أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - السياسة والعلاقات الدولية - جورج حداد - البحر الاسود... أخطر بؤرة توتر في اوروبا والعالم















المزيد.....

البحر الاسود... أخطر بؤرة توتر في اوروبا والعالم


جورج حداد

الحوار المتمدن-العدد: 2669 - 2009 / 6 / 6 - 09:09
المحور: السياسة والعلاقات الدولية
    


خلال مرحلة الحرب الباردة كان البحر الاسود يعتبر احدى بؤر التوتر العديدة بين المعسكرين الشرقي والغربي. ذلك ان تركيا (احدى الدول الست المطلة على البحر الاسود) كانت هي الوحيدة العضو في الحلف الاطلسي. اما بقية دول البحر الاسود (جورجيا، روسيا، اوكرانيا، رومانيا وبلغاريا) فكانت تنتمي الى المنظومة السوفياتية والى "حلف فرصوفيا" العسكري المناوئ للحلف الاطلسي. وكون تركيا الوحيدة حينذاك كعضو في الحلف الاطلسي لم يكن يقلل من الاهمية الستراتيجية لموقع الحلف الاطلسي على البحر الاسود، اولا، نظرا لطول الشاطئ التركي على البحر الاسود (1329 كلم)، وثانيا، لانه تحديدا عبر مضائق البوسفور والدردنيل وبحر مرمرة وبحر ايجه (التي تقع داخل المساحة التركية) يرتبط البحر الاسود بالبحر الابيض المتوسط. اي ان خروج البواخر والاساطيل الروسية الى البحر الابيض المتوسط كان تحت "نظر" و"مرمى" الحلف الاطلسي.
وبعد زوال الاتحاد السوفياتي السابق ونهاية الحرب الباردة وإلغاء حلف فرصوفيا السابق، توقع بعض "الحالمين"، الذين كانوا يصدقون او يتظاهرون بتصديق البروباغندا "الدمقراطية" الاميركية، ان البحر الاسود يمكن ان يتحول الى منطقة امن وسلام وتجارة وتعاون دولي؛ وخصوصا الى منطقة سياحية ربما هي الاجمل و"الاكثر ريعية" في العالم.
ولكن عصر القطب الاميركي الاوحد رسم للبحر الاسود مصيرا آخر، محولا اياه الى أخطر بؤرة توتر في اوروبا والعالم؛
واذا رسمنا خطا ممتدا من القوقاز الى بلغاريا، ومن بحر آزوف الى بحر ايجه، اي البحر الاسود ومحيطه الاقرب، فسنجد ان هذه المنطقة المترابطة تمثل اخطر منطقة توتر عالمي "كامن"، بعد منطقة الشرق الاوسط الملتهبة؛ بل هي اخطر من منطقة الشرق الاوسط، لانها تمثل خط المواجهة الرئيسي المباشر بين "الغرب" وروسيا.
والسبب الستراتيجي الرئيسي لهذا التوتر هو السياسة التوسعية وسياسة الهيمنة العالمية التي تمارسها الولايات المتحدة الاميركية.
فبالرغم من نهاية "الحرب الباردة" السابقة بين المعسكرين الشرقي والغربي، وبالرغم من انهيار الاتحاد السوفياتي السابق، ورغم تحول روسيا الى الرأسمالية وانفتاحها على الغرب، لا تزال روسيا تمثل مركز الاهتمام الاول للسياسة الدولية لاميركا، ولا تزال الادارة الاميركية تعتبر ان روسيا تشكل عمليا العدو رقم واحد لاميركا، على كل المستويات، ولا سيما على المستوى الامني والعسكري. وبالرغم من كل الادعاءات الاميركية، حول مكافحة الارهاب الدولي، فإن الخطر الروسي لا يزال، بنظر الستراتيجيين الاميركيين، يمثل الخطر الاول على الامن القومي الاميركي. ولا تزال السياسة الخارجية الاميركية تتمحور حول استبعاد وتطويق "الخطر الروسي"، بكل الاشكال الممكنة.
وبعد انهيار الاتحاد السوفياتي، تبين بوضوح ان "المعسكر الغربي" وعلى رأسه اميركا يمتلك داخل روسيا "طابورا خامسا" حقيقيا، بشخص الخونة والعملاء من رجالات الدولة والحزب الشيوعي الروسي السابقين وقطاع معين من المتمولين ممن جرى تسميتهم "الروس الجدد"، وخصوصا من طغمة المتمولين اليهود الكبار الذين اخذوا يتصرفون في عهد يلتسين بأنهم السادة مطلقي الصلاحية في روسيا. وخلال الفترة الانتقالية الحرجة في تاريخ روسيا (والعالم)، التي ميزت عهد يلتسين، عملت الادارة الاميركية بشكل حثيث، بواسطة هذا "الطابور الخامس" الروسي، على الهيمنة على روسيا واستعمارها، مثلها مثل اي بلد عالمثالثي، والاستيلاء على خيراتها ونهبها، وتحويلها الى مدى حيوي لها وحوْش خلفي للسيطرة وفرض الهيمنة التامة على اوروبا من جهة، وعلى الشرقين الاقصى والاوسط من جهة ثانية، ومن ثم على العالم بأسره ولأجل غير محدود.
ومع ان المخابرات ومراكز الابحاث والدراسات الاميركية كانت "تدرس" روسيا منذ عشرات السنين، وبأدق التفاصيل، وتعرف متى يبيض الدجاج في آخر مزرعة تعاونية في اقاصي سيبيريا؛ الا انها ـ وبمقدار "علمها ومعرفتها" الدقيقة بروسيا ـ برهنت تماما انها لا تعرف شيئا عن "الروح الروسية" التي ميزت روسيا منذ تكونت في دولة ـ امة، مسيحية شرقية، والتي تجعل منها، مهما كانت ضعيفة في مرحلة من المراحل، أمة عاصية تماما على الاستعمار الخارجي، مهما كانت قوته.
وحينما كان العميل بوريس يلتسين غارقا في سكره وتعتعته، فإن السياسة الاستعمارية ـ الاذلالية، الاميركية ـ الصهيونية ذاتها، المتبعة حيال روسيا، هي التي أيقظت روح المواجهة الروسية من جديد. وفي الدقيقة /صفر/ من الساعة /صفر/ في منتصف ليل 31 /12/1999، اعلن بوريس يلتسين استسلامه وتسليمه السلطة بدون قيد ولا شرط الى "القوميين المعتدلين" الروس بقيادة فلاديمير بوتين.
ومنذ تلك اللحظة فقدت الولايات المتحدة الاميركية الامل باستعمار روسيا واحتلالها، سياسيا واقتصاديا وعسكريا. ولكنها لم تستسلم للامر الواقع بطبيعة الحال، مدفوعة بأزمتها السياسية والاقتصادية الداخلية المتفاقمة، التي تدفعها اكثر فأكثر الى سياسة المغامرة الخارجية.
وتحولت الستراتيجية الاميركية الى سياسة محاصرة روسيا وتطويقها بالقواعد العسكرية الاطلسية، وانظمة الحكم العميلة والانتهازية ـ المكيافيلية المعادية لمصالح شعوبها بالذات. فتم ضم رومانيا وبلغاريا الى الحلف الاطلسي، وبدأت المساعي الحثيثة لضم جورجيا واوكرانيا الى الحلف، بهدف عزل روسيا تماما، وتحويل البحر الاسود الى بحيرة اطلسية مغلقة على روسيا، وهو ما لم يكد يحدث مثله تاريخيا منذ ما نشأت الدولة الروسية قبل اكثر من الف عام.
واذا ألقينا الان نظرة على الشواطئ البلغارية والرومانية على البحر الاسود، لاكتشفنا ان الطائرات الاميركية الستراتيجية، القاذفة والتجسسية، تطير باستمرار، في مهمات مخصصة للاقليم عامة، وللتحركات الروسية في البحر الاسود والشواطئ والاراضي الروسية خاصة. حيث ان الولايات المتحدة الاميركية وحلف الاطلسي قاما بنقل قواعدهما السابقة في المانيا الى شواطئ البلدان "الشيوعية!!" السابقة على البحر الاسود.
وبعد انضمام رومانيا وبلغاريا الى الاتحاد الاوروبي والحلف الاطلسي، بذل حلف الاطلسي جهودا مكثفة، ذات طابع عدواني، لكي يكسب الى جانبه، بقية البلدان في الاقليم. وخلال اجتماع الناتو في رومانيا في 2008 طرح للبحث الموضوع الاكثر تفجرا، وهو موضوع انضمام جورجيا الى الحلف، مما يعني ـ اذا تم تحقيقه ـ توسيع رقعة الحلف الاطلسي الى عمق مؤخرة الاتحاد السوفياتي السابق.
والنقطة الاولى التي يجب الالتفات اليها على هذا الصعيد، هي الموقع الجغرافي لجورجيا. فمساحتها لا تزيد عن 69 الف كلم2، ولم تكن تمثل اية اهمية خاصة في العهد السوفياتي، الا في انها كانت جزءا من الحدود الطويلة التركية ـ السوفياتية السابقة. اما بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، واستقلال جورجيا، فقد تغير الوضع، حيث اصبحت جورجيا ـ جغرافيا ـ "دولة عازلة" بين روسيا، من جهة، وتركيا ـ اكبر حليف استراتيجي لاميركا، والقاعدة الناتوية الاوراسية الوحيدة ـ من جهة اخرى.
وتقع جورجيا في وسط القوقاز، على الحدود بين العالمين السلافي ـ المسيحي، ولا سيما روسيا، من جهة، والاسلامي، تركيا وشعوب آسيا الوسطى، من جهة ثانية. وتبدو السيطرة على منطقة القوقاز، المحاذية لتركيا، شرطا رئيسيا لا يمكن بدونه تحقيق السيطرة على جمهوريات آسيا الوسطى التي تؤلف جزءا رئيسيا من حوض بحر قزوين، خزان الطاقة الكبير الذي تطمح الاحتكارات الاميركية للاستيلاء عليه، وحرمان روسيا، بالاخص، من امكانية الاستفادة منه ومن موقعها بجواره، كمعبر بينه وبين اوروبا الغربية. وتكتسب جورجيا دورا لا بديل له، يضطلع بما يلي:
اولا ـ وضع الاراضي والشواطئ الجورجية تحت تصرف اميركا والحلف الاطلسي، بكل ما يمثله ذلك من تهديد ستراتيجي "ملتحم" للامن القومي الروسي.
ثانيا ـ استخدام الاراضي الجورجية كممر لما يسمى "المجاهدين الاسلاميين"، المرتبطين بالمخابرات الاميركية ـ الاسرائيلية، من تركيا الى الشيشان، عبر مضيق وادي بانكيس الذي يربط جورجيا وتشيشنيا.
ثالثا ـ استخدام جورجيا كمعبر لانابيب النفط والغاز، من حوض قزوين الى تركيا، بدلا من المرور بروسيا، نحو اوروبا الغربية والعالم.
رابعا ـ استخدامها كمقر وممر للنفوذ "التركي ـ الاسلامي" ـ الاميركي ـ الصهيوني الى الجمهوريات الاسلامية السوفياتية السابقة، والى روسيا ذاتها.
خامسا ـ استخدامها كممر رئيسي لتجارة المخدرات، التي اصبحت احد اهم القطاعات "الاقتصادية" الاميركية بعد احتلال افغانستان وازاحة الطالبان عن هذه التجارة. وجورجيا هي المعبر الرئيسي للمخدرات القادمة بالطائرات الحربية الاميركية من افغانستان، الى تركيا وجورجيا، ومنها الى تشيشنيا، وبواسطة المافيا الشيشانية المشهورة، الى كافة الاراضي الروسية والسوفياتية السابقة.
ونذكر انه في عهد شيفارنادزه، تمكنت السياسة الاميركية من تحقيق النجاحات التالية في جورجيا:
أ ـ تصديق الاتفاق على مد خط انانيب النفط القاري "باكو ـ تفليس ـ جيهان" في تركيا، الذي سيؤمن نقل النفط من اذربيجان، مزاحما خط باكو ـ نوفوروسييسك (على البحر الاسود في روسيا)، مما يعطل الدور الستراتيجي للارض الروسية كممر لنفط حوض قزوين الى اوروبا، ويقطع الطريق على تنمية العلاقات الروسية ـ الاوروبية الغربية، على حساب المصالح العليا الاميركية. كما ان من شأن هذا الخط ان يرفع بشكل استثنائي من اهمية تركيا في نظر اوروبا الغربية، ويجعل عضويتها، المؤجلة باستمرار، في "الاتحاد الاوروبي" بحكم المضمونة، لان اوروبا الغربية ستصبح بحاجة لهذه العضوية مثل بل واكثر من حاجة تركيا اليها. كما انه ـ اي خط الانابيب هذا ـ سيقلل من الاهمية الستراتيجية العالمية لنفط الشرق الاوسط، ويزيد اوراق الضغط الاميركية ضد الدول العربية وايران وغيرها من الدول المنتجة للنفط، كما ويعزز الدور التركي في العالم الاسلامي عامة، وبمواجهة الدول العربية وايران خاصة.
ب ـ الحصول على موافقة عهد شيفارنادزه على استقدام قوات عسكرية اميركية، هي الاولى من نوعها التي تتموضع في القوقاز، وذلك تحت ستار خبراء ومدربين، لتدريب الوحدات الخاصة في الجيش الجورجي على "مكافحة الارهاب". واذا اخذنا بالاعتبار ان جورجيا تقدم المساعدات والتسهيلات للمتمردين الشيشان ضد موسكو، الذين يتخذون مقرا لهم في مضيق بانكيس، على الحدود الشيشانية/الروسية ـ الجورجية، لادركنا ببساطة ان الاجهزة الخاصة الاميركية، وبحجة "مكافحة الارهاب" الشهيرة ذاتها، قد اقامت عبر جورجيا صلة مباشرة مع المتمردين الشيشان، الذين تتهمهم موسكو بالارهاب.
بالاضافة الى كل ذلك هناك "ضرورة" جديدة تعطي المنطقة اهمية استثنائية بالنسبة لاميركا، هي تجارة المخدرات، التي اكتسبت اهمية خاصة في يد اميركا ايضا بعد احتلال افغانستان، اكبر مزرعة افيون في العالم. فمن افغانستان الى اوروبا الغربية واميركا، الاسواق الرئيسية والاكثر عائدية لتسويق المخدرات، فإن تركيا تصبح هي ايضا المعبر الرئيسي لتجارة المخدرات، باتجاه اوروبا والعالم الغربي، عبر البلقان، من جهة، وباتجاه روسيا ذاتها، عبر جورجيا والشيشان، من جهة ثانية.
كل ذلك شجع ويشجع على المضي قدما في خطة ضم جورجيا الى الحلف الاطلسي.
وكان من المتوقع ان ترد روسيا بحدة على هذه المحاولة وتوسيع حدود الناتو الى الشواطئ التي كانت قبلا تدخل ضمن نطاق منطقة النفوذ الروسية. وقد ادى ذلك بطبيعة الحال الى اتخاذ الازمة الجورجية مع اوسيتيا الجنوبية الموالية لروسيا، طابعا دوليا مباشرا، والى التدخل الحاسم لروسيا الى جانب ابخازيا واوسيتيا الجنوبية، ضد نظام سآكاشفيلي الموالي لاميركا والحلف الاطلسي. وحينما دخلت 3000 دبابة روسية الى اوسيتيا الجنوبية، كما يقول سآكاشفيلي، وكنست في ساعات القوات الجورجية المدعومة اميركيا، وتوغلت في الاراضي الجورجية ذاتها ووصلت الى بعد 40 كلم من العاصمة الجورجية تفليس، واصبح مطار تفليس تحت رحمة الطيران الستراتيجي الروسي، وبالرغم من كل مناشدات سآكاشفيلي، فإن اميركا والحلف الاطلسي وقفا عاجزين ومشلولي الارادة تماما، لان روسيا ليست افغانستان او العراق، واي رد اميركي وغربي متهور كان يعني التعرض (في الحد الادنى) لوقف امدادات الغاز الروسية الحيوية الى اوروبا الغربية، ويعني (في الحد الاقصى) خطر المواجهة الشاملة مع روسيا وتعريض جميع المدن الاوروبية والقواعد الاميركية في اوروبا، وجميع المدن الاميركية والقواعد والاساطيل الاميركية في العالم الى خطر الصواريخ الروسية متعددة الرؤوس النووية، الجاهزة للانطلاق برا وبحرا وجوا دقيقة بدقيقة.
ومعلوم انه توجد، الى جانب جورجيا، دزينة من "مناطق النزاع الكامنة" في اوكرانيا واذربيجان ومولدوفا، القابلة للتفجر في حروب اقليمية، والى انفصال اقاليم جديدة معادية للغرب وموالية لروسيا، على طريقة ابخازيا واوسيتيا الجنوبية. ومن هذه الوجهة نظر فإن الحرب الباردة قد بعثت من جديد، واشد من السابق، بالنسبة للمائة مليون نسمة ـ سكان شواطئ البحر الاسود.
وقد ظهر هذا النزاع في السنوات الاخيرة، بشكل واضح جدا، في اوكرانيا، حيث تطرح بشكل متواز مسألتا انضمام اوكرانيا الى حلف الناتو، والطلب الى روسيا اخلاء القاعدة العسكرية في سيباستوبول في شبه جزيرة القرم (حيث مدينة يالطا التي اشتهرت بـ"اتفاقية يالطا" الشهيرة لتقاسم النفوذ العالمي بين الوجشين الاستعماريين روزفلت وتشرشل و"صديقهما" الوفي الخائن ستالين)، علما ان شبه جزيرة القرم كانت حتى سنة 1946 تعتبر جمهورية ذات استقلال ذاتي تابعة لروسيا، ولكن في تلك السنة جرى حل الجمهورية ذات الحكم الذاتي، وتحويلها الى منطقة تابعة لاوكرانيا. ويبلغ عدد سكان القرم 2،5 مليونين ونصف المليون نسمة، 50% منهم من الروس، و30% من الاوكرانيين و20% من التتار. والروس يطالبون بضم القرم من جديد الى روسيا.
وفي جورجيا واوكرانيا اصبح الرأي العام ينقسم بحدة الى معسكرين: المعسكر المؤيد للاتحاد الاوروبي والحلف الاطلسي، والمعسكر المؤيد للتحالف التقليدي مع الجارة التاريخية روسيا. اما المناطق النازعة الى الاستقلال عن الاطر الحالية لدولها، مثل ناغورني كاراباخ في اذربيجان وبريدنيستروفييه في مولدوفا وشبه جزيرة القرم في اوكرانيا، والتي تمتاز شعوبها بالولاء لروسيا، فهي تطمح الى تحقيق الاستقلال، وهو ما قد يؤدي الى نزاعات مسلحة عنيفة او اقل عنفا، كما حدث في اوسيتيا الجنوبية. وقد ارتفعت احتمالات النزاع المسلح في هذه المناطق، بعد اعلان استقلال كوسوفو الموالية للغرب، بدعم مكثف اميركي ـ اطلسي ـ اوروبي غربي. ولم تعد روسيا تتحفظ على استقلال المناطق الموالية لها، بل على العكس تشجع تلك الحركات الاستقلالية الموالية لها، بعد استقلال كوسوفو الموالية للغرب.
وبالاضافة الى الاهمية الستراتيجية لهذه المنطقة، على خلفية المواجهة الشاملة الروسية ـ الاميركية/الغربية، فإنها تكتسب اهمية استثنائية ايضا، من الوجهة الاقتصادية، لان البحر الاسود هو ممر رئيسي لانابيب الغاز القارية العملاقة، لنقل الغاز من روسيا وايران وآسيا الوسطى الى اوروبا، عبر تركيا وبلغاريا ورومانيا وصربيا واليونان. ومع ارتفاع تكلفة واسعار النفط الخام، واتجاهه المتزايد نحو النضوب الطبيعي، فإن الغاز يتقدم اكثر فأكثر ليحتل مرتبة متقدمة، ربما تصبح في السنوات القليلة القادمة المرتبة الاولى عالميا للتزويد بالطاقة. ويجري الان سباق مستميت لتحقيق مشروعين، احدهما روسي هو "السيل الجنوبي"، والثاني غربي هو "نابوكو"، لمد انابيب الغاز العملاقة الى اوروبا الغربية عبر البحر الاسود ومحيطه. ومعلوم ان ارتباط اوروبا، ولا سيما المانيا وايطاليا بالغاز والنفط الروسي، والايراني والقزويني، هو مصيري.
والآن تتقاطع وتتواجه وتتصارع ثلاثة خطوط ستراتيجية دولية فوق منطقة البحر الاسود:
1 ـ الستراتيجية الاميركية التي تحاول فرض سيطرتها العسكرية على الاقليم، ووضع الانابيب الناقلة للنفط والغاز من روسيا وايران واسيا الوسطى، عبر البحر الاسود، تحت رحمتها.
2 ـ الستراتيجية الروسية التي تتمحور حول اتجاهين: اولا، الشعور بالخطر العميق على الامن القومي لروسيا في عقر دارها، والتهديد بالرد الشامل وبالدرجة الاولى السحق التام لكل دولة مجاورة ينطلق منها التهديد لروسيا. وثانيا، السعي الحثيث لجعل البحر الاسود جسر تعاون اقتصادي وتجاري مع اوروبا وحوض البحر الابيض المتوسط، وحوض بحر قزوين، خصوصا على صعيد مد اوروبا الغربية بالنفط والغاز.
3 ـ ستراتيجية الاتحاد الاوروبي الحائرة التي تتراقص وتترنح بين "لاءين" مزدوجين: لا انفكاك عن اميركا ولا تبعية عمياء لها؛ لا تحالف مع روسيا ولا عداء "اميركي" لها.
وعلى كيمياء الاشتباك والتفاعل بين هذه الستراتيجيات الثلاث يتوقف الان مصير العالم بأسره.
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
* كاتب لبناني مستقل




#جورج_حداد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- السوروسية و-التحول الدمقراطي- في اوروبا الشرقية
- الجذور التاريخية للصراع الوجودي القومي
- الصراع الوجودي العربي الاسرائيلي: ظاهرة الحرب الاستعمارية و ...
- المهزلة الطائفية المفضوحة للنظام المصري ضد حزب الله
- ازمة الغاز الروسية الاوكرانية: هل تتحول الى صراع مسلح بين ا ...
- اميركا تتراجع: بداية انهيار الحصار على كوبا
- الحرب الباردة الجديدة: هل تستفيد الدول العربية -المعتدلة- من ...
- رجب طيب اردوغان وعبدالباري عطوان والدور العثماني الجديد في م ...
- كلمة حق الى مناضل صادق
- السقوط التاريخي للاستعمار الصهيوني: ...ومن سيحمي اسرائيل غدا ...
- البلقان المضطرب: أي مستقبل؟!؛
- الوجه الافريقي لأوباما لن يستر الوجه الحقيقي البشع لاميركا
- خطوط النار من البلقان الى افغانستان، ومن جيورجيا الى فلسطين ...
- اميركا فتحت ابواب الحرب الباردة على مصاريعها، فهل تستطيع اغل ...
- فؤاد النمري: حلقة -مستورة- بين المعلوم والمجهول..
- اميركا والكابوس الصاروخي الروسي
- فؤاد النمري: ماركسي مزيف وستاليني حقيقي
- الازمة المالية العالمية: الكانيبالية الامبريالية العالمية وع ...
- لينين، على الاقل كإنسان، يستأهل كشف وادانة قتلته!!
- اميركا بعد 11 ايلول 2001


المزيد.....




- ترتيب الدول الأقوى في مضمار استغلال الطاقة الشمسية
- -ثعابين الثلج-.. مصورة توثق هذه الظاهرة الغريبة من نوعها في ...
- جلد وسجن 8 سنوات.. إيران تحكم على مخرج مشهور وفقا لمحاميه
- السويد: إسرائيل محط تركيز في نصف نهائي -يوروفيجن- وسط احتجاج ...
- تركيا تدرس زيادة أسعار الطاقة -للأسر ذات الدخل المرتفع-
- إسرائيل تعتبر تهديد بايدن بوقف تزويدها بأسلحة -مخيبا للآمال- ...
- مصدر أمني ??لبناني: أربعة قتلى لـ-حزب الله- في الغارة الإسرا ...
- أردوغان يوجه رسالة إلى أوروبا في عيدها
- بوتين: الغرب يحلم بإضعافنا والنصر في أوكرانيا شرط أساسي لتحق ...
- كيف يؤثر انخفاض فيتامين D على الحمل؟


المزيد.....

- الجغرافيا السياسية لإدارة بايدن / مرزوق الحلالي
- أزمة الطاقة العالمية والحرب الأوكرانية.. دراسة في سياق الصرا ... / مجدى عبد الهادى
- الاداة الاقتصادية للولايات الامتحدة تجاه افريقيا في القرن ال ... / ياسر سعد السلوم
- التّعاون وضبط النفس  من أجلِ سياسةٍ أمنيّة ألمانيّة أوروبيّة ... / حامد فضل الله
- إثيوبيا انطلاقة جديدة: سيناريوات التنمية والمصالح الأجنبية / حامد فضل الله
- دور الاتحاد الأوروبي في تحقيق التعاون الدولي والإقليمي في ظل ... / بشار سلوت
- أثر العولمة على الاقتصاد في دول العالم الثالث / الاء ناصر باكير
- اطروحة جدلية التدخل والسيادة في عصر الامن المعولم / علاء هادي الحطاب
- اطروحة التقاطع والالتقاء بين الواقعية البنيوية والهجومية الد ... / علاء هادي الحطاب
- الاستراتيجيه الاسرائيله تجاه الامن الإقليمي (دراسة نظرية تحل ... / بشير النجاب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - السياسة والعلاقات الدولية - جورج حداد - البحر الاسود... أخطر بؤرة توتر في اوروبا والعالم