أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبدالحميد البرنس - إني لأجد ريح نهلة














المزيد.....

إني لأجد ريح نهلة


عبدالحميد البرنس

الحوار المتمدن-العدد: 2851 - 2009 / 12 / 7 - 00:18
المحور: الادب والفن
    



صدر كاعب.
ملامح دقيقة.
خصر قال الوهاب له كن فكان ولا أضيق.
على كتفيها، حيث أضاف الخالق لمسته الأخيرة، ثمة شعر فاحم ينسدل مثل ليل سرت في حلكته دعوات القائمين الثلث أو يزيد قليلا.
أما إبتسامتها، أما إبتسامتها "الساحرة الوادعة الرقيقة الحانية"، أما إبتسامتها "ذات الصفاء والبهاء والرواء"، أما إبتسامتها "التي أذابت ركبتي على سعير الدهشة ومارأفت؛ فلا حول ولا قوة إلا بالله"!.

كذلك، في زحام ذلك العرس، حين بدأ يخرق الأرض بشاربه الوليد بالغا به جبال العاديات طولا، رأى نهلة، شقيقة العريس، كما لم يرها من قبل. "أجل نهلة، نهلة نهلة، وماأدراك ما نهلة"؟.


"تبارك الله أحسن الخالقين"، همس في نفسه. ثم شرع يترصدها في ما تبقى من نهار أترعت جوانحه بالولائم وأنغام الصبايا وزغاريد النسوة الجميلات. وقد أدرك، دفعة واحدة، أن ماهز كيانه، على ذلك النحو، كان ولاريب أوانُ زراعته.. بذرة إحساسه العذب تعلن عن ذاتها في ما هي تتوغل هناك.. بعيدا بعيدا.. شاقة طريقها إلى أعماقه السحيقة بيسر ولاهوادة.. قبل أن تتلألأ في الحال زهرةً معطارة زكية.. تزين أرض عواطفه البكر.. حيث لا إختلاج نما.. حتى تلك اللحظة.. سوى "دغل كراهية الشيطان" و "أعشاب حب الوالدين.. تقاة الناس.. وخالقهم من عدم".

لكأني به ينشد قائلا:

عيون المها.... بين الرصافة والجسر
جلبن الهوى من حيث أدري ولا أدري


ليلا، قبيل زفاف شقيقها، بعد محاولات أمسكت الرهبة والحياء بأقدامها، نجح أخيرا في الدنو منها، بينما كان يتناهى من مكان أشبه بعبق تاريخ حميم، مبينا الغاية والوسيلة، شارحا الهامش والمتون، واصفا نضار الطريقة والطريق؛ صوتُ شيخه ابن حزم الظاهري:
"وأقصى أطماع المحب ممن يحب المخالطة بالأعضاء.. إذا رجا".

"مبروك"، قال.
ولم ينس:
"إن شاء الله عقبالك".
سحبتْ راحتها الدقيقة من باطن كفه في دلال. وقالت لحظة أن أخذ يكابد بالكاد وهج الأنوثة المتدفق من مدار وجهها حديثا: "الله يبارك فيك.. وإنت كمان عقبالك". كان بهاء الحفل وضجيجه يختفيان في ظل كلماتها الحيية الوامضة.
منذ تلك اللحظة، ولسنوات ملء أيامها الإشراق، صار مسكونا بعشق نهلة. "أتتبع فقر حركتها ذا الادقاع وغنى سكناتها. أجردها بعين خيالي فأراها كملكة ساعة الوصل مغسولة ندية. أسرج بعير إنتظاري خلف نافذة دارنا المطلة على دارها. أترقب طلعتها تاليا ما تيسر من آيات الهوى والصبر الجميل:


ولما أن جلتك لي اختلاسا
أكف الدهر للحين المتاح
رأيت الشمس تطلع من نقاب
وغصن البان يرفل في وشاح
فلو أسطيع طرت إليك شوقا
وكيف يطير "مقصوص الجناح


لأسباب، ما زال يخجل من ذكرها، كان يكتفي من الحب بالنظر. وحين تغيب من مجاله البصري محتجبة داخل دارهم لأيام، ويمضه رهق الشوق إليها، كان يخلع نعليه، كي يقابله هناك، في سجوده الطويل، طالبا منه، وهو المانع العاطي، أن يتقبل منه دعوتين إثنتين ولا ثالثة:


"اللهم.. خالق الذكر والأنثى.. اجعل نهلة من نصيبي.. وأرزقنا ثلاثة أبناء من الذكور.. واحد لنصرة المسلمين.. الآخر لرعاية والديه.. أما الثالث فأنت أعلم به منا. واللهم.. رب ابن عباس حبر الأمة.. وعلي بن أبي طالب باب مدينة العلم.. إدخلني جامعة الخرطوم.. فهي مفتاح الفرج لعبد فقير مثلي.. فمن لم يدرس باللغة الإنجليزية وأنت العليم بباطن الآمور فلا مستقبل له". لكنه لحكمة لا يعلمها إلا هو أدخله " دار العلوم".


في هذه اللحظة.. أذكر رنين ساعة حائط انجليزية قديمة.. إرتعاش حافة شاربي الذي نما.. وسحابة من حزن غامض عبرت سماء عينيها السوداوين.. عندما أخبرتها في حشد من الجيران بسفري الوشيك إلى أرض الكنانة. حتى الآن.. ما زال يتساءل آناء الليل وأطراف النهار: "هل كانت تهجس لحظتها بكل ما سيجري أثناء غيابي الطويل"؟.
في سنوات الدراسة المتخمة بالرسوب، بُعيد خيام الجرجاني، أوشامَ قواعد الخليل بن أحمد، أوحتى عند شروح ابن طباطبا؛ كان يتلقف أخبارها.. يتسقطها من هنا وهناك. وفي كل مرة.. لذات الأسباب ربما.. كان يسلك للسؤال عنها طرقا ملتوية وصيغا غامضة.. وكان طيفها يطل دائما دائما.. من أروقة "دار العلوم".. مثل نسمة صبر تمنح المعنى لكلمات "جعجع" و"مجمجم" و"عقنقل".


ما إن يحل عليه مساء آخر حزين، حتى يكف عن عادة الطواف حول غرفة السطح المؤجرة، يغالب هوان الغرباء، دمع البين، وأشياء أخرى. وإذا المآقي نضبت.. وغار ماؤها في صحراء الفقد ولا أمل.. يبدأ النظر في أسى إلى سماء القاهرة المضيئة.. وليس ثمة من عزاء سوى النشيد:


ليالي بعد الظاعنين شكول
طوال وليل العاشقين طويل
يبن لي البدر الذي لا أريده
ويخفين بدرا ما إليه سبيل


هكذا.. عند تشابك الهواجس واضطرام الضعف اللذيذ.. كنت أخلع نعلي.. كي أقابله هناك.. داخل صحن الجامع الأزهر.. طالبا منه هذه المرة إستجابة دعاء من أهلكه ثقل الحنين: "اللهم.. ربَّ السبعة.. الذين ستظلهم بظلك.. يوم لا ظل إلا ظلك.. لو لا تصرف عني سحر المصريات.. أصبو إليهن.. وأجهل حب نهلة.. فثبت أقدام العاشق.. واحفظ نهلة في غيابي.. وقِها.. مجيبَ الدعوات.. شرَّ غريم أجهله.. آمين".






ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- وداع في صباح باهت بعيد
- ملف داخل كومبيوتر محمول
- لغة
- نصّان
- زاوية لرجل وحيد في بناية


المزيد.....




- فيلم -صائدو شياطين الكيبوب- يحقق نجاحًا باهرًا.. ما سرّه؟
- موسيقى -تشيمورينغا-.. أنغام الثورة في زيمبابوي
- قائد الثورة الإسلامية يعزي برحيل الفنان محمود فرشجيان
- -عندما يثور البسطاء-: قراءة أنثروبولوجية تكسر احتكار السياسة ...
- مدن على الشاشة.. كيف غيّرت السينما صورة أماكن لم نزرها؟
- السعودية.. إضاءة -برج المملكة- باسم فيلم -درويش-
- -الدرازة- المغربية.. حياكة تقليدية تصارع لمواكبة العصر
- بيت جميل للفنون التراثية: حين يعود التراث ليصنع المستقبل
- هرر.. مجَلِّد الكتب الإثيوبي الذي يربط أهل مدينة المخطوطات ب ...
- هرر.. مجَلِّد الكتب الإثيوبي الذي يربط أهل مدينة المخطوطات ب ...


المزيد.....

- نقوش على الجدار الحزين / مأمون أحمد مصطفى زيدان
- مسرحة التراث في التجارب المسرحية العربية - قراءة في مسرح الس ... / ريمة بن عيسى
- يوميات رجل مهزوم - عما يشبه الشعر - رواية شعرية مكثفة - ج1-ط ... / السيد حافظ
- . السيد حافظيوميات رجل مهزوم عما يشبه الشعر رواية شعرية مك ... / السيد حافظ
- ملامح أدب الحداثة في ديوان - أكون لك سنونوة- / ريتا عودة
- رواية الخروبة في ندوة اليوم السابع / رشيد عبد الرحمن النجاب
- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبدالحميد البرنس - إني لأجد ريح نهلة