|
إرتجاع
فاطمة الفلاحي
(Fatima Alfalahi)
الحوار المتمدن-العدد: 2774 - 2009 / 9 / 19 - 10:00
المحور:
الادب والفن
تاهت بعض اللحظات مني ،والتفتُ على صوتٍ منادٍ لي ،وددتُ فرز ملامحه،وأين تراءى لي ذاك الوجه الغُداف؟ ..توقفت برهة،لكن وددت في نفسي ، عدم التوقف والألتفات لجهة الصوت ، لمروري بلحظات التفكير فيه ، بواعز من الخوف ، لفظني عبر إرهاصات وزوازة .. لبستُ حلة الشجاعة، وصممت أن أتجاوز إرهاصات قريني، وأن أُكلم المنادي ..
تقربتُ وشبحهُ المتجه صوبي ،وكانت سمرة الليل قد أضفت على الغروب جواً رومانسياً لحبيبين ، ومظلماً وقاسي لمن تحبهُ ، حين يراكَ وذاك الوجه الغُداف . نفضتُ فكري وجسدي لأتهيأ لما يحدث أو ما سوف يحدث .. - مستغرباً مني ، مابكِ نسيتي أم تناسيتي ..! - هذه أرسلتها لك دجلة . .. (كان ذلك دون سلام أو كلام).. تجاوزني لبعض خطوات .. وعاد ملتفتاً بصوتهِ الذي لا أميزهُ عن صوت قريني. - وقال : لحظة نسيت ، هي لك الأخرى. - وهذه مِن مَنْ؟ - هي من فرات .. - ذهلت لأمره ،وكيف له عرف بهما ؟.. أو كيف وصل لهما؟.. أو حتى كيف إلتقوا به ؟ .. وأين ؟ وأنا منهم في أقاصي البحور .. سكتُ على غيظٍ، وتألبني الوَجمُ، كحجارة مَرْكومَة على قلبي .. أسكنتُ راسي بين كفيَّّ ،مطرقةً بكلامه الذي كان وقعهُ عليَّ كسكينٌ مُوثّقة النصاب ..
* * *
نهضتُ وكأني أصبتُ بالعُطاش .. ومازالتْ الصور تَتثوَّل عليّ لتزيد من سقمي .. فتحت ما أهدتني إياه دجلة .. لا أقول إني سوف أتوقع ماأرسلته لي ..بل أنا متصورة كنهه .. وجاء مطابق لرؤياي ..ولم أتطير كما كان يقول لي .. صورة تجمعها بمن أحب وهو يحتضنها بأبوة شفيفة ..وممسكاً بها كهدهدٌ كُسرَ جناحه .. وما أهداني إياه فرات، لم يكن أقل قسوةً منها .. نصب صغير لوجهٍ ضم وجه إمرأة ونصفه الآخر لوجهه هو .. فلملمت أطراف فشلي ..معتلية كبريائي ومتصنعة لأنفتي ..لأمحو بعضاًً من جدب روحي .. لم أحسب هذه اللحظات .. ولم أحتسب منه المزيد في طلب الآفاق ...أو أن أشاركها في ظليله . كنت بسيطة بمرادي أن يظللني بقلبه ويكون لي غطاء يحميني من لسعات برد هجس القلوب الدنيئة ..وحين غاب عني ، تكالبت علي الدنيا بأكمة من أفعالها ..
* * * إتصلت به لأستعلم منه عن سبب بعادِه .. ولأشكرهُ على رسائلهِ المباشرة وغير المباشرة ،حين كان غيداقاً بمراغِ فكره ، ونسيّ تألَبَّهُ لروحي وكَرولتها في نقيعٍ من سموم الأفكار .. طال إنتظاري لرده .. فلم أحظى إلا بان الرقم قد رفع من الخدمة ..
خرت أعضائي ساجدة لروحي ألماً هي الأخرى .. تبكيني يداي ..وعنف ضربات قلبي المجهدة ، وضعف ساقاي ورفضهما لأمتشاق بقية أعضائي ، فتهاويت جسداً وروحاً .
لم يكن بمقدوري فعل شيء سوى الأنتظار الموبق ، وكسرني بتكسرحروفي على باب ليله، لنقل شهر، تعداه الآخر والآخر،أرفدني بكلمة وبها تناسيت أمر إعتلالي ،وما أصابتني ألأهوال من جبال الكدر قال : ( فيّ بكاء ) .... وأستكبرت نفسي أن تضعف وتنسى ما ألمَ بها من قيح .. - أجبته: إستعن بالله .
إعتبر ردي بأني أنثالُ عليه .. فوخزتْ قلبي نظراته المريبة وجاءت كلماته كسكيناً أعمى ينحرني به ،بروية ليكمل قطع كل أوردة الحياة وإسكات نبضي ..
إرتعدت فرائصي هلعاً ،ونال الإرتجاف من قسمات وجهي كمداً، فلم يكف عن تأنيبي ، فأَسْبَلَ دمعي ، زمناً كان لجبروتها سحر في إسكاته وإطفاء غضبه .
مأزومةً بأرتكازي على أصابع قدميَّ ، ساعدتني على رسم حركة إهتزازية سريعة وقاسية تنم عن غضبي الشديد الشَزّ ، فأشحت بناظري، بعيداً عنه ..
في قرارة نفسي : كنت أهفو ليأخذني بين ذراعيه لأبكي صدره ، ولأخترقه كي يتسلل بأنامله لوجنتي لينأى أدمعي أو أن يزيل كما السابق خصلات شعري المخضبة بأدمعي .
لكنه بقي يكابر ويكابر ... وأكمل ما بدأه من عتب ،وتجاوزي بعدم التفكير بجراحاته ،وكنت أراشقه بيسر الكلام .. رغم الألم كي لاأخسره .
فراعني صمته الرهيب، هطل مائي المالح ، فأمسى قلبي محموماً بالترقب. حاولت أن أثير حفيظته ،لعله يزمجرُ ويرعد لأعرف بإني ماأزال في قلبه .. فلم أحظى إلا بقناطيرٍ من الصمت . فبادرته بصمتي المحكي للألم والندم...
* * *
طفت على ملامحي إمارات التعب والارهاق تقابلت نظراتنا ..زاغت أحداقي عن قسوتهِ .
أعاتبهٌ ..أسأله عن حبه لي ،وعن آهات عشقهِ فلم يسعفني بشيء . تحجرت لآلئي في المدامع تأبى النزول خوفاً مني . فلم ألحظ في عينيه أي نسائم من عشقي له
* * *
هالني رؤيتي لنفسي ،وأنا أتكسر أمامه . حاول مراراً أن يمد يدهُ لرفع رأسي ، فيتراجع ويأبى تكرارها. بصمت،أسرعت لأدفن نفسي ولأبكي صدره ،علِّ أطفيء غضبهُ .كنت أحلم بأنامله وهي تعانق خصلات شعري، فأتنسم أريج عطره الذي يعانق كل زوايايّ ،وحين رفعت رأسي لألمس مسامحته ..
همس قائلاً :سيفوتني القطار ، إني راحل.
_____________ المجموعة القصصية - الحب رحيل
#فاطمة_الفلاحي (هاشتاغ)
Fatima_Alfalahi#
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
سآتيك ...
-
إجتماع
-
قراءة نقدية في المجموعة القصصية حرائق قلب - للاديب الجزائري
...
-
طهر
-
أمضي
-
غياب
-
سفر
-
هواكا
-
تباركني الجراحات
-
أماني
-
يمارسني الصَحْوّ
-
الصَحْوّ
-
بين نفسي ونفسي
-
ذات حلم
-
إختناقات
-
إشاعة
-
وجهة نظر
-
فقاعة
-
نخلة خانها الأهل
-
ملاذي الاخير
المزيد.....
-
سميّة الألفي في أحدث ظهور لها من موقع تصوير فيلم -سفاح التجم
...
-
عبد الله ولد محمدي يوقّع بأصيلة كتابه الجديد -رحلة الحج على
...
-
الممثل التونسي محمد مراد يوثق عبر إنستغرام لحظة اختطافه على
...
-
تأثير الدومينو في رواية -فْراري- للسورية ريم بزال
-
عاطف حتاتة وفيلم الأبواب المغلقة
-
جينيفر لوبيز وجوليا روبرتس وكيانو ريفز.. أبطال أفلام منتظرة
...
-
قراءة في ليالٍ حبلى بالأرقام
-
-الموارنة والشيعة في لبنان: التلاقي والتصادم-
-
-حادث بسيط- لجعفر بناهي في صالات السينما الفرنسية
-
صناع أفلام عالميين -أوقفوا الساعات، أطفئوا النجوم-
المزيد.....
-
سميحة أيوب وإشكالية التمثيل بين لعامية والفصحي
/ أبو الحسن سلام
-
الرملة 4000
/ رانية مرجية
-
هبنّقة
/ كمال التاغوتي
-
يوميات رجل متشائل رواية شعرية مكثفة. الجزء الثالث 2025
/ السيد حافظ
-
للجرح شكل الوتر
/ د. خالد زغريت
-
الثريا في ليالينا نائمة
/ د. خالد زغريت
-
حوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الأول
/ السيد حافظ
-
يوميات رجل غير مهزوم. عما يشبه الشعر
/ السيد حافظ
-
نقوش على الجدار الحزين
/ مأمون أحمد مصطفى زيدان
-
مسرحة التراث في التجارب المسرحية العربية - قراءة في مسرح الس
...
/ ريمة بن عيسى
المزيد.....
|