أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمود عبد الرحيم - -الغرباء- سؤال الهوية المهددة من الذات والاخر















المزيد.....

-الغرباء- سؤال الهوية المهددة من الذات والاخر


محمود عبد الرحيم

الحوار المتمدن-العدد: 2736 - 2009 / 8 / 12 - 04:27
المحور: الادب والفن
    


في مهرجان الاسكندرية السينمائي
الملاحظة الاساسية التي تخرج بها بعد ايام من المشاهدة للاعمال المشاركة في مهرجان الاسكندرية السينمائي،هي محدودية مستوى الافلام،فمعظمها يمكن تصنيفها كمتوسطة القيمة فنيا وفكريا،حيث لا يزال معيار الكم وليس الكيف هو الغالب على فكر القائمين على مثل هذه المهرجانات.
واذا ما توقفنا عند بعض العروض ومحاولة تقييمها،نجد ان فيلما من بين اربعة افلام علي سبيل المثال يمكن اعتباره جيدا،بما يطرحه من رؤى مثل الفيلم الاسباني " الغرباء"،في مقابل الفيلم الايطالي" غداء منتصف اغسطس"للمخرج جياني دي جريجوريو الذي رغم قوة فكرته،الا ان المعالجة كانت من السطحية بمكان لتصيبك بالفتور،حيث بدا المخرج لا يملك ادوات فنية تساعده على الاحتفاظ بانتباه المشاهد وامتاعه،وتعامل بمنطق المخرج المسرحي الذي يتحرك في مساحة ضيقة الحركة،رغم انه لاضرورة فنية تجبره علي هذا،ما جعل الايقاع بطيئا للغاية،مع غياب عناصر التشويق والحبكة الدرامية الجيدة.
فالفيلم يتناول قصة رجل كهل يتوجب عليه رعاية امه المسنة،ثم يفاجأ بانه عليه مديونية للبنك نتيجة اسرافه في الانفاق،فيطلب منه مدير البنك مقابل تأجيل الحجز عليه ان يستضيف امه في بيته لحين عودته من سفر،وبالمثل يفعل الطبيب الذي يزوره لاضطراره للمبيت في المستشفي،وتأتي ومعها اختها،فيصير بالبيت الواحد اربعة عجائز يتولي رعايتهن ومحاولة ارضاء كل واحدة منهن كما لو كن اطفال صغارا يتمردن على النظام وهو يتقبل الامر بصدر رحب،كما لو كان هو الاب وهم الابناء،للدرجة التي ينظرن اليه علي انه الرجل المثالي،فيما يرى نفسه عكس ذلك مفلسا ومدمنا وبلا حياة طبيعية.
ولم يبتعد الفيلم الجزائري "الكندي" كثيرا عن مستوى الفيلم الايطالي،وبدا اقرب الي الاعمال التليفزيونية الدعائية،كون الجهة المنتجة له هو التليفزيون الحكومي، فالمخرج عامر بهلول ركزعلى تمجيد المؤسسة الامنية ومحاولة اظهار رجل الامن في صورة الشريف المضحي بسعادته من اجل وطنه،ولو تعرض لضغوط او اغراءات او حتي محاولة تصفية جسدية،فضلا عن ثقافته وذكائه ونبوغه العلمي المتوارث من هذا العالم والفيلسوف العربي الشهير الكندي.
واذا كان لجأ مخرجه الى قالب " الاكشن " من مطارادت وتفجيرات وقتلى،ليتسنى له ايصال رسالته الموجهة الآحادية،فان الفيلم التونسي" 7شارع الحبيب بورقيبة" للمخرج ابراهيم اللطيف تعامل مع" الاكشن"بشكل مغاير،اذ زواج بينه وبين الكوميديا الخفيفة التى فيها قدرا من المبالغة احيانا،من خلال تصويره لصراع ثلاثة اصدقاء يحلمون بصناعة فيلم سينمائي ولما فشلوا في الحصول على تمويل حكومي لمشروعهم،قاموا بسرقة بنك وبعد مطاردات ذات طابع فكاهي وتصرفات ساذجة تتخللها قصص حب،يتمكنوا من انجاز الفيلم وتحقيق حلمهم بحصاد الشهرة.
وربما ما يستحق التوقف طويلا،"الغرباء"احد الافلام المشاركة في المسابقة الرسمية للمهرجان،رغم قتامة احداث الفيلم،الا انه يعد من الاعمال الجديرة بالمشاهدة،كونه ينهض على سيناريو جيد يزدحم بكثير من التفاصيل ذات الدلالات العميقة،فضلا عن تشريحه للمجتمع الاسباني والتحولات التى تحدث به،من صراع الاجيال،وتزايد اعداد المهاجرين اليه من اصحاب الثقافة المغايرة التى تبدو مثيرة لازعاج السكان الاصليين.
ويبدو المخرج فينتورا بونز مهموما بفكرة من اين يأتي الخطر على اوروبا حضاريا.. هل من الاخر الآتي من بلاد الفقر والعنف ام من الذات التي تشوهت ملامحها وضعف بنيانها مع الابتعاد عن منظومة القيم المحافظة وثورة الحريات الفردية وما يدور في فلكها من حرية جنسية واسعة وصلت الي حد اباحة المثلية الجنسية ونبذ مؤسسة الاسرة.
حسب احداث الفيلم الذي ينحى نحوا رمزيا ويتناول مرحلة زمنية تقارب اربعين عاما وتشمل حياة جيلين،فان المخرج لم يصل الى اجابة واحدة وخلص الى ان التهديد من الجانبين وان الغرباء ليسوا فقط هولاء القادمين من الخارج الذين لا يفهمون جيدا لغتنا وما تحمله من مخزون ثقافي،لكنهم ايضا قد يكونوا ابناءنا الذين يتمردون على تقاليد المجتمع ويجدون صعوبة في التأقلم مع عاداته وقيمه،هؤلاء الذين يغلبون الفردية على الروح الجماعية.
مثل الابنة التى لا تبدي تعاطفا مع الام المريضة بالسرطان والتي تتركها وحدها تتألم،وتترك مسئولية رعايتها لاخوها،دون مساندة،فضلا عن ابداء روح العناد ورفض النصيحة،وفي النهاية تتركها على سرير المرض وتذهب مع عشيقها،بحثا عن سعادتها الفردية.
وفي الجيل الثاني،نجد ابن هذه السيدة الذي يرافقها الي بيت جده لتمضي ايامها الاخيرة بعد ان داهمها السرطان مثل امها،يكرر نفس السلوك الاناني،اذ يشعر بالضيق من وجوده معها ويزيد احساسه بالرفض مع اشتداد الالم عليها واحتياجها اكثر للرعاية،لدرجة انه يتأفف ويهرب من البيت عندما تتقيأ ويطلب منه خاله المساعدة في تنظيف المكان او في اصطحاب الام المريضة للحمام.
ونجد الاب مثلما تخلى عن الام في الماضي والابناء،في الكبر يبتز الابن عاطفيا،فيما يبحث عن المتعة واللهو التي لا تتلائم ومرحلته العمرية،اذ يستغل استئجار الابن لمرافقة له تتولي رعايته،ويشرع في التحرش بها ثم يتزوجها،واهما اياها انه ثري وانها ستورثه،وفي الوقت الذي يشتد المرض بابنته يتناول دون مبالاة مقوي جنسيا ويعاشر الخادمة القادمة من امريكا اللاتنية.. تلك التى تكتشف مع مرور الوقت ان اوروبا ليست ارض الاحلام وان الصورة البراقة التي نراها من الخارج داخلها حقائق مفزعة تثير الغثيان. ولعل المخرج من الذكاء بمكان ان جعل الخادمة تشير الى هذا المعني قولا،ولجأ الي التأكيد عليه بمعادل بصري يتمثل في القئ التي وجدت نفسها مطالبة بتنظيفه وهي متذمرة وتدعو ابناء جلدتها الذين يحسدونها علي حياتها ان يأتوا ليروا ما تحصد.
وقد حرص على تصوير الاندلسيين في الجيل الاول والمغاربة في الثاني،بشكل سلبي ،فهم اما تتعالي اصواتهم بالعزف والغناء دون عمل ولا اضافة،ولا مبالاة بازعاج الجيران،اوهؤلاء الذي تتصف حياتهم بالعنف لفظا وفعلا ، الى جانب الاجيال الجديدة من الوافدين الصغار الذين يتركون للاهمال والجوع وغياب الحماية والرعاية،وفي المحصلة النهائية يمثل كل هذا تهديدا للذات الاوروبية.
ولعل البيت الذين يسكنون فيه مع الغرباء رمز لاسبانيا او اوروبا الجديدة التي تعيش صراع الهويات او بالاحري الخشية على الهوية الاوروبية من هؤلاء القادمين من خارج الحدود،وربما الام ذاتها المصابة بالسرطان رمز للقيم الاوروبية التى نال منها المرض والهزال مع مرور الزمن،واهم وصية تركتها لزوجها وابنها هي الحفاظ علي الشقة المتبقية من ارثها وعدم بيعه،الي جانب حرصها قبل رحيلها على احتواء ابنائها،ولم شمل الاسرة المفككة والرهان على الولد "الشاذ" في تجاوز مشكلته او انحرافه الاخلاقي،والحفاظ علي صورة العائلة وقوتها،لكنه في النهاية باع الشقة
ولم يبال بالوصية،ومن بقى في البيت هم المغاربة او الغرباء،في حس يبدو محملا برفض الاخر والتحذير من فرض سطوتهم وهويتهم،وربما الاشارة الي الاندلسيين ثم المغاربة،استعادة للموروث الماضوي وتجربة الغزو العربي لاسبانيا واعتبار الهجرات الجديدة ربما تحمل معها ارث هذه المرحلة وتهديدا حضاريا جديدا.وقد لجأ المخرج الي تكنيك "الفلاش باك " و"الفلاش فورورد" لاحداث ترابط بين الخطين الدرامين او بالاحري المرحلتين الزمنتين،غير ان ذلك سبب ارباكا للمشاهد من كثرة الاحداث والشخصيات وتداخلها معا،غير ان كثرة التقطيعات والتنويع بين المشاهد الداخلية والخارجية،ساعدت في سرعة الايقاع وتجنب الشعور بالملل.
ويحسب للمخرج توظيف الموسيقي بشكل جيد لتعطي بعدا دلاليا يتجاوزتعميق الصورة وكسر جدار الصمت في المناطق التي يغيب فيها الحوار،فتكرار العزف والغناء الاندلسي ووجوده في خلفية المشاهد باستمرار،كأنه رسالة على الحضور القوي للاخر في المجتمع الاسباني وتشويشه على القيم والهوية الاوروبيين.
ومن الاشارات المهمة في الفيلم هروب الابنة في الجيل الاول مع شاب اندلسي،وتفضيله علي صديق اخيها الاوروبي "الشاذ"،كدلالة على وجود فرص في الماضي للتعايش الحضاري.
بينما في الجيل الثاني فضلت الفتاة اقامة علاقة مع الشاب المغربي على ابن عمتها الذي عاملها ببرود واهمال وانشغل عنها بملاحقة التطور التقني وقضاء اوقات طويلة في التبضع او التعاطي مع الاجهزة الالكترونية الحديثة،غير انها في النهاية رحلت مع اسرتها وتركته خلفها،كدلالة على تخلى الاوروبيين عن العرب او ضرورة وضع حواجز وفق مقولة" الشرق شرق والغرب غرب ولايلتقيان".
واذا كان صور الغرباء في البداية علي انهم كسالي ومزعجين،فانهم في الجيل الثاني صورهم بمظهر اكثر سوءا باعتبارهم عنيفون في ذاتهم،فبعد ان كنا نراهم يعزفون الموسيقي ويغنون بشكل مسالم،رأينا الجيل الجديد يمارس العنف والاعتداء مثل الزوج المغربي الذي يضرب زوجته الي حد النزف،بينما من يتصدي له هي المرأة الاوروبية ولو كانت مريضة وكأنها اشارة على "حماية لحقوق الانسان".
ولعله لا يغيب عن نظر المشاهد تركيز المخرج بعدسته من وقت لآخر على الرموز المسيحية من ايقونات او علامة الصليب لابداء التمايز مع هؤلاء القادمين من بلاد الاسلام،وهي اشارة اخرى الى الشعور بالتمايز الاوروبي،ليس ثقافيا فقط ،وانما دينيا ايضا.
*ناقد سينمائي مصري



#محمود_عبد_الرحيم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- صيف الصحراء:استدعاء ماضوي يمزج المدح بالبداوة
- يوليو2009: عن اي ثورة نتحدث؟!
- جوته والشربيني .. خيارا التواصل والقطيعة
- - احكي يا شهر زاد -:اختزال الحياة في امراة حمل ورجل ذئب
- مروة الشربيني .. خطاب الايدلوجية الدينية والتحريض الاعمى
- -حكايات عادية- تضع المصريين أمام مرآة الذات والآخر
- حين تذكرنا السينما ب -جدار الفصل الصهيوني- الذي نسيناه
- -متعة اوربية- للمصريين على ايقاع -الزجاجات الفارغة-
- اوباما الذي يخدع الاغبياء العرب ويجدد الولاء الامريكي للصهيو ...
- نكبة العرب الثانية: نقد الذات واستعادة المفقود
- باكستان والمعارضة المصرية.. نجاح هناك واخفاق هنا
- ملاحقة البشير .. عودة للسياسات الاستعمارية الشريرة
- حين يتوهم عادل امام انه -زعيم - الانهزاميون وثقافة المقاومة ...
- اردوغان .. درس في الدهاء السياسي الغائب عن قادة العرب


المزيد.....




- وفاة الفنان المصري المعروف صلاح السعدني عن عمر ناهز 81 عاما ...
- تعدد الروايات حول ما حدث في أصفهان
- انطلاق الدورة الـ38 لمعرض تونس الدولي للكتاب
- الثقافة الفلسطينية: 32 مؤسسة ثقافية تضررت جزئيا أو كليا في ح ...
- في وداع صلاح السعدني.. فنانون ينعون عمدة الدراما المصرية
- وفاة -عمدة الدراما المصرية- الممثل صلاح السعدني عن عمر ناهز ...
- موسكو.. افتتاح معرض عن العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا
- فنان مصري يكشف سبب وفاة صلاح السعدني ولحظاته الأخيرة
- بنتُ السراب
- مصر.. دفن صلاح السعدني بجانب فنان مشهور عاهده بالبقاء في جوا ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمود عبد الرحيم - -الغرباء- سؤال الهوية المهددة من الذات والاخر