أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - جورج حداد - السوروسية و-التحول الدمقراطي- في اوروبا الشرقية















المزيد.....


السوروسية و-التحول الدمقراطي- في اوروبا الشرقية


جورج حداد

الحوار المتمدن-العدد: 2661 - 2009 / 5 / 29 - 09:24
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


لا تزال ظاهرة انهيار المنظومة السوفياتية في اوروبا الشرقية تعتبر اهم ظاهرة ستراتيجية على المسرح الدولي في نهاية القرن العشرين. وبالرغم من سيول الكتابات التي رافقت هذا الانهيار، فإنها حتى الان لم تحظ بالدراسات الكافية حول الاسباب الجوهرية للانهيار.
ولكن هناك رأي واسع الانتشار حول دور الصهيونية العالمية عموما، والرأسمال المالي الكوسموبوليتي اليهودي خصوصا، في تحقيق و"متابعة" وتعميق هذا الانهيار. وفي هذا الصدد يرد بشكل خاص ومميز اسم روبرت ماكسويل (الذي قيل انه مات في يخته بشكل غامض في تشرين الثاني 1991، ودفن كالابطال في اسرائيل) واسم جورج سوروس، احد اكبر المضاربين العالميين في اميركا اليوم. ونتوقف في هذه العجالة عند دور جورج سوروس، لاهميته وخطورته بحد ذاته، ولأنه يساعد المحللين الصادقين والجديين على الامساك بطرف خيط رفيع، الا انه طرف الخيط الرئيسي، في الاسباب العميقة لانهيار المنظومة السوفياتية.
فمن هو جورج سوروس؛ وماذا كان دوره التخريبي في اوروبا الشرقية؟!
ان سيرة جورج سوروس هي سيرة نموذجية لليهودي النمطي، منذ ان نشأت اليهودية، اي سيرة المغامر المنافق الافـّاق، المرابي المضارب النصاب، المتآمر والقاتل، الذي لا تردعه قيم ولا اخلاق ولا مبادئ في سبيل تجميع الرأسمال وتحريكه وتكديسه؛ وهو يجمع في شخصيته صفات يوسف التوراتي وموسى التوراتي معا؛ (اي يوسف الذي تلاعب بقوت المصريين وحولهم الى عبيد لفرعون بحجة حمايتهم من الموت جوعا؛ وموسى الذي كان هو وعبرانيوه اليد اليمنى ونظـّار العبيد لدى فرعون؛ والذي دعا عبرانييه ان ينصبوا على المصريين ويقترضوا منهم الذهب والفضة والالبسة والاطعمة ويفروا بها الى سيناء، ومن هناك دعاهم لمهاجمة ارض كنعان وقتل وابادة شعبها والاستيلاء على املاكه وارزاقه وارضه؛ وكل ذلك باسم اله مزعوم هو "يهوه"):
ـ جورج سوروس هو يهودي هنغاري (مجري) مولود سنة 1930. وخلال الاحتلال الالماني للمجر في الحرب العالمية الثانية، اخفاه والده لدى عائلة مسيحية ادعت انه حفيدها لاجل انقاذه من الابادة. وفي 1945 بدأ سوروس الفتى يمارس مهنة تصريف العملة (في السوق السوداء كما كانت تسمى)؛ وفي سنة 1947 سافر الى بريطانيا للدراسة، حيث عمل نادل مطعم ثم موظف بنك لتغطية نفقاته، واخيرا سافر الى اميركا حيث استقر، فعمل في شركة مالية اميركية ثم اسس شركة استثمارية خاصة به في 1973. واصبح من كبار المضاربين في العالم. وتقدر مختلف الاحصاءات ثروته بين 7 و11 مليار دولار، وتضعه الاستقصاءات ما بين المرتبة 70 و100 من اصل 400 اغنى اغنياء العالم.
ومن "الانجازات" التي حققها في تاريخه المالي انه في ما يسمى "يوم الاربعاء الاسود 16 ايلول 1992" في بريطانيا، دخل في مضاربة ضد الجنيه الاسترليني، واجبر البنك المركزي البريطاني على سحب عملته من آلية الصرف الاوروبية وعلى تخفيض قيمة السترليني. وربح سوروس في هذه العملية 1،1 مليار دولار في يوم واحد، وعرف حينذاك بلقب" الرجل الذي حطم بنك بريطانيا".
ويقف سوروس خلف التلاعب بالاسواق المالية في ما كان يسمى بـ"النمور الاسيوية" كتايلاند وماليزيا وتحطيم اقتصاداتها الوطنية.
وبالاضافة الى تمرسه بالمضاربة في الاسواق المالية العالمية، وعلى غرار موسى التوراتي الذي غطى وحشيته الاستعمارية بالادعاءات الالهية حول "شعب الله المختار" و"ارض الميعاد"، فإن جورج سوروس ميـّز نفسه بالادعاء انه من انصار الفيلسوف البريطاني اليهودي كارل بوبر (1902 ـ 1994) صاحب نظرية "المجتمع المفتوح"، التي عارض بها الشيوعية والنازية بوصفهما مجتمعين منغلقين. وفي السبعينات أسس جورج سوروس مؤسسة سوروس الخيرية، والاهم: اسس ما يسمى مؤسسة "المجتمع المفتوح" التي تعمل على بناء ما يسمى مؤسسات المجتمع المدني غير الحكومية، اي عمليا استبدال مؤسسات الدولة والمؤسسات الاجتماعية العامة، بمؤسسات "مدنية" "مستقلة" ترتبط مباشرة بكتل الرأسمال الاحتكاري العالمي وتتحرك بموجب توجيهاته المباشرة.
وفي الوقت الراهن يظهر جورج سوروس على المسرح السياسي في اميركا والعالم بوصفه احد كبار معارضي سياسة جورج بوش وما يسمى "المحافظين الجدد"، بما في ذلك معارضة الحرب على العراق، ومعارضة سياسة التطرف والتوسع الاسرائيلية. وهو يحمـّل اسرائيل مسؤولية استثارة موجة "العداء للسامية". وهو يتظاهر بـ"اليسارية" وبـ"الليبيرالية" المتطرفة، القائمة على الحرية المطلقة للسوق، وبصورة اكثر تحديدا: السوق المالية. وهو يعترف بصراحة "انني كشريك في السوق، غير مسؤول عن نتائج اعمالي".
كيف نفسر "الليبيرالية" المتطرفة لجورج سوروس؟
مثلما انه من العبث البحث عن حقيقة وعد "ارض الميعاد" في "الديانة اليهودية" خصوصا وفي الايديولوجيا الدينية عموما، بل انه يجب البحث عن جذور ومحتوى اسطورة "ارض الميعاد" في المطامع التوسعية والاجرامية والاستعمارية للقبيلة العبرانية التي وجدت "غطاء الهيا" لها في ما يسمى "الديانة اليهودية"، فإنه من العبث ايضا البحث عن حقيقة "ليبيرالية" جورج سوروس في فلسفة كارل بوبر او اي فلسفة برجوازية اخرى، حقيرة بالتأكيد، لأن الطبقة البرجوازية هي طبقة حقيرة في طبيعتها الجوهرية، ولا يمكن ان يصدر عنها، حتى في "اصفى حالاتها"، الا الحقارة.
ان حقيقة "ليبيرالية" جورج سوروس تكمن في الطبيعة الوحشية والاستباحية للرأسمال، "قبل الرأسمالية" و"بعد الرأسمالية"، "مع الرأسمالية" و"بدون الرأسمالية". وباختصار يمكن القول ان "ليبيرالية" جورج سوروس هي تغطية لوحشية "السوق المالية" الرأسمالية.
ونجد من الضروري التوقف عند هذه النقطة لازالة ودحر الكثير من الاوهام حول "الدمقراطية" الاميركية و"الاعمال الخيرية" "الانسانية" و"الثقافية" و"التعليمية" التي يقوم بها بعض الحيتان الرأسماليين، امثال جورج سوروس وبيل غيتس (ومؤسسة الحريري وامثالها في الاطار العربي).
ان بعض المحللين الماركسيين (وغيرهم) السطحيين والمشبوهين يحاولون اقناعنا ان الرأسمالية تعني حصرا "اسلوب الانتاج الرأسمالي"، حيث تتكدس الطبقة العاملة (البروليتاريا) في المصانع لتنتج السلع، مقابل الاجور، ويستولي اصحاب وسائل الانتاج الرأسماليون (البرجوازية) على المنتوج ويسوّقونه ويحصلون على فائض القيمة (الارباح). وطبقا لهذا المفهوم الحصري، المبتور والمزيف للرأسمالية، فإن احد ادعياء الماركسية مثلا، السيد فؤاد النمري، يحاول اقناعنا بأن النظام الاجتماعي في اميركا لم يعد نظاما رأسماليا، بل اصبح نظاما "استهلاكيا" و"خدماتيا"(!!!)، لان "الانتاج الرأسمالي" الكلاسيكي في اميركا لم يعد يمثل اكثر من 17% من "الدخل القومي".
ـ فما هي اذن الـ83% الباقية من الدخل القومي الاميركي اذا لم تكن رأسمالية؟
اننا نجيب على ذلك بما يلي:
تاريخيا: ان المال والرأسمال (بشكله الاكتنازي) وجد زمنا طويلا قبل وجود النظام الرأسمالي كنظام انتاج.
وواقعيا: هناك "مهن" و"صناعات" اكثر ربحية من الانتاج السلعي. وهذه "المهن" و"الصناعات" توجد في النظام الرأسمالي، جنبا الى جنب الانتاج السلعي واحيانا بدونه. مثلا: "الصناعة" البنكية والربا؛ المضاربة في البورصات؛ التهريب؛ تزوير العملات؛ تزوير وتقليد السلع الكمالية وغير الكمالية؛ زراعة وتجارة المخدرات؛ الدعارة والتجارة بالبشر ولا سيما النساء؛ الجريمة المنظمة؛ القتل المأجور؛ اللصوصية والسلب والنهب والابتزاز؛ الرشوة والفساد؛ الحروب الاستعمارية وتجارة الاسلحة؛ التجارة بالادوية وغشها؛ وغيرها وغيرها. والكثير من هذه "المهن" و"الصناعات" وجدت قبل وجود النظام الرأسمالي (الانتاجي السلعي) بآلاف السنين، وقد اضفت عليها (النسخة المشوهة من ـ اضافة ليست من عندي) "الديانة اليهودية" طابعا "الهيا" بأن ميزت "شعب الله المختار" واباحت له كل هذه الارتكابات ضد "الاغيار" باسم "اليهوه". ولكن طبعا ان هذه "المهن" و"الصناعات" لم تقتصر على "اليهود". ولكن السؤال المهم الان: هل هي "مهن" و"صناعات" رأسمالية ام لا؟
ـ في رأينا المتواضع: ان هدف "الانتاج السلعي الرأسمالي" الكلاسيكي هو الحصول على الارباح، اي على المال. ومن ثم فإن كل عمل "شرعي" و"غير شرعي"، "مغطى الهيا" و"اخلاقيا" ام "غير مغطى"، يهدف الى "انتاج" المال او الاستحواذ على المال هو عمل رأسمالي. فالنخاس اليهودي الذي كان يتاجر بالحريم والغلمان ويقبض اثمانهم في مرحلة الدولة العربية ـ الاسلامية كان يعتبر حلقة خاصة من حلقات النظام الاستبدادي الشرقي (العبودي ـ الاقطاعي)؛ الا ان عمله بالذات كان "عملا رأسماليا" هدفه الحصول على المال، في ظل وفي خدمة النظام العبودي ـ الاقطاعي.
وجميع "المهن" و"الصناعات" الآيلة الى انتاج المال هي "مهن" و"صناعات" رأسمالية. وان كان ينطبق عليها تعريف "الطفيلية"، اي انها لا تدخل في صلب عملية انتاج السلع المادية والاجور وفائض القيمة، بل هي تدخل في نطاق "الاستحواذ" بالقوة او بالحيلة والنصب على الثروات المنتجة سابقا والتي يمتلكها الافراد الاخرين و"المجتمع الوطني" والدول والشعوب الاخرى.
وينبغي ان نؤكد هنا ان المجتمع البشري المعاصر، وخاصة بعد الحربين العالميتين الاولى والثانية ومركزة وتركيز الرأسمال الاحتكاري العالمي في "المتروبولات" الاستعمارية، فإن غالبية ثروات العالم تكدست في تلك المتروبولات، وخاصة في اميركا، بسبب "عزلتها القارية" وبعدها عن المخاطر، وتمركزت غالبية الرأسماليين والمغامرين والمضاربين والمافيات فيها. وقد خرجت الوف مليارات الدولارات من "دورة الانتاج السلعي" في جميع بلدان العالم، وتكدست في البنوك، ولا سيما الاميركية، واخذت تبحث عن "مصادر ربح" غير "الانتاج السلعي". واذا اجرينا اي بحث سنجد ان ما يسمى "اقتصاد الظل" او "الاقتصاد الرمادي" (غير الانتاجي السلعي) و"غير المشروع" اصبح يشكل حجما مضاهيا او اكبر من الاقتصاد "الانتاجي السلعي" المشروع. وباعتراف جميع المؤسسات الدولية الوطنية والعالمية، هناك اليوم ألوف مليارات الدولارات "القذرة" تجري في شرايين الاقتصاد العالمي الى درجة ان مهمة كشف غسيل "الاموال القذرة" اصبحت مهنة مبتذلة الهدف منها الضحك على ذقون الاغبياء فقط. وتحولت الوظيفة الحقيقية لمؤسسات كشف غسيل "الاموال القذرة" الى مهمة تغطية وغسل هذه الاموال. وقد ادى تكديس الرساميل الاحتكارية الكبرى، وبالاخص الرساميل "القذرة"، في اميركا، الى انتاج اتجاهين سياسيين اميركيين، متناقضين في المظهر، متكاملين في الجوهر هما:
1 ـ اتجاه "المحافظين الجدد" الذي يركز على استخدام الدولة الاميركية، بوصفها الاداة الرئيسية لفرض النظام الامبريالي (بالنتيجة الاميركي ـ الصهيوني) على العالم.
2 ـ اتجاه "الليبيرالية" المطلقة التي تعتمد على آلية السوق للهيمنة المطلقة على مقدرات العالم، من قبل حفنة من الحيتان الرأسماليين امثال جورج سوروس.
واذا كان جورج بوش قد برز بوصفه الممثل او الواجهة الاهم لاتجاه "المحافظين الجدد"، فإن جورج سوروس برز بوصفه الممثل "الرأسمالي" الاكبر للاتجاه الرأسمالي "الليبيرالي". ولكن مع كل "ليبيرالية" جورج سوروس، فمن الواضح تماما انه منذ البداية وحتى الان، فهو يقف تماما على ارضية واحدة مع "المحافظين الجدد"، بمجرد اختياره اميركا، لا هنغاريا ولا بريطانيا، كمركز مالي وسياسي له.
ولا شك ان مختلف الاجهزة الامنية والعسكرية والسياسية والاعلامية الاميركية والغربية اضطلعت بدورها في تقويض المنظومة السوفياتية السابقة، لا سيما في اجواء الحرب الباردة السابقة. ولكن اذا كان "المحافظون الجدد" والقوة الضاربة العسكرية الاميركية والاطلسية والاسرائيلية هي القوة الرئيسية التي اضطلعت بدور مخلب القط في الهجوم على افغانستان والعراق وفلسطين ولبنان وباكستان؛ وان التيار "الليبيرالي" الاميركي كان ولا يزال رديفا لها؛ فإن التيار "الليبيرالي" الاميركي (وذيله الاطلسي والغربي) هو الذي اضطلع بدور مخلب القط في معركة تقويض المنظومة السوفياتية السابقة، وذلك باستثناء يوغوسلافيا. وهنا كان دور جورج سوروس رئيسيا و"طليعيا" ونموذجيا.
ولنلق نظرة خاطفة على هذا الدور:
منذ السبعينات من القرن الماضي بدأ جورج سوروس (على الطريقة ذاتها التي اتبعها رفيق الحريري والوليد بن طلال فيما بعد، في الاطار العربي) يحيط نفسه بهالة رجل "الاعمال الخيرية"، فأسس المؤسسة الدولية التي سماها "المجتمع المفتوح"، والتي بدأت تتولى تقديم المساعدات الخيرية والمنح الدراسية ومساعدة المؤسسات الجامعية والاعلامية والثقافية في مختلف البلدان ولا سيما في اوروبا الشرقية. وقامت مؤسسته بتحمل نفقة الطلاب السود من جنوب افريقيا في جامعة كيب تاون، واخذت تقدم الدعم المالي للجماعات المناوئة للاتحاد السوفياتي، وبدأت تدعم بسخاء الحركة النقابية "المستقلة" في بولونيا المسماة "التضامن". وقامت بتقديم المساعدات للمؤسسات المدنية لمسلمي البوسنة، وبتقديم مئات ملايين الدولارات للتخفيف من الفقر ولمساعدة الجامعات ومشاريع البحث العلمي في افريقيا. واخذت توزع الملايين سنويا على الحركات الانشقاقية في دول اوروبا الشرقية مثل "التضامن" في بولونيا و"شارتر 77" في تشيكوسلوفاكيا و"اندريه زاخاوف" في الاتحاد السوفياتي. وتقول بعض المعلومات ان مجموع ما انفقه جورج سوروس في حياته من "التبرعات" بلغ 5 مليارات دولار.
وتقوم "فلسفة" مؤسسة "المجتمع المفتوح" على اختراق وتجاوز كل الحدود القومية والدينية والطائفية والسياسية وتقليص دور الدولة في المجتمع، والخصخصة التامة للاقتصاد، والليبيرالية المطلقة للاسواق، والحرية المطلقة للرأسمال الخاص. وقد قدمت مؤسسة "المجتمع المفتوح" المساعدات المباشرة وغير المباشرة لمئات بل والوف المؤسسات التعليمية والاعلامية والثقافية والقضائية والبوليسية والسياسية في جميع دول المنظومة السوفياتية السابقة؛ وتخرج عشرات الالوف من الطلاب والدارسين بمساعدة المنح الدراسية من قبل مؤسسة "المجتمع المفتوح" في دول اوروبا الشرقية؛ وتحول هؤلاء الى جيش حقيقي من الدعاة والموجهين والمنظمين للحركات الاجتماعية والسياسية "المعارضة" التي عملت على تقويض اسس الدولة والحياة العامة في دول المنظومة السوفياتية السابقة، تحت شعارات "الدمقراطية" و"المجتمع المدني" و"المنظمات غير الحكومية" و"حرية السوق" و"حقوق الانسان" و"حقوق الاقليات" و"حقوق المرأة" و"الثورة الجنسية" الخ. وقد تولى هذا "الطابور الخامس" الحقيقي تنظيم الحركات "الشعبية" المعارضة في دول المنظومة السوفياتية السابقة، من اضرابات واعتصامات واجتماعات جماهيرية ومظاهرات واقتحامات، كانت كلها منسقة اعلاميا بشكل مسبق، وفي الغالب مدفوعة الاجر للمشاركين العاديين انفسهم، واحيانا كثيرة كان يتم تجميع "الجمهور" كما يتم تجميع "الكومبارس" بحجة تمثيل فيلم سينمائي؛ والى جانب هذه التحركات الاعلامية والشارعية، فتحت مزاريب كاملة لما يمكن ان نسميه بالتعابير اللبنانية "المال السياسي"، حيث كانت تتم رشوة واسعة النطاق في مختلف اجهزة الدولة للمسؤولين على مختلف المستويات وحتى للعناصر العادية، خصوصا في اطار الشرطة والاجهزة الامنية والقضائية، ومدراء المعامل والمؤسسات؛ وهو ما سهل تماما التحركات الشارعية. وتحت غطاء الدخان الكثيف للجعجعة و"الثورات" والحرائق "الدمقراطية" كان هدف الكتل المالية هو نهب القطاع الاقتصادي العام (البنكي والصناعي والزراعي) ونهب الصناديق الاجتماعية (صناديق الصحة والتعليم والضمانات الاجتماعية للشيخوخة والامومة الخ) التي كانت تقدر بمئات والوف مليارات الدولارات في دول المنظومة السوفياتية السابقة. وللمثال وحسب جرى، تحت شعارات "لبررة" الاقتصاد والخصخصة، بيع شركة الطيران الوطنية البلغارية (التي كان اسمها: بلقان) الى شركة نصابين اسرائيلية (اسمها: زئيفي) بمبلغ 150 الف دولار فقط، بحجة ان الشركة كانت مفلسة وعليها ديون اكبر من رأسمالها. وعمدت الشركة الشارية الى بيع الطائرات الجديدة لشركة "بلقان" وبيع حقوق الهبوط النهاري في المطارات الكبرى في العالم، بما يساوي عشرات ملايين الدولارات. ويقال ان الوزير البلغاري (اليهودي) الذي سمسر لبيع شركة "بلقان" قبض مقابل "خدماته" سمسمرة بقيمة 5 ملايين دولار. وحينما تحركت الدولة البلغارية لرفع دعوى على شركة "زئيفي" اعلنت "زئيفي" افلاسها، و"طارت" شركة طيران "بلقان" الى غير رجعة من ممتلكات الدولة البلغارية. كما جرى في التسعينات الترخيص لبنك خاص، سمي حرفيا "البنك الخاص الاول". ومعلوم ان البنوك كانت من ضمن القطاع العام، وكانت جميع المؤسسات الصناعية والزراعية والصناديق الاجتماعية تضع كل حساباتها في البنوك العامة. وقام هذا "البنك الخاص الاول" باقتراض عشرات مليارات الليفات (العملة الوطنية: ليفا) من البنك المركزي وغيره، حينما كانت الليفا لا تزال تساوي دولارا، بالسعر الرسمي. وبعد ان تمت المضاربة على الليفا، على الطريقة السوروسية المعروفة، اصبح الدولار يساوي 3300 ليفا؛ فـ"طارت" جميع القروض (بالليفا) التي حصلت عليها عصابة "البنك الخاص الاول" واصبحت لا تساوي سوى 1/3300 من قيمتها الحقيقية. وهكذا وجدت جميع المؤسسات الانتاجية والصناديق الاجتماعية التي تجري حساباتها بالعملة الوطنية ، تبعا للقانون، انها قد افلست تماما، بفضل "حضارية" و"دمقراطية" و"ليبيرالية" جورج سوروس و"مجتمعه المفتوح". وهكذا نهب اللصوص السوروسيون الشعب البلغاري بأسره، فالمتقاعد، مثلا، الذي كان يقبض معاشا تقاعديا يساوي 100 او 200 او 300 دولار، صار معاشه التقاعدي يساوي احيانا اقل من دولار واحد او حتى بضع سنتات. واخبرني مرة مواطن بلغاري زوجته روسية، ان والد زوجته المتقاعد كان جنرالا في الجيش الروسي الاحمر ومن الذين قاتلوا وحطموا الهتلرية، وبالتالي انقذوا جورج سوروس وامثاله من الفناء، ان هذا الجنرال "الاحمر" المتقاعد معاشه التقاعدي لم يعد يساوي بضعة دولارات، وانه يستنجد بابنته وصهره في بلغاريا ليرسلوا له بضعة الواح صابون او قليلا من مسحوق الغسيل من اجل الاستحمام وغسيل ثيابه. هذه هي النتائج "الانسانية" لـ"الدمقراطية" و"الليبيرالية" الخاصة بامثال النصاب الدولي "رجل اعمال الخير" جورج سوروس.
وبلغت المأساة اوجها في ان السوروسيين، الذين لعبوا الدور الاول في تخريب دول المنظومة السوفياتية السابقة ونهبها، بواسطة الفوضى والرشوة والفساد وعمليات النصب والاحتيال والجريمة المنظمة، اخذوا يتلونون بطريقة حربائية عجيبة؛ اذ انهم انتشروا في تلافيف وتضاعيف جميع القوى السياسية القائمة: في صفوف "الشيوعيين" السابقين، وفي صفوف "الدمقراطيين" الجدد، وفي صفوف "الملكيين" السابقين، وفي صفوف منظمات الاقليات الاتنية والدينية (الاتراك، والغجر والمسلمين)، وفي صفوف "الموالاة" و"المعارضة" في وقت واحد. ومع كل تبدل للسلطة والحكومة، فإن السوروسيين يودعون الذاهب ويستقبلون القادم. والمهم بالنسبة لهم ان عملية النهب والسلب والنصب مستمرة على قدم وساق، والملايين التي دفعها سوروس وعصابته، بشكل "هبات" و"منح" و"تبرعات"، يستعيدونها بالمليارات بشكل "ارباح" مشروعة وغير مشروعة.
لقد وجد الطابور الخامس السوروسي معارضة له في يوغوسلافيا السابقة وبيلوروسيا وروسيا؛ وفي يوغوسلافيا فضح جورج سوروس تماما حقيقة "لييراليته" حينما ايد بشدة تمزيق وتدمير يوغوسلافيا وقصف صربيا من قبل الحلف الاطلسي في 1999. ولكن بالرغم من جميع الصعوبات الاقتصادية والسياسية والامنية التي واجهتها بيلوروسيا وخصوصا روسيا، فإن السوروسية فشلت فيهما فشلا ذريعا. وربما لعب قصف صربيا في 1999 دوره في تنبيه روسيا الى خطورة ما يدبر لها، مما ادى بالتالي الى ظهور "البوتينية" في وجه "السوروسية"، بوصفها ـ اي "البوتينية" ـ المعبر عن مصالح البرجوازية "القومية" الروسية، والمصالح القومية العامة للدولة الروسية. ويمكن القول الان ان مصير اوروبا الشرقية خاصة، ومصير العالم عامة، اصبح يتوقف الى حد كبير على نتائج المعركة الكبرى الدائرة بين "البوتينية" و"السوروسية".
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
* كاتب لبناني مستقل




#جورج_حداد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الجذور التاريخية للصراع الوجودي القومي
- الصراع الوجودي العربي الاسرائيلي: ظاهرة الحرب الاستعمارية و ...
- المهزلة الطائفية المفضوحة للنظام المصري ضد حزب الله
- ازمة الغاز الروسية الاوكرانية: هل تتحول الى صراع مسلح بين ا ...
- اميركا تتراجع: بداية انهيار الحصار على كوبا
- الحرب الباردة الجديدة: هل تستفيد الدول العربية -المعتدلة- من ...
- رجب طيب اردوغان وعبدالباري عطوان والدور العثماني الجديد في م ...
- كلمة حق الى مناضل صادق
- السقوط التاريخي للاستعمار الصهيوني: ...ومن سيحمي اسرائيل غدا ...
- البلقان المضطرب: أي مستقبل؟!؛
- الوجه الافريقي لأوباما لن يستر الوجه الحقيقي البشع لاميركا
- خطوط النار من البلقان الى افغانستان، ومن جيورجيا الى فلسطين ...
- اميركا فتحت ابواب الحرب الباردة على مصاريعها، فهل تستطيع اغل ...
- فؤاد النمري: حلقة -مستورة- بين المعلوم والمجهول..
- اميركا والكابوس الصاروخي الروسي
- فؤاد النمري: ماركسي مزيف وستاليني حقيقي
- الازمة المالية العالمية: الكانيبالية الامبريالية العالمية وع ...
- لينين، على الاقل كإنسان، يستأهل كشف وادانة قتلته!!
- اميركا بعد 11 ايلول 2001
- دولة -اسلامية- في كوسوفو بدلا من دولة -عربية- في فلسطين!!؛


المزيد.....




- -انتهاك صارخ للعمل الإنساني-.. تشييع 7 مُسعفين لبنانيين قضوا ...
- لماذا كان تسوس الأسنان -نادرا- بين البشر قبل آلاف السنوات؟
- ملك بريطانيا يغيب عن قداس خميس العهد، ويدعو لمد -يد الصداقة- ...
- أجريت لمدة 85 عاما - دراسة لهارفارد تكشف أهم أسباب الحياة ال ...
- سائحة إنجليزية تعود إلى مصر تقديرا لسائق حنطور أثار إعجابها ...
- مصر.. 5 حرائق ضخمة في مارس فهل ثمة رابط بينها؟.. جدل في مو ...
- مليار وجبة تُهدر يوميا في أنحاء العالم فأي الدول تكافح هذه ا ...
- علاء مبارك يهاجم كوشنر:- فاكر مصر أرض أبوه-
- إصابات في اقتحام قوات الاحتلال بلدات بالضفة الغربية
- مصافي عدن.. تعطيل متعمد لصالح مافيا المشتقات النفطية


المزيد.....

- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل
- شئ ما عن ألأخلاق / علي عبد الواحد محمد
- تحرير المرأة من منظور علم الثورة البروليتاريّة العالميّة : ا ... / شادي الشماوي


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - جورج حداد - السوروسية و-التحول الدمقراطي- في اوروبا الشرقية