غاية في الرعب والقتامة عن أهوال يوم القيامة وعن المقدمات التي تنذر بمجيئه، ويعتمد من يروج هذا الخطاب على أن من سيسمعه لن يجرؤ على الرد وذلك لأن القائل يتسربل بالرداء الديني المقدس ويعتقد في نفسه امتلاك الحقيقة المطلقة وهو يتحدث بثقة وكأنه الوحيد الذي لن يشهد الأهوال التي يُمعن في وصفِها، كما أنه يبني على الأساطير والخرافات المتجذرة أصلاً في الوعي الجمعي للناس. إن هذا الخطاب - في نهاية الأمر - خطابٌ قمعيٌّ لا يعتمد على التفكير بأي حال من الأحوال، لأن محاورات العقل تُفرغه من مضمونه، إن هذا الخطاب يشيد صرحَه الواهي معتمدًا على السمع والطاعة.

ومن معالم هذا الخطاب ذكر تفاصيل علامات الساعة والتنبؤ باقتراب يوم القيامة بعد عدد معين من السنين أو القرون، وكذلك الحديث عن أن معاصينا وفواحشنا هي التي ستعجِّل بقيام الساعة نتيجة لغضب الله علينا، وأن الدنيا سوف تُملأ عدلاً بعد أن مُلئت جورًا على يد أفراد بعينهم سوف يعودون للظهور في آخر الزمان: المهدي المنتظر في معتقد البعض والسيد المسيح عليه السلام في معتقد البعض الآخر. ويرتكن من يروجون لهذا الخطاب على حديث للنبي محمَّد عليه الصلاة والسلام قاله في وصف ما رآه يوم الإسراء والمعراج، وأحاديث أخرى متفرقة تتحدث عن علامات الساعة. ولابد أن أوضح أولا إنني أتبع منهج الإمام الأعظم أبي حنيفة النعمان في الشك في الآلاف من الأحاديث المنسوبة إلى النبي الكريم، كما أشارك الإمام الأعظم في الاعتقاد بصحة عدد محدود جدًّا منها، هي تلك التي تتوافق مع الخطاب القرآني ومع روح رسالة الإسلام، وليس من بين ما يتفق مع الخطاب القرآني ولا مع روح الرسالة العظيمة العلم التفصيلي بالغيب. إن الغيب من الأمور التي خصَّ الله تعالى ذاته العلية بها، وهذا معناه أنها مَعلَمٌ أصيلٌ من معالم ألوهيته ووحدانيته، ولأنه ليس كمثله شيء ولا شريك له في ملكه، فإنه لا يمكن أن يُشرك أحدًا من عباده في معرفته الإحاطية الأزلية التي لا يحكمها زمنٌ ولا تحدُّها ساعة.

ومن الثابت في أحاديث الأثر أن الرسول عليه الصلاة والسلام كان أحيانًا يخبر من حوله بأمور غيبية تخصُّهم مثل قوله لعبد الرحمن بن عوف إنه لن يدخل الجنة إلا حبوًا لثرائه الواسع، أو ما ذكره وهو يحمل حفيدته الوليدة زينب أخت الحسن والحسين حين دمعت عيناه وهو يقول إنها سوف تقاسي ويلات كثيرة، أو نبوءته لابنته فاطمة الزهراء بأنها ستكون أول أهل بيته لحاقًا به بعد وفاته، وغير ذلك من المواقف. لكن، هذه الفيوضات الربانية المتقطعة لا تعني علمه التفصيلي بالغيب، وذلك أولاً لتأكيده المتكرر على بشريته التامة والتي أكدها أيضًا القرآن الكريم في آيات كثيرة، وكذلك لأن علم النبي الكامل بالغيب بالتفصيل المدهش الذي نقرأه في بعض الأحاديث يجعله مساويا لله تعالى في علمه ... حاشا لله عز وجل.

من ناحية أخرى، إن المعاصي موجودة منذ أن قتل قابيل أخاه هابيل وإلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، وفي زمن الرسول الكريم وفي أزمان غيره من الأنبياء كانت هناك معاصي وفواحش متنوعة ومختلفة منتشرة في أرجاء الأرض، ولو لم توجد هذه المعاصي والفواحش لما كان هناك لزوم للأنبياء، أما الحديث عن معاصي آخر الزمان، فقد تبناه المتشددون من كل جنس ولون عبر التاريخ، وكان يحلو للكثيرين التنبؤ بنهاية العالم لأسباب أرجعوها في بعض الأحيان إلى نصوص مقدسة وفي أحيان أخرى إلى خيالهم الواسع. ولا يجب أن ننسى الرعب الذي اجتاح أوروبا عند مقدم عام 1666 لأن الرقم 666 هو رقم وحش آخر الزمان المذكور في سِفر الرؤيا آخر أسفار الكتاب المقدس حيث يتحدث هذا السِفر عن نهاية العالم، مما دعا البعض في هذا الوقت إلى تفسير أن هذا العام سيكون نهاية العالم، وجاء عام 1666 ورحل وجاءت بعده خمسة قرون حتى يومنا هذا ولم ينتهِ العالم. وعبر تاريخ المسلمين،كان هناك طغاة سفاحون وخلفاء ظالمون ومجرمون، كما كان هناك زناة ولصوص، وكانت هناك معارك أسال فيها المسلمون دماءَ بعضهم البعض أنهارًا، كما حدثت مظالم أفظع من أن يستوعبها العقل، ولم ينتهِ العالم أيضًا.

إن فكرة معاصي آخر الزمان فكرة أسطورية لا وجود لها على أرض الواقع لأن المعاصي موجودة في كل زمان وفي كل مكان وستظل موجودة، كما أن فكرة سواد الحق والعدل في آخر الزمان فكرةٌ أكثر أسطورية كانت تروجها في الأغلب دول الحكم القمعي للسُذج من العوام حتى يتلهى الناس بها ويتركون الحكام وأتباعهم وجوقاتهم يرتعون في خيرات الدنيا التي نهبوها من العامة. وإليكَ أيها القارئ العزيز أمثلةً بسيطة مما حدث قديمًا في تاريخ المسلمين على وجه التحديد لتعرف أن آخر الزمان وأوله لا علاقة له بالمعاصي ولا بيوم القيامة التي ستقوم لا محالة في الوقت الذي حدده الله تعالى دون أن يرتبط الأمر بمعاصينا:

- في زمن الخلافة الأموية تم قصف الكعبة المشرفة بالمنجنيق مرتين على يد الحجاج بن يوسف الثقفي الذي هدمها على رأس من فيها، مما عطل الحج في هذا الوقت عدة سنوات، ثم قُتل عبد الله بن الزبير وابن السيدة أسماء بنت أبي بكر الذي كان محتميا بها، ثم دخل الحجاج بن يوسف الثقفي إلى المدينة بعد ذلك وسعى إلى طرد صحابة النبي عليه الصلاة والسلام منها والختم على أيديهم بالرصاص وكان منهم أنس بن مالك رضي الله عنه ... فهل هناك كارثة أكبر من هذه؟

- وقبل زمن الحجاج، اجتاح جيش يزيد بن معاوية مدينة الرسول الكريم في موقعة الحَرَّة، حيث تمت استباحة المدينة من سرقة وقتل ونهب لمدة ثلاثة أيام، تم خلالها اغتصاب ألف عذراء، وتوقفت المناسك وإقامة الصلاة في مسجد الرسول عليه الصلاة والسلام طوال هذه المدة، وكل ذلك تم على أيدي مسلمين ضد إخوانهم ... فهل هناك معاصي أكبر من هذا؟

- قُتل الحسين بن علي رضي الله عنهما - حفيد النبي عليه الصلاة والسلام وقُرَّة عينه - في كربلاء، وتم التمثيل بجثته، وأُرسلت رأسه إلى يزيد من معاوية، وكان في يد هذا الأخير قضيب فأخذ يمرره مستهزءًا على وجه الرأس المقطوع في حضرة أخت الشهيد حفيدة النبي الكريم السيدة زينب رضي الله عنها التي كانت إحدى السبايا في هذه المعركة ... فهل هناك مصيبة أعظم من تلك؟

- أرسل الأديب عبد الله بن المقفع إلى الخليفة العباسي أبي جعفر المنصور رسالة وجهها لنصيحته كحاكم بعنوان "رسالة الصحابة"، فاعتبرها الخليفة تعديا للحدود معه، فأمر بقتل الأديب الموهوب بأغرب طريقة يمكن أن تخطر على عقل إنسان: أمر بتقطيع أوصاله إصبعًا إصبعًا وبِشَيِّها ثم بإجباره على أكلها!! ... فهل هناك إجرام ومعاصي أكبر من هذا؟

وغير ذلك مما يستعصي على الحصر .. وما يتطلب مجلدات لشرحه شرحًا وافيًا...

إن معاصينا الحقَّة تتجلى في أننا هجرنا العلم وأحرقنا سُبُلَه وأهملنا العمل ودمرنا دروبه وعشنا عالةً على الأمم الأخرى نتسول من طعامها ونستهلك منتجات علمائها ونؤذن صارخين للصلاة في مكبرات الصوت التي اخترعوها ونسجِّل القرآن المرتَّل على الهواتف الجوالة والأقراص المدمَّجة التي ابتدعوها، ولم نكتفِ بذلك، بل سمحنا لشرذمة من المدعين الجهلاء أن يتحكموا في عقولنا وأن يصبوا فيها من أفكارهم المتعفنة ومن نفوسهم الخربة ما من شأنه أن يثبط هممنا وعزائمنا، وما يجعلنا تابعين لهم على الدوام معتقدين أن طريقهم هو طريق الخلاص من أفلام الرعب التي كتبوا سيناريوهاتها بكل اتقان، مع أن هدفهم الأسمى ليس بأي حال هداية البشر، ولكن تكديس ومضاعفة ثرواتهم البترودولارية مع التمتع بالسيطرة والزعامة وتبعية التابعين ... هذه هي حقًّا معاصينا التي يجب أن نفكر كثيرًا قبل أن نعرف بماذا سندافع عن أنفسنا أمام الله تعالى عندما يسألنا عنها؟



#شيماء_الشريف (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حول الفتنة الطائفية ..
- إلى مريم العذراء (عليها السلام)
- أقواس الوهم القزحية
- لا أريد أن أكون ..
- هل بيننا مارتن لوثر؟
- اللصوص (عن بيزنس الدين وسماسرة الفتاوى)
- مجرد ... كلمات
- لا تجلسوا فوق الأعمدة !
- دُرَّةُ الزمان .. مكتبة الإسكندرية القديمة
- التعليم من أجل الإبداع
- ومن مِصر ... أشرقت شمسُ الأخلاق
- سيمافور الإسكندرية أو معزوفات التاريخ الروائية
- إيراتوسثينس القوريني
- تغيُّر الفتوى بين المرونة الدينية والضرورة الدنيوية


المزيد.....




- العجل الذهبي و-سفر الخروج- من الصهيونية.. هل تكتب نعومي كلاي ...
- مجلس الأوقاف بالقدس يحذر من تعاظم المخاوف تجاه المسجد الأقصى ...
- مصلون يهود عند حائط البراق في ثالث أيام عيد الفصح
- الإحتلال يغلق الحرم الابراهيمي بوجه الفلسطينيين بمناسبة عيد ...
- لبنان: المقاومة الإسلامية تستهدف ثكنة ‏زبدين في مزارع شبعا ...
- تزامنًا مع اقتحامات باحات المسجد الأقصى.. آلاف اليهود يؤدون ...
- “عيد مجيد سعيد” .. موعد عيد القيامة 2024 ومظاهر احتفال المسي ...
- شاهد..المستوطنين يقتحمون الأقصى في ثالث أيام عيد -الفصح اليه ...
- الأردن يدين سماح شرطة الاحتلال الإسرائيلي للمستوطنين باقتحام ...
- طلاب يهود بجامعة كولومبيا: مظاهرات دعم فلسطين ليست معادية لل ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - شيماء الشريف - معاصينا ...