القذافي من أمين القومية العربية إلى عميل من الدرجة الممتازة ...

عساسي عبدالحميد

الحوار المتمدن-العدد: 2764 - 2009 / 9 / 9 - 00:38
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    

يحكي رفاق العقيد معمر القذافي القدامى أيام الثكنة و قبل أن يستولي على الحكم أنه كان يلبس بزته العسكرية و يضع نظارتين و يقف لساعات طوال أمام المرآة دون ملل ليقلد جمال عبد الناصر في خطاباته القومية العرجاء، تلك الخطابات التي ألهبت الجماهير من الماء إلى الماء وقادت الأمة إلى نصر استراتيجي فريد توج بتحرير كل فلسطين من النهر إلى البحر بعاصمتها القدس الموحدة وجعلت من الأمة العربية قطبا اقتصاديا عملاقا فاعلا ومؤثرا على الساحة الإقليمية والدولية، وأصبح الدخل الفردي للمواطن العربي يتصدر المراتب الأولى عالميا واحتفلت الأمة بوفاة آخر أمي عربي واحتفلت كذلك بإرسال 22 رائد فضاء عربي يمثلون كل البلدان العربية وبناء محطة فضاء عربية عليها كل أعلام بلدان الجامعة العربية بما فيها علم دولة جيبوتي و جزر القمر (...)

حين انقلب العقيد على السلطة الشرعية المتمثلة في الملك "إدريس السنوسي" لم يتوانى في مهاجمة جل إخوانه من الرضاعة أصحاب الجلالة والسمو والفخامة المنضوين تحت بيرق الجامعة العربية واصفا إياهم بالعمالة و التبعية للامبريالية والصهيونية، كان هذا في العشرية الأولى و الثانية من حكمه لكن هذا الحماس بدأ يضعف رويدا رويدا ابتداء من انهيار حائط برلين ثم مع بلوغ أبنائه سن المراهقة وازدياد رغباتهم ونزواتهم ومتطلباتهم بالعيش الرغيد و التنعم بأموال الشعب الليبي وصرفها بأسواق وكباريهات ايطاليا و سويسرا و فرنسا، وخمد هذا الحماس عندما تم إسقاط صنم صدام حسين هبل العراقي وتم القبض على فارس العروبة الأغر في حفرة العوجة، نعم صدام الذي وعد الأمة بحرق نصف إسرائيل و رآه ياسر عرفات في منامه وهو يدخل فلسطين على صهوة حصان أبيض .... حينها بدأ العقيد يحس أكثر بالخطر ...ولهذا نصحه أبنائه بعدم التطزز على أمريكا مراعاة لمصالحهم، وفي صدام و أنجاله لآيات لقوم يعقلون...

إن كل الحكومات التي يمكن تسميتها اليوم بالوازنـــــــة.... والفاعلــــــة والمؤثــــرة !!؟؟أصبحت تخطب ود القذافي ، أنظروا كلمات الإطراء في حقه من طرف صناع القرار بواشنطن ورئيس وزراء بريطانيا و ساركوزي فرنسا أنظروا كيف توسلت سويسرا لهذا المجنون وجثم وزير خارجيتها على ركبتيه عندما أمرت عائشة القدافي بقطع النفط عن سويسرا وطلب الوزير السويسري الصفح و المغفرة من حاكم طرابلس على القضاء السويسري الذي أخطأ في حق ابن القذافي هانيبعل عندما اعتدى هذا الأخير باللكم و الرفس على مواطن مغربي، حينها لم ينبس المسؤولون المغاربة ببنت شفة وكأن ذلك المواطن المغربي شاة جرباء في حظيرة هانيبعل القذافي، انظروا كيف ترتعد الحكومة الايطالية من غضبة القذافي .....

كل هذا الإطراء و النفاق والتطبيل للقذافي يمكن تفسيره بما يلي: إن كبريات الشركات النفطية العالمية ترغب في الاستثمار بقطاع النفط بليبيا و هي بحاجة إلى زعيم عصابة من طينة القذافي ليوفر لها الأمن ويقوم بمهام الحراسة بأرض الجماهيرية حتى تعمل في ظروف طبيعية، و إن استعمال القوة في الوقت الراهن ضد النظام الليبي سيعرقل بشكل كبير عمل الشركات الأجنبية، فمصافي و أنابيب النفط ستكون عرضة لهجومات عصابات ممولة سلفا من طرف القذافي، و سيمكن أيضا دخول المتطرفين الإسلاميين لتنفيذ عمليات انتحارية عبر الحدود الجزائرية و التشادية على وجه الخصوص "العراق نموذجا"، و لهذا تعمل الحكومات الغربية الوازنة و على رأسها الولايات المتحدة على دخول هذه التجربة من بابها الواسع أي تجربة التعامل مع الإرهابيين و ذوي السوابق خدمة لمصالحها ....و على رأسهم صاحب الخيمة إلى أن يرحل عن دنيانا و حينها سيتم اختيار سيف من سيوف الإسلام للحفاظ على الأمن الذي يمكن شركات النفط العالمية من استغلال النفط الليبي و حتى تكون ليبيا بوابة ومعبرا و ميناء كبيرا نحو القارة البكر التي تختزن ثلث ثروات العالم
وهاكم بعض الأرقام من أجل الاستئناس
تتوفر افريقية على80 بليون برميل من احتياطي النفط العالمي ...
* أكثر من 70 في المائة من الإنتاج العالمي من السكر و القطن والكاكاو مصدره من إفريقيا....
* 170 مليون هكتار من الأراضي الصالحة للفلاحة والتي لا تستغل منها سوى 5 في المائة ..بالإضافة إلى ثروة حيوانية وبحرية معتبرة....
* كما أم هناك مياه جوفية مهمة تختزنها باطن القارة كان أخرها بحيرة باطنية اكتشفت غرب السودان تفوق مساحتها مساحة لبنان ثلاث مرات...
* تنتج القارة الإفريقية، نصف كميات الألماس والذهب في العالم....
* تتوفر إفريقيا على 90 في المائة من احتياطي البلاتين....
*.............................


إن النظام الليبي يعي و يدرك جيدا نية الغرب الجادة في التعامل معه ولهذا نراه يعمل جاهدا على ترسيخ شرعية له باحتفاليات الفاتح وتوجيه الدعوات للوفود الأجنبية، وإعداد أنجاله لحكم ليبيا، ولهذا الغرض تخلص من برنامجه و الذي يمكن تسميته مجازا بالبرنامج النووي غداة سقوط نظام صدام ودعا بنفسه حكام إيران بتدمير المشروع النووي الإيراني والانصياع للشرعية الدولية نعم الشرعية الدولية والتي كان يراها القذافي بالأمس تجبر وطغيان قوى الاستكبار، ان تخلي القذافي عن مشروعه النووي و معاداته للغرب كانت إشارة ثمنتها واشنطن ومعها عواصم الغرب ورأوا في معمر القذافي مشروع حارس أمن لمصالحهم وعميل يمكن التعامل معه ليس بليبيا وحدها بل في العديد من بلدان أفريقية، والتي تسعى الكثير من الشركات العملاقة حط الرحال بها، و يرى الغرب بأن العقيد يمكن أن يساهم بتوفير جو من الاستقرار والأمن بالقارة السمراء لكي تعمل الشركات الغربية في ظروف عادية، وها هو العالم اليوم يهب من كل حدب وصوب لتهنئة صاحب الخيمة بعيد توليه و استيلائه على السلطة بما فيهم حكومتنا الرشيدة، التي لبت رغبته في معاقبة بعض المنابر المغربية التي أشارت بالغمز واللمز في حق ملك ملوك افريقية ....

#عساسي_عبدالحميد (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين	حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات