محمد ريفلاند
الحوار المتمدن-العدد: 2711 - 2009 / 7 / 18 - 04:26
المحور:
حقوق الانسان
لقد عرف الريف في النصف الثاني من القرن 20 تحولا كبيرا في البنية الهوياتية في مكونين اساسين لهذه الهوية و هما اللغة و العادات.
فهذين المكونين اساسا كل ثقافة و حاملهما هو الإنسان الذي تطور تطورا عميقا في هذه الفترة.فعندما نرجع للوراء نلاحظ سيادة ثقافة محلية صلبة و متينة لها تاريخ متجذر في حياة سكان المنطقة،من ابسط معاملة إلى معاملات القضاء و التعاون و غريهما من خصوصيات المنطقة.
ان السكان المحليين تاريخيا حكموا انفسهم بأنفسهم في شكل قبائل و عشائر و إمارات صغيرة لها انظمتها الخاصة في الحكم و إدارة الأرض و الإنسان.
و مع تسارع عقرب التمدن و التوسع الذي عرفه العالم في القرن 19 و النصف الأول من القرن 20 وقف الريف صامدا ضد كل اقتحام أو اختراق للأرض والإنسان و قد كان النصف الأول من القرن 20 الأكثر صعوبة و قساوة في تاريخ المنطقة بسبب تدخل مباشر لقوة عسكرية عظمى و هي اسبانيا في استغلال الإنسان والأرض، إلا ان الريفيون تيقنوا و تيقظوا من أنه لا محالة من التوحد ضد هذا الجسم الغريب و قد لعب الشريف أمزيان و بعده عبد الكريم الخطابي دورا هاما في مقاومة هذا الإستغلال.لكن أفضل و أكبر دور هو ذاك الذي قام به محمد بن عبد الكريم بمعية مجموعة من المناضلين و تمثل اساسا في توحيد شبه كامل لكامل الريف و تأسيس دولة قائمة بمؤسسات عديدة..كانت وحدة قوية ضد الغزو العسكري و الثقافي الأجنبي..و كان أول توحيد من هذا النوع و بهذا الإتساع في تاريخ المنطقة.
لقد تكبد الريفيون خسائر فادحة في الأرواح و الثروات المحلية خلال هذه المدة لكن بالمقابل تمكنوا الى درجة كبيرة من الحفاظ على لغتهم و عاداتهم و تقاليدهم في كثير من نواحي حياتهم.فرغم سيطرة إسبانيا على المنطقة لعقود عسكريا فإن الثقافة المحلية ظلت صامدة و حصينة ضد كل إختراق و ضد كل محاولات تدمريها او التأثير فيها بشكل تهوي إلى الضياع و الإندثار.
إلى غاية خروج القوى العسكرية للمستعمر من الريف و من المغرب بشكل عام بقيت هوية الريف صامدة وصحيحة من كل ضربة قاتلة.
لتبدأ معاناة الريف و أهله بعد استلام حزب الإستقلال و القصر السلطة في المغرب.فقد ضاقت الحياة الإجتماعية و الإقتصادية لسكان المنطقة بشكل كبير اكثر من أي منطقة أخرى بالمغرب رغم معاناة جميع المناطق في المغرب تقريبا.فبعد حوالي ثلاث سنوات فقط ، في أواخر سنة 58 و بداية سنة 59إنتفض اهل الريف و بالخصوص مركز الريف اي قبيلة بني ورياغل و محيطها.لقد إنتفض أهل الريف ضد السلطة المركزية ضدا على تهميشهم و إقصائهم في تسيير و إدارة المنطقة و تغييب للتنمية الإجتماعية والإقتصادية..رغم أنهم كافحوا و كابدوا الكثير في سبيل الحرية والكرامة ضد مستعمر الأمس.
كانت انتفاضة طبيعية ضد الواقع الذي اوجده القصر و حزب الإستقلال بالمنطقة.فقد تم استبعاد ثوار و مناضلو الأمس وعائلاتهم من دواليب الإدارة و كل مناحي تسيير الشؤون المحلية.لقد عمل كل من حزب الإستقلال و القصر على استقدام موظفون من فاس و عدة مدن لا علاقة لها بالريف و ذلك لتسيير شؤون السكان المحليين،و كانت هذه أولى الضربات التي سببت بشكل مباشر انكماش اللغة المحلية و تغييبها من مختلف الإدارات..
كما لعبت سياسة التهميش الإقتصادي والإجتماعي دورا اساسي في حصار اللغة المحلية و كل ما يتعلق بالعادات و التقاليد المحلية التي كانت مسيطرة في كل مناحي الحياة تقريبا..
شيئا فشيئا تقلص الريف جغرافيا و تقلص حضوره الجوهري في الحياة اليومية للسكان..فسياسة استقدام كوادر و موظفين و رجال تعليم و غيرهم من خارج الريف أثرت كثيرا في الميزان اللغوي بالمنطقة، فكان لزاما على أهل الريف تعلم اللغة العربية و الدارجة و عدم الإعتماد على اللغة المحلية لقضاء شؤونهم اليومية بمختلف الإدارات ، فعوض تعليم المستقدمين من خارج الريف اللغة المحلية لأجل التواصل و القرب من المواطنين حدث العكس حيث اصبحت لغة الأقلية المستقدمة هي التي يجب ان تسود.
فمن جهة تم تهميش المنطقة إجتماعيا متمثلا هذا التهميش في قلة المدارس وإبعادهم من كل ما هوحضاري و مدني حتى يبقى أهل المنطقة أميون لا يتقنون سوى شؤون الزراعة والرعي، و ذلك حتى لا يتمكنوا هؤلاء الأهل من المطالبة على الأقل بالمشاركة في تسيير المنطقة ..و من جهة أخرى كان تسهيل و إرغام اهالي الريف على الهجرة إلى أوربا ..فالتشجيع و الحصار و التضييق أخضع اهل المنطقة لمنطق لزامية الهجرة و التخلي عن إرث الماضي..
فأمام غياب أي بديل سوى الزراعة و التجارة المحلية البسيطة و بعض الحرف الصامدة اضطر سكان الريف إلى الهجرة ابتداأ من الستينات و السبعينات من القرن الماضي لتتكثف بشكل كبير في التسعينات و بداية الألفية الثالثة، كما اضطرت نسبة كبيرة من المزارعين و آخرين إلى زراعة القنب الهندي و المتاجرة به و بالتالي تأسيس سوق للإنتاج و التصدير..و كان ذلك بمعرفة الدولة.
لقد تأسست سوق لإنتاج و تصدير المخدرات ، لتصبح المنطقة من أهم مناطق العالم المنتجة و المصدرة للقنب الهندي في نهاية القرن العشرين و بداية الألفية الثالثة.
مع السبعينت إزدادت معاناة اهل الريف الصامدين بعد ورود أسماء مهمة في لائحة قياديي الإنقلاب على الحسن الثاني لاسيما المحاولة الأولى في صيف 1971..لقد تم التضييق أكثر على الريف و اهله ليتولد عن هذا الضغط الهائل و التضييق و التهميش المتواصلين انتفاضة 1984 التي عرفت قمعا كبيرا و أقل من قمع 1958/1959..لتظطر الدولة إلى لفت بعض العناية التي تمثلت في بناء بعض المدارس الأولية والثانوية و تشييد بعض المستشفيات و المراكز الصحية الصغيرة، و تشغيل و توظيف بعض الأطر المحلية في مختلف الإدارات العمومية..مع استمرار الحصار الإقتصادي.لكن ولدت هذه الإلتفاتة إستقدام المزيد من الموظفين من خارج الريف مرفيقين بعائلاتهم ليزداد التضييق على اللغة المحلية و استمرار تغييبها من جميع المرافق العمومية مما أدى إلى زيادة عدد السكان المحليين المتمكنين من اللغة العربية و العربية الدارجة لكن بالمقابل انخفضت نسبة المتمكنين من اللغة المحلية.
خلال خمسون سنة الماضية حدث إنقلاب كبير على الثقافة المحلية فمن جانب الديموغرافية و الجغرافيا التي تيسيطر فيهما الثقافة المحلية من لغة و عادات و تقاليد فقد تقلصتا بشكل كبير و مهول حيث لم يعد الريف سوى منطقتي الحسيمة و الناظور بل حتى هذه الأخيرة تفصل و تروج لها محاولات لفصلها عن ما تبقى من الريف، و ذلك بعدما كان الريف يمتد لكل شمال المغرب تقريبا من حدود شمال فاس و حدود غرب وجدة وصولا الى حدود شرق طنجة .....
اما المهاجرين إلى أوربا فقد إنسلخ كل من الجيلين الأخيرين خصوصا الجيل الصاعد حاليا عن الثقافة الريفية، فلم تعد الثقافة الريفية من لغة و عادات و تقاليد و غيرها تخص الجيل الأخير من المهاجرين المزدادين بأوربا..فحتى النطق بلغة الآباء و الأجداد استحال على الجيل الأخير، أما تاريخ الريف فهو غائب بشكل كبير و هائل جدا عن ذهن الجيل الأخير المستقرين بالريف، أما بالنسبة للمهاجرين بأوربا فتاريخ المنطقة غائب كليا ..
فبهذة السياسة سيكون في المدى البعيد او حتى المتوسط عدد الناطقين بالريفية والعارفين بالثقافة المحلية و تاريخ المنطقة صغيرا جدا و ربما لن تتجاوز نسبة 10% من أهالي الريف.
اللغة الريفية = الريفية
اللغة المحلية = الريفية
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟