جزيرة الجزيرة

محمد ريفلاند

الحوار المتمدن-العدد: 2713 - 2009 / 7 / 20 - 08:56
المحور: الصحافة والاعلام
    

من ابرز الأسلحة لهذا العصر لاسيما منذ نهاية النصف الأخير من القرن العشرين و بداية هذا القرن الجديد ، هو سلاح الإعلام متمثلا في الفضائيات خصوصا ، و مراكز الدراسات الكثيرة المنتشرة في كل مكان تقريبا.
فكل فضاية لها اسلوبها الخاص في تحرير و تقديم المعلومات و التأثير في الرأي العام محليا ، إقليميا ، أو دوليا..كل فضائية لها خلفية ثقافية،خلفية سياسية..تتميز بها عن مثيلاتها. و مهما ادعت الكثير من القنوات العالمية(و في كل مرة تدعي ذلك)استقلالها و حيادها، إلا انها تبقى منحازة إلى خط سياسي ، خلفية إديولوجية يتحكمان فيها.

فقناة البي بي سي البريطانية العريقية غير محايدة و تسقط كثيرا في الإنحياز فهي غير قادرة على أن تكون موضوعية إلى حد يؤثر في المصالح الإستراتيجية لبريطانيا و نفس الشيء بالنسبة لقناة السي إن إن الأمريكية فهي ذات سياسة لا تخرج كثير عن سياسة البيت الأبيض و لا تستطيع أن تقف في طريق المصالح الإستراتيجية القريبة و البعيدة المدى للولايات المتحدة الأمريكية.
فهاتين القناتين كثيرا ما ادعيتا الإستقلالية عن الدولة و أن أسلوبهما في تحرير و تقديم الخبر و المعلومة غير مرتبط بالدولة و لا يأخذ بعين الإعتبار للتأثيرات الممكنة الصادرة عن الدولة.لكن في عدة مناسابات اتضح أن لمصاح الدولتين أولوية و أولى من تقديم الحقيقة كما هي للمتلقي.

في خضم شبه سيطرة هاتين القناتين على المشهد الإعلامي العالمي سعت كثير من الدول تسأيس قنوات فضائية تكون السند و الدعم لسياساتها محليا ، إقليميا ، أو دوليا.

في العالم العربي ، تأخر الإعلام كثيرا عن الركب العالمي إلا انه ابتداأ من التسعينات تم التفكير بجد بالسلاح الجديد ، سلاح المعلومات والدعاية. فأمام نمو المخزون المالي لدول الخليج بسبب تراكم أموال البترول و الغاز أقدمت قطر بتأسيس قناة الجزيرة في 1996 و بعدها اتخذت السعودية نفس الخطوة بتأسيس قناة العربية في بداية الألفية الثالثة.
فقناة العربية أتت خصيصا للرد و التصدي لخط الجزيرة و أسلوب تحريرها.

لكن أبرز نتيجة حققتهما هاتين القناتين و بالخصوص قناة الجزيرة هو سحب البساط من قناة البي بي سي و قنوات إخبارية أخرى محلية و دولية .. كما أن التأثير في الرأي العام العربي هائلا

إن قناة الجزيرة تعتبر اليوم القناة الأولى و الأكثر مشاهدة في العالم العربي بل بدأت تزاحم قنوات كبيرة خارج العالم العربي بعد تسأيس القناة الفرع الناطقة بالإنجليزية. ففي العالم العربي عدة دول ناقمة و ساخطة على قناة الجزيرة بسبب تقارير فاضحة و مزعجة لهذه الدل و سياساتها الداخلية و الخارجية المتعارضة غالبا مع الرأي العام المحلي.

فكل معارض لإحدى الدول يكون أمامه منبر إعلامي مستعد لنشر أفكاره و مواقفه المعارضة للنظام السياسي لبلده. و أي معارض عربي و أي ناقم و ساخط على الأنظمة العربية يقيم بأوربا يتلقى دعوات في كل مرة من طرف الجزيرة في إحدى نشراتها الإخبارية أو أحد برامجها المهيكلة..

عندما تتحدث عن نفسها فهي قناة مستقلة ، قناة للجميع . يمين ، يسار ، قومي ....قناة لجميع الألوان و الأعراق المتواجدة بالعالم العربي. أي أنها قارة كبيرة أو كل العالم و لو أن إسمها الجزيرة..(و هذا ما يبدو لكثير من الناس)..لكن في كل مرة يتضح غياب التغطية الشاملة و العامة و هيمنة تغطيات انتقائية و خاصة..و أبرز مثال هو دولة قطر و السعودية ...

فقناة الجزيرة منحازة بشكل فاضح لقطر نظرا للإنتماء الجغرافي و المالي..لكنه مبرر لا يعيفها عن كشف قطر كما هي. فمثلا يوجد منذ مدة طويلة نسبية إحدى أكبر القواعد العسكرية الأمريكية ، و تمثيل إسرايلي و لو أنه لا يرقى إلى المعمول به دبلوماسيا (و قد تجميده بسبب العدوان الأخير على غزة).
إننا لا نجد تقارير تفضح أو تكشف قطر أو تتيح للعرب المعارضين بفضح أو حتى التحدث بسوء عن قطر في برامجها او نشراتها الإخبارية إلا نادرا و بمرور الكرام..أما السعودية و باقي دول الخليج باستثناء العراق فهي خاج تغطية قناة الجزيرة و خارج طريق سهام الجزيرة. فحتى سوريا بكل ما فيها من فساد و غياب الديموقراطية فهي تعتبرها منئية عن النقد و الفضح ، ربما فقط لكونها توجد في مرمى إسرائل و أمريكا.

لا تقارير اجتماعية أو سياسية من السعودية أو قطر أو سلطنة عمان أو حتى الأردن...معلومات و تقارير شحيحة جدا في هذا الصدد..عكس مثلا مصر أو المغرب أو لبنان أو فلسطين أو تونس سياسيا في الفترة الأخيرة...فهذه الدول نالت كثير من الفضح الإجتماعي و السياسي .

إن دور الجزيرة هو مناهضة بعض الدول العربية و سياساتها المحلية و الإقليمية . عموما هذا العمل إيجابي جدا..ففضح الدول العربية و كشف المعانات الإجتماعية للمواطنين وكشف الفساد السياسي والإداري لهذه الدول، و تنوير الرأي العام العربي ، وإ براز التاريخ كما هو ، و الحاضح كما يعيشه المواطن...كل هذا امر إيجابي جدا..لكنه سلبي بسبب الإنتقائية للدول . فلو اعتمدت قناة الجزيرة تعرية كل شيء أمام الرأي العام العربي، أي كل شيء يتعلق بجميع الدول العربية و جميع المواضيع و المجالات، لكان هذا امرا إيجابيا .. لكن سياستها الإنتقائية و المرتبطة بسياسة قطر و سياسة من بجانبها و سياسة من تعتبرها قطر منئية عن الكشف و النقد،جعلتها مجرد جزيرة لها حدود رسمتها قطر باستشارة من تراها صديق يستحق الستر.

فعوض أن تكون كما تدعي قناة بلا حدود تقدم الحقيقةكما هي ، و تعري و تنشر أي شيء يتعلق بالدول العربية و شعوبها سلبيا كان أو إيجابيا. آثرت قناة الجزيرة أن تكون جزيرة حقيقية لا تستطيع أن تتعدى تلك الحدود المرسومة لها مسبقا. و لا يمكن لها أن تنبش أي تاريخ لأي دولة عربية بصورة موضوعية و مستقلة .

إن الكثير من المهتمين يرون أن الخط التحريري للقناة تقدمي و شامل إلا أنه في الحقيقة خط تحرير انتقائي موجه و مسير بطريقة مفضوحة للغاية.

---

ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل