أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قراءات في عالم الكتب و المطبوعات - فينوس فائق - بكاء الآباء














المزيد.....

بكاء الآباء


فينوس فائق

الحوار المتمدن-العدد: 2749 - 2009 / 8 / 25 - 08:22
المحور: قراءات في عالم الكتب و المطبوعات
    


هذه صفحة من رواية (خريف الأصابع) الذي لم ينشر بعد
كم كرهت سائق التاكسي ذلك الصباح القاسي، حين حضر بتلك السرعة العجيبة ليقلّ أخي الأصغر إلى ذلك المكان الذي أجهله، كم كرهت الشارع المؤدي إلى محطة القطار، والأشجار التي على جانبيه والمحال والمارة.. كم كرهت القطار الذي كان سيقله إلى المدينة التي يستقل منها الطائرة إلى حيث كان يريد.. كم كرهت عزم أخي على الرحيل ورغبته في الانطلاق، وعدم اكتراثه بدموع أمي وأبي ودموعي.. هكذا هم جيل التكنولوجيا، يسخرون حتى من دموعنا، وكأنهم جيل ولد لكي ينفذ ما يفكر به فقط..
استوقفتني عبارة قالها: لماذا النساء فقط يبكين أثناء الوداع، وكأنه بهذا يتجاهل دموع أبي التي كانت تتلألأ في عينيه وتزيده هيبة، أو كأنه بالفعل لم يلحظها من فرط فرحه بالرحيل، أو أنه لم ينتظر ليكتشف بنفسه كم يبدو الرجال رائعين في بعض الأحيان وهم يبكون، خصوصاً الآباء منهم، فكم كان أبي رائعاً ذلك الصباح وهو يبكيه بصمت ويخفي عنه دموعه، لا أدري أو لا أتذكر من الذي قال إن البكاء لا يليق بالرجال، وكأن النساء فقط من يتقنّ فنّ البكاء، حيث إنني استعظمت أبي وهو يبكي لفراق شقيقي ويقاوم السقوط على الأرض، كم استعظمت كبرياءه وعزة نفسه، وهو يبكي أمام سائق التاكسي الألماني، وكأنه يقول له انظر كم نحن عاطفيون ونحب أبناءنا، وكأنه يعطيه درساً في العاطفة أو درساً يعلمه فيه كيف يبكي بصدق..
تمنيت ذلك الصباح أن تتوقف حركة السير في المدينة، أو أن تعلن الحكومة حالة منع التجوال في المدينة، أو أن يُضرب سائقو التاكسي عن العمل، أو يُعلَن عن عصيان عام لعمال سكك الحديد، أو أن تحترق السماء وأن تلغى كل رحلات الطائرات، أو.. أو.. أو.. كل ذلك من أجل أن أبقي أخي أكثر في أحضان أمي وأبي.. حينها فقط كان لا بد لي أن أتذكر أمهات شهداء الحركة التحررية الكردية، أو الذين التحقوا بقوات البيشمركة دون أن يودعوا أمهاتهم، أو أمهات شهداء فلسطين، وأمهات ضحايا الإرهاب في العراق، وأمهات ضحايا جرائم صدام حسين.. وكيف أن الأمهات كن يبكين في سرهن، والآباء يحجزون دموعهم في مقلهم، تذكرت أمهات وآباء المؤنفلين وشهداء الأسلحة الكيماوية والبارزانيين، ترى كم مات منهن من الحسرة دون أن يدري بهن أحد، تذكرت أمهات استشهدن بينما كنّ في زيارة لأبنائهن، وآباء بكوا بحرقة لفراقهم. كان لنا جار، التحق ابنه بقوات البيشمركة، وانضم إلى قوة في منطقة نائية جداً، كان والده يزوره في فترات متباعدة ويأخذ له الحاجيات والمأكل والملبس والسجائر بشكل خفي، وفي إحدى المرات التي كان في زيارة إلى ابنه انقلبت السيارة وهو في طريق العودة.. انقلبت ومات الوالد بينما كان يبكي على فراق ابنه، رحل وهو يبكي..
عدنا إلى البيت بعد توديع أخي، ورحت أبحث عن شيء ألهي به نفسي حتى يستعيد البيت نظامه وتوازنه، كأنها حملة تطبيع.. لكنني فشلت، لأن التطبيع يجب أن يبدأ من داخل النفس، إذا كانت نفوسنا منهارة فكيف سنقوى على إعادة تنظيمها من الخارج، لأن التغيير الحقيقي يبدأ من الأعماق وليس من الخارج، ولأننا لو انهمكنا في تنظيم الخارج، ننسى الأعماق بسرعة، لذا فكرت في شيء آخر، فكرت في القراءة، لكن الكم الهائل من الأحزان التي تعصف بي كانت أكبر من أن أحمّل نفسي قصة أخرى أقرؤها، فكان علي أولاً أن أفرغ المخزون الهائل من الحزن، رغم قناعتي التامة بأنه لا يمكن تفريغ النفس البشرية من الحزن بسهولة، خصوصاً قلوب الآباء بعد فراق الأبناء.. فأول شيء فكرت فيه ذلك المساء أن أكتب عن دموع والدي، تلك الدموع التي تمنيت أن أشربها.

نشرع في ديوانية الجمعة (صحفية أوان الكويتية)العدد 2747 يوم 21-08-2009



#فينوس_فائق (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ياليت أخطائنا فقط لغوية
- الديمقراطية الحقيقية عنوانها المرأة
- متى كان العراق خالياً من الفساد؟
- حول الفساد
- الإصلاح مشروع
- أين يبدأ الإصلاح؟
- حركة إصلاحية حقيقية هي الضمان الأكبر لتغيير واقع المرأة في ا ...
- عفيفة لعيبي: لم أنقطع يوما واحدا عن العراق
- خلف الغروب بشارعين و قبلة
- شرف الفتاة في القاموسين الإجتماعي و الأخلاقي
- لقاء مع الكاتبة الهولندية المصرية الأصل ناهد سليم: حديث حولة ...
- الأغاني الخلاعية ، إرهاب أخلاقي
- مجموعة مستقبل العراق.. أين.. كيف و لماذا؟
- لا ديمقراطية فوق خراب الدكتاتورية
- مطلوب إعتراف عربي إسلامي بجرائم الأنفال و تعريفها على أنها ج ...
- مازالت المرأة العراقية مواطنة من الدرجة الثانية
- ذات صيف بتوقيت يدين
- هل إعدام صدام شأن داخلي أم شأن شيعي أم مالكي؟
- نظرية رجل يدافع عن حقوق المرأة *
- العلم و ملف الإنفصال و كذبة إٍسمها الديمقراطية


المزيد.....




- الحوثيون يعلنون استهداف سفينة ومدمرة أمريكيتين وسفينة إسرائي ...
- وزير الخارجية الأيرلندي يصل الأردن ويؤكد أن -الاعتراف بفلسطي ...
- سحب الغبار الحمراء التي غطت اليونان تنقشع تدريجيًا
- نواب كويتيون يعربون عن استيائهم من تأخر بلادهم عن فرص تنموية ...
- سانشيز يدرس تقديم استقالته على إثر اتهام زوجته باستغلال النف ...
- خبير بريطاني: الغرب قلق من تردي وضع الجيش الأوكراني تحت قياد ...
- إعلام عبري: مجلس الحرب الإسرائيلي سيبحث بشكل فوري موعد الدخو ...
- حماس: إسرائيل لم تحرر من عاد من أسراها بالقوة وإنما بالمفاوض ...
- بايدن يوعز بتخصيص 145 مليون دولار من المساعدات لأوكرانيا عبر ...
- فرنسا.. باريس تعلن منطقة حظر جوي لحماية حفل افتتاح دورة الأل ...


المزيد.....

- الكونية والعدالة وسياسة الهوية / زهير الخويلدي
- فصل من كتاب حرية التعبير... / عبدالرزاق دحنون
- الولايات المتحدة كدولة نامية: قراءة في كتاب -عصور الرأسمالية ... / محمود الصباغ
- تقديم وتلخيص كتاب: العالم المعرفي المتوقد / غازي الصوراني
- قراءات في كتب حديثة مثيرة للجدل / كاظم حبيب
- قراءة في كتاب أزمة المناخ لنعوم چومسكي وروبرت پَولِن / محمد الأزرقي
- آليات توجيه الرأي العام / زهير الخويلدي
- قراءة في كتاب إعادة التكوين لجورج چرچ بالإشتراك مع إدوار ريج ... / محمد الأزرقي
- فريديريك لوردون مع ثوماس بيكيتي وكتابه -رأس المال والآيديولو ... / طلال الربيعي
- دستور العراق / محمد سلمان حسن


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قراءات في عالم الكتب و المطبوعات - فينوس فائق - بكاء الآباء