أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي - عبد الغفار شكر - الانتقال الديمقراطى فى المغرب ومشاكله















المزيد.....



الانتقال الديمقراطى فى المغرب ومشاكله


عبد الغفار شكر

الحوار المتمدن-العدد: 978 - 2004 / 10 / 6 - 09:34
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي
    


واجهت المملكة المغربية تحديات اقتصادية وسياسية كبيرة فى الربع الأخير من القرن العشرين، وتعرضت لضغوط إقليمية ودولية شديدة أدت إلى تصاعد الدعوة إلى الاصلاح السياسى والدستورى للانتقال إلى نظام ديمقراطى يوفر للبلاد امكانية حقيقية للاستقرار والتقدم والقدرة على اجتياز الأزمة الشاملة الناجمة عن هذه التحديات والضغوط، التى يأتى على رأسها التزام المغرب بتنفيذ سياسات التكيف الهيكلى وفق اتفاقيات مع صندوق النقد الدولى والبنك الدولى، والتى ترتب عليها أزمة اقتصادية واجتماعية حادة كان من مظاهرها ارتفاع الديون الخارجية إلى 25 مليار دولار وانخفاض الناتج المحلى الاجمالى وتصاعد معدلات البطالة فوصلت إلى 20% من قوة العمل، والارتفاع المستمر فى اسعار السلع والخدمات وانخفاض التحويلات النقدية من الخارج ووقوع نصف الشعب المغربى تقريباً تحت خط الفقر. وترتب على ذلك ظواهر اجتماعية خطيرة مثل اتساع نطاق الفئات المهمشة وتزايد اللجوء إلى العنف وانتشار الفساد، وما صحب ذلك من مظاهر عدم الاستقرار التى بلغت ذروتها فى انتفاضة الخبز 16 – 22 يناير 1984 التى تم قمعها بثمن فادح يتمثل فى 600 قتيل ومئات الجرحى وحوالى 2000 معتقل، ونتيجة لاحتدام الأزمة المجتمعية الشاملة اقتصاديا واجتماعيا وسياسياً تصاعد نفوذ تيار الأصولية والاسلام السياسى مما شكل تهديداً خطيراً للنظام السياسى القائم.
وقد واكب هذه التحديات الداخلية ضغوط اقليمية ودولية متمثلة فى تصاعد نفوذ التيار الأصولى فى الجزائر وتونس وتدهور الوضع الأمنى فى الجزائر نتيجة استخدام جماعات الاسلام السياسى للسلاح. كما تواصلت الضغوط الدولية على المغرب للاستمرار فى تنفيذ سياسات التكيف الهيكلى رغم معاناة أغلبية المواطنين؟ ونتيجة لهذا كله طرحت القوى الديمقراطية فى المغرب أن المخرج الحقيقى من هذه الأزمة هو تحقيق مزيد من التطور الديموقراطى وفق برنامج محدد للاصلاح السياسى والدستورى بينما أصرت دوائر فى الحكم على أن أى استجابة لهذه الدعوة استعرض هيبة النظام للاهتزاز، وانتصرت فى النهاية الدعوة إلى الديمقراطية، وتحقق قدر هام من الانفراج السياسى وبدأت مرحلة جديدة فى المغرب اساسها الانتقال الديمقراطى وفق ما يسمى بالتناوب مما يدعو إلى دراسة هذه التجربة والاستفادة من دروسها فى باقى أقطار الوطن العربى. فما هى السمات المميزة للانتقال الديمقراطى فى المغرب؟ وما هى مشاكلها؟ هذا ما نعالجه بإيجاز فيما يلى.

-1-
السمات المميزة للانتقال الديمقراطى فى المغرب
يجمع المراقبون والباحثون المتابعون للانتقال الديمقراطى فى المغرب أن ما حدث فى التسعينات بصفة خاصة هو نوع من التطور الديمقراطى التراكمى، وأنه كما يقول الأستاذ أحمد شوقى بنيوب يقوم على "القطيعة ضمن الاستمرارية" ساهمت فى صنعه عوامل تاريخية تعود إلى نصف قرن تقريبا منذ الاستقلال عام 1956. كما يؤكد محمد عابد الجابرى أنه "لا يمكن فهم قضية التناوب كحدث سياسى ظرفى، بل كحلقة فى مسلسل من الاستمرارية".
فقد بدأ الانفتاح النسبى والتعددية الحزبية المقيدة فى المغرب سنة 1974 حيث واصلت حركة المعارضة السياسية نضالها من أجل مزيد من التطور الديمقراطى واحترام حقوق الإنسان. وفى ظل هذا الوضع عرفت الحياة السياسية المغربية هامشاً ديمقراطياً، حافظ على توازناته الأساسية إلى نهاية الثمانينيات وكانت هناك فى هذه الفترة ازدواجية فى الخطاب والممارسة، لكن التطورات السياسية خلال هذه الفترة أدت إلى استنفاذ هذا الهامش الديمقراطى المحدود وأصبحت الحاجة إلى توسيعه متزايدة وضاغطة كما أوضحنا من قبل. ويعتبر ما حدث فى التسعينات مرحلة جديدة ومعقدة من التطور الديمقراطى شكلت قفزة نوعية إلى الأمام بالمقارنة مع المرحلة السابقة.
ويجمع المراقبون والباحثون أيضاً على ان التطور الديمقراطى الذى شهدته التسعينات قد ساعدت عليه عدة عوامل فى مقدمتها اقتناع أحزاب المعارضة الرئيسية بجدوى النضال الديمقراطى واعترافها بالمكانة الخاصة للمؤسسة الملكية والاعتراف بدورها على رأس الهرم السياسى المغربى على أمل التحول إلى ملكية برلمانية مستقبلاً، بالاضافة إلى وجود حركة نشطة للمجتمع المدنى تضم حركة نقابية فعالة وحركة نسائية وحركة حقوقية نشطة مما جعل الدعوة إلى مزيد من الديمقراطية مطلباً شعبياً توفرت له قوى ضغط جماهيرية قادرة على مواصلة نضالها فى هذا الاتجاه.
هكذا يرى الاستاذ محمد الطوزى أنه قد توفر فى الواقع المغربى شرطان رئيسيان جعلا التغيير السياسى ممكنا، هما نوع من الوفاق السياسى بين كل الأطراف وبرنامج للإصلاح الدستورى موضع تفاوض هذه الأطراف. ويعرف الطوزى الوفاق السياسى بأنه "اتفاق ظاهر بين جماعات محددة من الفاعلين السياسيين، وحتى لو لم يصرح به أو يدافع عنه على الملأ، والذى يهدف إلى إعادة تحديد القواعد الحاكمة كممارسة السلطة، وذلك على أساس الضمان المتبادل للمصالح الحيوية لكل طرف. ويتضمن صلب هذا الاتفاق حلا وسطا متفقاً عليه، بقبول كل طرف ألا يستخدم – أو على الأقل لا يفرط فى استخدام قوته – للاضرار بالاستقلال التنظيمى أو المصالح الحيوية للأطراف الأخرى. ويتطلب انجاز هذا التعاقد السياسى توافر ثقة كافية عند كل طرف فى الأطراف الأخرى، وكذا الثقة فى المنظومة، بما يمكن كل طرف من اختيار استراتيجيته التى سوف تقود – فى أحسن الأحوال – الى انتصار غير كامل، أو على الأسوأ إلى هزيمة نسبية، وذلك بدلاً من استراتيجية النصر الكامل أو الهزيمة الكاملة".
يمكن فى ضوء هذه الحقيقة – السعى إلى مزيد من الديمقراطية بوسائل سلمية وفى اطار الوفاق السياسى – أن نفهم جدل العلاقة بين مختلف الفاعلين السياسيين فى الساحة المغربية، واستخدام اسلوب العرائض أو المذكرات كشكل أساسى لاتصال القوى الديمقراطية مع القصر، ابتداء من المذكرة الأولى فى 9 أكتوبر 1991 التى وقعها حزب الاستقلال وحزب الاتحاد الاشتراكى للقوات الشعبية إلى المذكرة الثانية فى 19 يونيو 1992 التى قدمتها الكتلة الديمقراطية وهى تحالف يضم حزب الاستقلال، وحزب الاتحاد الاشتراكى للقوات الشعبية، وحزب التقدم والاشتراكية ومنظمة العمل الديمقراطى الشعبى والحزب الاشتراكى الديمقراطى إلى المذكرة الثالثة فى 25 أبريل 1996 التى وقعتها أحزاب الكتلة الديمقراطية أيضاً. كما يمكن أن نفهم لماذا تميز أسلوب تقديم هذه المذكرات وغيرها إلى الملك كوسيلة اتصال بأنه لا ينطوى على خصومة ولا يتطلب بالضرورة رداً على المذكرة، مما يعنى القبول بوضع خاص للمؤسسة الملكية باعتبارها فوق السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية. وقد تبلور من خلال هذه المذكرات برنامج محدد ومتكامل للإصلاح السياسى والدستورى، كان أساس الصراعات والتفاعلات السياسية طوال حقبة التسعينات وما يزال حتى الآن لاستكمال ما لم يتحقق منه. ومن الجدير بالذكر أن هذا البرنامج هو فى حقيقته ترجمة للأهداف الأساسية لميثاق الكتلة الديمقراطية الذى تمت صياغته فى 17 مايو 1992 وأساسه الدعوة إلى إقرار إصلاح دستورى عميق يضمن ترسيخ دولة المؤسسات وتعزيز سلطة القانون ودمقرطة وتحديث أجهزة الدولة.
يتضمن برنامج الإصلاح السياسى الدستورى الذى طرحته الكتلة الديمقراطية فى مذكراتها إلى الملك:
1- ضمان حقوق الإنسان وحرياته الأساسية، الفردية والجماعية، السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
2- تحقيق التوازن فى العلاقة بين السلطات التشريعية والقضائية والتنفيذية.
3- تمكين مجلس النواب، كمؤسسة تشريعية، من الصلاحيات الضرورية سواء فى ميدان التشريع أم فى إعمال المراقبة الفعلية لأعمال الحكومة، وانتخاب جميع أعضاء المجلس بالاقتراع العام.
4- قيام حكومة تمثل الأغلبية البرلمانية، وتكون مسئولة أمام مجلس النواب عن تنفيذ سياستها، وتحسين عمل مجلس الوزراء وتوسيع اختصاصاته وتحديدها بدقة، وأن تكون اجتماعاته دورية.
5- ضمان استقلال السلطة القضائية عن السلطتين التشريعية والتنفيذية وتحقيق إصلاح شامل لنظام القضاء يجعل له الحصانة الكافية والحرية التامة.
6- جعل الغرفة الدستورية ترقى إلى مجلس دستورى مستقل وقائم بذاته وتوسيع اختصاصاته لتشمل المراقبة الدستورية لكل القوانين.
7- تعميق اللامركزية على مستوى الجماعات والأقاليم والجهات.
8- بالنسبة للرقابة على الأحوال العامة يجب جعل المجلس الأعلى للحسابات يرقى إلى مرتبة هيئة دستورية مستقلة بذاتها.
9- حالة الطوارىء: التدقيق فى مقتضياتها وبقاء مجلس النواب يمارس صلاحياته.
10- استحداث مؤسسات دستورية جديدة لتوسيع المشاركة السياسية وتنظيم الحوار وتعميق دراسة بعض القضايا مثل: المجلس الاقتصادى الاجتماعى، المجلس الأعلى للأمن والدفاع، المجلس الأعلى للتربية والتكوين، المجلس الأعلى للإعلام.
وقد استجاب الملك لبعض هذه المطالب فطرح تعديلات دستورية فى استفتاء عام يوم 4 سبتمبر 1992 تضمنت مبدأ المساواة بين الرجل والمرأة فى الحقوق السياسية، وإسباغ الطابع الدستورى على حقوق وحريات المواطن الأساسية، ووسع بعض صلاحيات مجلس النواب فأعطاه حق مشاركة الحكومة وسحب الثقة منها، وحق تشكيل لجنة نيابية لتقصى الحقائق لمتابعة أعمالها ومراقبتها، كما استحدث مجلساً دستوريا ليشكل ضمانة اضافية لتأكيد مبدأ سيادة القانون وحالة الطوارىء لا يترتب عليها حل مجلس النواب. ولم يستجب تعديل الدستور لمطالب أخرى مثل: خفض سن الناخب وسن المرشح والأخذ بنظام الانتخاب بالقائمة النسبية، وأن تكون الحكومة ممثلة للأغلبية البرلمانية، وتعزيز سلطة مجلس النواب فى مواجهة الحكومة.
وقد رفضت أحزاب المعارضة هذه التعديلات ما عدا حزب التقدم والاشتراكية، ورفضت الاستفتاء عليها ورفضته أيضاً المنظمات النقابية مثل الاتحاد العام للشغالين والكونفدرالية الديمقراطية، وسجلت منظمات حقوق الإنسان تحفظاتها على مشروع التعديل وواصلت أحزاب الكتلة الديمقراطية معارضتها ورفضت دعوة الملك للمشاركة فى الحكومة بعد الانتخابات البرلمانية فى 25 يونيو 1993. وكانت أحزاب الكتلة الديمقراطية قد قدمت للملك مذكرة جماعية فى فبراير 1993 سجلت فيها ملاحظاتها على عمل اللجنة الوطنية للسهر على العمليات الانتخابية وأعلنت تعليق مشاركتها فى هذه اللجنة، فاستجاب الملك للمطالب الواردة فى المذكرة مثل: التمويل العمومى للحملات الانتخابية، واستعمال الاذاعة والتليفزيون على قدم المساواة من طرف كل المرشحين والأحزاب، وإعادة وضع اللوائح الانتخابية، وتوفير ضمانات إدارية قضائية ترتبط بالتسجيل فى كشوف الناخبين واعلان هذه الكشوف وفتح باب الطعون فى عمليات القيد، ومراقبة هوية المصوتين ومراقبة سلامة الاقتراع بما فى ذلك فرز الأصوات والاعلان عن النتائج والمعاقبة الصارمة لكل غش انتخابى.
لم تنجح التعديلات الدستورية فى 1992 فى إخراج البلاد من أزمتها بل احتدمت هذه الأزمة بسبب رفض أحزاب الكتلة الديمقراطية المشاركة فى الحكم ومواصلتها المطالبة بإجراء تعديلات دستورية جديدة، ودعا الملك بالفعل إلى الاستفتاء على تعديلات دستورية جديدة. فى سبتمبر 1996 لتحاشى زيادة نفوذ المعارضة ومحاولة احتوائها فى إطار النظام السياسى ولإخراج البلاد من أزمتها السياسية من خلال تشكيل جهاز تنفيذى فاعل مستند إلى أغلبية يفرزها تناوب ديمقراطى من خلال صناديق الانتخاب، وقد تضمنت التعديلات:
- تدعيم فعالية المؤسسة الملكية فى النظام الدستورى باعتبارها سلطة تشرف على المؤسسات التشريعية والتنفيذية والقضائية وتساهم فى تنظيم العلاقة بينها وتحافظ على توازن السلطات.
- النص على أن الحكومة مسئولة أمام البرلمان، وأن يختار الملك رئيس الوزراء من صفوف الأغلبية.
- إقامة نظام تشريعى من مجلسين هما مجلس النواب، ومجلس المستشارين المكون من الغرف المهنية والجماعات المحلية والطبقة العاملة، ويستطيع اسقاط الحكومة عن طريق تقديم ملتمس الرقابة.
- تدعيم فعالية القطاع الخاص فى الحياة الاقتصادية.
- تشديد مسئولية الحكومة أمام البرلمان.
- جعل المجلس الأعلى للحسابات مؤسسة دستورية مكلفة بتأمين المراقبة العليا لتنفيذ القوانين المالية.
وافقت أحزاب الكتلة الديمقراطية والمؤسسات الشعبية الأخرى على هذه التعديلات وشاركت فى الانتخابات البلدية ثم فى الانتخابات التشريعية التى أجريت فى نوفمبر بعد توافر مزيد من ضمانات نزاهة الانتخابات. وكانت نتيجة الانتخابات حصول أحزاب الكتلة الديمقراطية على أكبر نسبة من المقاعد 102 مقعد تليها أحزاب الوفاق 100 مقعد ثم أحزاب الوسط 59 مقعداً والباقى للمستقلين وأحزاب هامشية. ودعا الملك أحزاب الكتلة الديمقراطية لتشكيل الوزارة تطبيقاً لمبدأ التناوب الديمقراطى من خلال صناديق الانتخابات، فكانت هذه أول مرة تشكل فيها المعارضة الوزارة برئاسة الأستاذ عبد الرحمن اليوسفى. ومن المهم أن يكون واضحاً هنا أن هذه التطورات السياسية والتعديلات الدستورية لم تكن مجرد عمل معزول ونتاجاً للصراع بين الملك واحزاب المعارضة الديمقراطى، بل بنى على إرادة سياسية استوحت بدون شك إرضاء مانحى المعونات فى الغرب وتهيئة الفرصة الأفضل للانضمام إلى الاتحاد الأوروبى وقطع الطريق على خطر تصاعد نفوذ تيار الأصولية الإسلامية الذى يهدد استقرار البلاد، وكان فى نفس الوقت استجابة للتغييرات الكبرى فى المجتمع المغربى.
هكذا يمكن القول إن التطور الديمقراطى فى المغرب قد تجاوز كثيراً حدود التطور الديمقراطى فى أى بلد عربى آخر، رغم أنه لم يصل بعد إلى المستوى الذى يرضى عنه الشعب والقوى الديمقراطية، وليس من شك أن النجاح الذى حققته القوى الديمقراطية فى المغرب للوصول إلى هذه الدرجة المتقدمة نسبياً من الممارسة الديمقراطية تدفع إلى التساؤل عن أهم السمات المميزة لهذه التجربة، أو بمعنى آخر ما هى أهم مستخلصات الانتقال الديمقراطى فى المغرب وكيف يمكن النظر إليها من منظور إقليمى عربى؟.
تتلخص السمات الأساسية لتجربة الانتقال الديمقراطى فى المغرب فى:
- الفهم السليم لتوازنات القوى بالمجتمع المغربى والانطلاق نحو الديمقراطية من منظور الوفاق السياسى أو الحل التاريخى الوسط الذى يعترف بدور خاص للمؤسسة الملكية، وإدارة الصراع السياسى فى إطار استراتيجية تتجنب النصر الكامل أو الهزيمة الكاملة.
- تشكل قيادة سياسية جماعية ديمقراطية لإدارة الصراع حول الانتقال الديمقراطى يتوفر لها سند شعبى قوى وقاعدة اجتماعية واسعة، وقد تحقق ذلك بتشكيل الكتلة الديمقراطية التى تأكدت جماهيريتها فى كل الانتخابات المحلية والبرلمانية بحصولها على نتائج جيدة.
- حرص الكتلة الديمقراطية على إشراك الرأى العام كطرف أساسى فى الصراع حول الإصلاح السياسى والديمقراطى والاستفادة من النقابات العمالية والمنظمات الجماهيرية فى تعبئة الرأى العام حول هذه العملية وأهدافها، فكانت الحلقة الأساسية فى التأثير هى الضغط الشعبى.
- تبلور برنامج محدد ومتكامل للإصلاح السياسى الدستورى معلن منذ البداية، وتم الوصول إليه تدريجياً حسب توازنات القوى فى كل مرحلة.
- طول النفس للأحزاب الديمقراطية التى واصلت نضالها من أجل التطور الديمقراطى بثبات خلال فترة زمنية طويلة نسبياً.
- تدعيم الأحزاب الديمقراطية لمصداقيتها أمام الرأى العام والأطراف الأخرى، حيث التزمت دائماً بالمواقف التى أعلنت اعتزامها القيام بها ولم تتراجع عن هذه المواقف، مثل مقاطعتها الفعلية لاستفتاء 1992 ورفضها المشاركة فى الحكم بعد انتخابات 1993.
- الربط الجيد بين برنامج الإصلاح السياسى والدستورى وحقوق الإنسان والمشاركة النشطة لجمعيات حقوق الإنسان فى هذه العملية بما يدعم مطالب الأحزاب الديمقراطية، واكتملت بذلك مساندة المجتمع المدنى بكل مؤسساته لهذه العملية.
ولعل الأستاذ عبد الرحمن اليوسفى قد عبر بدقة عن جوهر تجربة الانتقال الديمقراطى فى المغرب عندما صرح قبل سنة من توليه رئاسة الوزارة ان الاتحاد الاشتراكى مستعد لتحمل المسئولية فى حكومة تتوفر لها ثلاث دعائم: ثقة الملك، وأغلبية مريحة فى البرلمان، والسند الشعبى.
-2-
تحديات التطور الديمقراطى فى المغرب
يحتدم النقاش حاليا فى المغرب حول الانتقال الديمقراطى وحكومة التناوب وجدوى مشاركة أحزاب الكتلة الديمقراطية فى الحكم. ويعكس هذا النقاش احتدام الصراع السياسى والفكرى بين القوى التقدمية وقوى اليمين، كما يعكس الخلافات فى صفوف القوى التقدمية نفسها بين من يتعجل التغيير ومن يطالب بوضع الصعوبات الواقعية فى الاعتبار عند تقييم التجربة وما حققته حتى الآن من نتائج. ولم يسلم الأمر من توجيه انتقادات إلى حكومة الكتلة الديمقراطية بأنها تخلت عن برنامجها الديمقراطى بعد توليها الحكم وترد الحكومة على هذه الانتقادات بشدة. ولما كانت معظم هذه الانتقادات موجهة من شخصيات وقيادات تقدمية وديمقراطية تنتمى إلى جبهة القوى الديمقراطية وتساهم فى تكوين موقف معارض للحكومة وأدائها داخل قطاعات هامة من الرأى العام وفى صفوف قواعد أحزاب الكتلة الديمقراطية بصفة عامة وحزب الاتحاد الاشتراكى بصفة خاصة فإن هذا الوضع سوف يضعف جبهة القوى الديمقراطية ويؤثر سلباً على العملية الديمقراطية إذا لم يتم ضبط هذه الصراعات والاتفاق على أولويات واضحة ومحددة لمواجهة التحديات التى تحول دون الإسراع بوتيرة الانتقال الديمقراطى وإنجاز المهام الأساسية المطروحة فى برنامج الكتلة الديمقراطية. هذا مع العلم بأن جميع الأطراف يتلقى حول تأكيد أهمية ما أنجز حتى الآن على طريق التطور الديمقراطى للمغرب وأنه يمثل بالفعل نقلة نوعية على طريق الديمقراطية تحققت من خلالها مكاسب هامة ينبغى الحفاظ عليها والتمسك بها والعمل على الانطلاق منها نحو مزيد من المكاسب.
ويبدو من المناقشات الجارية حالياً فى المغرب حول تقييم الانتقال الديمقراطى وما يشوبه من نواقص أنه ما يزال حتى الآن عملية فوقية هى فى حقيقتها محصلة التراضى بين المؤسسة الملكية والنخبة السياسية حول حل وسط توافقى، وأنه لم يتوفر حتى الآن لهذه العملية العمق الشعبى الكافى والمساندة الضرورية من كل مكونات المجتمع السياسى بما يوفر لها قوة الدفع الذاتية الكافية للاستمرار استناداً إلى علاقات قوى سياسية أكثر مواتاه للتطور الديمقراطى وأكثر قدرة على حمايتها بحيث لا تتوقف فقط على الإرادة الملكية واستمرار مساندتها للعملية الديمقراطية.
وفى هذا الصدد تطرح القوى الديمقراطية أهمية صياغة استراتيجية متكاملة للانتقال الديمقراطى تتضمن أولويات ومهام محددة لمواجهة التحديات التى تعوق مواصلة عملية الانتقال الديمقراطى بوتائر أسرع وتوفر لها الركائز الأساسية وفى مقدمة هذه التحديات:
أولاً: استمرار الطابع التقليدى لنظام الحكومة، من زاوية أن الملك يتولى العرش فى إطار البيعة (وهى الرابطة الدينية والثقافية والفكرية والسياسية بين الملك والشعب، أى أن أساس شرعيته ومرتكزها الرئيسى هو الشرعية الدينية والشرعية العرفية التاريخية التى لا يحكمها نص مكتوب، مما يجعل حقل الشرعية الدستورية محدودا وهامشياً، ويجعل قرارات الملك فوق المحاسبة وسلطة القضاء.. ويترتب على ذلك العديد من الظواهر التى تؤثر سلباً فى التطور الديمقراطى للبلاد مثل:
1-استمرار أداء الملك لدور الحكم بين السلطات، وتدخله الشخصى فى نهاية المطاف بعد استفحال الأزمة مما يضعف الطابع المؤسسى للنظام ويجعل التطور الديمقراطى متوقفاً على مدى رغبته فى التغيير والتجديد السياسى بما لا يضعف سلطاته أو يؤدى إلى إدخال تغيرات واسعة على النظام الملكى.
2-هيمنة المؤسسة الملكية على بقية السلطات الثلاث التشريعية والتنفيذية والقضائية بما يخل بمبدأ الفصل بين السلطات.
3-تدخل المؤسسة الملكية فى تحديد نتائج الانتخابات بحيث لا يحصل أى حزب على الأغلبية لتظل للمؤسسة الملكية اليد العليا فى العملية السياسية بالبلاد.
4-ما زالت التعديلات الدستورية تصدر وتطرح للاستفتاء بواسطة الملك وليس من خلال مؤسسات شعبية مما يجعل حدود التغيير والتجديد السياسى مرتبطة بإرادته.
ثانياً: القوانين القائمة تتضمن العديد من النصوص التى تضع قيوداً على الحريات الأساسية للمواطنين ولا تحقق مبدأ المساواة بين المواطنين وتنتقص من الإرادة الشعبية وتضعف التطور الديمقراطى، من أمثلة ذلك:
-القوانين المنظمة للانتخابات
-قوانين الصحافة والمطبوعات
-قوانين العمل والأحوال الشخصية والمسطرة الجنائية
-القوانين الموروثة من عهد الاحتلال الفرنسى التى تجرم الرأى وتحد من الحريات.
ثالثاً: بطء وتعثر التعامل مع مخلفات الماضى وعلى رأسها ملف الاختفاء القسرى والاعتقال التعسفى والذى لا يمكن بدون تصفيته أن تتوفر لعملية الانتقال الديمقراطى الأساس الكافى للاستقرار والاستمرار حيث يشكل الاعتراف بما تم من جرائم فى حق الشعب والاعتذار عنها وتعويض من تضرر منها شروطاً ضرورية للسير إلى الأمام على طريق الديمقراطية.
رابعاً: الأزمة الاقتصادية الاجتماعية الناجمة عن سياسات التكيف الهيكلى التى تشكل عبئاً ضاغطاً على إمكانية حدوث تطور ديمقراطى جذرى، فقد يؤدى استمرارها أو تعمقها إلى شيوع مظاهر للسخط الشعبى يواجه من قبل السلطات بإجراءات أمنية وإدارية تهدد التطور الديمقراطى.
تتطلب مواجهة هذه التحديات الأربعة وما ترتب عليها من مظاهر تعطل مسيرة الانتقال الديمقراطى فى المغرب صياغة استراتيجية متكاملة تسترشد بها القوى الديمقراطية فى سعيها لتعميق التحولات الديمقراطية.
1-إصدار دستور ديمقراطى بواسطة هيئة منتخبة تمثل الإرادة الشعبية يستكمل معوقات دولة الحق والقانون، فى إطار نظام ملكى برلمانى يتحقق فيه التوازن بين السلطات الثلاث، وتتعزز صلاحيات السلطة التشريعية تجاه السلطة التنفيذية واستخدامها لكافة الأدوات الدستورية لمراقبة أعمالها وسحب الثقة منها إن لزم الأمر.
2-إجراء مراجعة شاملة للقوانين بحيث تلغى كافة القيود على الحريات العامة والفردية وتكون متلائمة مع المواثيق والاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان والتركيز بصفة خاصة على قوانين الصحافة والمطبوعات والعمل والأحوال الشخصية والمسطرة الجنائية... الخ.
3-اصلاح النظام الانتخابى بحيث يضمن تعبير الانتخابات عن الإرادة الشعبية كاملة ويتطلب ذلك أن تجرى الانتخابات تحت إشراف لجنة قضائية وشعبية تتوفر لها كل الضمانات القانونية والفعلية لكى تقوم بمهمتها كاملة وتوضع الأجهزة الإدارية تحت تصرفها، ويكون لها الإشراف الكامل على العملية الانتخابية ابتداء من إعداد جداول الناخبين على التصويت وفرز الأصوات وإعلان النتائج.
4-إصلاح النظام القضائى وتطويره بما يضمن استقلاليته عن السلطة التنفيذية وكفاءته.
5-تطوير المجلس الاستشارى لحقوق الإنسان بحيث يشمل التطوير تشكيله واختصاصه وطريقة عمله.
6-إصدار قانون العفو الشامل عن المعتقلين السياسيين.
7-تصفية ملف الاختفاء القسرى والاعتقال التعسفى فى إطار حل عادل وشامل ونهائى من خلال التحقيق النزيه وبدون انتقائية، وإعلان الحقائق كاملة حول ما حدث من انتهاكات والاعتذار العلنى للدولة عما حدث، وصرف تعويضات للمتضررين على قواعد العدل والانصاف، وتسليم الرفات وشواهد الوفاة لاسر الضحايا، وإعادة الاعتبار للضحايا ماديا ومعنوياً.
8-إعادة النظر فى السياسات الاقتصادية المطبقة بما يضمن الحد من تأثيرها السلبى على الأغلبية الكادحة وإعطاء أولوية للحد من البطالة والفقر ومحاربة الفساد والغاء الامتيازات ووضع أسس جديدة تضمن تحقيق العدالة فى توزيع الدخل القومى.
إن تنفيذ هذه المهام لاستكمال ودفع التطوير الديمقراطى فى المغرب لا يمكن أن يتم بنجاح بالقفز على الواقع أو تجاهل علاقات القوى السياسية الراهنة فى المغرب، وتناسى أن هذه العملية كلها بدأت فى إطار التراضى والحل الوسط الذى يتحاشى استراتيجية النصر الكامل والهزيمة الكاملة بل هى عملية اصلاحية متدرجة تتطلب استمرار التراضى بين المؤسسة الملكية والنخبة السياسية المغربية بشرط أن تعمل القوى الديمقراطية على إدخال طرف ثالث فى هذه العملية هو الضغط الشعبى الذى لا يمكن بدون تصاعده تحقيق خطوات جديدة مؤثرة، كما يتعين المحافظة على وتدعيم التحالف السياسى الذى لعب دوراً أساسياً فى تحقيق هذه النقلة الديمقراطية والذى تشكل الكتلة الديمقراطية محوره الأساسى، وألا تستبعد من هذا التحالف أى قوة ديمقراطية، ويتم البحث باستمرار عن نقاط الاتفاق مع أوسع جبهة ديمقراطية ممكنة لضمان تطوير علاقات القوى السياسية لصالح القوى الديمقراطية بما يكفل المواجهة الناجحة للتحديات التى تعوق المسيرة الديمقراطية.



#عبد_الغفار_شكر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الأحزاب العربية وثقافة حقوق الإنسان
- تحالف الجنوب فى مواجهة أممية رأس المال
- عروبة مصر والصراع العربى الصهيونى
- الأمن العربي والتقدم العلمي
- الطبقة الوسطى والمستقبل العربى
- تطور الفكر الاشتراكى فى مصر1970-2000 الجزء الثالث
- تطور الفكر الاشتراكى فى مصر1970-2000 الجزء الثانى
- العولمة والديمقراطية فى الوطن العربى
- تطور الفكر الاشتراكى فى مصر1970-2000 الجزء الأول


المزيد.....




- جامعة إيرانية: سنقدم منحا دراسية للطلاب المطرودين من جامعات ...
- لبنان.. لقطات توثق لحظة وقوع الانفجار بمطعم في بيروت وأسفر ع ...
- هدنة مع حماس أو اجتياح رفح.. خيارات إسرائيل بشروط أمريكية
- وزير الخارجية السعودي أجرى اتصالين هاتفيين برئيس مجلس السياد ...
- زيلينسكي يقيل رئيس قسم الأمن السيبراني في هيئة الأمن الأوكرا ...
- برلماني أوكراني سابق يكشف مخططا غربيا يخص زيلينسكي سيكتسح ال ...
- -استهداف مبان وموقع عسكري جنود-..ملخص عمليات -حزب الله- ضد ا ...
- طقس العرب: صورة فضائية تاريخية لاتساع غير معهود لسحب رعدية ف ...
- خبير عسكري: حزب الله نجح في قصف مواقع القبة الحديدية بأساليب ...
- مقتل عنصر من كتيبة طولكرم برصاص أجهزة أمن السلطة الفلسطينية ...


المزيد.....

- عن الجامعة والعنف الطلابي وأسبابه الحقيقية / مصطفى بن صالح
- بناء الأداة الثورية مهمة لا محيد عنها / وديع السرغيني
- غلاء الأسعار: البرجوازيون ينهبون الشعب / المناضل-ة
- دروس مصر2013 و تونس2021 : حول بعض القضايا السياسية / احمد المغربي
- الكتاب الأول - دراسات في الاقتصاد والمجتمع وحالة حقوق الإنسا ... / كاظم حبيب
- ردّا على انتقادات: -حيثما تكون الحريّة أكون-(1) / حمه الهمامي
- برنامجنا : مضمون النضال النقابي الفلاحي بالمغرب / النقابة الوطنية للفلاحين الصغار والمهنيين الغابويين
- المستعمرة المنسية: الصحراء الغربية المحتلة / سعاد الولي
- حول النموذج “التنموي” المزعوم في المغرب / عبدالله الحريف
- قراءة في الوضع السياسي الراهن في تونس / حمة الهمامي


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي - عبد الغفار شكر - الانتقال الديمقراطى فى المغرب ومشاكله