|
الحلُّ في حلِّ -مشكلة الحدود- أوَّلاً!
جواد البشيتي
الحوار المتمدن-العدد: 2785 - 2009 / 9 / 30 - 09:54
المحور:
القضية الفلسطينية
ليس بالأمر الذي يَعْدِل اكتشافاً جديداً، أو ينطوي على أهمية تُذْكَر، أن نقول إنَّ "مفاوضات السلام" بين إسرائيل والفلسطينيين في "أزمة".
أوَّلاً، ومن وجهة نظر منطقية صرف، يُعَدُّ هذا القول فاسِداً، فما يسمَّى "مفاوضات السلام" هو شيء لا وجود له على أرض الواقع، فكيف لشيء غير موجود، أو كفَّ عن الوجود، أن يكون في "أزمة"؟!
من قبل، كان لتلك المفاوضات وجود؛ واعتراها كثير من الأزمات، فالطرفان كلَّما جلسا إلى طاولة المفاوضات، وتفاوضا، ومضيا قُدُماً في تفاوضهما، أدركا واكتشفا أنَّ نزاعهما من الاستعصاء بمكان، وأنَّه لم يستوفِ بَعْد شروط التحوُّل إلى نزاع قابلٍ للحل من طريق التفاوض السياسي؛ وكأنَّ المفاوضات بينهما لم تكن مفيدة إلاَّ لجهة قدرتها على إظهار وكشف عمق النزاع بينهما، وعلى إقناعهما، بالتالي، بأنَّ تفاوضهما مضيعة للجهد والوقت؛ وكيف له أن يكون غير ذلك وقد ثَبُت لهما وتأكَّد (بفضل المفاوضات ذاتها) أنَّ المرونة التفاوضية والسياسية القصوى لدى أحدهما هي التطرُّف بعينه من وجهة نظر الآخر؟!
لقد انتهت تجربتهما التفاوضية الطويلة (العبثية وغير المجدية) إلى تأكيد أنَّ "التنازل الفلسطيني الأقصى" لا يصلح، من وجهة نظر إسرائيل، لابتناء سلامٍ منه، وأنَّ "التنازل الإسرائيلي الأقصى" لا يصلح، من وجهة نظر المفاوِض الفلسطيني، مهما أمعن وتمادى في "الاعتدال"، لابتناء سلامٍ منه!
الآن، ثمَّة "أزمة"؛ ولكنَّها ليست في المفاوضات ذاتها؛ لانتفاء وجود هذه المفاوضات. إنَّها أزمة في الجهود والمساعي المبذولة من أجل استئناف المفاوضات، أو من أجل بدء مفاوضات جديدة جادة مُجْدية، فالطرف الفلسطيني هو الآن مضطَّرٌ أكثر بكثير من ذي قبل (وليس في الاضطِّرار فضيلة) إلى أن يظل ممتنعاً عن الذهاب إلى طاولة المفاوضات مع حكومة نتنياهو (التي هي في طبيعتها ضد المفاوضات وإنْ أظهرت خلاف ذلك) حتى تلبِّي بعض الشروط والمطالب، التي في مقدَّمها الوقف التام للنشاط الاستيطاني في الضفة الغربية، وفي القدس الشرقية أيضاً. أمَّا الطرف الإسرائيلي، أي حكومة نتنياهو، فشرطها الذي لا تحيد عنه هو أن تبدأ المفاوضات فوراً، و"بلا شروط (فلسطينية) مسبقة"!
ويكفي أن يلبِّي لها المفاوِض الفلسطيني هذا الشرط (شرط "المفاوضات بلا شروط مسبقة") حتى يَظْهَر على أنَّه مفاوِضٌ لم يتعلَّم شيئاً من تجاربه التفاوضية الفاشلة مع إسرائيل، أو تحوَّل إلى ما يشبه المُدْمِن على هذا النمط من التفاوض الذي يضر ولا ينفع!
نتنياهو أوشك أن يُقْنِع إدارة الرئيس أوباما، بالتي هي أحس، أو بالتي هي أسوأ، بأنَّ تلبيته لمطلب "الوقف التام للنشاط الاستيطاني" لن تؤدِّي إلى استئناف مفاوضات السلام مع الفلسطينيين؛ لأنَّها ستطيح ائتلافه الحاكم على الفور؛ وليس ثمَّة ما يضمن أن يكون الائتلاف الحاكم الجديد أقل تشدُّدا في رفضه هذا المطلب.
كل ما يستطيعه نتنياهو (وهذا المستطاع يُجسِّد معظم ما يريده ويرغب فيه نتنياهو نفسه) لا يتعدَّى الامتناع ستة أشهر، أو ما يزيد قليلاً، عن إقامة مستوطنات جديدة في الضفة الغربية، وعن بناء منازل جديدة للمستوطنين. إنَّه سيستمر في بناء الآلاف من المنازل التي تقرَّر بناؤها من قبل؛ أمَّا "القدس الشرقية" فليست، على ما يؤكِّد ويزعم، بـ "المستوطنة" حتى يشملها هذا التجميد الجزئي والمؤقت للنشاط الاستيطاني!
وهذا "التنازل"، الذي لا وزن له إلاَّ بميزان نتنياهو وليبرمان، لن يكون بلا مقابل أو ثمن عربي، فبعض الدول العربية ينبغي لها أن تشتري منه هذا "التنازل" بثمن جيِّد، هو كناية عن قدرٍ من "التطبيع".
كُنَّا ننتظر أن ينجح الرئيس أوباما ومبعوثه ميتشل في "إقناع" نتنياهو بأهمية وضرورة أن يلبِّي مطلب "وقف أو تجميد النشاط الاستيطاني" بما يسمح باستئناف مفاوضات السلام؛ وانتظرنا، في الوقت نفسه، أن يُعْلِن الرئيس أوباما خطته أو مقترحاته للسلام؛ فطال انتظارنا للأمرين معاً؛ ثمَّ أتت النتائج مخيِّبةً تماماً للآمال، وكأنَّ الرئيس أوباما لم يَدْخُل هذا المعترَك إلاَّ ليُشْهِد العالم على أنَّه من الضعف بمكان!
والآن، أي غداة اللقاء الثلاثي في نيويورك، دَخَلْنا في مرحلة جديدة من الانتظار، فإدارة الرئيس أوباما تبحث في لقاءات منفصلة، في واشنطن، مع مفاوضين إسرائيليين وفلسطينيين في ما يمكن تحقيقه من أجل أن يصبح استئناف المفاوضات ممكناً، أي أنَّ الطرفين يتفاوضان عبر إدارة الرئيس أوباما، ومعها، من أجل التوصُّل إلى اتِّفاق يسمح باستئناف مفاوضات السلام.
حكومة نتنياهو ليست في عجلة من أمرها، وليسن بمتضرِّرة أبداً من أن تستمر "المفاوضات من أجل الاتِّفاق على استئناف المفاوضات" شهوراً وسنوات، فالاستيطان مستمرٌ في موازاتها.
إنَّ "الحدود" هي النزاع الذي يجب أن يُحلَّ ويُسوَّى أوَّلاً، فالمفاوضات إنْ اسْتؤنِفت فيجب أن تُسْتأنف اليوم قبل الغد، ومن أجل التوصُّل إلى اتِّفاق نهائي وعاجل على الخط الحدودي الدائم بين الدولتين. وهذا الاتِّفاق يمكن ويجب أن ينطوي على بذور الحل لمشكلتي الاستيطان والقدس الشرقية إذا ما قام على مبادئ: "المساحة غير المنقوصة"، و"تعيين الحدود الدائمة من خلال التعديل الطفيف لخط الرابع من حزيران 1967"، و"التبادل المتكافئ (كمَّاً ونوعاً) للأراضي".
أمَّا إذا انقضت "مفاوضات حل مشكلة الحدود الدائمة"، والتي يجب ألاَّ تستغرق من الزمن ما يزيد عن شهور، من غير اتفاق فلا بدَّ، عندئذٍ، من أن يقرِّر مجلس الأمن الدولي الحل النهائي لمشكلة الحدود.
لِنَضْرِب صفحاً الآن عن كل القضايا الخلافية الكبرى، ولَنُركِّز الجهود الدبلوماسية والسياسية في أمر واحد فحسب، هو "الحل التفاوضي العاجل والنهائي لمشكلة الحدود"، فإنَّ هذا الأمر كالسيف، في حدِّه الحدُّ بين الجدِّ والهزل.
#جواد_البشيتي (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
-التعصُّب- إلغاء للعقل!
-
نتنياهو يطلب تشدُّداً فلسطينياً وعربياً!
-
أُطْلبوا -عِلْم التفاوض- ولو في إيران!
-
إنَّها -مفاجأة- أوباما الأولى!
-
شيئان لم نتعلَّمهما بعد: قول -لا- و-السؤال-!
-
-الصنمية الاقتصادية- لجهة علاقتها بالأزمة المالية العالمية!
-
أيلول 2009 يتربَّص بالفلسطينيين شرَّاً!
-
حكومة الذهبي -خصخصت- حتى -تخصخصت-!
-
-ثقافة قضائية- مستمدَّدة من -الأمِّية الديمقراطية-!
-
تسع سنوات من حرب -بن بوش بن لادن-!
-
-ظاهرة-.. في مؤسَّساتنا!
-
خيار -الدولة الواحدة-!
-
ليبرمان يقود من الحبشة -حرب المياه- ضدَّ مصر!
-
اعْرَف حقوقكَ!
-
ثالوث الفساد الاقتصادي البنيوي!
-
-دولة الأمر الواقع-.. معنى ومبنى!
-
عشاء في -السفارة في العمارة-!
-
المقرحي أُفْرِج عنه.. و-الحقيقة- ظلَّت سجينة!
-
-الأوتوقراطية التجارية-.. في رمضان!
-
جمهوريات -العائلة المقدَّسة-!
المزيد.....
-
مصادر تكشف تحركات -صامتة- لترامب في أفغانستان.. ماذا يحصل؟
-
تحليل.. على ماذا حصلت بريطانيا بعد -استقبال الملوك- لترامب؟
...
-
ترامب يطرح فكرة سحب تراخيص القنوات التلفزيونية بسبب التغطية
...
-
شاي الماتشا..كيف يُزرع أحد أكثر أنواع الشاي الأخضر ندرة ورغب
...
-
إليسا تتألق بفستان قصير ومكياج برونزي في القاهرة
-
السادس في عامين.. فيتو أمريكي ضد قرار مجلس الأمن حول وقف فور
...
-
اليوم الـ 714 للحرب.. عودة الاتصالات إلى مدينة غزة وإسرائيل
...
-
فرنسا تجمد التعاون مع باماكو في مجال مكافحة الإرهاب وتطرد دب
...
-
فرنسا تجمد تعاونها الأمني مع مالي وتطرد دبلوماسييٍْن
-
عملية -الحارس الشرقي- درع الناتو في وجه روسيا
المزيد.....
-
البحث مستمرفي خضم الصراع في ميدان البحوث الأثرية الفلسطينية
/ سعيد مضيه
-
فلسطين لم تكسب فائض قوة يؤهل للتوسع
/ سعيد مضيه
-
جبرا نيقولا وتوجه اليسار الراديكالي(التروتسكى) فى فلسطين[2].
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
جبرا نيقولا وتوجه اليسار الراديكالي(التروتسكى) فى فلسطين[2].
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
ااختلاق تاريخ إسرائيل القديمة
/ سعيد مضيه
-
اختلاق تاريخ إسرائيل القديمة
/ سعيد مضيه
-
رد الاعتبار للتاريخ الفلسطيني
/ سعيد مضيه
-
تمزيق الأقنعة التنكرية -3
/ سعيد مضيه
-
لتمزيق الأقنعة التنكرية عن الكيان الصهيو امبريالي
/ سعيد مضيه
-
ثلاثة وخمسين عاما على استشهاد الأديب المبدع والقائد المفكر غ
...
/ غازي الصوراني
المزيد.....
|