أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - عدنان الاسمر - بعض من العمر في معان















المزيد.....

بعض من العمر في معان


عدنان الاسمر

الحوار المتمدن-العدد: 2667 - 2009 / 6 / 4 - 09:06
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


النفي أو الإبعاد إجراء تعسفي قمعي موروث عن الحقبة الاستعمارية تتخذه السلطات الأمنية ضد المناضلين السياسيين لفرض ظروف الاغتراب والعزلة عليهم وتعطيل نشاطهم الوطني في منطقة سكنهم الأصلي يعتبر النفي مخالفة صريحة للدستور وانتهاك صارخا لحقوق الإنسان وحرياته وخرق فاضح للعهد الدولي للحقوق الاجتماعية والاقتصادي والعهد الدولي للحقوق السياسية والمدنية
وفي يوم الجمعة 4/6/1988 ذهبت لمراجعة مركز امن مخيم البقعة بناءا على طلبهم وفي تلك الأيام كان من المألوف والمعتاد كثرة استدعاء الأجهزة الأمنية للمواطنين والتحقيق معهم بسبب أنشطتهم السياسية أو المجتمعية وبعد فترة من الانتظار وإذا بالرفيق حلمي الدرباشي يحضر لمركز الأمن وعند حضوره وضع احد أفراد الشرطة كالبشات في يدي ويده وأركبنا بصعوبة في سيارة لأند روفر نقلتنا إلى مديرية الشرطة في السلط ومن ثم إلى سجن السلط , والرفيق حلمي من النشطاء الوطنيين في مخيم البقعة وأيضا من قادة الطلاب في جامعة اليرموك فقد شارك أثناء دراسته بفاعلية في الانتفاضات الطلابية أوائل الثمانينات وتخرج بشهادة بكالوريوس عربي، جلست أنا وحلمي في ساحة السجن نحلل الموقف وطلبنا أبريق شاي من البوفيه وعند غروب الشمس وإذا بالرفيق بسام العزة يدخل ساحة السجن فاكتملت الصورة واتضحت الرؤية واتفقنا على انه على الأغلب نفي من مخيم البقعة إلى مكان ما وذلك بسبب تصاعد حركة التضامن الشعبي في الأردن وفي مخيم البقعة مع الانتفاضة الفلسطينية الأولى ومشاركتنا الواسعة في الأنشطة الوطنية المتعددة تضاما مع الانتفاضة وخاصة المظاهرات والإضرابات وتشكيل لجان شعبية لجمع التبرعات النقدية والعينية علما أن الموقف الرسمي للحكومة الأردنية كان يعتبر أن الانتفاضة ستسقط القيادة الرسمية الفلسطينية وتخلق قيادة بديلة في الداخل والرفيق بسام كان من النشطاء الوطنيين في مخيم البقعة وفي معهد ناعور خلال الدراسة حيث تخرج بشهادة دبلوم وأيضا نقابي عمالي حيث عمل عضوا في الهيئة الإدارية لنقابة العاملين في الخدمات الصحية وعضوا في المجلس المركزي لاتحاد نقابات العمال الأردني ،وفي حينه كنت عضو الهيئة الإدارية لنادي البقعة وعضو لجنة تنسيق القوى الوطنية وعضوا في المكتب التنفيذي للجنة الشعبية لدعم الانتفاضة الفلسطينية في البقعة.
وفي اليوم التالي تم إرسالنا مغفورين من السجن إلى محافظ البلقاء حيث ابلغنا بقرار النفي والإقامة الجبرية في مدينة معان جنوب الأردن لمدة عام دون تحقيق معنا أو توجيه أية تهمة، وبالفعل تحركت بنا سيارة الشرطة إلى مديرية شرطة معان حيث بتنا تلك الليلة في نظارة مركز أمن معان وفي اليوم التالي طلب منا إحضار دفاتر للتوقيع وتحديد عنوان الإقامة وعدم مغادرة المدينة وحاولنا أن نقيم مؤقتا في احد الفنادق إلى حين أستأجار منزل ،إلا أن صاحب الفندق رفض استقبالنا فأقمنا لمدة أسبوع في منزل رجل فاضل استقبلنا مع أسرته وقام بواجب الضيافة وهو أبو محمد عزات العزة،ومن ثم انتقلنا للإقامة في منزل عمال سوريين لمدة أسبوعين عرفنا أنهم أكراد أعضاء في حزب العمال الكردستاني وهم عمال مكافحين أوفياء ،وما أجمل أن تستمع لهم في نهاية يوم العمل الشاق والمتعب وهم يغنون بالغة الكردية ، وقد استمر البحث عن منزل للإيجار لمدة شهر فمن الاستحالة أن تجد من يؤجر منزلا في معان بدون عائلة وأخيرا استطعنا إقناع رجل فاضل وقور (أبو حابس ) بأني أنا وبسام متزوجان وان زوجاتنا سوف تقيم معنا.
إن النفي السياسي لمدينة معان موقوف منذ عام 66 والنفي الجنائي موقوف بناء على قرار وزير الداخلية منذ عام 74 وذلك بسبب عدم توفر السكن أو العمل، فالنفي لمعان عقوبة مركبة فالحر صيفا عقوبة حيث تشعر وأنت تسير في الشارع بأن أحدا يسكب عليك وعاء من حرارة، والبرد عقوبة فأنت في الشتاء لا تترك شيئا إلا تلبسه بل تنام وأنت ترتدي الكبوت وتظل تشعر بالبرد الشديد وغالبا عندما نفتح ماسورة الماء نجدها مغلقة بسبب تجمد المياه وفي بعض الأحيان من شدة البرودة ليلا نجد ماسورة الماء متشققة وكأن أحدا شق الحديد بسكين وعندما كنا ننظف ساحة المنزل بالماء كان الماء يتجمد وهو مرتفع قليلا فوق أرضية المنزل ، وأحيانا نكون سائرين في الشارع والجو طبيعي ولا ندري من أين يصب علينا غضب الله حيث تداهمنا كثبان رملية لعدت دقائق يملأ التراب الفم والأنف والاذنيين، فلا تستطيع رؤية أصبعك وتشعر بالاختناق ، كما أن العلاقات الاجتماعية والتفاعل المجتمعي ضعيف لأننا غرباء عن المنطقة ومنفيين ونتعرض لمراقبة أمنية مكثفة ومتابعة دائما ويتم تسليم مراقبتنا من دورية أمنية إلى أخرى تتسلم المهام الأمنية.
والطريق من عمان إلى معان قطعة من عذاب طولها 220 ك.م فهي تستغرق 4 ساعات محفوفة بالمخاطر لان الطريق كانت تحت التوسعة ومزدحمة بالشاحنات المنطلقة من ميناء العقبة إلى بغداد ، كما أن فرص العمل غير متوفرة ، والنفي يترك أثارا نفسية ومالية صعبة جدا على الأسرة وعلى الشخص المنفي حيث يعيش الشخص المنفي بعيدا عن أسرته وتتحمل أسرته وأهله تكاليف الزيارات والمواصلات، كما يفصل من عمله بالإضافة إلى أن النفي يترك أثار سلبية على المنطقة التي نفي منها الشخص فهو يستخدم لإرهاب المواطنين بالإضافة إلى إجراءات قمعية متعددة أبرزها حجز الجوازات والفصل من العمل والاستدعاء الدائم للتحقيق ومداهمة المنازل للتفتيش عن المنشورات والتوقيف لعدة أيام في النظارة والاعتقال الطويل وذلك للحد من الأنشطة الوطنية والاجتماعية .
أما نحن الثلاثة فقررنا أن نتصدى لصعوبات النفي وخاصة أن النفي سجن بلا جدران يتحمل المنفي نفقاته حيث يترتب علينا التزامات أجرة المنزل والمصاريف الشخصية ونفقات العيش فعام الإبعاد ليست 365 يوما فهو عدة أعوام في عام واحد ، والتحدي يكمن في تخفيض مدة العام عن طريق الإشغال الأمثل والمفيد للوقت وذلك من خلال إيجاد فرص عمل كي نتمكن من بناء علاقات اجتماعية مع الأهالي ونستطيع التنقل داخل المدينة وخارجها بالإضافة إلى التغلب على الوقت والحصول على دخل نقدي، فوجد بسام العزة فرصة عمل مراقب مع المقاول أبو صالح أما حلمي فتقدم بطلب توظيف عين معلما في مدرسة فلسطين الإعدادية للبنين لمدة ثلاثة أشهر فصل بعدها من التدريس بناءا على توصية المخابرات أما أنا وبحكم ظروفي البصرية لا أستطيع التنقل منفردا ولا أستطيع العمل فكنت أشارك بسام وحلمي في الأنشطة الجماعية وفي حال بقائي في البيت وحيدا كنت استمع للراديو وأنجز الأعمال الشخصية التي تخصني.
حاولنا اختراق جدار العزلة الاجتماعية بالسعي لإقامة علاقات في المدينة وقضاء جزء كبير من الوقت في القرأة والتمشي على الخط الصحراوي وعدم الالتزام بالإقامة الجبرية فكنا نغادر بالتناوب سرا إلى عمان ومخيم البقعة ، ومع مرور الوقت نجحنا في بناء علاقات مع أهالي المدينة وعدد من المواطنين العاملين في مجالات مختلفة في المدينة وهم من مناطق أخرى وكان أهم العلاقات مع المهندس جمال كواليت احد موظفي مكتب أرابتك الهندسي ، فقد كان احد عوامل تخفيف أثار النفي السلبية كما زارنا الكثير من الأصدقاء والرفاق من مختلف المدن الأردنية بالرغم من صعوبة الطريق وطولها وخاصة والدتي ووالدة حلمي ، وكان هذا احد العوامل الهامة في تخفيف أعباء النفي بالإضافة إلى إقامة زوجتي انشراح حيث أقامة معي في معان 151 يوما وأنجبت ابنتي الأولى نداء بعد 3 أشهر من النفي ، وتحرير زوجة بسام وهي امرأة عاملة كانت تقيم معنا في معان كل أسبوعيين 3 أيام وأنجبت ابنتها حنين قبل 13 يوما من النفي وكان عمر ابنها عامر 11 شهرا.
وابرز الأحداث التي وقعت خلال أقامتنا في مدينة معان وجعلت من النفي حدثا تاريخيا مهما في حياتنا الشخصية ما زلنا نتذكره منذ 20 عاما وهو في صباح يوم الاثنين 17 نيسان بدء السائقون وانضم إليهم الطلاب وأهالي المدينة بالاحتجاج على رفع أسعار المحروقات وارتفاع أسعار المواد التموينية ،وقد بدأت الاشتباكات مع رجال الأمن وحرق بعض المؤسسات التجارية الكبيرة وفروع البنوك.
ونحن الثلاثة شاركنا في فعاليات الانتفاضة وانتقلنا مع المتظاهرين من مكان إلى أخر في النهار والليل للمشاركة في أحداث الانتفاضة حيث استنشقنا الغاز المسيل للدموع وعايشنا عن قرب إطلاق الرصاص على المتظاهرين وأنواع وأشكال من الطلقات المطاطية وقد أبلغنا الرفاق في عمان عبر الهاتف بأحداث الانتفاضة أولا بأول وعندما تم المناداة في سماعة الجامع للتبرع بالدم ذهبنا إلى مستشفى معان وتبرعنا بالدم.
فالمواجهات بين المواطنين ورجال الأمن نتج عنها أعداد كثيرة من الجرحى وعدد من الشهداء وأمضينا الفترة القصيرة المتبقية من عام النفي في متابعة تداعيات انتفاضة نيسان وخاصة التعرف على من توفى أو أحوال الجرحى الصحية الذين تم نقلهم بالطائرات إلى عمان ومن بقي منهم حيا أو من توفى،وعدد المعتقلين وحركة الأهالي وشيوخ المدينة من خلال لقاءاتهم مع كافة المسؤلين الرسمين وتوحيد المطالب الشعبية بمحاسبة المسؤلين عن أطلاق الرصاص على المواطنين.
وفي صباح يوم السبت 3/6/1989 عدنا ثلاثتنا بنفس الطريقة الرسمية إلى مخيم البقعة حاملين ذكريات طيبة ومشرفة عن أهالي معان وعن قدرتنا في تحويل النفي إلى تجربة نضالية وها هي وبعد مرور 21 عاما على النفي إلى معان راية مبادءى الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان مرفوعة خفاقة أما قوانين الطوارءى والأحكام العرفية والمادة 9 مكرر سقطت إلى الأبد وبلا رجعة.



#عدنان_الاسمر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نقطة التحول ثلاث
- سبعة حزيران يوم الفرح الاكبر في لبنان
- سماحة السيد لا يكذب ابدا
- الاصلاح التنظيمي فلسطينيا
- دفاعا عن القدس والارض


المزيد.....




- -هربوا وتركوني وحدي في المنزل-
- عملية طعن شمال تل أبيب تُخلّف ستة جرحى، اثنان منهم بحالة حرج ...
- مقتل شخصين في كريات شمونة إثر سقوط صواريخ أطلقت من لبنان
- الرئاسة العراقية ترفض المساس بالمرجعية الدينية: هذا التعدي س ...
- هاريس تكيل الإهانات لأوربان وشي جين بينغ وكيم جونغ أون وتصفه ...
- سياسي تركي يوضح كيف سينتهي الصراع في أوكرانيا بالنسبة للولاي ...
- مصدر دبلوماسي: اجتماع -رامشتاين- سيعقد 17 أكتوبر المقبل
- الجيش الروسي يحرر مركزين سكنيين في كورسك
- بوتين يقلد لوكاشينكو وسام القديس الرسول أندراوس
- قطار ألماني يتعرض لإطلاق نار


المزيد.....

- الانسان في فجر الحضارة / مالك ابوعليا
- مسألة أصل ثقافات العصر الحجري في شمال القسم الأوروبي من الات ... / مالك ابوعليا
- مسرح الطفل وفنتازيا التكوين المعرفي بين الخيال الاسترجاعي وا ... / أبو الحسن سلام
- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - عدنان الاسمر - بعض من العمر في معان