أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان - عبد الغفار شكر - تجديد الحركة التقدمية المصرية - الجزء الثالث















المزيد.....


تجديد الحركة التقدمية المصرية - الجزء الثالث


عبد الغفار شكر

الحوار المتمدن-العدد: 1064 - 2004 / 12 / 31 - 09:52
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان
    


الجزء الثالث
الوضع الراهن للحركة التقدمية
ماذا سيكون عليه الحال فى مصر بعد 10 سنوات أو بعد 20 سنة؟ هذا هو ما يجب أن نفكر فيه منذ الآن، وما يجب أن نخطط للاستعداد له منذ الآن، وما يجب أن تتهيأ الحركة التقدمية المصرية للتعامل معه منذ الآن، نقطة البدء فى ذلك هى أن نتعرف على الظواهر الأكثر تأثيرًا فى مستقبل العالم والبشرية لسنوات طويلة قادمة، والنتائج المترتبة عليها، ونحدد كيف نعيد بناء الحركة التقدمية المصرية لتكون قادرة على التجاوب معها ومواجهتها بكفاءة، وضمان تحقيق أهدافها فى الظروف والأوضاع المتغيرة.
نحن نعيش بالفعل بدايات عصر جديد، حيث يتشكل العالم والمجتمع البشرى وفق معطيات جديدة. وكما لاحظنا من قبل فإن عملية التغيير الجارية منذ سنوات سوف تشمل كل جوانب الحياة ابتداء بأسس وقواعد العلاقات الدولية، إلى طبيعة الدولة المعاصرة والبنية التحتية للمجتمع، والعلاقات الاجتماعية، وأسلوب الحياة وأنماط التفكير ونوعية القيم السائدة، وأساليب الممارسة السياسية.
** على الصعيد الدولى يزداد العالم اندماجا، وترتبط اجزاؤه ببعضها برباط لا ينفصم لا تستطيع معه أى دولة أو مجموعة دول أن تنعزل عن هذه العملية، ويعانى العالم الثالث نتيجة لذلك من ظاهرة الاعتماد المتبادل غير المتكافئ مع المراكز الرأسمالية المتطورة، وما يترتب عليها من أوضاع التبعية، فتمارس الدور المرسوم لها فى النمط الجديد للتقسيم الدولى للعمل مواصلة دورها كمورد للخامات الطبيعية الرخيصة نسبيًا، وتصبح موطنًا للصناعات الضارة بالبيئة وكثيفة العمالة، تعانى من نتائج الاندماج الخارجى والتفكك الداخلى نتيجة لسيطرة الاحتكارات الرأسمالية العالمية.
يمتد التغيير أيضًا إلى ميدان الفكر والثقافة والقيم، حيث يستفاد من التطورات التكنولوجية الجديدة فى مجال المعلومات والاتصالات والبث المباشر للتليفزيون عبر الأقمار الصناعية فى إعادة تشكيل الفكر العالمى والثقافة العالمية بما يؤدى إلى تشكيل وعى كونى عالمى وثقافة عالمية ونشر القسم الإنسانية المشتركة لجميع البشر، وتمكين الشعوب من التعرف على مختلف الثقافات وانماط الحياة والسلوك لدى غيرها، لكنه سيؤدى فى نفس الوقت إلى تعريض شعوب العالم الثالث لمؤثرات قوية سوف يترتب عليها تغيير قيمها وأنماط سلوكها فى الاتجاه الذى تريده المراكز الرأسمالية، فالثقافة العالمية التى يجرى تشكيلها ستكون ثقافة رأسمالية بالأساس وظيفتها استيعاب شعوب العالم فى إطار العولمة الرأسمالية الجارية بكل قوة فى مختلف أنحاء العالم وطمس الهوية المتميزة لثقافات العالم الثالث العريقة، الأمر الذى يطرح بشدة على هذه الدول - ونحن جزء منها - كيف نتفاعل مع هذه العملية إيجابيًا فنساهم بنصيبنا فى دعم المثل العليا والقيم الإنسانية المشتركة ونحافظ فى نفس الوقت على هويتنا الثقافية المتميزة؟
* *أما بالنسبة للتطور الاجتماعى فهناك أكثر من مظهر للتغيير.. هناك التغيير فى ظروف الانتاج حيث لاتعود هناك حاجة إلى صيغة المصنع الكبير الذى يحتشد فيه آلاف العمال، فيتفرق العمال فى وحدات إنتاجية صغيرة ومتوسطة مما يؤثر فى التضامن العمالى والعمل النقابى.
وهناك التغيير فى تركيب الطبقة العاملة حيث ينخفض عدد العمال اليدويين والصناعيين، ويتزايد عدد العمال الذين يمارسون عملا ذهنيا ويتغير نتيجة لذلك تركيب الطبقة العاملة وتتعقد بنيتها وتتطور طبيعة عملها، مما يوسع صفوفها لكنه يزيد الفوارق داخلها ويزيد من عدم التجانس فيما بينها.
وهناك التغيير فى البناء الطبقى للمجتمع حيث لم يسر التطور الاجتماعى نحو استقطاب المجتمع بين طبقتين رئيستين هما الرأسمالية والبروليتاريا، بل اتسع نطاق الفئات الوسطى وأصبحت تشكل أغلبية فى المجتمع، وهى فئات جديدة أقرب إلى الطبقة العاملة لأنها تستمد وجودها من العلم والعمل وليس من الملكية والإدارة.
وهناك الفئات المهمشة التى زاد حجمها بشكل كبير فى السنوات الاخيرة والتى تضم قطاعات كبيرة من السكان العاطلين عن العمل والمشتغلين باعمال موسمية غير منتجة والمحرومين من الخدمات والضمانات الاجتماعية.
هذه هى صورة العالم والمجتمع الذى يتعين على الحركة التقدمية المصرية أن تنشط فى إطاره والذى سيفرض نفسه عليها أكثر فأكثر فى السنوات القادمة، حيث تلعب المؤثرات الخارجية دورًا لا يقل أهمية عن التطورات الداخلية، وحيث تتشكل أطر اجتماعية جديدة وفئات وسطى جديدة وفئات مهمشة أشبه بالقنبلة الموقوتة، وفى ظل هذه التطورات يعيش الانسان المصرى حياته اليومية - فى أوضاع التبعية - متأثرًا بالعديد من الضغوط الخارجية ومتعرضًا للعديد من الصراعات الفكرية والثقافية والسياسية التى تستهدف إعادة تشكيله فكريًا وسياسيًا، وصياغة وجدانه فى إطار رأسمالى ليبرالى أو سلفى أو تقدمى، فكيف تتصرف القوى التقدمية فى مواجهة هذا كله؟ وما هى الشروط الواجب توافرها فى الحركة التقدمية لكى تخوض هذا الصراع بكفاءة كقوة مستقبلية قادرة على زيادة تأثيرها باستمرار فى الواقع الاجتماعى وحسم هذا الصراع فى النهاية لصالح الأغلبية الشعبية ومصالح مصر؟

خبرات التراث التقدمى
مادام المجتمع كله قد أصبح فى الأوضاع الجديدة ساحة للمواجهة، ومادام المواطن يتعرض للضغوط والمؤثرات فى مختلف أوقات حياته اليومية أثناء العمل والنشاط الاجتماعى وأوقات الفراغ، فإن الحركة التقدمية مطالبة بأن يمتد نشاطها إلى كل مجالات المجتمع، وأن تكون على صلة حية بالمواطن فى حياته اليومية كشرط أساسى لتعبئة المواطنين أنفسهم لتغيير واقعهم، ويتطلب هذا أن نحافظ دائما على نظرتنا إلى الحركة التقدمية ونخطط لتطورها باعتبارها حركة اجتماعية للتغيير بمعنى أنها، "ذلك النشاط الاجتماعى الذى يأخذ فى البداية شكل التصورات والمشاعر غير المنظمة والذى يعبر عنه تدريجيا بأشكال من السلوك والاعتقاد الجمعى، والتى لا تجد منافذ للتعبير عنها فتتحول إلى حركة منظمة تسعى لهدم الأنماط الاجتماعية الموجودة وتستبدلها بأخرى أو على الأقل تعدلها بما يتناسب مع توجهاتها". وهى من ثم تتجلى فى تعبيرات متنوعة فكرية وثقافية ونفسية اجتماعية وحركية وتنظيمية، ويشمل مجالها الاجتماعى الجوانب الاقتصادية والسياسية ايضًا. والحركة التقدمية المصرية بهذا المفهوم موجودة بالفعل وتمارس نشاطها فى الواقع لا تنتظر من يخلقها من العدم، بل كل ما ينقصها هو التنسيق الذى يحقق الترابط والتكامل بين أجزائها ومكوناتها، على عكس الوضع القائم حاليًا حيث لا ترى القيادات التقدمية نفسها ولا تخطط لنشاطها ولا ينعكس على عملها اليومى، إنها جزء من كيان اجتماعى واسع وليس فقط مجرد حركة سياسية أو مجرد تيار فكرى. وهذه نقطة ضعف رئيسية فى الوضع الراهن للحركة التقدمية تؤدى إلى التشرذم بل والتناقض والتصادم أحيانا بين أقسامها. إننا بهذه النظرة الضيقة نهمل جانبًا هامًا وإيجابيًا من تراث الحركة التقدمية المصرية التى كانت دائما اوسع من أن يعبر عنها تنظيم سياسى واحد، وأكبر من أن يجسدها زعيم سياسى أو مفكر معين، كان هذا شأنها فى أعقاب ثورة 1919 حيث ضمت فى صفوفها قوى اشتراكية ماركسية وفابية وإسلامية وعناصر ديمقراطية، كما ضمت منظمات نقابية وأنشطة ثقافية واجتماعية متعددة. وفى أعقاب الحرب العالمية الثانية زاد تأثير الفكر التقدمى فى المجتمع المصرى وانعكس هذا التأثير على شكل اتساع نطاق الحركة فشملت العديد من التنظيمات السياسية الاشتراكية، ماركسية وغير ماركسية ووحدوية وتحول حزب مصر الفتاة إلى الحزب الاشتراكى، وتشكلت الطليعة الوفدية داخل حزب الوفد، ونشأت حركة السلام الأوسع نطاقًا من الحركة الماركسية، وصدر العديد من الصحف والمجلات، وتأسست حركة نقابية عمالية ومهنية وحركة طلابية متأثرة بالفكر التقدمى دون أن تقتصر عضويتها وقياداتها على التقدميين، وتقدم الصفوف جيل جديد من الكتاب والشعراء والروائيين والمسرحيين والسينمائيين تناولوا قضايا الشعب وهموم الكادحين فى إطار واقعى. وعلى أرضية التحولات الاقتصادية والاجتماعية التى شهدتها مصر فى ظل ثورة 23 يوليو فى النصف الثانى من القرن العشرين تأكدت هذه الظاهرة وأصبحت الحركة التقدمية المصرية جزءًا من نسيج المجتمع المصرى، واتسع نطاقها بدرجة كبيرة، وتعددت مكوناتها لتغطى كل جوانب المجتمع وتغلغلت فى كافة مواقع الحياة اليومية، وكل ما ينقصها أن يجرى التنسيق بين هذه المكونات وأن يعاد بناء الحركة فى إطار متكامل بحيث تتكامل وتترابط مكونات الحركة وترتبط بالجماهير فى مواقع وجودها وتجمعها فتزيد من قدرتها على التأثير، وهذه هى القضية الأساسية والمسئولية الكبرى للقيادات التقدمية اليوم واهمالها يعنى التفريط فى مستقبل الحركة ومستقبل مصر. ولنستعرض معا الواقع الراهن للحركة التقدمية لنرى ما تملكه من إمكانيات متنوعة.
مكونات الحركة التقدمية المعاصرة
تضم الحركة التقدمية المصرية المعاصرة فى صفوفها مكونات متعددة.
أولاً التيار الفكرى والعلمى التقدمى :
يوجد فى مصر بالفعل مئات من الباحثين الاكاديميين وأساتذة الجامعات التقدميين فى مختلف العلوم الإنسانية والاجتماعية : الاقتصاد والاجتماع وعلم النفس الاجتماعى والعلوم السياسية والتاريخ والجغرافيا والقانون، من بينهم عشرات المفكرين التقدميين ذوى الاعتبار والمكانة لهم اسهاماتهم المعترف بها خارج نطاق الداوئر التقدمية فى المحافل العلمية والمنظمات الإقليمية والدولية. ونتيجة لذلك تبلور بالفعل فى مصر تيار فكرى وعلمى تقدمى ينتمى إليه مدارس بحثية متعددة داخل الجامعات وفى مراكز البحث العلمى. نلاحظ هذه الظاهرة بوضوح فى كلية الاقتصاد والعلوم السياسية واقسام الاجتماع والتاريخ والفلسفة وعلم النفس بكليات الآداب، وفى مركز البحوث والدراسات السياسية بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية ومركز الدراسات الاستراتيجية بالأهرام، والمركز القومى للبحوث الاجتماعية، بكلية ومركز البحوث العربية، ومركز الفالوجا، ودار المحروسة. وقد نجح هذا التيار خلال السنوات العشرين الماضية فى مسح المجتمع المصرى بحثيًا، وأنجزت عشرات من رسائل الدكتوراه والماجستير والأبحاث الاكاديمية والميدانية عن مختلف جوانب التطور الاقتصادى والاجتماعى والثقافى والسياسى للمجتمع المصرى وعلاقاته الخارجية. ومع ذلك فإن هذه الدراسات لم تنعكس بوضوح لدى سائر المكونات الأخرى للحركة التقدمية سواء فى نشاط ووثائق الأحزاب والتنظيمات السياسية والحركة النقابية أو الجمعيات الأهلية. بل أننا نلاحظ أن أعضاء الاحزاب السياسية من المفكرين والباحثين انتجوا أهم ابداعاتهم خارج الاحزاب أو بعد انتهاء علاقتهم بها. بينما اكتفت الوثائق الحزبية بصياغات عامة لا تقوم على دراسة متعمقة للمجتمع وفهم للخصائص المميزة لتطوره، ويغيب عن هذه الاحزاب التحليل الملموس والمعرفة الدقيقة بالأوضاع المجتمعية والخريطة الطبقية الجديدة بينما توجد دراسات علمية عديدة تناقش هذه المسائل تفصيليا وتتضمن بيانات كاملة ومعلومات دقيقة عنها مما يؤكد هذه الظاهرة السلبية فى نشاط الحركة التقدمية المصرية ونعنى بها هذا الانفصال بين الانجاز الفكرى والعلمى التقدمى وبين الانشطة العامة السياسية والنقابية والاجتماعية للحركة التقدمية وهى نقطة ضعف خطيرة تؤثر على فاعلية هذه الحركة وتأثيرها.

ثانيًا : الاحزاب والتنظيمات السياسية التقدمية :
نشأت الحركة التقدمية المصرية وتطورت أساسا كحركة سياسية تخوض صراعا سياسيا واجتماعيًا شاملاً للدفاع عن مصالح الطبقات العاملة والكادحة، وتسعى للوصول إلى سلطة الدولة باعتبارها الأداة الرئيسية لتحقيق هذه المصالح، وبالرغم مما لقيته هذه الحركة من قمع سياسى ومطاردة أمنية بلغت فى بعض الاحيان حد التصفية الجسدية، إلا أنها تمكنت من التواجد باستمرار فى شكل علنى أو سرى منذ نشأتها فى بداية القرن العشرين وحتى الآن. قدمت تضحيات هائلة ودفعت ثمنا غاليًا من أجل مواصلة تواجدها والقيام بمسئوليتها، وبالرغم من نبل مقاصدها وجسامة تضحياتها إلا أنها عجزت عن تطوير وجودها وتقوية مواقعها ليس فقط بسبب ما تعرضت له من اضطهاد وإنما أيضًا لأسباب ذاتية فى مقدمتها أنها نشأت كحركة منقسمة على نفسها، تضم تنظيمات متعددة بلغ التنافس بينها حد القطعية والصدام، وكثيرًا ما انقسمت تنظيماتها من داخلها بحيث أصبح التشرذم صفة أساسية ملاصقة لها. كما أنها بقيت غالبًا فى إطار النخبة المثقفة، وعجزت عن المحافظة على ما حققته من تواجد ونفوذ جماهيرى فى بعض المنعطفات التاريخية، أو تطوير هذا التواجد الجماهيرى. وتتواجد الحركة التقدمية المصرية حاليًا فى الساحة السياسية من خلال عدة أحزاب وتنظيمات سياسية علنية وسرية هى حزب التجمع الوطنى التقدمى الوحدوى، الحزب العربى الديمقراطى الناصرى والحزب الشيوعى المصرى، حزب الشعب الاشتراكى، حزب العمال الشيوعى المصرى، بالإضافة إلى عدد آخر من التنظيمات الماركسية والناصرية وبالرغم من الجهود التى بذلت فى أواخر السبعينيات وطوال الثمانينيات من أجل إقامة تحالف اشتراكى يضم حزب التجمع والحزب الناصرى والحزب الشيوعى أساسا، إلا أن هذا التحالف لم يقم حتى الآن وما تزال العلاقة بين الأحزاب والتنظيمات السياسية التقدمية تفتقد التعاون والتنسيق مما يضعف الحركة ككل ويحرمها من الإمكانيات الكبيرة التى تتمتع بها فى ميادين النشاط الأخرى.

ثالثا : الحركة الثقافية التقدمية :
من أهم السمات التى ميزت الحركة التقدمية المصرية دائما أنها كانت قطبا جاذبا للأدباء والفنانين التقدميين، وأنها لعبت دورًا هامًا فى تكوين أجيال جديدة منهم باستمرار. وعندما تأسس حزب التجمع انضم إليه مئات الفنانين والأدباء فكان عبد الرحمن أبو زهرة عضوا فى أول سكرتارية عامة وكان صلاح أبو سيف أول رئيس لمكتب الأدباء والفنانين بالحزب بينما مارس كثير منهم نشاطا حزبيًا، وشارك فى مؤتمراته السياسية وأمسياته الأدبية نجوم لامعة منهم يوسف شاهين وجميل راتب وسيد عبد الكريم وعبد العزيز مخيون وعبد الرحمن الأبنودى وسيد حجاب وسمير عبد الباقى وفتحية العسال وفريدة النقاش وعشرات غيرهم، وقد تكررت نفس الظاهرة عند تأسيس الحزب العربى الديمقراطى الناصرى.
ومن المؤكد أن نفس الظاهرة موجودة بالنسبة للتنظيمات السرية. وقد فشلت الأحزاب التقدمية فى أن تقيم صلة منتظمة مع اعضائها من المثقفين. وأن تنشئ إطارًا ملائمًا يتيح لها التفاعل مع الدائرة الأوسع من المثقفين التقدميين سواء كانوا اعضاء بها أو غير اعضاء، بحيث تتمكن من التعرف على رؤيتهم لمشاكل المجتمع وقضايا الحركة الثقافية وتعكسها فى وثائقها ونشاطها، فتدعم بذلك صلتها بهذا القطاع الحيوى من المجتمع الذى يمثل ضمير المجتمع ويشكل وجدانه، من هنا اتسعت الفجوة بين الاحزاب التقدمية والحركة الثقافية التقدمية ونستطيع أن نلحظ كثيرًا من مظاهر خيبة الأمل لدى المثقفين فى هذه الاحزاب، وما لم تتدارك القوى التقدمية هذه المشكلة وتوجد الإطار السليم والمناسب لعلاقة منتظمة وفعالة معهم، فإنها ستخسر الكثير وتبدد بلا مبرر أحد عناصر قوتها ونفوذها الجماهيرى.
ومن يملك ترف عدم التعرف على رؤية هؤلاء المبدعين الذين لا تمكنهم ظروف عملهم من الانتظام فى نشاط سياسى حزبى، والذين هم بالقطع جزء هام من الحركة التقدمية مثل داود عبد السيد وخيرى بشارة ومحمد خان وعاطف الطيب ورضوان الكاشف وعبلة كامل وغيرهم.

رابعًا : الإعلام والنشر :
للإعلام دور أساسى فى تكوين الرأى العام وتعريف المواطنين بحقائق الأمور وإحاطتهم علما بما يدور فى المجتمع والعالم، مما يساعدهم على اتخاذ موقف محدد من قضايا المجتمع وتطوراته وتمتلك الحركة التقدمية المصرية بالفعل العديد من الأدوات الإعلامية، فهناك دور النشر التى تصدر الكتب والدوريات والدراسات مثل دار الثقافة الجديدة ودار الموقف العربى ودار صوت العرب للثقافة والإعلام ودار العالم الثالث ومركز إعلام الوطن العربى صاعد، ومركز الحضارة العربية، ودار قضايا فكرية للنشر والتوزيع ودار المستقبل العربى. وهناك العديد من الصحف والمجلات الاسبوعية والشهرية والفصلية كجريدة الأهالى وجريدة العربى وصوت العرب ومجلة اليسار ومجلة الموقف العربى وسلسلة كتاب الغد العربى وقضايا فكرية وكتاب العالم الثالث وسلسلة كتاب الأهالى ومجلة أدب ونقد وسلسلة المكتبة الشعبية وقضايا قومية كبيرة. تمتلك هذه الدور والدوريات إمكانيات فنية كبيرة للطباعة والتجهيز، ومع ذلك فإن الملاحظة الأساسية بالنسبة للإعلام والنشر التقدمى أنه يتم فى جزر معزولة ليس بينها أى شكل من التنسيق سواء فيما يتعلق باستخدام الإمكانيات المتاحة لخفض النفقات ومضاعفة الانجازات، أو فيما يتصل باختيار الموضوعات والأولويات بحيث تكون فى إطار رؤية مشتركة تساعد على الاستفادة من هذا التنوع الواسع فى أدوات الإعلام التقدمية لبحث القضايا الأكثر أهمية والأكثر إلحاحًا والإعلام المكثف عنها، بحيث يؤدى هذا التنسيق إلى المواجهة الفعالة للإعلام المضاد الذى تتوفر له إمكانيات جبارة تمكنه من الشوشرة على الاعلام التقدمى وطمس توجهاته، ليس أدل على ذلك من التذكير بما تملكه الاذاعة والتليفزيون من قدرة هائلة على التأثير وكذلك الصحافة القومية والإعلام الموجه من قوى الإسلام السياسى.

خامسًا : النشاط الأهلى والمجتمع المدنى :
اهتمت القوى التقدمية المصرية مبكرًا بالنشاط الأهلى فى المنظمات الشعبية والجمعيات الأهلية إدراكا منها أنه فى ظل النظام الرأسمالى تؤكد الطبقة الرأسمالية سيطرتها على المجتمع من خلال آلية السيطرة المباشرة بواسطة جهاز الدولة. وآلية الهيمنة الايديولوجية والثقافية بطريقة غير مباشرة عبر المنظمات الاجتماعية غير الحكومية التى ينشط الأفراد فيها تطوعيا لحل مشاكلها الفئوية والاجتماعية وتحسين أوضاعهم الاقتصادية والثقافية والمعيشية .. الخ.
وتشكل هذه التنظيمات غير الحكومية ما يسمى بالمجتمع المدنى الذى يضم الجمعيات الأهلية والنقابات العمالية والمهنية والاتحادات الطلابية ومراكز الشباب والغرف التجارية والصناعية والتى يبلغ عددها فى مصر حاليًا 13 ألف جمعية ومؤسسة غير حكومية تغطى كافة مجالات النشاط الاجتماعى والخدمى والثقافى والشبابى والرياضى هذا بالإضافة إلى ما يقرب من 15 ألف جمعية تعاونية زراعية وحرفية واستهلاكية واسكانية. وتقوم ممؤسسات المجتمع المدنى باربع وظائف محددة من خلال ممارستها لأنشطتها المتنوعة، هى تجميع المصالح، وحل الصراعات الفئوية ذاتيا بين الأعضاء دون اللجوء إلى أجهزة الدولة، وزيادة الثروة وتحسين الأوضاع المعيشية سواء كانت اقتصادية أو اجتماعية أو بيئية، وافراز القيادات الجديدة باعتبارها مخزن لا ينضب لهذه القيادات، وبهذا فإن مؤسسات المجتمع المدنى تتكامل مع الأحزاب السياسية وتلعب دورًا هامًا فى توسيع نطاق تأثيرها وامدادها بعناصر قيادية جديدة باستمرار.
ومن بين مؤسسات المجتمع المصرى حظيت النقابات العمالية والمهنية باهتمام خاص من الحركة التقدمية، حيث أرتبط إنشاؤها فى بداية القرن العشرين بنشأة الحركة الماركسية والحزب الوطنى بقيادة محمد فريد، كما لعب التقدميون الدور الأساسى فى تأسيس حركة نقابية عمالية واسعة وحركة طلابية ونقابات مهنية فى ظروف المد الوطنى بعد الحرب العالمية الثانية ويعتبر تشكيل اللجنة الوطنية للطلبة والعمال سنة 1946 وما قامت به من نشاط سياسى أحد المظاهر الهامة لهذا التطور ولدور التقدميين فيه، هذا بالإضافة إلى حركة الإضرابات والمظاهرات واسعة النطاق من 1946 إلى 1952 لأسباب وطنية واقتصادية واجتماعية والتى جسدت بوضوح الدور القيادى للحركة التقدمية فى الحركة الوطنية والنضال الاقتصادى الاجتماعى قبل ثورة يوليو 1952.
أما بالنسبة للحركة النقابية والطلابية المعاصرة فإننا نلاحظ أنه منذ بداية السبعينيات كان التقدميون طرفا مؤثرًا فى بعض النقابات المهنية وخاصة نقابات المحامين والصحفيين والتجاريين والأطباء والأطباء البيطريين، كما كانوا عصب الحركة النقابية العمالية وخاصة فى اللجان النقابية القاعدية إلا أن تواجدهم القيادى فى هذه النقابات أخذ يضعف منذ بداية الثمانينيات حيث لم يعد لهم سوى وجود رمزى فى قيادة نقابة المحامين ونقابة الصحفيين ونقابة التجاريين كما أنهم خرجوا تمامًا من قيادة الاتحادات الطلابية ونوادى هيئات التدريس بالجامعات. ولا يتناسب وجودهم القيادى فى النقابات العالمية مع دورهم التاريخى فيها ونشاطهم الفعلى فى مواقع الإنتاج. ولا نستطيع تبرير هذا التراجع بما تمارسه السلطة من ضغوط لاستبعادهم من قيادة هذه المنظمات، فهناك أيضًا أسباب أخرى ذاتية تسأل عنها التنظيمات السياسية التقدمية التى لا تبذل جهدًا كافيا للتواجد والتنسيق بين القيادات النقابية فى المعارك الانتخابية ولا يختلف الأمر كثيرًا فى الجمعيات الأهلية حيث لم تصبح بعد محورًا اساسيًا لاهتمام التنظيمات والقيادات التقدمية. والنتيجة العملية أننا لا نستطيع التحول إلى حركة جماهيرية مؤثرة طالمًا أننا لا نستطيع التواجد فى هذا القطاع من المجتمع الذى يرتبط بمصالح المواطنين وحياتهم اليومية.



#عبد_الغفار_شكر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تجديد الحركة التقدمية المصرية - الجزء الثانى
- تجديد الحركة التقدمية المصرية - الجزء الأول
- أثر السلطوية على المجتمع المدنى - الجزء الثانى
- أثر السلطوية على المجتمع المدنى - الجزء الأول
- دور المجتمع المدنى فى بناء الديمقراطية-الجزء الرابع والأخير
- دور المجتمع المدنى فى بناء الديمقراطية- الجزء الثالث
- دور المجتمع المدنى فى بناء الديمقراطية - الجزء الثانى
- دور المجتمع المدنى فى بناء الديمقراطية-الجزء الأول
- نحو ثقافة عربية ديمقراطية
- نشأة وتطور المجتمع المدنى : مكوناته وإطاره التنظيمى
- الانتقال الديمقراطى فى المغرب ومشاكله
- الأحزاب العربية وثقافة حقوق الإنسان
- تحالف الجنوب فى مواجهة أممية رأس المال
- عروبة مصر والصراع العربى الصهيونى
- الأمن العربي والتقدم العلمي
- الطبقة الوسطى والمستقبل العربى
- تطور الفكر الاشتراكى فى مصر1970-2000 الجزء الثالث
- تطور الفكر الاشتراكى فى مصر1970-2000 الجزء الثانى
- العولمة والديمقراطية فى الوطن العربى
- تطور الفكر الاشتراكى فى مصر1970-2000 الجزء الأول


المزيد.....




- -جريمة ضد الإنسانية-.. شاهد ما قاله طبيب من غزة بعد اكتشاف م ...
- بالفيديو.. طائرة -بوينغ- تفقد إحدى عجلاتها خلال الإقلاع
- زوجة مرتزق في أوكرانيا: لا توجد أموال سهلة لدى القوات المسلح ...
- مائتا يوم على حرب غزة، ومئات الجثث في اكتشاف مقابر جماعية
- مظاهرات في عدة عواصم ومدن في العالم دعمًا لغزة ودعوات في تل ...
- بعد مناورة عسكرية.. كوريا الشمالية تنشر صورًا لزعيمها بالقرب ...
- -زيلينسكي يعيش في عالم الخيال-.. ضابط استخبارات أمريكي يؤكد ...
- ماتفيينكو تؤكد وجود رد جاهز لدى موسكو على مصادرة الأصول الرو ...
- اتفاق جزائري تونسي ليبي على مكافحة الهجرة غير النظامية
- ماسك يهاجم أستراليا ورئيس وزرائها يصفه بـ-الملياردير المتعجر ...


المزيد.....

- كراسات التحالف الشعبي الاشتراكي (11) التعليم بين مطرقة التسل ... / حزب التحالف الشعبي الاشتراكي
- ثورات منسية.. الصورة الأخرى لتاريخ السودان / سيد صديق
- تساؤلات حول فلسفة العلم و دوره في ثورة الوعي - السودان أنموذ ... / عبد الله ميرغني محمد أحمد
- المثقف العضوي و الثورة / عبد الله ميرغني محمد أحمد
- الناصرية فى الثورة المضادة / عادل العمري
- العوامل المباشرة لهزيمة مصر في 1967 / عادل العمري
- المراكز التجارية، الثقافة الاستهلاكية وإعادة صياغة الفضاء ال ... / منى أباظة
- لماذا لم تسقط بعد؟ مراجعة لدروس الثورة السودانية / مزن النّيل
- عن أصول الوضع الراهن وآفاق الحراك الثوري في مصر / مجموعة النداء بالتغيير
- قرار رفع أسعار الكهرباء في مصر ( 2 ) ابحث عن الديون وشروط ال ... / إلهامي الميرغني


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان - عبد الغفار شكر - تجديد الحركة التقدمية المصرية - الجزء الثالث