أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عزيز العرباوي - غريب بين النساء : قصة قصيرة














المزيد.....

غريب بين النساء : قصة قصيرة


عزيز العرباوي

الحوار المتمدن-العدد: 2647 - 2009 / 5 / 15 - 07:10
المحور: الادب والفن
    



ما الذي تتستر عليه كل فتاة تلج هذه المقهى من سر وجاذبية تجعلنا نحن الرجال نمعن فيها النظر ؟ هل هي أنوثتها الساحرة البادية لنا مثل زهرة ياسمين ؟ وهل وصل الذكور درجة الانبهار بالأنثى إلى مستوى الانصياع لقامتها وطلعتها ؟ هذا الأمر الجديد الذي بدأ يظهر على الذكور كلما ولجت فتاة هذه المقهى ، فلا يكاد أحد منا ينصرف بنظره دون إلقاء نظرة . هذا السحر الخالص والقوي الذي تتميز به فتاة اليوم . الكل يحس بأنه يعيش في عالمه لوحده لا يشاركه فيه أحد من الجالسين بجانبه . أنا لا أحس بما يمكن للآخر أن يحس به ، وهو يحمل لوحته التي رسمها بألوانه الشخصية التي يعشقها لتلك الصورة المبهرة التي تغطي صفحة فكره . وبالمثل لا يحس بما أحس به أنا أيضا . وليس بإمكان أي واحد منا أن يحدث صاحبه عن أحاسيسه وشعوره ، ولا يستطيع أن يمنح مفاتيح قلبه لأي كان .
كان المكان يعمه الصخب والضحك الأنثوي المتعاقب ، ويشعل فتيل النار الهامدة في قلب ذاك الرجل الأربعيني الجالس في ركن المقهى اليميني ، يوقظ عزيمة الشباب القوية في امتلاك فتاة . وتمتد الأفكار الإبليسية في عقله مثل مسجون غاب عن امرأته عشرات السنين . في مباراة تنافسية كانت النظرات المتبادلة بينه وبين فتاة فارعة الطول قبالته بالركن اليساري . كانت الهزيمة التي ألحقتها به تجعله يلزم مكانه لا يبرحه ، فيتحول الحرمان عنده إلى شيء جديد من نوع خاص كأن يحك جسمه بالكرسي أو يثير بعض التصرفات بعينيه وبلسانه وحتى أذنيه .
كثرت الفتيات في فضاء المقهى حتى امتلأت عن آخرها ، فتتعاون الأعين الذكورية والأنثوية في الحملقة لتجديد الحيوية المفقودة منذ ساعات . إن النساء عنوان التجديد والحيوية ، هكذا كان يفكر أغلب الرجال الموجودين . وكان دخان الشيشا يعم الفضاء ، وينسي متعاطيها ما يقع حولهم ، أو يتجاهلونه بقصد منهم . قهقهات الفتيات كثرت وكادت تخنق المكان ، وفجأة تخرج فتاة من حقيبتها اليدوية بعض الأشياء لم تتبين لي جيدا وتقول لصاحباتها : والله حظكن من السماء ، لقد بقي فيه قليل ، سيكفيكن كلكن ، لقد اشتراه لي أحد الأغبياء ، اشتراه لي والدموع تخرج من عينيه ، المهم أنني جعلته يشتريه لي دون رغبة منه ، يستحق ذلك يظن أنه سيحصل على جسدي مجانا ، لابد أن يؤدي الغالي والنفيس من أجل امتلاكه ...
لم يكن له ما يملكه سوى ثمن القهوة التي يشربها ، فالحوالة الشهرية التي يربحها لا تكفيه في مصاريف البيت والسجائر والمقهى بعد خصم الدين الذي عليه لإحدى مؤسسات القروض . زرع في عقول كل أصدقائه الذين يجالسونه كل أنواع المعاناة والمشاكل التي يعانيها ، ومن لسانه لعنوا الديون والقروض والفقر والجوع . وعندما كان يفكر في فتاة من هؤلاء المنتشرات أمامه مثل لوحات تشكيلية من إبداع فنان عظيم ، كان يحس بألم وحسرة في قلبه . لم يقدر أن يفعل شيئا سوى أن يمتع نظره بالجمال المزروع قدامه .
ربما للسبب ذاته أو لسبب آخر ، لكن من المؤكد أن سواد وجهه كان يمنعه من التفكير في المتعة أو في شيء من هذا القبيل .
هل اسود وجهه لهذا السبب الذي ذكرنا ، أم لحياته المليئة بالفراغ والفقر ؟ وهل اسود وجهه سعيا وراء الغنى أو تمعنا في السماء لحظة وقوف الشمس ؟ وربما بسبب معاناته الدائمة من أجل امتلاك قبلة أو حضن دافئ ينسيه حقيقته الزائفة .
ولكن أحمد لم يكن يحس بمتعة الحياة الجديدة هذه ، كان يعرف أنه مجرد مخلوق غريب عن هذه الدنيا ، لا يبكي كما يفترض به ، ولا يضحك مثلما يضحك ذكور اليوم . هو يختلف كثيرا عن ذكور القبيلة هذه ، يكاد يعيد أمجاد الحب العذري وشعر الغزل والنسيب ، كانت فرصته في البقاء بينهم داخل الفضاء هذا قليلة ، وربحه لفتاة جميلة تحبه حبا خالدا قبل أن تسقط معه على فراش واحد جد ضئيلة أو لنقل منعدمة ، فهو أخطأ المكان الذي يعتقد أنه سيجد فيه مثل هذا الحب ، وأخطأ الزمان أيضا . ولم يبق له إلا أن يعود إلى بيته وإلى زوجته التي تقتله يوميا بنقيرها ووسخها وحياتها العفنة ....
لم يكن أحمد ، كما يبدو عليه وهو يراقب تلك الفتيات الغارقات في الضحك والسخرية فيما بينهن ، كبيرا في السن أو لأنه دخل الدنيا من قبل ، فالتجاعيد المنتشرة على صفحة وجهه مثل النجوم وهي تغطي السماء في ليلة مقمرة كانت غير كافية كسبب في وضوح عجزه وشيخوخته ، بل إن الإحساس بالحزن والأسى الذي يلفه هو السبب في ظهور انتهاء مدة صلاحيته كرجل يعول عليه في الفراش والحب .
استمر الحال عليه أكثر من ساعة والرجل على المنوال نفسه ، يراقب تارة الفتيات ، وتارة يضع يده على خده ويغرق في تفكير طويل ممل ، استغربت كثيرا من أمره ، بل اعتقدت في حينها أن به مس من الجنون خامد قد يفيق منه فجأة . كان استغرابي في محله وبسرعة جنونية انطلق أحمد خارجا من المقهى يتفوه بكلمات ساقطة وبذيئة ..
- عاهرات ..من يهتم بكن ..؟ لا تساوين شيئا أيتها العاهرات .. اتفو ... اتفو ...
كان يبصق ويتحدث مثل الصعران ، وكانت هذه اللحظات التي يقوم فيها أحمد بعرضه الرجولي ، وهو يخرج من المقهى بسرعة ، يزيح الكراسي من أمامه بقوة وغضب ، كان يسابق الريح ، يجاري الثغالب في فرارها أمام الخطر ، ولم يكن في ذات الوقت يجاريه أحد ، لكنه كان مثل اللص في أفوله عن العيون ....!!

عزيز العرباوي

كاتب من المغرب

[email protected]



#عزيز_العرباوي (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ثقافة الاستهلاك في مجتمعاتنا :
- الحب في زمن الرخام
- علاقة الإدارة بالأستاذ والصراع المتبادل :
- الوصول إلى الحقيقة : قصة قصيرة
- عندما يكون بعض مثقفينا أبواقا للظلم :
- ثلاثة وجوه : قصص قصيرة جدا
- لحظات حزن لداء القلب
- تجديد الفكر العربي من بعض الشوائب :
- الحياة رخيصة : قصة قصيرة :
- وهم رجل زير نساء
- الإعلام العربي والنفاق الواضح :
- بداية : قصة قصيرة :
- عندما يصبح ما هو ثقافي يتيما وحقيرا :
- مدارات في الثقافة والأدب : رؤية تحليلية :
- تفاصيل غبية : قصة قصيرة :
- شخصية المؤرخ والتعقيدات المنهجية في عملية التأريخ :
- عالم من فراغ :
- المؤتمر القومي العربي : الاستمرارية في خطر :
- الفكر العربي من الفكر الزراعي إلى الفكر العلمي :
- استغراب : قصة قصيرة جدا :


المزيد.....




- محمد نبيل بنعبد الله الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية يع ...
- -الحب والخبز- لآسيا عبد الهادي.. مرآة لحياة الفلسطينيين بعد ...
- بريطانيا تحقق في تصريحات فرقة -راب- ايرلندية حيّت حماس وحزب ...
- كيف مات هتلر فعلاً؟ روسيا تنشر وثائق -اللحظات الأخيرة-: ما ا ...
- إرث لا يقدر بثمن.. نهب المتحف الجيولوجي السوداني
- سمر دويدار: أرشفة يوميات غزة فعل مقاومة يحميها من محاولات ال ...
- الفن والقضية الفلسطينية مع الفنانة ميس أبو صاع (2)
- من -الست- إلى -روكي الغلابة-.. هيمنة نسائية على بطولات أفلام ...
- دواين جونسون بشكل جديد كليًا في فيلم -The Smashing Machine-. ...
- -سماء بلا أرض-.. حكاية إنسانية تفتتح مسابقة -نظرة ما- في مهر ...


المزيد.....

- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري
- عشاء حمص الأخير / د. خالد زغريت
- أحلام تانيا / ترجمة إحسان الملائكة
- تحت الركام / الشهبي أحمد
- رواية: -النباتية-. لهان كانغ - الفصل الأول - ت: من اليابانية ... / أكد الجبوري
- نحبّكِ يا نعيمة: (شهادات إنسانيّة وإبداعيّة بأقلام مَنْ عاصر ... / د. سناء الشعلان
- أدركها النسيان / سناء شعلان


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عزيز العرباوي - غريب بين النساء : قصة قصيرة