أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - مختار ملساوي - غنائم الحرب ضد الاستعمار















المزيد.....


غنائم الحرب ضد الاستعمار


مختار ملساوي

الحوار المتمدن-العدد: 2698 - 2009 / 7 / 5 - 10:28
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


مناسبة العنوان: قال كاتب ياسين، أشهر الروائيين الجزائريين الذين كتبوا باللغة الفرنسية، في أوج الصراع بين أنصار الفرنسة وأنصار التعريب، بأن اللغة الفرنسية هي غنيمة حرب وعلينا التصرف معها من هذا المنظور.
لكننا، للأسف لم نحسن التصرف كما تمنى كاتب ياسين. بل لم نحسن التصرف مع غنائم الحرب الأخرى التي ورثناها في صراعنا واحتكاكنا مع الاستعمار سواء العمرانية أم الحضارية والثقافية والسياسية وحتى الإدارية.
لهذا أبدأ مقالي من حيث انتهى سيد درويش أحد المعلقين على مقالي
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=176755
قال سيد درويش: اللعنة ... ما أقسى مغالطاتكم ووحشية منطقكم وإهانته لأي إحساس بشري!
هذه العبارة كان قد أنهى بها تعقيبه على مقالي المشار إليه أعلاه.
من هذا المنطلق أناقش سيد درويش في مجموعة من النقاط التي أثارها والتي يبدو في الظاهر أنها تحوز قدرا كبيرا من المعقولية والمنطق، لكنها عندما تخضع لتحليل معمق سوف ترتد المغالطات والوحشية والإهانة إلى موضعها الحقيقي.
سيد درويش تقول:
(في تقديري أن خطوط التقسيم غير المناسبة هي التي تجعل الموضوع مشتبك إلى حد لا يمكن حله أو -شائك بالفعل- كما وصفت، والذي يجعل برأيك كتابات مثل كتابات شامل تستحق التأمل. -خطوط التقسيم- هذه يا سيدي هي تقسيمنا ببساطة إلى -أمة عرب- أو -مسلمين- إن شئت و -يهود - أو –غربيين) انتهى
إلى هنا أتفق معك تماما، فليس من المعقول، في رأيي، مثلا ونحن في أجواء الحديث عن الاستعمار، أن نضع الوجود الفينيقي الحضاري في شمال أفريقيا ثم الغزو الروماني في خانة الاستعمار الذي عمل مؤرخونا كل ما بوسعهم لتشويهه خاصة بالنسبة للرومان، (عهد الملك البربري يوبا الثاني مثلا كان عصرا ذهبيا من حيث الاستقرار والرخاء والثقافة في المغرب الأوسط (الجزائر الحالية) ورغم ذلك لم يسلم من وصمة الخيانة لأنه تعامل مع الرومان واستفاد من حضارتهم)، بينما نسمي الغزو العربي الإسلامي الأقل منهما حضارة والأكثر فتكا ونهبا وسبيا فتحا مباركا كما يلف التغييب والنسيان، ويا للعار، مقاومة البربر أهل البلاد للغزاة وبطولة ملكتهم الكاهنة خاصة، (في إحدى المسرحيات الجزائرية (بابور غرق) يقول مؤلفها (سليمان بن عيسى) مخاطبا الجيش العربي: تقولون بأنكم تحملون رسالة، أما كان يكفي أن ترسلوها مع شخص فنقرأها ونرد الجواب؟ أم إن من عاداتكم تكليف جيش بأسره بحمل رسالة واحدة بسيطة؟) (للعلم سليمان بن عيسى هرب من الإرهاب وهو، حاليا، يعيش وينتج ويبدع في فرنسا وبالفرنسية، فما أفدحها خسارة للجزائر وللغة العربية)
ثم يسكت هؤلاء المؤرخون باسم الإسلام عن الوجود التركي المتخلف في الجزائر طوال أكثر من ثلاثة قرون من الاحتلال المقيت كما أن السكان لم يقاوموه بل خضعوا له كما خضعوا لقرون من الاستبداد باسم الإسلام أيضا (وباسم مبدأ نحته الفقهاء نحتا: ظلم غشوم خير من فتنة تدوم) بينما يتحاشون عن عمد التعرض لأية إيجابية في الاحتلال الفرنسي رغم أنه أكثر تحضرا وتأثيرا في تطور الجزائريين بحجة كونه مسيحيا ولأن الناس قاوموه من هذا الجانب حين حاول قلب المفاهيم والقيم ومراتب الناس القروسطية التي ارتاحوا لها منذ قرون. السبب الوحيد هو هذا التقسيم الديني المقيت الذي يعتبر فيه المسلم السني مثلا نفسه أقرب إلى المسلم السني في أي مكان من أصقاع العالم، من المسيحي أو اليهودي أو حتى المسلم غير السني وهو مواطن يجاوره ويتقاسم معه طوال قرون الآلام والآمال والمحن والنضالات.
ثم تقول: (الأمر لا يحلل بشكل مناسب هكذا، فمثلاً -الحكام- رغم أنهم عرب في الجنسية والكروموسومات لكنهم يلعبون مع الفريق الآخر.... الخ) انتهى.
وقد سبق لي أن عقبت على هذا القول بقولي: " فأنا لا أرى أن حكامنا غرباء عن شعوبهم. حديث -كما تكونوا يول عليكم- صحيح وجدلي مائة بالمائة. في الجزائر وُضع الناس أمام خيارات، فاختاروا أسوأها (في نظري، أي بما يناسب مستواهم الحضاري والمعرفي والنضالي)، في العراق أيضا وضع الناس أمام خيارات فاختاروا أسوأها، ودفعوا ولا زالوا يدفعون الثمن غاليا، مثل الجزائريين. كان يمكن للعراقيين أن يستفيدوا من الاحتلال الأمريكي ويبنوا دولة وطنية ديمقراطية قبل أن يطالبوا برحيل الأمريكان بأية طريقة وسوف يكون لهم الحق (في اختيار الوسيلة). طبعا أغلبية العراقيين ليسوا مع المقاومة، لكنها ليس غريبة عن ثقافة أهل البلاد. هل كان وقف مسار انتخابي في الجزائر مبررا لحرب أهلية راح ضحيتها عشرات الآلاف وتسببت في دمار اقتصادي واجتماعي مريع ولا تزال متواصلة منذ ما يقرب من عشريتين من الزمان؟
علينا أن نخاطب أهلنا كمواطنين مسئولين يتحملون نتائج أعمالهم، بما في ذلك جهلهم وغفلتهم. عندنا تظاهر الناس بالملايين تأييدا لصدام مثلا وقلما تجد بيتا أو محلا تجاريا لا يعلق صورة له وهو في أوج جبروته وما زال الحنين قويا (لعله يفسر حاجة الناس المغلوبين على أمرهم إلى سمتبد عادل يحمل عنهم شر القتال ويبطش بأعدائهم، وقد صوره كاتب جزائري هو الآن وزير بالأشوري المنتظر في كتابه: عودة الأشوري المنتظر (1992)). كما ساروا بالملايين وراء إسلاميين كانوا يكفرون الحرية والديمقراطية. يجب أن نقول لهم ولأنفسنا وللعالم هذه الحقائق علنا نتعلم من أخطائنا"
هذا التعقيب لم يعجبك، وجاء ردك في وابل من التساؤلات (يا أستاذ مختار...من الذي يقرر أن فلاناً أختار -أسوأ الممكن؟ أنت؟ وإن قررت ذلك هل تبرر حرمانهم قراراتهم؟ أين الديمقراطية إذن؟ من الذي-يولي على الناس، كما هم- ؟ هل تؤمن بأن الله يفعل ذلك؟ أم هي الصدفة أم قانون من قوانين الضرورة؟ لماذا إذن ينتخب الناس أحداً فيولى عليهم غيره، غصباً عنهم، ولماذا لا يتركون ليروا أن خيارهم سيء فيعدلوه في الانتخابات التالية؟ ولماذا اختار الأتراك الأحزاب الإسلامية فازدادت الديمقراطية في بلادهم ؟ ومن قال لك إن حكام العراق الحالي -أسوأ ما يمكن-؟
فعندما تسأل: (من الذي يقرر أن فلاناً أختار -أسوأ الممكن؟ وإن قررت ذلك هل تبرر حرمانهم قراراتهم؟ أين الديمقراطية إذن؟) فأنت هنا تقوم عمدا بالتضليل. وعليه فلا مجال لأي حوار مثمر معك إذا لم نتفق منذ البداية على المفاهيم. بالنسبة لي الأمر يبدو محسوما بوضوح حول مفهوم الديمقراطية. هي ممارسة إدارة الحكم والتداول عليه أو الاحتفاظ به بطرق سلمية كما يمارسها الغرب بآلياتها المعروفة مهما اختلفت، بعيدا عن كل المقدسات ما عدا تقديس حرية الإنسان وكرامته في التفكير والاعتقاد والعمل والحركة والمواطنة الكاملة في وطنه مهما كان موضعه من السلطة القائمة.
من هذا المنطلق فأنا لا أعترف للإسلاميين التكفيريين (وما أدراك ما التكفير) بالحق في التلاعب بالديمقراطية من أجل الالتفاف عليها وإجهاضها ولو كانوا يجرون وراءهم الأغلبية الساحقة. إن أهم ميزة في الديمقراطية هي احترام حق الأقلية في التعبير والممارسة. كما أن الأغلبية مسألة نسبية ومؤقتة قد تتغير حسب الظروف، ولم يثبت التاريخ أن الحق كان دائما مع الأكثرية، رغم تأكيد الإسلام أن "يد الله مع الجماعة".
أسوق لك هنا رأيهم عندما كانوا يتهيأون للاستيلاء على السلطة في الجزائر قبل وقف المسار (الانتخابي) الذي تطالب باحترامه أنت من خلال سؤالك (ولماذا لا يتركون ليروا أن خيارهم سيء فيعدلوه في الانتخابات التالية؟). هل تصدق أن الإسلاميين مستعدون للتخلي عن السلطة ديمقراطيا؟ وأن هناك فرصة ثانية معهم؟ الديمقراطية بالنسبة إليهم عبارة عن بيعة، تتم مرة واحدة فقط؟ ألا ترى أمامك التجربة الإيرانية وكيف استولى رجال الدين خلسة على مقاليد الأمور في هذا البلد من خلاف تشريعهم لولاية الفقيه الذي لا ينتخب من الشعب رغم أنه يحوز على كل السلطات في البلاد تقريبا ولا يترك إلا الفتات لرئيس الجمهورية ومجلس الشورى المنتخبين ولم يكفهم هذا بل لجأوا إلى تزوير انتخابات كانت سوف تسفر عن رئيس بدون سلطات حقيقية وها هم يقتلون المتظاهرين من أبناء شيعتهم. للاطلاع على هذه المهزلة الديمقراطية في الدستور الإيراني انظر الرابط:
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=174791
لقد سبق لي أن تعرضت لسؤال من هذا القبيل فكتبت مخاطبا سائلي:
"وهل تطلب مني مثلا ألا أستبعد مشروعا ولو حملته الدنيا كلها وليس أغلبية من الجهلة والمرضى وهو مشروع من ألفه إلى يائه يستبعدني ويعد العدة للقضاء علي؟ أي سذاجة هذه التي تدعوك إلى تقديم رقبتك للذباحين لا لشيء إلا لأنهم فازوا في انتخابات مطبوخة؟ أليس عندك تصور لدولة عصرية ديمقراطية تحترم حقوق الإنسان وحقوق الأقليات وتشرعن لمواطنة كاملة في صالح جميع سكانها بدون استثناء؟ ... هل اطلعت بما يكفي على مشروع هذه الأغلبية التي تريدني أن أقبل به؟ لا أعتقد ولهذا دعني أقدم لك نموذجا من هذا المشروع وهو غيض من فيض وكثيرا ما استعنت به سعيا مني إلى تصويب بعض الحَوَل عند بعض المثقفين).
يقول علي بلحاج أحد أكبر زعماء الجبهة الإسلامية للإنقاذ في الجزائر من حيث التأثير على الجماهير وخاصة الشباب ، قبل عدة شهور، من فوزها بالأغلبية الساحقة في الدور الأول من الانتخابات أواخر سنة 1991، قبل وقفها:
(اعلموا إخوة الإسلام أننا نحن معشر المسلمين نرفض عقيدة الديمقراطية الكافرة رفضا جازما لا تردد فيه ولا تلعثم... لأنها تسوي بين الإيمان والكفر ولأن الديمقراطية تعني الحريات المطلقة والحرية من شعارات الماسونية لإفساد العالم... ولأن السيادة في الإسلام للشرع وفي الديمقراطية للشعب وللغوغاء وكل ناعق... ولأن الديمقراطية معناها حاكمية الجماهير ... ولأن الأغلبية خرافة ... بينما الديمقراطية هي حكم الأقلية لا الأغلبية كما يشاع ولأن مخالفة اليهود والنصارى من أصول ديننا كون الديمقراطية بدعة يهودية نصرانية) (مقتطفات من مقال نشر بجريدة المنقذ للجبهة الإسلامية للإنقاذ بتاريخ 23/24/25/ 1990). كما أفتى صاحب هذا (الفكر النير) بجواز قتل (طائفة رجال الشرطة والأمن والدرك) حسب تعبيره القروسطي، عندما كانوا يقومون بواجبهم في حفظ النظام وكبح جماحهم وهم يعطلون بالقوة المرافق العمومية ويسدون الطرقات (هذه الفتوى نشرت في المنقذ العدد 62 بتاريخ 5 جوان 1991).
ثم تتساءل، يا سيد درويش، (ولماذا اختار الأتراك الأحزاب الإسلامية فازدادت الديمقراطية في بلادهم ؟)
هل سمعت شيئا من هذا القبيل من الإسلاميين الأتراك (إن صحت نسبتهم إلى الإسلاميين أو قبل أن ينتسبوا فعلا إليهم)، وهم سواء عن قناعة أم عن تحايل، يقبلون بالنظام العلماني والتعددية السياسية في تركيا، وهم لا يتركون أية مناسبة للتأكيد على ذلك. فهل تستطيع أن تقدم لي مثالا حيا آخر عن إسلاميين من هذه الشاكلة خاصة في البلاد العربية؟ هل يوجد إسلاميون لا يطالبون بتطبيق الشريعة القروسطية على الناس سواء رضوا أم رفضوا ما عدا الإسلاميين الأتراك؟
ثم لماذا الكيل بمكيالين؟ ألم يكن ناصر وبومدين يحوزان على تأييد جماهير واسعة في بلديهما، وكان الناس ينتخبونهما عن رضا، طبعا وعن غفلة بعد أن قاما بتغييب كل البدائل الأخرى وحتى في العراق فقد شارك الناس بأغلبية في انتخاب حكامهم سواء رضينا عنهم أم لم نرض دون أن يعني هذا أن علينا ألا ننتقد توجهات شعوبنا عندما نعتقد أنها خاطئة وأن الحق قد يكون في جانب أقليات حزبية أو فكرية مهما كان حجمها.
ومع ذلك فأنا مثل المؤمن الذي لا يجب ألا يلدغ من جحر مرتين، لأن الإسلاميين وكل رجال الدين لا يؤتمن جانبهم حتى يثبتوا لنا العكس من خلال الممارسة الفعلية اليومية، وهم لم يفعلوا هذا بعد. ولعل دور العسكر في تركيا كحامي للعلمانية يفسر سلوك إسلامييها، ليس إلا. على الإسلاميين أن يغيروا ما بأنفسهم ويتبنون، قبل كل شيء، أساليب الحكم الحديثة، وعلى رأسها النظام العلماني الذي يفصل الدين ورجاله عن السياسة ويقتصر نشاطهم على قضايا الإيمان الفردي واعترافهم بحرية الناس في الإيمان وفي عدم الإيمان كما تفعل الكنائس المسيحية في الغرب وأحزاب الديمقراطية المسيحية التي انسلخت عنها. وهذا لم يحدث حتى الآن رغم الصخب الكبير، في خطابهم حول تبنيهم الديمقراطية (كمجرد انتخابات فقط) وحقوق الإنسان في غزة (لا في عراق المقاومة).
أما استشهادي بحديث: "كما تكونوا يول عليكم) فأقصد من ورائه أن أنظمة الحكم في كل العصور تعكس مستوى التطور السياسي لدى الناس من حيث مستوى ثقافاتهم وموازين القوى عندهم، حيث نرى اليوم مثلا أن ارتفاع مستوى الوعي والتنظيم والنضال لدى مختلف طبقات المجتمع انعكس على مستوى إدارة شؤونهم العامة. فمستوى الحكم باختصار هو انعكاس لمستوى الناس إن سلبا أم إيجابا. هذه الحقيقة هي الغائبة عند الكثير من مثقفينا. ولهذا كتبت " نعم المثقفون يتحملون مسؤولية مضاعفة ليس لأنهم خانوا شعوبهم بل لأنهم امتنعوا عن مخاطبة الناس بالحقيقة عن جهل أو عن دراية، ظنا منهم أنهم لا يفهمون وأن من حقهم التوكل عنهم لسوقهم كالأنعام إلى الجنة الموعودة. هذا الخطأ ارتكبه كل الشعبويين يساريون وإسلاميون وقوميون، وما زالوا. وحدها الديمقراطية اللبرالية، اليوم، قادرة على وضع الناس أمام مسؤولياتهم، بدل التوكل عنهم بدون حق وادعاء التعاطف معهم والقدرة على حل مشاكلهم في غيابهم.
وأضيف أنه من المستحيل قيام ديمقراطية بين ظهراني شعب أغلبيته لا تراها ضرورية ولا هي مطلب حيوي عندها تناضل من أجله. وهذا هو مصدر القلق المستبد بنا والداع تسليط الأضواء على مكامن الخلل مهما انزعج المنزعجون.
أما تعريجي على العراق فسببه أنني كنت أتمنى لو أن العراقيين انتهزوا فرصة الإطاحة بصدام للانطلاق في بناء دولة وطنية ديمقراطية مثلما جرت الأمور في أجواء السلام خلال الاحتلال الأمريكي لليابان ولكوريا ولألمانيا، بدل العودة إلى الهويات الدينية القاتلة وما أدت إليه من صراعات دموية وإرهاب لا نظير له. وبما أن الرياح لم تجر كما تشته السفن، فهذا دليل على أن الناس هناك، مثلما كانوا هنا في الجزائر، غير جاهزين لتبني الحل الديمقراطي الحضاري وخاصة نخبهم، واحتيج إلى المرور على هذه المآسي ليدركوا في الأخير أن الخير في الابتعاد عن الأحزاب الدينية الفاشية كما بينت نتائج الانتخابات في العراق أخيرا، وقد وقع نفس الشيء في الجزائر. فهل إننا شعوب لا تتعلم إلا في دوامات العنف. أليس هناك دور للتعليم والتكوين العام المنوط بالمثقفين في توجيه الناس؟ ألسنا قادرين على الاستفادة من تجارب الغير بدل المرور الغبي على كل المراحل التي مروا بها؟ بما فيها التجربة الاستعمارية؟
لقد انتقد الكاتب اللبناني الكبير علي حرب أولئك الذين طالبوا بالعودة إلى عصر الأنوار وديكارت وتقليد المسيرة الغربية خطوة خطوة إلى أن نصل إلى ما وصلوا إليه، (وكأن العالم سوف ينتظرنا حتى نلحق به) وقال بإمكانية حرق المراحل والولوج مباشرة إلى حيث مرابع القوم وهم في أوج حداثتهم أو ما بعد حداثتهم.
أمام هذا الانسداد، ألا يحق لنا أن نتساءل: هل نحن شعوب قابلة للتعلم؟ هل نحن مؤهلون لإدارة شؤون حياتنا بطرق متمدنة؟ وكيف؟ ومتى؟ ولماذا؟ وكل أدوات الاستفهام.
في ظل الاستعمار استغل الجزائريون الديمقراطية اللبرالية الفرنسية، وخلال النصف الأول من القرن العشرين تمكنوا من القيام بنهضة فكرية وسياسية كبيرة أنجبت مفكرين وأدباء وساسة لا تزال قاماتهم تعلو على الأجيال اللاحقة، كما تعايشت عصرئذ كل الحركات والأحزاب السياسية من حركة الإصلاح الديني إلى الشيوعيين مرورا باللبراليين والقوميين. غداة الاستقلال عادت حليمة إلى عادتها القديمة: الإجماع، الفكر الواحد، الحزب الواحد، الطموحات والتطلعات الواحدة، المذهب الديني الواحد، القائد الأوحد وهيمنت هذه العقلية على كل مناحي الحياة السياسية والفكرية والاقتصادية والتربوية بما فيها التاريخ والأدب والفلسفة وغيرها من المعارف التي تصنع المواطن العصري. وكان ما كان.
ثم أراك تغرق في نظرية المؤامرة المتهافتة عندما تتطرق لبعض المثقفين الذين (يتعمدون الخلط ويسعدون به من أجل تحقير هذه الأمة وإقناعها بدونيتها لتثبيت حالتها المهزومة فعلاً) فهل كان مثقفونا من الكواكبي إلى محمود درويش من هذا القبيل لأنهم انتقدوا كل ألوان الهوان والسخف والانحطاط التي تكاد تكون هي أهم ميزات هذه الأمة منذ قرون؟ تربويا لا يصح أن نخفي الحقائق عن التلميذ، فما بالك بالكاهل. أقول الحقائق، إلا إذا أثبت لي أن ما قاله المثقفون الذين أشرت إليهم عبارة عن ترويج حقير لأكاذيب.
ثم تواصل تبني نظرية المؤامرة عندما تسألني (هل يحق لك أن تسمي حكومات لم تنتخبها بأنها -حكوماتنا-؟ وما أدراك أنها -فشلت-؟ بالعكس، لقد نجحت نجاحاً باهراً في مهمتها التي أرادها لها من -انتخبها- أو دعمها...القول بفشل الحكومات يشير إلى عدم معرفة أهدافها!).
وهذا قول فيه كثير من التجني والحكم على النوايا. حكوماتنا، على الأقل في الجزائر التي أزعم أنني أعرفها بالقدر الكافي، كان على رأسها أناس كافحوا من أجل حريتها واستقلالها عشرات السنين، وذاقوا ألوان التعذيب والسجون والمنافي، ولا أعتقد أن للآخر الذي لم تشر إليه (ولعلها مخلفات الاستعمار العزيزة على قلوب مثقفينا القومجيين والإسلاميين)، أي دور لا في تنصيبها ولا في فشلها. إنما هو الاستبداد بالفكر والسياسة وبمصير أمة من طرف حزب أو أقلية من القادة حالوا دون استفادة البلاد من نعمة الاختلاف وتلاقح الأفكار وإمكانيات النقد الذاتي وتصحيح الأخطاء في حينها، أي باختصار من كل الإمكانيات العظيمة التي تتيحها الإدارة الديمقراطية للبلاد، ولكن ذلك يعود في نهاية المطاف إلى مستوى إمكانياتنا كشعب، إذ ما كان يمكن لهم أن ينجحوا في إقامة أنظمتهم الاستبدادية لولا هذه الأجواء التي يخيم عليها الجهل والغفلة في أوساط الناس. فليس هناك نظام سياسي يستطيع البقاء في الحكم مدة طويلة رغم تناقضه مع مستوى وتطلعات شعبه) وهو ما يعني (كما تكونوا يول عليهم).
الفرنسيون يقولون أيضا بأن الحكام هم صورة لمحكوميهم
Les gouvernants sont l ’image de leurs gouvernés.
ولقد جانبت الصواب يا سيد درويش عندما أجريت مقارنة بين مصير أمة ومصير ولد. خطأك يكمن أساسا في النظر إلى هذه الأمة على أنها قاصرة دوما كالطفل القاصر. لا تكبر، لا ترشد، وبالتالي لا يحق للمثقفين الذين هاجمتهم مخاطبتها على أنها راشدة وقادرة على سماع الحقيقة مهما كانت جارحة ومرة دون أن تصاب بالإحباط. فمتى تكبر هذه الأمة؟ ومتى يشب عمرو عن الطوق؟





#مختار_ملساوي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- شامل عبد العزيز والاستعمار
- دفاعا عن عقول أبنائنا ضد تخلف المناهج التربية: مادة التربية ...
- قصة قصيرة من أزمنة الإرهاب: نهاية شيوعي
- دفاعا عن عقول أطفالنا ضد تخلف المناهج التربوية، التربية الإس ...
- قصة قصيرة من أزمنة الإرهاب: غسلا للعار
- دفاعا عن عقول أبنائنا ضد تخلف المناهج التربوية: مادة التربية ...
- المحاولات البائسة للتوفيق بين الإسلام والديمقراطية: ولاية ال ...
- قصة قصيرة من أزمنة الإرهاب: المجاهد يسترد بندقيته
- دفاعا عن عقول أطفالنا ضد تخلف المناهج الدراسية: مادة التربية ...
- دفاعا عن عقول أبنائنا ضد تخلف المناهج الدراسية: مادة التربية ...
- المحاولات البائسة للتوفيق بين الإسلام والديمقراطية: القرضاوي ...
- مقال تعقيبي على مقال السيد نادر قريط
- مآزق الإسلام السياسي أمام العقل المنطقي


المزيد.....




- أمريكا تعلق على إعلان أوكرانيا عن إحباط محاولة لاغتيال زيلين ...
- أبو ظبي تحتضن قمة AIM للاستثمار
- مصر.. الأزهر يدين الاقتحام الإسرائيلي لمعبر رفح ويطالب المجت ...
- -هآرتس-: شركة أمن أمريكية خاصة ستتولى إدارة معبر رفح الحدودي ...
- البنتاغون يعلن إنجاز الجيش الأمريكي لبناء الميناء العائم قبا ...
- الملك عبد الله الثاني يؤكد من الولايات المتحدة على ضرورة منع ...
- الولايات المتحدة تطلق مناورات عسكرية واسعة في أوروبا
- أمير الكويت في تركيا لبحث قضايا المنطقة
- استخباراتي أمريكي سابق يكشف طريقة لإرسال قوات الناتو إلى أوك ...
- وكالة الطاقة الذرية تدعو إيران إلى اتخاذ -إجراءات ملموسة وعم ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - مختار ملساوي - غنائم الحرب ضد الاستعمار