أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان - عبد الغفار شكر - البنية الثقافية للنخبة المصرية ( 3)















المزيد.....


البنية الثقافية للنخبة المصرية ( 3)


عبد الغفار شكر

الحوار المتمدن-العدد: 2800 - 2009 / 10 / 15 - 20:11
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان
    


2-النخبة التقليدية وتوجهاتها الثقافية:
للنخبة التقليدية تاريخ طويل فى مصر يعود إلى القرون السابقة للقرن التاسع عشر وارتباطها بالثقافة الإسلامية، وإذا كانت النخبة فى هذه الفترة تتكون أساساً من رجال الدين ومن التجار الذين كان بعضهم من خريجى الأزهر، فإن النخبة التقليدية المعاصرة تتكون من دائرة أوسع فهى تشمل خريجى الأزهر الذى تحول إلى نظام كامل للتعليم الدينى يشمل التعليم الابتدائى والثانوى والجامعى وتنتشر مدارسه ومعاهده وكلياته فى جميع قرى مصر ومدنها ومحافظاتها، وقد ازداد عدد الملتحقين بهذا التعليم أضعافاً مضاعفة فى السنوات الثلاثين الأخيرة، ويبلغ عددهم بضعة ملايين، وإلى جوارهم أعداد كبيرة من الدعاة الإسلاميين المنتشرين فى المساجد الأهلية والزوايا الدينية، ومعظمهم من الذين تلقوا تعليماً عصرياً فى المدارس والجامعات الحكومية، ولكنهم متأثرون بشدة بالفكر الإسلامى التقليدى، وهناك أيضاً أعضاء وقيادات المنظمات الاجتماعية الإسلامية كجمعية الشبان المسلمين وجمعية شباب محمد والجمعية الشرعية وغيرها، والمنظمات السياسية الإسلامية كجماعة الإخوان المسلمين وجماعة الجهاد والجماعية الإسلامية. وبذلك فإن النخبة التقليدية المعاصرة فى مصر تشكل دائرة واسعة من فئات اجتماعية متنوعة كخريجى وطلاب الأزهر والدعاة الإسلاميين المستقلين والجماعات والمنظمات الإسلامية الاجتماعية والثقافية والسياسية، ويتوزع هؤلاء على مختلف الطبقات الاجتماعية، ولكنهم يتركزون بصفة أساسية فى الفئات الوسطى، وهم فى مستويات تعليمية متعددة جامعية وثانوية وأقل من ذلك.
وقد اكتسبت النخبة التقليدية نفوذا فكرياً وثقافياً متزايداً فى السنوات الأخيرة، وإذا كانت النخبة العصرية قد زاحمتها خلال القرنين التاسع عشر والعشرين وكسبت منها مواقع تأثير هامة فى المجتمع حتى أصبحت تحتل المكانة الأولى فى الواقع الفكرى والثقافى فى منتصف القرن العشرين، فإن النخبة التقليدية استعادت نفوذها ووسعت نطاق تأثيرها فى الربع الأخير من القرن العشرين على أرضية احتدام الأزمة الاقتصادية الاجتماعية السياسية فى مصر واستبعاد السياسة من المجتمع. وتوفرت للنخبة التقليدية روافد جديدة من خريجى الجامعات الحديثة والتعليم المدنى وما تزال تواصل تقدمها على جبهة الفكر والثقافة وعلى الجبهة السياسية أيضاً.
ويندرج فى إطار النخبة التقليدية أيضاً رجال الدين المسيحيون وبعض خريجى مدارس الأحد الذين تشربوا الفكر المسيحى متأثرين برؤية كهنوتية. ولما كان المجال لا يتسع لتناول التوجهات الثقافية لهذا القطاع من النخبة التقليدية فإننا سوف نركز على النخبة التقليدية الإسلامية.
تلتقى النخبة التقليدية حول موقف ثقافى مشترك أساسه الثقافة الإسلامية، ولكنها تختلف بعد ذلك فى تفسيرها للدين ونصوصه وفى رؤيتها للثقافة الإسلامية.
الأصل فى الثقافة الإسلامية أن دعوة الإسلام كانت فى جوهرها دعوة لتأسيس العقل فى مجال الفكر، والعدل فى مجال السلوك الاجتماعى، وذلك بوصفهما نقيضين للجهل والظلم، وهما ركيزتا الواقع فى المجتمع العربى الذى خاطبه الوحى أولاً. وقد ظل الخطاب الدينى فى تاريخ الثقافة الإسلامية- بتياراته واتجاهاته المختلفة- حريصاً على نفى أى تعارض يمكن أن ينشأ- بحكم حركة الواقع المستمرة وثبات النصوص- بين الوحى والعقل، واتفق الجميع تقريباً عــلى أن النقـل إنما يثبت بالعقل، والعكس ليس صحيحاً.. العقل هو الأساس فى تقبل الوحى (20) .
وقد اختلف الأمر بعد ذلك فأصبح النقل مقدماً على العقل، ولم يعد هناك مجال عند البعض لإعادة فهم النصوص على ضوء تطورات الواقع، وأصبح هناك ميل للتعامل مع النصوص باعتبارها حقائق مطلقة، وتم تجاهل البعد التاريخى، وغلب الجمود على النظر فى النصوص الدينية وتفسيرها. يتناول الدكتور نبيل على هذه الظاهرة بقوله أنه "مثلما يمكن للفكر الدينى أن يكون دافعاً إلى الإبداع، يمكن –أيضاً- أن يصبح عائقاً له. نحن فى أمس الحاجة أن يتحول ديننا إلى مصدر إلهام لمبدعينا، على اختلاف اهتماماتهم، مفتاح ذلك هو تجديد النظرة إلى نصوص الدين الكبرى، وفتح باب الاجتهاد من جديد، والتخلص من تلك المفاهيم الخاطئة التى يرددها البعض من أن نصوصنا الدينية قد جاءت قاطعة جامعة فى كل ما يرتبط بالدين ابتداءً من عقيدة التوحيد وانتهاء بإماطة الأذى عن الطريق، مما لا يترك بالتالى أى فرصة للاجتهاد (21).
ويرصد محمود أمين العالم ثلاثة توجهات فكرية فى الممارسات الدينية الإسلامية. توجه الحركات الإسلامية ذات الطابع الأصولى، التى كانت تسعى للتجديد الدينى والتحرر من السيطرة الأجنبية كالحركة الوهابية والسنوسية والمهدية، ثم تحولت إلى أبنية سلطوية رجعية متخلفة، وهناك التوجهات الإسلامية العقلانية المستنيرة المتمردة على الواقع المتخلف والمتطلعة للتغيير والتقدم ويمثلها حسن العطار وعمر مكرم والطهطاوى ومحمد عبده وخالد محمد خالد وحسن حنفى ومحمد أحمد خلف الله وغيرهم، وهناك الحركات السياسية الإسلامية الجماهيرية التى تتمثل أساساً فى الإخوان المسلمين والجماعات الإسلامية ويشكل تاريخها نوعاً من الازدواج فى الموقف من السلطة السياسية (تحالف أو معارضة).
ويرى محمود أمين العالم أن الممارسة السياسية للدين لا يصح أن نحكم عليها حكماً مطلقاً بالمحافظة والرجعية، أو بالتقدم والثورية، وذلك لاختلاف تجلياتها العملية، وملابساتها الموضوعية، وليس مطلق الدين ومطلق الإيمان هو معيار الحكم على هذه الممارسة، وإنما المعيار هو الدلالة الموضوعية والوظيفة الاجتماعية لهذه الممارسات، أى موقفها من القضايا والمصالح الأساسية لجماهير الأمة ولقواها المنتجة والمبدعة (22).
يقول الشيخ محمد عبده "المسلم الحق هو الذى يعتمد على العقل فى شئون الدنيا والدين... لا يجوز أن يقام الدين حاجزاً بين الأرواح وبين ما ميزها الله من الاستعداد للعلم بحقائق الكائنات. بل يجب أن يكون الدين باعثاً لها على طلب العرفان، مطالباً لها باحترام البرهان، فارضاً عليها أن تبذل ما تستطيع من جهد فى معرفة ما بين يديها من العوالم (23).
ومن داخل الظاهرة الإسلامية نفسها يتحدث الدكتور أحمد كمال أبو المجد عن التوجهات الثقافية فى صفوف النخبة التقليدية بقوله:
"التيار الإسلامى له روافد عديدة لكل منها خصائصه ورؤيته:
-منها رافد يمثل استمراراً تقليدياً رتيباً لتعبير المكون الإيمانى للضمير المسلم عن نفسه. يمثل هذا الرافد مؤسسات وهيئات تابعة للدولة مقيدة فى نشاطها بمردود وآثار هذه التبعية، ويتسم هذا الرافد التقليدى بالعقم والانحصار فى الماضى والعجز عن رؤية الواقع والتعامل معه.
-رافد ثانٍ مستقل عن المؤسسة الدينية الرسمية له توجهاته الإسلامية ذات الطابع الشامل، وله صلته القوية بمصادر الإسلام الصحيحة، وله فوق ذلك كله قواعده الجماهيرية الواسعة. عانى فى بعض الفترات من النقص الفادح فى رؤية الواقع، وفى الخبرة بكيفية تنزيل أحكام الإسلام ومبادئه على ذلك الواقع (روح التزمت والتشدد والتشنج والعزلة والعجز عن التمييز بين الجوهرى والعرضى فى تعاليم الإسلام).
-رافد ثالث يمثل مجموعة ردود أفعال متشنجة فى مواجهة الواقع السياسى والاجتماعى القائم، ولدتها عوامل الضغط الحكومى وعوامل استفزاز الحاسة الدينية للشعب، كما ولدتها العزلة عن بقية الجماهير، وساعدت على نمو هذا التيار أسباب اجتماعية واقتصادية تتمثل فى اشتداد العناء اليومى والإحباط الاجتماعى. ويضم هذا الرافد عدة جماعات أكثر أعضائها من الشباب، يرفض بعضها المجتمع كله، ويتهمه بالكفر والجاهلية، ويريد أن يبدأ حركته من خارجه، نفسياً على الأقل سعياً لتغييره. كما أن بعض هذه الجماعات يغلب عليها العنف والاستعجال فى ممارسة عمليات التغيير بما يزيد عزلة أصحابها (24).
هكذا يمكن أن نرصد عدة توجهات ثقافية داخل النخبة التقليدية رغم انتسابها جميعاً إلى الثقافة الإسلامية.

الاتجاه الأصولى: الذى يرفض التكيف مع الظروف الجديدة ولا يتسامح مع الأفكار المخالفة ويستهدف تأسيس دولة إسلامية تستلهم مجتمع المدينة أو معهد الخلفاء الراشدين متجاهلاً كل التطورات التاريخية للمجتمعات الإسلامية، مؤكداً أن الحاكمية لله وحق التشريع لله وليس للبشر ولا يتورع عن اتهام المسلمين بالجاهلية والكفر لقبولهم الأوضاع القائمة.

الاتجاه السلفى: الذى يلتقى مع الاتجاه الأصولى فى استلهام مجتمع المدينة وعهد الخلفاء الراشدين وتجاهل البعد التاريخى، ولكنه لا يكفر المسلمين، ويتميز خطاب هذا الاتجاه بالحسم الفكرى القطعى، ورفض أى خلاف فكرى إلا إذا كان فى الفروع والتفاصيل دون الأسس والأصول.

الاتجاه الوسطى: وهو تيار معقول يقوم على الفهم الصحيح لمقاصيد الإسلام والتعامل السوى مع مصادره الكلية ونصوصه الثابتة. يقول عنهم الدكتور أحمد كمال أبو المجد إنهم وحدهم المؤهلون لريادة نهضة حقيقية تستلهم قيمها ومبادئها من قيم الإسلام ومبادئه (25).
يقترب هذا الاتجاه الوسطى المعتدل من قيم العصر ويلتقى فى جوانب هامة مع النخبة العصرية فى موقفها من الثقافة العصرية. هناك حاجة ماسة فى المجتمع المصرى إلى هذه الرؤية الإسلامية المعتدلة والمستنيرة، وهى حاجة يفسرها تطور المجتمعات البشرية فى العالم كله، والظروف الموضوعية التى تحيط بحياة الإنسان المعاصر.. فعلى امتداد العالم كله يتزايد وينتشر الإحساس بأن الثورات الصناعية والعلمية المتعاقبة قد مكنت الإنسان من تحقيق المزيد من السيطرة على البيئة، وتسخير الطبيعة، وتوفير العديد من أسباب الشر المادى، ولكن هذا التقدم المادى لم يصاحبه تقدم فى نوع العلاقات الإنسانية السائدة بين الأفراد والشعوب، لهذا تحتاج الشعوب إلى نظام للقيم يحفظ التوازن بين الإنسان الفرد والناس من حوله (26).
ويحدد الدكتور أحمد كمال أبو المجد منطلقات هذه الرؤية التى يتزايد عدد المتحمسين لها من النخبة المصرية:
-فهم أصيل للإسلام ومعاصر فى نفس الوقت، يجمع بين الالتزام بالقرآن والسنة الصحيحة واستشراف تطبيقات معاصرة لتلك الأصول تلبى الحاجات الحقيقية للأجيال الحاضرة، ولا تنكفىء عقلياً ونفسياً على مشاكل وحاجات أمم قد خلت.
-الاستئناس بتاريخ الإسلام دون أن يكون ملزماً ودون أن يكتسب قداسة تحول دون استيعاب الحاضر واستشراف المستقبل والاجتهاد.
-التمييز بين القيم الدينية الأساسية وبين الصور التطبيقية التى أملتها ظروف البيئة، أى تحرير الدين من أسر صور التطبيق التاريخية.
-استئناف البحث والاجتهاد فى أصول الفقه.
-الاعتراف بتعدد الآراء والاجتهادات فى التشريع والحوار المتكافىء مع ممثلى التيارات الفكرية والاجتماعية.
-منهج علمى يقوم على استخراج العقل والنظر فى الآفاق والأنفس والاستناد إلى وجود قوانين علمية على المسلمين أن يكتشفوها ويتعرفوا عليها وأن يرتبوا حياتهم كلها على أساسها.
-أهمية الاستفادة من تجارب الأمم والشعوب الأخرى فى مجال النظم السياسية والاقتصادية، فالمسلمون جزء من العالم وتاريخهم جزء من تاريخه والموقف من الرأسمالية والاشتراكية تحكمه مدى منفعتها للمسلمين.
-الحكم الإسلامى ليس نظاماً ثابتاً ولا يلتزم بصيغة واحدة ويقوم الحكم على مبادىء أساسية على رأسها:
مبدأ الشورى فى تقرير أمور المجتمع
مبدأ مسئولية الحكام عن أعمالهم
مبدأ سيادة التشريع المستمد من مصادره الإسلامية على كل سلطة فى الجماعة
-مبدأ احترام حقوق الأفراد وحرياتهم
-الشورى واجبة على الحاكم فى أمور التشريع والسياسة العامة، وهى ملزمة له، وبغير ذلك تفتح على مصاريعها أبواب الظلم والاستبداد.
-أزمة المجتمعات الإسلامية ليست مجرد مشكلة أخلاق وقيم، بل تعود إلى التقدم العلمى والمادى والمشكلات الاقتصادية والاجتماعية المترتبة عليه، ومن الضرورى أن تمتد اهتمامات المسلمين إلى هذه القضايا بالدراسة والبحث وإيجاد حلول مناسبة لها على ضوء الفهم العلمى للحقائق المستجدة (27).






3-النخبة المعولمة وتوجهاتها الثقافية
تعتبر العولمة مرحلة جديدة فى عملية التوسع الرأسمالى ذات مقومات ومكونات جديدة آخذة فى الظهور والتكوين، تعيد الرأسمالية من خلالها هيكلة نفسها، بينما تحافظ على جوهرها من حيث الاستغلال والاستقطاب والتفاوت، وتعتبر الثورة العلمية والمعلوماتية الجديدة التى تكتسح العالم منذ بداية التسعينيات المحرك الأساسى لظاهرة العولمة. وقد اختزلت الثورة العلمية والمعلومات الزمن وقصرت المسافات بين دول العالم، فأصبحت مختلف المجتمعات الإنسانية تعيش فى تاريخية واحدة وتخضع لمؤثرات واحدة، فهى تشارك فى نمط إنتاج واحد ليتحقق على مستوى الكرة الأرضية، وهى تتلقى التأثيرات المادية والمعنوية ذاتها، سواء ما تعلق بالثقافة أو ما تبثه وسائل الإعلام الدولية أو البيئة وما يصيبها من تلوث، أو بالأزمات الاقتصادية، أو بالأوبئة الصحية، أو بالمسائل الاجتماعية والأخلاقية. ويمكن أن نلخص العولمة فى كلمتين: كثافة انتقال المعلومات وسرعة انتقال المعلومات إلى درجة أننا أصبحنا نشعر أننا نعيش فى عالم واحد وموحد أو بمعنى آخر فى حرية كونية (28). وهناك القفزة الكبرى فى تكنولوجيا الاتصال وبخاصة فى مجال البث التليفزيونى عبر الأقمار الصناعية. ونتيجة لهذا حدث اندماج عالمى بين منظومات رئيسية ثلاث هى: المنظومة المالية، والمنظومة الإعلامية، والمنظومة المعلوماتية (29) ونتيجة لهذا كان توحيد أكبر لمصادر المعلومات، للعروض والطلبات، أى للنخب العارضة وللجمهور، ومن جهة ثانية هناك توحيد أشمل لشبكات الاتصال وأدواته، ومن جهة ثالثة هناك دمج أقوى لوسائل الاتصال، والجدير هنا تاريخياً هو أن الوحدة تحصل من خلال المشاركة فى شبكة واحدة موحدة (30).
أدى هذا التقارب بين المجتمعات الإنسانية وتشابك المصالح بين فئات لها أوضاع متماثلة فى هذه المجتمعات واتساع نطاق النشاط الاقتصادى والإعلامى والثقافى على نطاق العالم كله إلى تشكل نخب معولمة فى مختلف بلدان العالم، ولم تسلم مصر من هذه الظاهرة.. فهناك الآن نخبة معولمة ناشئة فى مصر ترتبط مصالحها وعلاقاتها ورؤاها الثقافية بالأوضاع العالمية الجديدة. تضم هذه النخبة الناشئة فى مصر خريجى المدارس والجامعات الأجنبية ومستخدمى الانترنت، ورجال الأعمال الرأسماليين المشتغلين بالاستيراد والتصدير، ووكلاء أعمال الشركات متعدية الجنسية، والمشتغلين فى صناعة المعلومات والعاملين فى مؤسسات المجتمع المدنى المرتبطة بالمؤسسات الدولية مثل جماعات حقوق الإنسان وجماعات الدفاع عن البيئة والمرأة، وكذلك الجماعات النشطة فى مجال الإعلام والترويح. ويتزايد اتجاه هذه النخب لتبنى أطروحات الليبرالية الجديدة فالفقر يرتبط بنضوب رأس المال الاجتماعى أكثر من ارتباطه بسيطرة الفئات البورجوازية، وتردى أوضاع المرأة له علاقة بمجتمع الذكورة أو الفحولة أو المجتمع الأبوى وسيطرة القيم الثقافية القائمة على العلاقة بين الرجل والمرأة، والتمكين الاقتصادى والاجتماعى هو الأداة الفاعلة فى تصحيح هذا الوضع المتخلف (31). ويتزايد تجاوب النخبة المعولمة مع الحقائق التى ترتبت عليها مثل تراجع فكرة السيادة الوطنية والقبول بتدخل قوى العولمة فى الشأن الداخلى، وتبنى مفاهيم الديمقراطية وفق النمط الغربى أو الأمريكى. وتبنى نمط الحياة والقيم الأمريكية الاستهلاكية. وهى بهذا تسير مع خط نشوء ثقافة عالمية تشكل الموارد المشتركة للنخبة الدولية التى سوف تدمجها الشبكات والقطاعات المعولمة، وتنشر فيها القيم والسلوكيات وأنماط التفكير ذاتها، وتفصلها بالتالى عن الجسم الرئيسى للمجتمعات التى تنتمى إليها (32) ونلاحظ فى هذا الصدد أن كثيراً من المبادىء والقيم المرتبطة بالديمقراطية وحقوق الإنسان ووضعية المرأة والأقليات، وسيادة القانون والشفافية والمحاسبة والتفاوض.. الخ أصبحت مكونات لثقافة عالمية يتقبلها أسرع القطاعات المعولمة فى مختلف المجتمعات وتساعد شبكة الانترنت على الترويج لهذه الأفكار والقيم، وكذلك مؤتمرات الأمم المتحدة، والمنظمات الدولية غير الحكومية، والقنوات الفضائية. وفى هذا السياق نستطيع أن ننظر إلى هذا التطور الثقافى من منظور المصطلح الجديد "عولمة الثقافة"؛ والمقصود به تلك المحاولات الرامية إلى السيطرة على الثقافة العالمية وتوجيهها فى اتجاه يخدم مصالح الولايات المتحدة الأمريكية بالترويج لأسلوبها فى الحياة ابتداءً من نمط الإنتاج المهيكل على أساس أفكار الليبرالية الجديدة أو القيم والعادات والتقاليد الأمريكية، أو النموذج السياسى الأمريكى والديمقراطى على النمط الأمريكى، وهو ما يمكننا من فهم ما ذهب إليه المفكر الأمريكى نعوم شويسكى بقوله "إن العولمة الثقافية ليست سوى نقلة نوعية فى تاريخ الإعلام تعزز سيطرة المركز الأمريكى على الأطراف أى على العالم كله".
هل يمكن أن نستخلص من هذه المتابعة للنخبة المعولمة فى مصر ورؤاها الثقافية المنسجمة مع ثقافة العولمة والقيم المنبثقة عنها أننا بصدد قطاع اجتماعى جديد فى مصر أقرب إلى الأمركة منه إلى الشخصية المصرية سواء فى صورتها العصرية أو التقليدية؟ وأنه من المهم أن نتعمق فى دراسة هذه الظاهرة الجديدة والتعرف على أبعادها الحالية وإمكانياتها المحتملة لأنها تمس قطاعاً شاباً من المجتمع المصرى وتضم عقولاً ذكية مؤهلة علمياً إلى درجة كبيرة من المهم المحافظة عليها وبذل كل الجهد الممكن من أجل استمرارها فى مصر باعتبارها جزءًا من الثروة القومية يتعين حمايتها من التبديد؟ وكيف يمكن لنا أن نوفر الشروط الكفيلة بتواصل هذه النخبة الجديدة الشابة مع تراثها الثقافى وقيمها الوطنية وتاريخها الوطنى؟
وبعد... يتضح لنا من هذا العرض للبنية الثقافية للنخبة المصرية أننا بصدد مشكلة كبيرة تتعلق بالانقسام الثقافى فى مصر بين ثقافة عصرية وثقافة تقليدية وثقافة معولمة. ومن الضرورى أن تبذل جهود جادة للجمع بين هذه الثقافات الثلاث فى إطار رؤية عصرية مواكبة لروح العصر وقيمه، قادرة على الاستناد إلى فهم علمى سليم لتراثنا الثقافى وموروثنا الدينى بما يساعد على المحافظة على الهوية الثقافية المصرية والسير قدماً نحو المستقبل، انطلاقاً من رؤية ثقافية مستنيرة تشكل مرحلة جديدة من تطور الثقافة المصرية بما يخدم التطور الاقتصادى الاجتماعى السياسى فى اتجاه تعزيز التقدم على أساس من العدل والحرية.

الهوامش

1-موسوعة العلوم السياسية، تحرير محمد محمود ربيع وإسماعيل مقلد، جامعة الكويت بدون تاريخ، ص 310.
2-موسوعة العلوم السياسية، المرجع السابق ص 311.
3-د.أحمد زايد، النخب وجماعات الصفوة بين المجال السياسى والمجال الاجتماعى، كتاب النخب الاجتماعية، حالة مصر والجزائر، تحرير د. أحمد زايد ود.عروس الزبير، مركز البحوث العربية والأفريقية بالقاهرة، مركز البحوث فى الاقتصاد التطبيقى من أجل التنمية بالجزائر، مكتبة مدبولى بالقاهرة ص 39.
4-د.أحمد زايد، مرجع سابق ص 40.
5-موسوعة العلوم السياسية، مرجع سابق، ص 312- 313.
6-موسوعة العلوم السياسية، مرجع سابق ص 502.
7-د.أحمد زايد، المرجع السابق ص 12.
8-د.أحمد زايد، مرجع سابق ص 47.
9-مارى تريز عبد المسيح، ثقافة الاختلاف وبدائل العولمة، قضايا فكرية، كتاب غير دورى، العدد الحادى والعشرين، يناير، 2005، مكتبة مدبولى، القاهرة، ص 347.
10-د.أحمد زايد، مرجع سابق ص 49.
11-موسوعة العلوم السياسية، مرجع سابق، ص 468.
12-محمود أمين العالم، الثقافة والديموقراطية والهيمنة الأمريكية، قضايا فكرية، كتاب غير دورى، العدد الحادى والعشرين يناير 2005، المرجع السابق.
13-ج تيمونز روبيرتس وإيمى هايتى، من الحداثة إلى العولمة، سلسلة عالم المعرفة، المجلس الوطنى للثقافة والفنون الآداب، الكويت. العدد رقم 309/ نوفمبر 2004. ص 22.
14-كرين برينتون، تشكيل العقل الحديث، ترجمة شوقى جلال، مكتبة الأسرة 2004، القاهرة. ص 10.
15-ج. تيمونز روبيرتس وإيمى هايت، من الحداثة إلى العولمة، سلسلة عالم المعرفة، المرجع السابق. ص 223.
16-د.زكى نجيب محمود، ثقافتنا فى مواجهة عصرنا، الهيئة المصرية العامة للكتاب، مكتبة الأسرة 1997 (طبعة خاصة تصدرها دار الشروق)- القاهرة، 27.
17-طارق حجى، قيم التقدم، سلسلة اقرأ، دار المعارف، العدد رقم 67/ ديسمبر 2001. القاهرة ص 17-45.
-كريم برينتون، تشكيل العقل الحديث، مرجع سابق.
18-محمود أمين العالم، الفكر العربى المعاصر، قضايا فكرية، كتاب غير دورى، العدد رقم 13-14 أكتوبر 1993، النشر قضايا فكرية للنشر والتوزيع، القاهرة ص 15.
19-د.هالة مصطفى، العلمانية.. إعادة قراءة، مجلة الديمقراطية، الأهرام، القاهرة، العدد 13/يناير 2004 ص 9.
20-د.نصر حامد أبو زيد، الخطاب الدينى المعاصر- آلياته ومنطلقاته الفكرية، قضايا فكرية، كتاب غير دورى، العدد الثامن، أكتوبر 1989، دار الثقافة الجديدة، القاهرة، ص 60.
21-د.نبيل على، الثقافة العربية فى عصر المعلومات، سلسلة عالم المعرفة، العدد رقم 265، يناير 2001، المجلس الوطنى للثقافة والفنون والآداب، الكويت، ص 439.
22-محمود أمين العالم، الدين والسياسة، قضايا فكرية العدد الثامن، مرجع سابق ص 7.
23-د.رفعت السعيد، الإسلام السياسى من التطرف إلى مزيد من التطرف، قضايا فكرية العدد الثامن، مرجع سابق ص 22.
24-د.أحمد كمال أبو المجد، رؤية إسلامية معاصرة –إعلان مبادىء، دار الشروق القاهرة. الطبعة الأولى 1991 ص 20-32.
25-د.أحمد كمال أبو المجد، رؤية إسلامية معاصرة، المرجع السابق ص 9.
26-د.أحمد كمال أبو المجد، رؤية إسلامية معاصرة، مرجع سابق ص 21.
27-د.أحمد كمال أبو المجد، رؤية إسلامية معاصرة، مرجع سابق ص 24-31.
28-د.برهان غليون، ثقافة العولمة وعولمة الثقافة بالاشتراك مع د.سمير أمين، دار الفكر، دمشق، سوريا، الطبعة الثانية 200 ص 20-21.
29-د.برهان غليون، ثقافة العولمة وعولمة الثقافة المرجع السابق ص 17.
30-د.برهام غليون، ثقافة العولمة وعولمة الثقافة المرجع السابق ص 16.
31-د.أحمد زايد، مقدمة كتاب النخب الاجتماعية، مرجع سابق ص 15.
32-د.حيدر إبراهيم، العولمة وجدل الهوية الثقافية، عالم الفكر، المجلس الوطنى للثقافة والفنون والآداب – دولة الكويت، المجلد 28 العدد الثانى أكتوبر/ ديسمبر 1999 ص 119.





#عبد_الغفار_شكر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- البنية الثقافية للنخبة المصرية ( 2)
- البنية الثقافية للنخبة المصرية (1 )
- الانتفاضة الفلسطينية: ارهاب أم مقاومة وطنية؟
- عبد الغفار شكر المتحدث بأسم التحالف الاشتراكي المصري للحوار ...
- التحالف الاشتراكى الوثيقة التأسيسية
- ثورة 23 يوليو وعمال مصر
- نشأة وتطور المجتمع المدنى: مكوناته وإطاره التنظيمي
- تجديد الحركة التقدمية المصرية - الجزء الرابع والأخير
- تجديد الحركة التقدمية المصرية - الجزء الثالث
- تجديد الحركة التقدمية المصرية - الجزء الثانى
- تجديد الحركة التقدمية المصرية - الجزء الأول
- أثر السلطوية على المجتمع المدنى - الجزء الثانى
- أثر السلطوية على المجتمع المدنى - الجزء الأول
- دور المجتمع المدنى فى بناء الديمقراطية-الجزء الرابع والأخير
- دور المجتمع المدنى فى بناء الديمقراطية- الجزء الثالث
- دور المجتمع المدنى فى بناء الديمقراطية - الجزء الثانى
- دور المجتمع المدنى فى بناء الديمقراطية-الجزء الأول
- نحو ثقافة عربية ديمقراطية
- نشأة وتطور المجتمع المدنى : مكوناته وإطاره التنظيمى
- الانتقال الديمقراطى فى المغرب ومشاكله


المزيد.....




- هارفارد تنضم للجامعات الأميركية وطلابها ينصبون مخيما احتجاجي ...
- خليل الحية: بحر غزة وبرها فلسطيني خالص ونتنياهو سيلاقي في رف ...
- خبراء: سوريا قد تصبح ساحة مواجهة مباشرة بين إسرائيل وإيران
- الحرب في قطاع غزة عبأت الجهاديين في الغرب
- قصة انكسار -مخلب النسر- الأمريكي في إيران!
- بلينكن يخوض سباق حواجز في الصين
- خبيرة تغذية تحدد الطعام المثالي لإنقاص الوزن
- أكثر هروب منحوس على الإطلاق.. مفاجأة بانتظار سجناء فروا عبر ...
- وسائل إعلام: تركيا ستستخدم الذكاء الاصطناعي في مكافحة التجسس ...
- قتلى وجرحى بقصف إسرائيلي على مناطق متفرقة في غزة (فيديو)


المزيد.....

- كراسات التحالف الشعبي الاشتراكي (11) التعليم بين مطرقة التسل ... / حزب التحالف الشعبي الاشتراكي
- ثورات منسية.. الصورة الأخرى لتاريخ السودان / سيد صديق
- تساؤلات حول فلسفة العلم و دوره في ثورة الوعي - السودان أنموذ ... / عبد الله ميرغني محمد أحمد
- المثقف العضوي و الثورة / عبد الله ميرغني محمد أحمد
- الناصرية فى الثورة المضادة / عادل العمري
- العوامل المباشرة لهزيمة مصر في 1967 / عادل العمري
- المراكز التجارية، الثقافة الاستهلاكية وإعادة صياغة الفضاء ال ... / منى أباظة
- لماذا لم تسقط بعد؟ مراجعة لدروس الثورة السودانية / مزن النّيل
- عن أصول الوضع الراهن وآفاق الحراك الثوري في مصر / مجموعة النداء بالتغيير
- قرار رفع أسعار الكهرباء في مصر ( 2 ) ابحث عن الديون وشروط ال ... / إلهامي الميرغني


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان - عبد الغفار شكر - البنية الثقافية للنخبة المصرية ( 3)