الطيب آيت حمودة
الحوار المتمدن-العدد: 2836 - 2009 / 11 / 21 - 23:51
المحور:
السياسة والعلاقات الدولية
لا يهمني الفائز والخاسر في هذه المقابلة ، ولا يسعدني ماآل إليه المنهزم من هوس التهجم على كل القيم مهما كانت نفيسة ، ومهما كانت مقدسة ، كل ما يهمني هو وضع الحادثة في حجمها وإطارها الحقيقي ، ولإقتناع بأن ماحدث له افرازات ، و عرى عن حقيقة العرب أولا ،والمسلمين ثانيا ، فأصبح فضلاء الأمة يستقبلون لكمات الطيش الكروي عن رحابة صدر باسم وطنية الكرة ، لا وطنية الدولة . وأصبحنا فرجة سائغة لأعدائنا في الداخل والخارج ، حتى بلغ التشفي الصهيوني مبلغة بالدعوة إلى تقديم النصح لتصالح الأخوة الأعداء .
**فا لمعركة وإن لم تكن غير متكافئة إعلاميا فقد أفرزت حقائق جوهرية للمتتبعين للحدث ، وعثرات بائنة بامكانها أن تكون منطلقا للحداثة والتغيير في مختلف الوجوه ، بالرغم من انغراس قناعة في وجداننا أن أمتنا لا تتعظ ، ولا تتعلم من هزائمها، فهي دائمة النكسات ، بل تتغذى من نكساتها التي لا تنتهي ، وتعيد اجترارها بأكثر حدة من سوابقها .
**ولو طبقنا معيار التجارة ، ووزننا مبلغ الربح والخسارة ، لاتضح أن الكرة المستديرة التي جرت وقائعها في ستاد القاهرة ، وملعب المريخ السوداني ، بين الفريقين المصري والجزائري لاتضح أن الخسائر بلغت مداها ، فقد تفوق في حجمها المعنوي خسائر الحرب الباردة ، بين المعسكرين الشرقي والغربي ، أو أنها في حجم الصراع الصهيوني العربي، أو السني الشيعي ، ويختصر جانبها الايجابي في بلوغ فرحة عارمة عندنا ، بدت على وجوه الجميع كبيرهم وصغيرهم ، مثقفيهم وجاهليهم تحسب جزافا ، وتعلق في مسجب الوطنية ، و تلك وطنية زائفة في تقديري ، لأن مجالات إبراز الوطنية الحقيقية أغلقت في وجوه المواطنين المخلصين في كل بلداننا . فالجزائر وإن تمتعت بنوع من الإرتياح النسبي بفضل الانتصار ، وتحقيق النظام ربحا معنويا في استحقاقات سياسية قادمة ، قد تجعل من المعارضة سلاحا غير مجدي لا عتماد بوتفليقة على السند الرياضي ، الذي يعد حاليا بعبعا وسبيلا أفيد لبلوغ المناصب العليا في البلاد أو البقاء فيها .
**ولو عدنا إلى وزن وتقدير نواتج الواقعة أوالمقابلة في وجهها الكلامي ، والانفعالي ، والشحن باسم الوطنية لوجدناها متعددة لا حصر لها .
*أولا / على مستوى المجتمع ، أحدثت شروخات واضحة بين الشعبين ، فأصبح سلاح تبادل الشتائم والاتهامات بارزا واضحا ، وان كان بروزه جليا على الجبهة المصرية لدواعي تفوقها الإعلامي ، وجسارة إعلامييها ، وتعدد قنواتها العمومية والخاصة ، غير أن هذا التفوق عاد بالوبال عليها ، لأن كل ما قيل فيها ، هو ضرب من التجني والافتراء بسبب الصدمة التي أحدثتها الهزيمة غير المرتقبة بمنظور الرياضيين العنصريين الذين لا يقبلون إلا الإنتصار دون الانكسار ؟ وذاك لا يتطابق ومنطوق حكم الكرة الذي يجب أن يكون فيه الرابح والمنهزم . وهو ما أفقد وسائل الإعلام المصرية مصداقيتها وتبيان ضحالة مصادرها ، ورغبتها في التجني على الجزائر ولو بأبشع الافتراءات ؟ وذاك ما جعلها مصدر سخرية ، وكلفها جلدا بغير عصية .
*ثانيا / خلق عداوات جديدة للمصريين مع الجيران ، حتى البلد المحتضن للمقابلة الفاصلة لم يسلم من التهجم ، رغم الجهد التنظيمي المتقن ، والإمكانات المسخرة ، وهو قد وفق في ضمان إجراء مقابلة غير عادية ، في ظروف عادية ، بفضل حكمة الشعب السوداني ، في احتضانه الجميع على قدم المساواة والعدل ، وهي شهادات تحسب للسودان وتدون في الطروس حتى لا ينتابها النسيان ،
*ثالثا / تفاقم الصراع الكروي ، وتحوله إلى تهجم الأنصار على الممتلكات، حرق وإتلا ف مقرات أوراسكوم في الجزائر ، وحصار مقر السفارة الجزائرية بالقاهرة ، واستدعاء مصر سفيرها للجزائر للتشاور ، وعقد مبارك لمجلس الأمن القومي المصري ، وتوجيه إنذار شفوي مصري للسودان باتهامها بعدم القدرة السيطرة على الموقف . زيادة على ما وقع من احتكاكات بين أنصار الفريقين ، في القاهرة وأم درمان وتكسير لنوافذ الباص الناقل لأعضاء الفريق الجزائري ومثله وقع ضد باص أنصار مصريين .
*رابعا/ تدهور العلاقات الإعلامية بين إعلامي مصر وإعلامي بعض الدول العربية ، اتهامات بتحيز بعض القنوات الفضائية المغاربية ، والجزيرة ، والعربية ، وأبو ظبي ، للجزائر ، وسعي نقابة الفنانين مقاطعة الفانين الجزائريين في جميع المحافل العربية والعالمية. وتهديد بعض المثقفين بالخروج من جامعة الدول العربية ، بعد خيبة الأمل والنكسة ، وتألب بعض العرب ضدهم حسب اعتقادهم .
*خامسا / انتكاسة فعلية للقومية العربية التي أثبت بأنها بدون مفعول ، وهي حبر على ورق ، وأنها سراب يجب انجلاؤه ، بفعل التهجمات التي قيلت في حق الجزائريين ووصفهم بالبرابرة الهمج ، وهو ما نمى قناعات بأن سكان افريقيا الشمالية أمازيغ ، ولا علاقة لهم بالقومية العربية ، التي فرضت عليهم فرضا من طرف المتشبعين بالفكر القومي العربي أيام ازدهاره في عهد جمال عبد الناصر . وبذلك تهاوت الأغاني الممجدة للعروبة في قاموس جل من يصنفون تحت لواء الجامعة العربية .
*سادسا / انتقال بوادر التنابز والصراع بين الجاليات الجزائرية والمصرية في كثير من الدول العربية والعالمية ، في السعودية، والإمارات ، و غزة ، وإيطاليا ، وفرنسا ...الخ . وهو ما ينذر بانتكاسات أعمق في حق العرب مستقبلا . واتضح جليا للغرب ، مدى عمق و خطورة التمزقات الموجودة بين ما يعرف بالأمة العربية ..؟
*سابعا / اتضاح سذاجة العرب ، في عيون الغرب ، في فكرهم ، والمراهقة في تصرفاتهم لأسباب تبدو تافهة لهم ، وهم ما عمق إدراكهم أننا أمة تتقاتل على حبة تمر، ، وتتحارب على ناقة عرجاء ، وهم الذين عايشوا نفس الوقائع لكن بعقلانية وحزم ، وما وقع في مقابلة فرنسا وايرلندا من تسامح بين الفريقين رغم تسجيل فرنسا لهدف غير شرعي بشهادة اللاعب تيري هنري ، الذي اعترف بلمسه الكرة بيده قبل تمريرها لزميله جالاس لتوقيع هدف التعادل .، فتأسف هنري لذلك ، وصرح الرئس ساركوزي بأن الأمر لا يعنيه تماما ، فهو من شغل واختصاص رابطة الكرة وأهل الكرة بين البلدين ؟
*ثامنا / اتضاح هشاشة الرابطة الإسلامية، التي كثيرا ما ينظر إليها بأنها عامل وحدة لا فرقة ، واتضح أن الدين لا قيمة له أمام النزوع الوطني ، وعصبية الكرة . وهو ما اتضح على مسار التاريخ الذي تميز بالحرابة ، وسالت دماء المسلمين في صراعاتهم أكثر من سيلانها على قضايا الفتح ونشر الإسلام أوالتمكين له . وحرب السعودية واليمن معا ضد الحوثيين أفصح دليل عن ذلك .
*تاسعا / اضمحلال فرص التعاون الاقتصادي والثقافي والفني بين الدولتين المصرية والجزائرية ، واحتمال ضياع حتى الاستثمارات القائمة على مستوى أوراسكوم والمقاولين العرب . وأصبح منطق التنافر والحرابة منطقا سلبيا في تعاملات العرب فيما بينهم .
*عاشرا / تشفي اليهود في العرب ، وتأكدهم الراسخ بأن العرب لن تقوم لهم قائمة ، ولن يحد ث لهم أي اتحاد ،وهم الذين استنكروا الخلاف ،وحرصوا على ضرورة تخطي الأمر بالدعوة إلى التوفيق بين الطرفين المصري والجزائري .
نافلة القول ، أن مقابلة كرة قدم حولت ما يسمى العالم العربي إلى انفجار مدوي ترددت أصداؤه في لندن ، وباريس ، ومرسيليا ، وروما ، و هددت مصالح مواطنين أبرياء ، و انغرس أسفين الحقد والكراهية الذي قد لا يختفي أثره أبدا ، والخاسر الأكبر في الفعل هي مصر بفشل استراتيجيتها السياسة المبنية على كرة طائشة، وفقدان إعلامها مصداقيته عند العرب ، لأساليبه التهجمية غير المؤسسة ، وانتكاس الشارع المصري جميعه لوعود قدمت، وأحلام رسخت ، لسراب كروي غير مضمون العواقب والنتائج ، وقد تكون عقوبة الفيفا قاسية على كرة مصر ، وصدق أحد الجزائريين الذي قال أخرتمونا في التأهل لكاس العالم أربعة أيام ، وأخرناكم عنها أربع سنوات .
#الطيب_آيت_حمودة (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟