الرشاوي كلها عيب

رشيد كرمه

الحوار المتمدن-العدد: 2794 - 2009 / 10 / 9 - 12:40
المحور: اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
    

الرشاوي مهما يكن شكلها وحجمها وقيمتها ولونها تعدُ عيباً أخلاقياً شأنها شأن كل العيوب الأخلاقية التي نخرت وتنخر مجتمعاتنا،حتى لمن يسوغهاعلى هواه ويعمد إلى تغليفها ويجتهد في تسميتها وهو إفتراء للحقيقة في كل ألأحيان.والمفتري لايخجل ولا يخشى كما السارق,وترتبط عملية الرشوة بين طرفين وإن تعددت قنواتها,كأن تكون بين فرد وفرد أو بين مجموعةٍ و فردٍ أو بين مجموعةٍ ومجموعة ونادراً ما يتحدث المرءعن عيوبه(إلا) الرشوة فهو يجاهرُ و يفخرُبها على الأقل من أحد أطرافها وعادة ما يكون الراشي ويحدث هذا بين الفرد والفرد.أو بين مجموعة الراشين للفرد المرتشي أو بين الفرد الراشي للمجموعة المرتشية ولطالما ساهم الطرف والمجاميع الراشية إلى إشاعة هذا النوع من العيب الأخلاقي على شكل علاج أو نصيحة للآخر كحل لمعضلة ما أو تجاوزاً لقانون وبالتالي هي معالجة لخطأ بوسيلة أخطأ وتحت عناوين ومفردات عديدة ولعل الشائع منها في لهجتنا العراقية(ناوْشَهْ)يقابلها بالعربية الفصيحة(ناولهُ)، وتقترن وهذه من نوادرنا الإجتماعية ولا تقتصرعلى جنس معين كلمة(ناوشه)بحركة العين وذلك برمش إحداها كدلالة على غض الطرف وإشارة خضراء لعملية الرشوة التي تنتشر بكثرة في المجتمعات المتخلفة(الفقيرة)وغالباً ماتكون إسلامية غير عربية كإيران وباكستان مثلاً وعربية إسلامية كسوريا والعراق مثلا آخر, ولا أنفي حدوثها في الدول المتمدنة والمتحضرة ،وأخطر الرشاوي عندما تكون من مجموعة لمجموعة أخرى وهذا ما يحصل في الدول والمجتمعات الفاسدة ومنها على سبيل المثال والحصر( العراق)فلقد دأبت السلطة الصدامية بشخص حكومة البعث على رشوة نخبة كبيرة من تجار الكلمة والفنانين والمزمرين من العراقيين والعرب وكذا رشت مجاميع بالآلآف من رجال الدين شيعة وسنة بل رشت المجتمع العراقي والعربي والإسلامي برشاوي غاية في السخاء "دنانير أراضي عقارات شقق مفروشة سيارات نفط وأشياء أخرى شنيعة بكل ما تحمل الكلمة من معنى " ولابد من محكمة ثقافية شعبية تحاكم الفترة الزمنية التي تسيد بها حزب البعث العربي الإشتراكي على مقدرات العراق حيث أثرت سلوكية(السلطة)على طبيعة العقل البشري ولسوف نعاني منها زمن ليس بالقصير , ولقد إنتبه لهذا العيب الفاضح الطليعة العراقية إبان سبعينات القرن المنصرم إذ نشرت جريدة طريق الشعب لسان حال الحزب الشيوعــي العراقي في أحد أعدادها هذه الحكاية التأريخية المستمدة من تراثنا الزاخر[يروى ان موكب (زياد بن أبيه) مَرَّ وهو والي البصرة بأبى العريان العدوى وكان شيخاً مكفوفاً ذا لسن وعارضة شديدة . فقال ابو العريان ماهذه الجلبة ؟ قالوا:هذا موكب زياد ابن ابي سفيان . قال : والله ماترك ابو سفيان إلا (يزيد ومعاوية وعتبة وعنبسة وحنظلة ومحمداً) ، فمن أين جاء زياد هذا ؟ فبلغ الكلام زياداً ولجأ الى معاوية بن أبي سفيان حيث ارسل اليه رسولاً ومبلغأً من الدنانير .
فقال له هذه هدية من الأميرإبن عمك زياد بن معاوية بن أبي سفيان ثم مر به زياد من الغد في موكبه فوقف عليه وسلم،فبكى ابو العريان . فقال مايبكيك ؟ قال : عرفت صوت ابي سفيان في صوت زياد . فبلغ ذلك معاوية وقال شعراً وأرسله الى ابو العريان], واليوم إذ يخلو مجتمعنا من معاوية وزياد وصدام وأبو العريان لجأت أحزاب إلإسلام السياسي قاطبةً والجماعات الدينية الطائفية في الإنتخابات السابقة الى رشوة الناس بالكساء(البطانيات) والغذاء(رز وسكر وشاي وسمن) وأخيرا وليس آخراً تلجأ الأحزاب الدينية وإستعداداً للإنتخابات المقبلة كمجاميع إلى الدنانير كي ترشي الناس كمجاميع(تناوشهم) عطاياها برمشة عين من معمم ومنقبة بحجاب وقفازات وآخر ذو ربطة عنق جميلة وخاتم أو أكثر مرصع بعقيق يماني ولقد قسموا الرشاوي على الشكل التالي: 15 مليون دينار للراس الواحد أو للصوت الواحد! الأمر سيان ،ولمن هم أدنى منهم 5 ملايين دينار.وفي محافظة اخرى ليست ببعيدة عن المراقدالمقدسة جرى توزيع 100 – 200 الف دينار على وجهاء يطلب منهم معاودة المجئ في الأشهرالقادمة لاستلام الباقي!! أُسائلكم بالله وبكتابهِ وبنبيهِ و بأوليائهِ وبأئمة الإسلام وكل المعتقدات والمقدسات، أثمة عيبٌ أكثر من هذا ؟ أين ولت سور القرآن وآياتهِ ؟وهل من عقوبةٍ للراشي في الدنيا قبل الآخرة؟ وهل سيكتفي الراشي بالصوت الإنتخابي أم سيتعداه طمعاً بصوتٍ غرائزي تلذذي موعود به في الدنيا والآخرة ؟وهل سيحفظ المرتشي جزء ولو بسيط من شرفه وعرضه ؟ لا أظن ذلك ، فالرشاوى كلها عيب , وعيب أخلاقي على وجه الدقة والتشخيص .
الهوامش :
ـــــــ
* العيب ، قالت العرب هو: ، العار , والوصمة والخطأ
السويد في 9 اكوبر عام 2009 رشيد كرمة

#رشيد_كرمه (هاشتاغ)      

---

ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل