أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - التربية والتعليم والبحث العلمي - عزالدين غازي - اللسانيات العربية ودورها في التنمية العلمية والثقافية















المزيد.....

اللسانيات العربية ودورها في التنمية العلمية والثقافية


عزالدين غازي

الحوار المتمدن-العدد: 2732 - 2009 / 8 / 8 - 09:00
المحور: التربية والتعليم والبحث العلمي
    


لقد ارتبط مفهوم التنمية بالمجال الاقتصادي والاجتماعي، لكنه ومع تطور الحياة الثقافية للإنسان أصبح هذا المفهوم يشمل قطاعات أخرى بأبعادها المختلفة فأصبح يشمل حتى الدراسات اللسانية والتاريخ الثقافي والمعرفي بشكل عام.
لقد ساهمت مجموعة من العوامل بشكل مباشر أو غير مباشر في تطوير الدراسات اللسانية على الرغم من أن الطابع الشفهي للثقافة العربية كان الغالب منذ قرون مما همش ثقافة المكتوب بشكل واضح ولو أن اللغة العربية كانت عرفت بالكتابة النبطية في أول الأمر، أما استعمالها كان ضيقا جدا إلى أن جاء الإسلام ومعه ضرورة التدوين والتوثيق والحفظ والتلقين فتحولت الكتابة العربية إلى تعدد نتج من خلال الحاجة الملحة في استعمال لغات بعض القبائل التي شكلت أهم رافد لغوي للنصوص الدينية سواء كان الكتاب المقدس "القرآن" أو "الحديث النبوي" وغيره..هذا كله دعم بشكل ملموس وواضح اللغة العربية المعيار والتي عمادها لغة قبيلة قريش التي أصبحت فيما بعد لغة الحضارة بامتياز في العصر الوسيط.
إن هذا التطور الذي شهدته اللغة العربية كلغة رسمية للثقافة والعلوم فيما بعد شكل الأبعاد والخلفيات الجديدة للثقافة عالمياً وقارياً وقطرياً. نفس ما شهدته اللغة السنسكريتية واللغة اليونانية واللغة اللاتينية واللغات الأوروبية المعاصرة لكن بدرجات مختلفة، غير أن اللغة العربية صمدت حتى القرن التاسع عشر الميلادي مع عصر النهضة كلغة معاصرة بعد جمود وثبات طال قرون عديدة. وما جعل هذا الصمود باقٍ هو الوفرة الكبيرة والإنتاج الغزير للنحاة واللغويين المتقدمين والمتأخرين أيضاً، وخاصة مع عصور الاحتجاج اللغوي إذ كان علماء اللغة يصولون ويجولون في القرى والقبائل لجمع وتدوين المتن اللغوي المناسب لتمثيل الكفاية اللغوية ودراسته لاتقاء الأجود والسليم غير اللاحن من أجل وضع القواعد والمعاجم والقواميس الجامعة للغة. نفس الأمر حصل مع علماء الموسوعات في فرنسا مثلا خلال القرن الثامن عشر واللذين حاولوا تدوين مفردات المهن التي بزغت إبان عصر الثورة الصناعية.
كل هذه الحركات التطويرية في اللغات العالمية لم تكن فقط بدافع من ذاتها بل وقعها في تنمية المعرفة والثقافة كان أكبر بكثير لتشمل التنمية المندمجة في مختلف القطاعات، وهذا ما عرفته الحضارة العربية في عهد المامون (القرن التاسع) حينما قام بإنشاء "بيت الحكمة" من أجل ترجمة ونقل عصارة ما أبدعه الفرس واليونان والسريان، نفس الشأن شهدته الحضارة الأوروبية حينما ترجمت أجود النصوص الفلسفية والعلمية العربية واليونانية التي شكلت أسس التقدم العلمي والفكري والتقني المعاصر.
وما تجدر ملاحظته هو أن مجهودات العرب في عصر النهضة العربية في القرن التاسع عشر لم تكلل بالنجاح كما حصل الأمر في الماضي وهذه إشكالية ظلت مطروحة إلى حد الآن ولم تجد حلا أو بالأحرى جواباً شافياً، غير أن المفارقة تكمن في أن المعرفة المترجمة سواء من قبل العرب أو من قبل الغرب على التوالي، أصبحت معرفة محصورة من حيث المتون المعتمدة في الاستغلال المعرفي والعلمي، في حين كان لابد من تجاوزه واعتماد أساليب أخرى تتمثل في النقل التكنولوجي والمعرفي والعلمي، وهذا كذلك عمل ضخم يتعدى بكثير مقدرة العرب على المواكبة والاطلاع. علاوة على ما خلفته الحقبة الاستعمارية وخاصة منها الفرنسية والانجليزية من أثر كبير على اللغة العربية وعلى الترجمة من وإليها كما كان الشأن سابقاً.أو حتى نهج القطيعة اللغوية مع الغرب كما حصل مع الهند والصين واليابان وكوريا مما لم يكن له تأثير مباشر على الهوية اللغوية الوطنية التي استقلت فعلا من براثين الهيمنة اللغوية الإفرنجية.
أما في القرن العشرين فقد نشأ نقاش حاد بين المدافعين عن اللغة العربية الفصحى وعن المؤيدين للعاميات العربية (المفرنسين منهم ومزدوجي اللغة) الذين يعتقدون أن تلك العاميات يمكنها أن تتطور كما تطورت مثيلاتها في أوروبا وتفرعت عن اللغة اللاتينية وأصبحت لغات وطنية مستقلة الذات.وهذا إن عن وعي أو عن غير وعي كان بدافع إيديولوجي سياسي يرمي من ورائه إلى تهميش النظرية الصائبة في معالجة قضايا اللغة العربية بشكل علمي وعقلاني سليم يكون في خدمة التنمية العلمية والهوية الثقافية بشكل ملموس. وكما يؤكد بعض الدارسين اللغويين في العالم العربي، أمثال الطيب البكوش وعبد القادر الفاسي الفهري وغيرهم، أن علاقة العامية بالفصحى تحتاج إلى رؤية شمولية تهدف إلى اعتبار اللغة العربية لغات عربية بصيغة الجمع ولأنها في الحقيقة تنوع لمدونة واحدة. مما يؤكد على أن التنمية الحقيقية للدراسات اللغوية ، إذا أرادت أن تكون هادفة ورامية إلى لعب دور القاطرة في التنمية العلمية والثقافية، لابد لها أن تتعامل مع جميع المكونات اللغوية الجزئية في إطار مبني على التكافؤ وليس على مبدأ الإقصاء والتهميش والتحجر في الرؤيا، مما يحول دون منح الهوية الثقافية حقها ودورها في التنمية الشمولية المندمجة التي قوامها التفاعل والمثاقفة الايجابيتين. هذا كله لن يتأتى في غياب معجم تاريخي للغة العربية وأيضاً في غياب دراسات علمية عقلانية للعاميات العربية.
إن بناء المعجم التاريخي للغة العربية مع تهيئة لغوية شاملة للعاميات المحلية واللغات الأجنبية سيكون له الوقع الكبير في بلورة رؤية كاملة في تتبع الخيوط التي تربط بين سائر هذه المكونات المعرفية، وستكون لا محالة قواماً وأُسًا متيناً ومعياراً واضحاً لتجاوز الجدالات الإيديولوجية وإرساء المقاربات العلمية الملائمة لمعالجة قضايا اللغة العربية بشتى مستوياتها، وتطويعها تكنولوجيا حتى تكون في خدمة التنمية البشرية بمكوناتها الاجتماعية والتربوية والنفسية والعلمية.
وفي هذا المضمار كرست في العالم العربي جهود كبيرة لعلماء ودارسين وباحثين أفرادا وجماعات أشغالها ومشاريعها العلمية سواء في إطار مجامع اللغة العربية والمؤسسات الرسمية أوفي إطار الجمعيات العلمية واللغوية، وانصبت برامجها على بلورة رؤية جديدة في معالجة قضايا اللغة العربية العلمية. ونذكر على سبيل المثال لا الحصر ما قام به العلماء في تونس أمثال صلاح قرمدي من خلال عملهم الضخم "أطلس اللسانيات" ضمن برامج عمل الجمعية التونسية للسانيات التي تروم وصف اللغة العامية التونسية وجعلها في خدمة التنمية الاجتماعية والاقتصادية، ولهذا المنجز بعد استراتيجي يتمثل في إضفاء أواصر العلاقة بين مراحل التطور اللغوي مما يضمن المسار الواقعي للعمل الذي يوضح بجلاء تام نطاق الهوية التونسية التي تحفظ علاقة الفرد بلغته الأم وبهويته الثقافية الأصيلة، كما يبقى هذا العمل في خدمة اللغويين والتربيويين والمتخصصين في الاثنولوجيا والجغرافيا والسوسيولوجيا والزراعة والصناعة. وهناك تجارب أخرى تصب في صميم التنمية العلمية والمعرفية والثقافية للإنسان العربي تتعلق بتكنولوجيا اللغة العربية ودور ذلك في تطوير التعليم والتوثيق والإدارة والتجارة والصناعة والإعلام والترجمة الآلية والمحركات البحث والبحث عن المعلومات وكل ذلك هدفه تشجيع المحتوى العربي على مستوى الشابكة حتى تنافس المحتويات الأجنبية المسيطرة. و نتيجة لهذه القدرات الذكية، بدأ الحاسوب يقتحم العديد من التطبيقات العملية مما يتصل بالاقتصاد و الثقافة و الاجتماع و الخدمات و غيرها، إلى درجة يستحيل معها أن تخلو منه اليوم مؤسسة أو مكتب أو منزل في الدول المتقدمة صناعيا و تكنولوجيا، و ازدادت بشكل ملفت للنظر أهمية تكنولوجيا المعلومات المتقدمة التي تشمل كل ما يتعلق بالمعلومات على اختلاف أنواعها، و مصادرها، و تجميع المعلومات، و استقبالها، و تصنيعها، و ترتيبها، و تحليلها، و معالجتها، و تخزينها، و بعد ذلك استخراجها و استرجاعها، و بالتالي إبرازها بشكل واضح حسب الحاجة الداعية لذلك، بسرعة أكثر، و تكلفة أقل، حتى كثر الحديث عن عصر المعلومات أو ثورة المعلومات أو الثورة الرقمية .... لقد حظيت مسألة إدخال اللغة العربية إلى الحاسوب أو تعريب الحاسوب، منذ أوائل السبعينيات، باهتمام العديد من الخبراء والمهتمين بالتقانة والمعلوميات والإلكترونيات وكذا اللسانيات في مختلف بلدان الوطن العربي، بالإضافة إلى العديد من الشركات والمؤسسات الأجنبية، بغرض تمكين الحاسوب من التعامل مع اللغة العربية، إلى درجة يصبح معها قادرا على التعامل مع الحرف العربي باعتباره مدخلات ومخرجات ومعالجات. وهذه المحاولات هي على سبيل المثال لا الحصر : تجربة شركات المعلوميات والإلكترونيات والبرمجيات العربية و تجربة بناء المعاجم الآلية للغة العربية ومحركات البحث والمحللات الصرفية والتركيبية والمعالجات الاعرابية والتعرف الآلي على الكلام وتوليفه مع محمد الحناش ويحيى هلال وعلال فداغ.. و تجربة المعجمي عبد الغني أبو العزم من الغني إلى الغني/ الشامل وتجربة المرحوم بوجمعة الاخظر غزال في نظام (العممشع) وتجربة نبيل علي وقواعد المعارف المعجمية للعربية و تجربة الحاج صالح أو ما يسمى بمشروع الذخيرة اللغوية العربية وتجارب أخرى مرت واندرجت في إطار تعريب الحاسوب كخدمات الإدخال والإخراج بالحرف العربي وتعريب التطبيقات الحاسوبية أو البرمجيات عن طريق لغات برمجة تعتمد اللغة العربية أساسا أو برمجيات خدمات و تطوير تشغيلها بالحرف العربي، اعتمادا على محيط تقني يأخذ بعين الاعتبار الخصوصيات الثقافية والبيداغوجية والحضارية للأمة العربية. ثم تعريب نظم تشغيل الحواسيب حسب أحجامها المختلفة.ومهما يكن من أمر، فإن هذه المحاولات لم ترقى إلى المستوى المطلوب في الحالة التي نقارنها بالمنجزات المحققة في لغات أخرى كالإنجليزية والفرنسية والإسبانية وغيرها من اللغات، والسبب يرجع إلى عجزها عن تعريب معظم التطبيقات المستجدة في تكنولوجيا المعلومات ومواكبة ذلك،سيما وأن هذه التطبيقات تعتمد أساساً على التحليلات اللسانية الآلية.أضف إلى هذا أن البحوث العربية المندرجة ضمن مجال الهندسة اللغوية العربية والمعالجة الآلية للغة العربية تعتبر قليلة ولا تغطي جميع مستويات نظام الكفاية للغة العربية.





#عزالدين_غازي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- بناء المعاجم الالكترونية أم تقييس الكفاية المعجمية على الحاس ...
- المتلازمات في اللغة العربية و معالجتها في القواميس الثنائية ...
- المقاربة الحاسوبية للمعنى - نظرة موجزة
- حدود المنهجين الاستدلالين : الحجاجي والبرهاني
- الاستدلال الكانطي أو الحجاج المتعالي
- الأنموذج الاستدلالي لدى ارسطو
- الأنموذج الاستدلالي:من الحساب الصوري البرهاني الى الخطاب الح ...
- الأسطوري وأسطرة اليومي
- تجليات دهاء بنو الولاء في عصر الدخلاء : أقواس من واقع الانثر ...
- بنو الولاء في عصر الدخلاء ، أقواس من واقع الانثروبولوجيا الس ...
- مستويات التأويل في التراث من خلال - الكتاب لسيبويه
- الهرمينوطيقا أو علم تأويل الخطابات
- مفهوم قواعد المعارف
- الاستدلال بين البرهاني والرمزي
- اللسانيات الحاسوبية واللغة العربية
- استخدام اللغة العربية في البرامج المحوسبة : اية استراتيجية ؟
- خاطرة الحزين في فقدان رجل مناضل جهبذ وبن شهيد حرب الريف
- الصرافة الحاسوبية العربية: محاولة في التأصيل
- تكنولوجيا اللغة و الترجمة الآلية
- الذكاء الاصطناعي : هل هو تيكنولوجيا رمزية ؟


المزيد.....




- إعلام: وفد مصري إلى تل أبيب وإسرائيل تقبل هدنة مؤقتة وانسحاب ...
- -أنصار الله- تنفي استئناف المفاوضات مع السعودية وتتهم الولاي ...
- وزير الزراعة الأوكراني يستقيل على خلفية شبهات فساد
- ماكرون يهدد بعقوبات ضد المستوطنين -المذنبين بارتكاب عنف- في ...
- دراسة حديثة: العاصفة التي ضربت الإمارات وعمان كان سببها -على ...
- -عقيدة المحيط- الجديدة.. ماذا تخشى إسرائيل؟
- مصر: بدء التوقيت الصيفي بهدف -ترشيد الطاقة-.. والحكومة تقدم ...
- دبلوماسية الباندا.. الصين تنوي إرسال زوجين من الدببة إلى إسب ...
- انهيار أشرعة الطاحونة الحمراء في باريس من فوق أشهر صالة عروض ...
- الخارجية الأمريكية لا تعتبر تصريحات نتنياهو تدخلا في شؤونها ...


المزيد.....

- اللغة والطبقة والانتماء الاجتماعي: رؤية نقديَّة في طروحات با ... / علي أسعد وطفة
- خطوات البحث العلمى / د/ سامح سعيد عبد العزيز
- إصلاح وتطوير وزارة التربية خطوة للارتقاء بمستوى التعليم في ا ... / سوسن شاكر مجيد
- بصدد مسألة مراحل النمو الذهني للطفل / مالك ابوعليا
- التوثيق فى البحث العلمى / د/ سامح سعيد عبد العزيز
- الصعوبات النمطية التعليمية في استيعاب المواد التاريخية والمو ... / مالك ابوعليا
- وسائل دراسة وتشكيل العلاقات الشخصية بين الطلاب / مالك ابوعليا
- مفهوم النشاط التعليمي لأطفال المدارس / مالك ابوعليا
- خصائص المنهجية التقليدية في تشكيل مفهوم الطفل حول العدد / مالك ابوعليا
- مدخل إلى الديدكتيك / محمد الفهري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - التربية والتعليم والبحث العلمي - عزالدين غازي - اللسانيات العربية ودورها في التنمية العلمية والثقافية