أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فرات إسبر - الطبيعة كائن أيضا - عزت عمر















المزيد.....

الطبيعة كائن أيضا - عزت عمر


فرات إسبر

الحوار المتمدن-العدد: 2671 - 2009 / 6 / 8 - 05:16
المحور: الادب والفن
    


فرات إسبر.. الطبيعة كائن أيضاً:
"مثل الماء لا يمكن كسرها"

*عزت عمر

المرجعية الأسطورية

إذا كانت بعض الشاعرات قد استلهمن موضوعة الإحيائية من الأسطورة، فإن الشاعرة فرات إسبر بدورها ،
سوف تعزز هذا النهج في مجموعتها الأولى "مثل الماء لا يمكن كسرها" حيث ترتكز البنية النصّية
العامة لنصوصها إلى الطبيعة كجسد وروح، وكنموذج أعلى للإنسان وعلاقته بذاته كمخلوق تماهى
بها من جهة، واحتفائها بهذا الخلق من جهة ثانية: الخلق الذي خرج من جسد أنثوي لتصبح الأنوثة
بدورها جسداً كلّياً يتّخذ من الطبيعة ملهماً أعلى، وخصوصاً مع انتشار أفكار أنصار البيئة وتعزيز
المفهوم الإنساني بالربط بين الوعي المستجد وزمن العلاقة الأولى بها؛ عندما كانت الطبيعة جسداً
وروحاً ومخلوقاً كسائر المخلوقات يغضب ويثور حيناً ويهدأ ويستكين حيناً تبعاً للتصوّرات القارة في
الذهنية الطقسية البدائية وما كوّنته من أساطير عنها، وبذلك فإنَّ حضور الطبيعة كان على الدوام
حضوراً أنثوياً دأبه تعميم الخير والخيرات لأولئك الخلق الذين ولدوا من رحمها. وإذا كان أبناء
تيامى قد ذبحوها في مرحلة ما، فإنَّ ذلك ربّما يعد الانقلاب الرمزي الذكوريّ الأوّل عليها وعلى
الطقوس الإحيائية نحو لحظة من العنف تبدّت في الانتقام منها ومن أعوانها.

وبما هي طقسية رمزية توزّعت في نسقين بات ثانيهما هو الغالب، ستعود فرات إسبر في هذه المجموعة
إلى استعادة تقاليد الأنوثة ووعيها المستلب بمسيرة "الخير والخيرات"، وما بين الفكرة والتعبير ثمة مسافة
من التفاصيل تتحرّك في اتجاهات شتّى، ولكنها أبداً لا تخرج من فضاء طقسية استعادة الفعل الأنثوي
وأزمنة "عشتار وتموز" قبل انقلاب "جلجامش" عليها، حيث إنَّ هذه الأزمنة ستكون مرتكز الوعي
الأنثوي الذي ستحتفي النصوص به: الميثات الطقسية ورموزها مابين ماء وشجر وأنهر وجبال
ومتغيّرات الفصول وأثر كلّ ذلك على الصيرورة الإنسانية، وبذلك فإنَّ البنية العامة سوف تتخذ خطاً
درامياً في الغالب، تعززه سردية تكاد تتماهى مع الأدبيات الأسطورية وطقسياتها التي واظبت على الدفاع
عن ذاتها أمام جبروت السلطة الجديدة، ومن هنا فإنَّ الكتابة سوف تشير إلى تلك الحقيقة الكونية
وزيف الادعاءات الذكورية، فـ "البذور تخرج من بطن الأرض، وكلّ أنثى من الطير والورد والشوك
والحجر، وكلّ أنثى من النبات والجماد، وكلّ أنثى الحيوان، جميعها خلعت أثوابها وأقسمت ألاّ تعود
إلى الحضرة ثانية..":

"امرأة متصوفة
امرأة في انبهار الروح في خلق الجسد
في عشقها للتيه
لتراتيل حبٍّ لم يقلها عاشقٌ بعد
هي والطبيعة جسدان هائمان
واحد سارقٌ للشهوة
والآخرُ صيادُ الأنوثة
في ورق الورد
وشذا أريجه
في كائناتٍ لم تـُخلق بعد"

فرات إسبر، شاعرة قادمة من الأسطورة، بل ربّما امرأة أسطورية تسعى لاستعادة أزمنة "عشتار" أو
غيرها من تلك "الآلهة" القديمة التي كانت تفكّر بالبشر قبل التفكير بذاتها، فتسعى إلى جلب الخير إليهم،
وتحارب لأجل ذلك الأشرار الذين يقفون في وجهها، وإذا كان لابدّ من الرجل لاستمرار عملية الخلق،
فإنَّ الوعي الجديد يقتضي دائماً بتكامل النسقين: الأنوثة والذكورة، ومن هنا يأتي إهدائها
لأبيها الذي أسماها "فرات": "إليك أبي.. كلّ هذا الماء الذي لا يمكن كسره.. عذباً فراتاً".

"صديقتي التي ماتت لا تشبه النساء، مخلوقة عجيبة، لا تشبه أحداً إلا أنا، قادمة من البرية، يداها قاسيتان
وبشرتها جافة تشبه الغبار، إنها غبارية اللون، لا تحب العطور، ذات يوم حلمت بأنها تسبح في بحيرةِ
الورد ولكنها استيقظت فجأة لترى نفسها في كومة من الغبار .
صديقتي تشبهني فقط، هي لا تحب أحداً ولا تكره أحداًَ، ولكنها تحاول دائماً أنْ تمسك بالمسافة التي
تفصلها عني، حَاوَلتْ مراتٍ ومرات أنْ تقتربَ مني ولكنها كلما اقتربت مني أبتعد أنا، ولكن للحقيقة،
الحقيقة هي تشبهني تماماً.
في البرية كانت تنام، تحت الشجر كانت تتعرى، يمر الهواء بقربها، يرطبُ جسدها ولكنها لم تنجب
يوماً منه.
صديقتي التي تشبهني مثلَ الماءِ لا يمكن كسرها، هي تشبه الينابيع، كانت تحلم ببنتٍ وصبي ولكنها أنجبت
لا شيء."

إنه سفر طويل إذن نحو الأسطورة وتجاوزاً لتاريخ كتبه منتصرون، لاستعادة بعضاً من تقاليد الأنوثة العظيمة،
ووعيها المستلب. وما بين الفكرة والتعبير عنها ثمة مسافة من التفاصيل الصغيرة والكبيرة يختزنها نصّ
فرات الشعري على شكل تموّجات مشهدية بصرية، ولكنها لا تخرج من فضاء طقسية استعادة
الفعل الأنثوي، وأزمنة "عشتار وتموز" قبل انقلاب "جلجامش" المعروف، حيث إنَّ هذه الأزمنة ستكون
مرتكز الوعي الأنثوي الذي ستؤكّده نصوص كثيرة في نزوع سرديّ يفيض بالبلاغة والمجاز والانزياح
عن حياة يومية مألوفة إلى الأسطورة وطقسياتها ومما هو قار في الذاكرة الإنسانية، ومفارق في الوقت
نفسه لجبروت السلطة وما ينفرز عنها من عنف يتجلى في الممارسة السياسية والمجتمعية:

"أنا امرأة من ملوحة الأيام جُبلتُ، في رحيق الورد اختبأتُ، وفي ساعة الفيض جئتُ، وفي خوفِ الزمن ولدتُ،
وعلى أبوابِ الأنهار توضأت، مغسولة من كل الآثام، إلا من إثم الحب.
في قلبي تذوب العناصر وتتحدد بحبي إليكِ، وأغزلُ لكِ من عباءةِ أوردتي خيوطاً تصلُ إليكِ وتخفق
باسمك، وفي بحيراتِ العشق، ساعة يخرج النبض متدفقاً بدمه، أغسلكِ من كل الأوثان والأدران وغبار
الزمن، وأمد إليكِ قامة تصلكِ ولا تصليها من الحنين والموت.
كلهم عابرون كلهم مروا من هنا، إلا حنيني إليك، كان يشبه الأسماك التي تنام في شباك الصيادين سارقي
الأضواء في صمت البحر، وحدهم وحدهم كانوا يسرقون صمتَ ليلك، وكيف تذوب العناصر في جسدي
بملوحةِ أيامك وأبقى أحبكَ، بدون حساب وبدون أرصدة، وبدون أقنعة."

وكأننا بها عبر مشغلها الشعري تريد تقديم تفسير منطقيّ لما كان ولما هو حادث الآن ولما سيحدث أيضاً،
وذلك هو ما عنينا به من علاقة النصّ بالزمان/الأزمنة التي لم تكن يوماً في جانب الإنسان، مما يفسّر لنا
على الأقل أسباب هذه المحن وكلّ هذا الحيف الذي استبد بالمرأة والضعفاء طويلاً منذ انهيار نظام
الأمومة الأوّل، وربّما هذا الاستنتاج يدفعنا للتساؤل عن مجموعة القيم التي يؤسّس لها هذا الوعيّ
الجديد، ومدى اقترابها وافتراقها عن شعر الإيديولوجيا الذي ساد في الستينيات والسبعينيات من القرن
العشرين؟ ولعل الوقوف عند نصّها المعنون بـ "نساء" قد يبيّن الفارق بين تلك التوجّهات الإيديولوجيِّة
التي قسّمت العالم إلى معسكرين متناقضين، وتوجّهات المشترك الإنساني التي وقفت بوجه ثقافة القوّة
التي كانت ومازالت تبحث عن أعداء لشرعنة وجودها وديمومة بقائها:
"سلامٌ .. ابن عربي
نحن نساءُ الأنوثة
في الطبيعة
في عري الكلام
وإشاراتِ التأويل
نحييك بتاءِ التأنيث
ونون النسوة... ... "
والنصّ في ثيمته العامة ينحاز إلى الإنسانية بصفة عامة ويستقبح كل الأفعال الخارجة عن هذا الإطار،
وتحديداً ما يخص الأنوثة، فنراها تستعرض مجموعة من الحالات لنساء نصادفهنّ يومياً ونتعرّف إليهنّ
في أعمالنا، ولكننا إلى ذلك ربّما لا نلتقط هذه التفاصيل الدقيقة التي التقطتها الشاعرة:
"عانس :
دخلَ عليها الشجرُ والنهرُ والوردُ والندى
قالوا لها: جئنا لكِ لننام في سريرك
لنعلن الولاءَ لكِ، وأقسمنا جميعاً أمام الطبيعة أنْ يكون ماؤنا إليكِ
هاتِ جسدكِ
ها هو ماؤنا
لنعلن البداية
ونكتب جسدَ الأرض من جديد
غنـَّت لها الأقمارُ
الطيورُ هاجرت إليها
الجبالُ ركعت عند قدميها وهتفوا لها برئٌ رحمك
لم يمسسه الرجال."
ولنلحظ هذه البنية المشهدية الرابطة ما بين الطبيعة والأنوثة التي بالرغم من عنوستها، إلاّ أنَّ عناصر الطبيعة
تنام في سريرها في دلالة على ممكن الخصب وإنتاج الخير، وهكذا سيكون حال المطلقة والعاقر والأرملة اللاتي
جئن إلى الأمومة و"اتخذنَ مكاناً في حضنها وهتفّن منكِ خرجنا واليكِ نعود أيتها الأمومة." فلم تريد
العودة إلى الحاضنة من جديد كلّ هذه النسوة؟ ألأنَّ أولاد "تيامى" طغوا في الأرض،، وكانوا السبب في
جملة المآسي التي استعرضتها كلّ واحدة من هؤلاء النسوة، ربّما نلتمس الإجابة في هذا المقطع:
"عندها نهضت الأمومة بجبروتها وصرخت:
أولادي
خرجوا من رحمي
شربوا من دمي
إني أراهم يتخبطون
لا أنا منهم ولا هم مني
امرأةٌ من بعدها قالت:
قديماً كان الإنسان
قبله كان الإله
وقبلهما كانت المرأة
ولأنَّ الجميعَ خرجَ من رحمها لذلك يرجمونها بالحجارة."

*انظر كتابنا "استعادة المشترك الإنساني/رؤية في القصيدة الجديدة، دائرة الثقافة والإعلام الشارقة 2008.



#فرات_إسبر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- صدور مجموعة شعرية جديدة -زهرة الجبال العارية -
- لا أجدُ إلا رملا ً في فمه
- هنا خط الزمان
- دينا سليم، تمشي بلا خُفِّ
- المكانُ يصرخُ بالمكان
- جربت ُ أن أكون عمياء
- لن َيرجعَ شعبي !!
- كلمة لوجه الله
- الحَيّة التي تخلع ثوبها - تحية لنساء فلسطين والعراق
- الأسماكُ تصرخُ في جسدي
- المؤنث لا يؤنث
- أعداء الثقافة
- طار الحمام ... حط الحمام
- خلود الفلاح - شاعرة تكتب بصماتها على جسد الصحراء
- كما يطفئ الماء النار
- دمٌ على خصر الأفق
- على طريق الحرير
- في السكون الذي لا يراه أحد
- بأرض لا مُقَام بها
- جسدي جاء معي


المزيد.....




- فنانة لبنانية شهيرة تكشف عن خسارة منزلها وجميع أموالها التي ...
- الفنان السعودي حسن عسيري يكشف قصة المشهد -الجريء- الذي تسبب ...
- خداع عثمان.. المؤسس عثمان الحلقة 154 لاروزا كاملة مترجمة بجو ...
- سيطرة أبناء الفنانين على مسلسلات رمضان.. -شللية- أم فرص مستح ...
- منارة العلم العالمية.. افتتاح جامع قصبة بجاية -الأعظم- بالجز ...
- فنانون روس يسجلون ألبوما من أغاني مسلم موغامايف تخليدا لضحاي ...
- سمية الخشاب تقاضي رامز جلال (فيديو)
- وزير الثقافة الإيراني: نشر أعمال لمفكرين مسيحيين عن أهل البي ...
- -كائناتٌ مسكينة-: فيلم نسوي أم عمل خاضع لـ-النظرة الذكورية-؟ ...
- ألف ليلة وليلة: الجذور التاريخية للكتاب الأكثر سحرا في الشرق ...


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فرات إسبر - الطبيعة كائن أيضا - عزت عمر