أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمود عبد الرحيم - -الفرح- رؤية انهزامية وتوسل لواقعية مزيفة















المزيد.....

-الفرح- رؤية انهزامية وتوسل لواقعية مزيفة


محمود عبد الرحيم

الحوار المتمدن-العدد: 2749 - 2009 / 8 / 25 - 07:17
المحور: الادب والفن
    



"الفرح" واحد من الافلام التى يمكن ادراجها ضمن "سينما العشوائيات" ، تلك الموجة الجديدة التى اجتاحت السينما المصرية منذ العام الماضي تقريبا ، كنوع من التنويع في الموضوعات واماكن التصوير المكررين ، بعد سنوات من التركيز على عوالم رجال الاعمال ما بين احياء القاهرة الراقية و شرم الشيخ و مارينا وهموم الطبقات المرفهة ، التى لم تعد تلقى قبولا لدى جمهور المشاهدين ، كونها بعيدة عن حياتهم اليومية وهمومها المختلفة تماما ، بالاضافة الى حالة التشبع من هذا النمط الذي يمزج غالبا بين الغنائية و الكوميديا ، وادراك صناع السينما ضرورة البحث عن صيغة جديدة ، تحافظ على ايرادات شباك التذاكر المليونية ، من خلال محاولة الاقتراب من ارض جديدة او بالاحرى من عوالم المهمشين ، بكل ما فيها من تناقضات صادمة وعنف ومعيشة قاسية وعشوائية في كل شئ ، وسوداوية.
بعد مرتين من المشاهدة ترسخت لدى القناعة بان فيلم "الفرح" يبدو للوهلة الاولى جذابا شكلا ، لكن حين تتأمله بعمق ، تجده هزيلا للغاية من حيث الشكل والمضمون ، ان لم يكن سيئا ، بما يطرحه من افكار هروبية وانهزامية ، تسلم بان الاخر هو الذي يتحكم في مصيري ومسار حياتي وان الرهان عليه وحده ، وانه لا مفر من الحال الذي وضعت فيه ، ولا امل في التغيير ، بالاضافة الى ضرورة قبول هذا القدر المحتوم والا ستصيبني لعنة السماء ،لانى صنيعة الظروف ولست صانعها ، تلك الفكرة "البرجوازية" الهدامة التى تذكرنا بافلام ما قبل ثورة يوليو والتي تنطلق من رؤية تكرس لاستدامة الاوضاع القائمة التي يغيب عنها العدالة وتشهد اختلالا كبيرا بين طبقات يزيد الغني فيها غني والفقير فقرا.
الفيلم كذلك يتبنى وجهة نظر آحادية فيها كثير من التعميم ، فكل سكان الحى العشوائي لهم نفس الملامح النفسية والسلوكية ، ولا توجد شخصية سوية واحدة ترفض حالة التواطوء الجمعي او بمعنى اصح " النصب " باقامة فرح وهمي لجمع مبلغ من المال يكفي لشراء سيارة ميكروباص من خلال تجميع "النقوط" ، وكأنه في مثل هذه المناطق لا يوجد شخصا شريفا واحدا يقاوم الفقر والاحتياج بشرف وكرامة ، ويرفض التورط في مثل هذا "الفساد الصغير" ، حتى الام التى بدت مختلفة قليلا واظهرها بمظهر المتدينة هى الاخرى لم تمانع من مسايرة ابنها في الكذب والاحتيال ، في منطق متناقض غير متسق مع الخطاب الديني الذي ينطلق منه ويوظفه بشكل مغلوط ومتهافت من بداية الفيلم الى نهايته.
وبدا الفيلم مترهلا بدرجة كبيرة من كثرة الشخصيات التى لا داعى لها ولا قيمة درامية لوجودها الا لحشد اكبر عدد من نجوم الصف الثاني ، فما جدوى دور حسن حسني ومي كساب على سبيل المثال وما علاقتهما بالخط الدرامي الرئيسي ، هل ثمة تماس او تعميق او اضافة ما ، رجل عجوز يدعي الفحولة امام زوجته الشابة بعد تناول الفياجرا لكنه لا يستطيع الاستمتاع بليلته معها نتيجة ضجيج الفرح ، كذلك شخصية المصور الذي قام بادائها علاء مرسي التي لا موقع لها في الفيلم ، وايضا الراقصة الاولى ووالد ماجد الكدواني في الفيلم الذي يبحث عنه في الكبر بعد ان قام بتشويهه في الصغر ، حتى شخصية المونولوجست صلاح عبد الله وابنه لم تكن ذات قيمة كبيرة ، فالرسالة التى اراد ان يوصلها ان الذوق العام اختلف وانحدر ، وبالمقاربة مع الواقع فان مثل هذه المناطق الشعبية والعشوائيات لا تبالى كثيرا بالذوق الرفيع ، على العكس تجد نفسها في مثل هذه الاغاني الهابطة التى تتحدث عن المخدرات او وصلات الضجيج الراقص، والسؤال هنا هل اذا حذفنا هذه المشاهد وهذه الشخصيات هل ستؤثر على البناء الدرامي للعمل ام ستزيده قوة وتضبط ايقاعه المرتبك؟!.
واذا كانت ذروة الفيلم المتمثل في وفاة الام قد تأخرت اكثر من اللازم ما احدث اطالة في الاحداث غير مبررة وتطورا دراميا بطيئا ، فان ثمة عدم منطقية في الحبكة الفرعية ، فازمة ياسر جلال وجومانا مراد بها كثير من الافتعال ، وبعيدة عن الواقعية التى يتوخاها الفيلم ، فليس مستساغا ان تعيش الفتاة حالة من الخوف والهلع نتيجة انها مارست الجنس قبل الدخول بزوجها ، رغم انهما في الاصل تزوجا رسميا ، ثم انه من المتعارف عليه في الاحياء الشعبية ان مشكلة الاسكان ليست ازمة كبرى ، كون الاسرة تتكيف معها بالاسكان الجماعي ، وامكانية تعايش اكثر من اسرة داخل الشقة الواحدة ، وليس الانتظار سبع سنوات بزواج معلق.
ربما كان من الاوفق تقديمهما كمخطوبين فقط ، ومتعلمين لتبرير الازمة الاخلاقية وتبرير ازمة السكن المنسجمة مع تطلعات هذه الفئة في الاستقلال والحياة الارقى.
تبدو النهاية هي الاخرى انعكاسا لارتباك السينارست احمد عبد الله والمخرج سامح عبد العزيز وحالة التشويش الفكري والفني ، اذ لم يتمكنا من اتخاذ قرار حاسم بشأنها .. هل سيحبطا المشاهد بنهاية سوداوية تبدو غير اخلاقية ، من قبيل تصوير البطل زينهم " خالد الصاوي" شخصا انتهازيا انانيا يغلب مصلحته على الاعراف الاجتماعية بشأن " حرمة الميت" ، وقدسية الموت التى تقدم على الافراح حتى لو كان الثمن فادحا يتمثل في خسارة حلمه المادي ، ام سيقدما نهاية اكثر مغازلة للجمهور الذي يميل للاحكام الاخلاقية ويتفاديا احباطه بجعل زينهم يضحي بالفرح من اجل المأتم ويحافظ على ما تبقى من الاسرة متمثلا في زوجته واولاده مهما كلفه ذلك من مشقة ومعاناة.
وبالمثل الموقف من الراقصة ، هل سيضربها زينهم ، ويجبرها على الرقص رغما عنها ، بعد ان قررت التوبة عن التعرى عملا بنصيحة الام الراحلة ، ام انه سيشجعها على طريق الهداية ، وعلى ذات الحال هل سيجعلا "بائعة البيرة" تقتل الشاب الذي تستجيب لمغازلته ، دون قبول السقوط معه ام سينهيا الفيلم دون دماء.
وهل المنولوجست سينجح في الحصول على استحسان الجمهور والافتخار امام ابنه ، ام سيكون مصيره الفشل والاحباط له ولابنه الذي يوهمه طوال الوقت بشهرته وجماهيريته الزائفة ؟ وهل ستجرى جومانا مراد عملية ترقيع البكارة وتتعرض للاعتداء والاهانة ، ام ستواجه هي وزوجها اهلها بالحقيقة وتحفظ كرامتها ؟
عدم حسم النهاية ووضع نهايتين - في تصوري - تعنى غياب رؤية فنية وفكرية وحالة تردد لا تتواجد عند صناع السينما المبدعين، وانما عند هؤلاء التى تتسم تجربتهم بالضعف وعدم النضج. ولعل ما يتصل بهذه النقطة زوايا التصوير وحجم اللقطات التى غاب عنها التنوع وبدت في غالبيتها متمحورة حول اللقطة المتوسطة ، ورغم ان اللقطة المكبرة " كلوز اب" كان يستوجب اللجوء اليها كثيرا لاظهار الانفعالات والمشاعر الانسانية في مناطق عديدة من الفيلم الا انه نادرا ما كان المخرج يلجأ اليها.
وزوايا التصوير في مشاهد عديدة بلا رؤية ولا ايحاءات، اللهم في المشهد الذي جمع بين سوسن بدر وخالد الصاوي في نهاية الفيلم حين
كانت تقدم له المساعدة المادية ، اذ لجأ الى زاوية "عين الطائر" ، او بالاحرى التصوير من اعلى لزينهم جالسا مكسورا والراقصة واقفة لاظهار حقارة زينهم وضعفه في مقابل قوة واخلاقية الراقصة "التائبة" التى في داخلها شخص محترم وما دفعها لهذا العمل فقط هو الاحتياج.
ومما يحسب على المخرج - كذلك - المونتاج الذى كان ضعيفا ما جعل الايقاع بطيئا ، نتيجة الانتقال غير السلس ولا الموحي من مشهد لمشهد ، بالاضافة الى طول مدة المشاهد ذاتها والحالة الاقرب للثبات وغياب التنوع ، وليس بعيدا عن هذا الاداء التمثيلي الهزيل لغالبية الممثلين الذين تراوح بين الفتور الشديد او المبالغة في اظهار الانفعالات ، ولاشك ان الفشل في السيطرة علي ردود الفعل واظهارها بحساب على مستوى الحركة او نبرة الصوت او تعبيرات الوجه ، يتحمل مسئوليته المخرج.
وربما المميز بشكل رئيسي الفنانة كريمة مختار بحكم خبرتها الطويلة واجتهادها الدائم ، وكذلك سوسن بدر وروجينا اللتلان تجيدان تنويع الادوار والاداء بحرفية ، فيما كان الاسواء اداء ياسر جلال وجومانا مراد.
في النهاية يمكننا ان نخلص اننا ازاء محاولة استثمار او ركوب موجة جديدة في السينما ، وتوسل لواقعية مزيفة بها كثير من المبالغة و السطحية والاجتزاء للمشاكل والشخصيات، برؤية ضيقة جدا ، تخلو من النضج ، وهو ما يتجلى في الرسائل التى تطرحها مثل هذه الافلام التى تفتقر الى المعالجة النقدية الواعية لهموم المهمشين في مصر .
*ناقد سينمائي
Email: [email protected]



#محمود_عبد_الرحيم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- -الغرباء- سؤال الهوية المهددة من الذات والاخر
- صيف الصحراء:استدعاء ماضوي يمزج المدح بالبداوة
- يوليو2009: عن اي ثورة نتحدث؟!
- جوته والشربيني .. خيارا التواصل والقطيعة
- - احكي يا شهر زاد -:اختزال الحياة في امراة حمل ورجل ذئب
- مروة الشربيني .. خطاب الايدلوجية الدينية والتحريض الاعمى
- -حكايات عادية- تضع المصريين أمام مرآة الذات والآخر
- حين تذكرنا السينما ب -جدار الفصل الصهيوني- الذي نسيناه
- -متعة اوربية- للمصريين على ايقاع -الزجاجات الفارغة-
- اوباما الذي يخدع الاغبياء العرب ويجدد الولاء الامريكي للصهيو ...
- نكبة العرب الثانية: نقد الذات واستعادة المفقود
- باكستان والمعارضة المصرية.. نجاح هناك واخفاق هنا
- ملاحقة البشير .. عودة للسياسات الاستعمارية الشريرة
- حين يتوهم عادل امام انه -زعيم - الانهزاميون وثقافة المقاومة ...
- اردوغان .. درس في الدهاء السياسي الغائب عن قادة العرب


المزيد.....




- 1.8 مليار دولار، قيمة صادرات الخدمات الفنية والهندسية الايرا ...
- ثبتها أطفالك هطير من الفرحه… تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- -صافح شبحا-.. فيديو تصرف غريب من بايدن على المسرح يشعل تفاعل ...
- أمية جحا تكتب: يوميات فنانة تشكيلية من غزة نزحت قسرا إلى عنب ...
- خلال أول مهرجان جنسي.. نجوم الأفلام الإباحية اليابانية يثيرو ...
- في عيون النهر
- مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة ...
- ”الأفلام الوثائقية في بيتك“ استقبل تردد قناة ناشيونال جيوغرا ...
- غزة.. مقتل الكاتبة والشاعرة آمنة حميد وطفليها بقصف على مخيم ...
- -كلاب نائمة-.. أبرز أفلام -ثلاثية- راسل كرو في 2024


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمود عبد الرحيم - -الفرح- رؤية انهزامية وتوسل لواقعية مزيفة