أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - حسن الناصر - الحظ ولعبة القدر مع المالكي















المزيد.....

الحظ ولعبة القدر مع المالكي


حسن الناصر

الحوار المتمدن-العدد: 2733 - 2009 / 8 / 9 - 08:17
المحور: اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
    


الحظ ذلك الكائن المبهم الذي طالما أطاح بنوابغ و أحيا خاملين , ولا يوجد تعريف واضح يجسّد مضمونه , اذ تراوحت النظرة اليه مابين الحقيقة والوهم , وبخصوصه يقول القرآن الكريم (وما يلقّاها إلا ذو حظ عظيم) , ويتناوله الشاعر احمد شوقي بقوله :

الحظ يبني لك الدنيا بلا عمد... ويهدم الدعم الطولى إذا خانا

ونفس المعنى يعرضه الحجاج بن يوسف الثقفي بقوله (إن الخطوب تجعل العييَّ مفوهاً) .

وكثيرة هي الأمثال الشعبية التي تحدثت عن الحظ , فمنها ما يقول (قيراط حظ ولا فدان شطاره) , وآخر يذهب بعيداً بالتوصيف بقوله (الدنيا إذا أقبلت باض الحمام على الوتد وإذا أدبرت شخّ الحمار على الأسد) .

إن مسألة تقدير الأقدار وسعي الإنسان كانت مثار جدل كبير في بداية العهد العباسي بين علماء الكلام والفلاسفة وفقهاء الدين , والتي يشا ر إليها بالجبر والتفويض , وهل إن الإنسان مخيّر ام مسيّر , حتى طغى على الساحة حينئذ رأي الامامية بأنه (بين بين) , أي مسيّر بأمور ومخيّر بغيرها .

ويسهب المرحوم الدكتور علي الوردي بكتابه خوارق اللاشعور في موضوع الحظ , ويرى بأنه استعداد داخلي للإنسان ينتجه العقل الباطن أكثر من ان يكون عامل خارجي , اذ ان المحظوظين حسب رأيه يمتلكون قدرة على التحكم باللاشعور والإيحاء بالنجاح الذي يرادفهم على الأكثر .

يحدثنا التاريخ عن أناس نفحهم الحظ وتسلقوا به صروح المجد مع بساطة الأدوات , ولعل شخصية كافور الإخشيدي خير مثال على ذلك , اذ كان الرجل عبداً اسود البشرة شاءت الأقدار ان يتحكم بمقادير مصر بعد ان اشتراه الإخشيد محمد طغج من سوق النخاسة وعلّمه فنون الحربية وأعتقه . ولدى وفاة سيده تمكن أبو المسك كافور ان يحكم قبضته على مجريات الأمور بعد ان ولّى الحكم صوريّاً لابن الإخشيد الذي كان صغيراً , لينفرد هذا (المخصيّ) بالسلطة حتى سارت له ركبان الشعراء والمتزلفين , ووصل من همته ان مدحه ابو الطيب المتنبي حياً ورثاه ميتاً رغم قصيدة الهجاء التي وسمه بها بعد هروبه من مصر التي مازالت أبياتها القذعة تلوكها الألسن حتى الساعة .

وفي تاريخنا الحديث نجد أمثلة أخرى منها جوزيف ستالين الذي لم يكن سوى مديراً لمكتب لينين زعيم الثورة البلشفية في روسيا عام 1917 , وشأنه كان ضئيلاً بوجود كبار قادة ومفكري الحزب الشيوعي وبالأخص تروتسكي , لكن مرض الأخير بالتزامن مع وفاة لينين ساهم في بزوغ نجم (فتى الكنيسة) الذي مافتئ ان بدء بحملة تصفية متسلسلة ضد منافسيه مهدت لديكتاتوريته لاحقاً .

والحظ فقط من جلب لحسني مبارك كرسي الرئاسة في مصر بعد ان عيّنه السادات نائباً له دون تاريخ له يذكر , لا في مجموعة الضباط الأحرار ولا في انقلاب 1952 الذي أطاح بالملكية , لكن رغبة السادات اتجهت حينها في تقنين دور رفاق السلاح من ضباط الثورة للاستفراد بالسلطة , الا ان رصاصات خالد الاسلامبولي عاجلته لتفتح الباب على مصراعيه أمام مبارك في الالتصاق بكرسي الرئاسة حتى الآن .

وفي العراق الحديث نجد أمثلة حية لأشخاص دفعتهم حظوظهم للصدارة أمثال الوصي عبد الإله, الذي كان سكيراً وفاشلاً دراسياً واجتماعياً , اذ لم يتمكن ان يكمل دراسته في كلية فكتوريا , كما خاض ثلاث زيجات فاشلة , وهذه الصفات جعلت منه محط اهتمام عرّاب السياسة في الحقبة الملكية نوري السعيد , اذ ولّاه وصاية العرش بعد وفاة الملك غازي ليتحكم مع نوري السعيد بعد ذلك بمقدرات العراق طيلة ربع قرن .

والحظ أيضاً دفع بصدام الفتى القروي البائس والمنحدر من أسرة وضيعة ان يقضم السلطة عقد السبعينات , بعد ان عبّد له الطريق قريبه البكر , بإزاحة كبار الطامحين لها , أمثال صالح مهدي عماش وحردان التكريتي , ضاناً به سنداً لملمات الأيام , فيما كان صدام يؤسس لحكمه القادم .

وعودة لعنوان المقال نقول بان رئيس الوزراء الحالي نوري المالكي من الرجال المحظوظين بدون أدنى شك , فعلى الرغم من افتقار الرجل لإرث عائلي , او تحصيل أكاديمي مرموق , او قدرة مالية مقارنة بمنافسيه على الساحة الذين مازالت تعصرهم الحسرة على كرسي رئاسة الوزراء , هذا المنصب الأثير الذي طالما تساقطت أمامه رؤوس , وترنّحت أجساد , وتكالبت عليه علية القوم , بل ان القليل والقليل جداً من صمد عليه لمدة طويلة .

لقد نفح الحظ شخص المالكي عدة مرات , أولها حينما تمكن من الفرار من العراق هرباً بحياته , وكانت حينها ماكنة البعث تجزّ رؤوس أنصار الدعوة , والمتعاطفين معها , الى درجة ان الإعلام يظهر رأس النظام وهو يقلد فاضل البراك مدير الأمن العام في بداية الثمانينات وسام الرافدين تثميناً لدوره في وأد حركة الدعوة التي لم يبقى لها أي نشاط محسوس بعد تلك الفترة , ثم عاضده الحظ مجدداً ليتسلق سلم القيادة الحزبية للتنظيم , دون ان يغادره بانشقاق او يأس كالذي دبّ في آخرين , هم اعرق وأمضى منه , جعلتهم يغادرون الحزب ليغيب البعض منهم في ظلام النسيان , فيما يجاهد البعض الآخر الآن بالكتابة هنا او هناك , عسى ان ينال شي من حظوة اليوم التي تصرّمت تجاهه.

ويطرق الحظ من جديد باب المالكي , حينما يفوز حزبه بانتخابات داخل الائتلاف الموحد بمقعد رئاسة الوزراء , الذي كان المجلس الأعلى حينها الأوفر حظاً , والأكثر أنصاراً , والأقدر من ناحيتي التنظيم والمال , ثم يرتمي الحظ بثقله في أحضان المالكي حين أُنتخبَ للمرّة الثانية إبراهيم الجعفري الشخص الأول في حزب الدعوة بفارق صوت واحد عن منافسه عادل عبد المهدي بتصويت داخل الإتلاف أمالته كتلة الصدريين ضد غرمائهم المجلسيين , لينبري على إثرها عادل عبد المهدي بالتهنئة بقلب مكلوم , وابتسامة مزيفة مباركاً للجعفري انتصاره , الا ان عجلة الحظ كانت تسير بجنوح تجاه المالكي , حينما أصر الكرد وهم أهل الحظوة والنفوذ , والصوت المسموع على استبعاد الجعفري بأي ثمن , بسبب تسرع الأخير وإعلانه استعدائهم بزيارة الى أنقرة أثارة حفيظتهم . وبعد مماطلات ومساومات كان لقيادة المجلس الأعلى الموتورة بفقدان منصب رئاسة الوزراء الكأس المعلّى فيها , يحدوها الأمل بتنازل الجعفري عن المنصب لها , لكن إصراره وتهديد الصدريين بالانسحاب أتاح بحل آخر , وهو احتفاظ الدعوة بالمنصب لأحد قيادييها الآخرين , وترشح كل من المالكي وعلي الأديب لذلك , لكن كفة المالكي كانت الأرجح ليتبوأ مقعد رئاسة الحكومة , وهو من رعيل الخط الثاني للسلطة , وفي ظرف أشبه بالاستحالة أمام أمثاله , بعد ان تناطح على هذا المنصب شخصيات تمتلك مقومات كبيرة على الساحة العراقية .

ولم يتخلى الحظ عن المالكي حينما أثمرت جهود الاميركان في استقطاب شيوخ متنفذين في محافظة الانبار , لتبدأ حملة مشتركة ضد تنظيمات القاعدة والتكفيريين , التي كانت الأخطر على العملية السياسية , وبالتالي جيّرت النتائج الكبيرة في استتباب الأمن في الانبار الساخنة جداً لمصلحة المالكي .

وسرت إشاعة بعد ذلك كانت الأقرب الى الحقيقة عن سيناريو أميركي بالتآزر مع جهات سياسية عراقية , منها المجلس الأعلى , للإطاحة بالمالكي الذي بدء نفوذه يتمدد مثيراً قلق حلفاءه المجلسيين , وقد استبان ذلك واضحاً على محيى وملامح المالكي المقتضبة في لقاءه مع الرئيس الأميركي السابق بوش , وكان السبب الرئيسي لهذا السيناريو ميليشيات الصدريين التي استفحلت بصورة مرعبة بغطاء من حليفها المالكي , الا انه لا يوجد حلفاء أزليين في السياسة وباتفاق بين بوش والمالكي والقوى السياسية الأخرى , يتم القضاء على ميليشيات جيش المهدي وتقليم أظافر الصدريين الذين تسيّدوا الساحة الشيعية تلك الفترة . ومنذ تلك اللحظة تألق نجم هذا الرجل الذي استطاع التفرد بزعامة حزبه بعد ان استقطب قياديي الدعوة بحكم منصبه كرئيس وزراء وأزاح الجعفري الذي بدء يتضاءل اسماً وجسماً , وقد بدا مذهولاً أمام صفعة المالكي الغير محسوبة على مداركه .

مما لاشك ان المالكي يتصف بالحنكة والذكاء الا إنهما لا ينجلان المحصول أبداً اذا لم يآزرهما الحظ , وقد تعالى نجم الرجل حتى استطاع ان يكتسح أصوات المحافظات الشيعية وسط ذهول المجلس الأعلى , الذي كان عقب سقوط النظام السابق يختزل الساحة بأسرها , ولم يكن يؤرقه سوى تنامي التيار الصدري في مناطق نفوذه , في حين تنظيم الدعوة لم يكن له أنصار او قاعدة مقارنة بأي تنظيم آخر رغم أرثه النضالي .

وآخر رقصات الحظ على منصة المالكي , قضية سرقة مصرف الزوية التي هوت الى الحضيض بسمعة منافسه والمتربص به الطامح الأكبر لرئاسة الوزراء عادل عبد المهدي . ولو فعل المالكي أي شئ وخطط لأي سيناريو للإطاحة بنده وتسقيطه لم يكن ليأتي بنتائج مثلما حصل عليها مؤخراً , اذ أصيب المستقبل السياسي للمجلس الأعلى ومرشحهم عبد المهدي بنكسة لا ينهض منها على المدى القريب بأفضل الأحوال .

وفي الختام نتمنى ان لا يظن دولة رئيس الوزراء بأننا نحسده فإننا ندعو له أن ترتفع مراتبه وان يزيد راتبه و(عين الحسود بيه عود) .



#حسن_الناصر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- استقراء في القضة الكردية 5 / أزمة الاتحاد الوطني الكردستاني
- همسات في غسق
- انطق ايها الحجر
- الانعطاف الاميركي
- استقراء في القضة الكردية 4
- السفيه وذو الغفلة
- استقراء في الفضية الكردية 3
- استقراء في القضية الكردية 2
- استقراء في الفضية الكردية
- تقوى ... ورع ... لصوصية
- محنة المثقف المعترب
- مملكة الشر وجارة السوء 3
- مملكة الشر وجارة السوء 2
- مملكة الشر وجارة السوء1
- مملكة الشر وجارة السوء
- رسالة عزة الدوري
- وقفة مع وطبان ابراهيم الحسن
- التكريتي والموسوي
- خارطة الطريق للأمن في العراق
- الرق يعيش بين ظهرانينا


المزيد.....




- رئيس وزراء فرنسا: حكومتي قاضت طالبة اتهمت مديرها بإجبارها عل ...
- انتخاب جراح فلسطيني كرئيس لجامعة غلاسكو الا?سكتلندية
- بوتين يحذر حلفاء أوكرانيا الغربيين من توفير قواعد جوية في بل ...
- الدفاع الروسية تعلن القضاء على 680 عسكريا أوكرانيا وإسقاط 13 ...
- رئيس جنوب إفريقيا يعزي بوتين في ضحايا اعتداء -كروكوس- الإرها ...
- مصر تعلن عن خطة جديدة في سيناء.. وإسرائيل تترقب
- رئيس الحكومة الفلسطينية المكلف محمد مصطفى يقدم تشكيلته الوزا ...
- عمّان.. تظاهرات حاشدة قرب سفارة إسرائيل
- شويغو يقلّد قائد قوات -المركز- أرفع وسام في روسيا (فيديو)
- بيل كلينتون وأوباما يشاركان في جمع التبرعات لحملة بايدن الان ...


المزيد.....

- الحزب الشيوعي العراقي.. رسائل وملاحظات / صباح كنجي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية الاعتيادي ل ... / الحزب الشيوعي العراقي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية للحزب الشيو ... / الحزب الشيوعي العراقي
- المجتمع العراقي والدولة المركزية : الخيار الصعب والضرورة الت ... / ثامر عباس
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 11 - 11 العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 10 - 11- العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 9 - 11 - العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 7 - 11 / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 6 - 11 العراق في العهد ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 5 - 11 العهد الملكي 3 / كاظم حبيب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - حسن الناصر - الحظ ولعبة القدر مع المالكي