أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - شامل عبد العزيز - الفكر الحر2 من 2 ...















المزيد.....

الفكر الحر2 من 2 ...


شامل عبد العزيز

الحوار المتمدن-العدد: 2639 - 2009 / 5 / 7 - 08:57
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


أسَ البلاء في مجال الفكر هو أن يجتمع السيف والرأي الذي لا رأي غيره في يد واحدة . فإذا جلا لك صاحب السيف صارمه وتلا عليك باطله زاعماً أنه هو وحده الصواب المحض والصدق الصراح . فماذا أنت صانع إلا أن تقول له ( نعم ) . وأنت صاغر ؟ هذه صورة رسمها أبو العلاء بقوله :
جلوا صارماً وتلوا باطلاً وقالوا : صدقنا . فقلنا نعم .
وهكذا كانت الحال في جزء من تراثنا . هو الجزء الذي ندعو إلى طمسه ليموت . فلقد يكون للأمير أو للوزير رأي . فيكون الويل عندئذ لمن خالف . يجلس الأمير أو الوزير ورأيه في رأسه . والسيَاف إلى جواره . ثم يَمثلُ المخالف بين يديه . وفي مثوله هذا يكون الختام . وهل تظن أن صاحب السلطان عندئذ يقصر حكمه على المعلن المنطوق من فكر خصمه ؟ لا . والله . فإنه ليكفيه أحياناً أن تكون الفكرة قد دارت في سريرة الخصم دون أن يعلنها أو ينطق بها .. فانظر مثلاً إلى موقف الخليفة المهدي من بشار :
دعا المهدي بشاراً إلى حضرته . وأحضر معه النطع والسياف .
قال بشار : علام تقتلني ؟
أجاب المهدي : على قولك :
ربً سرَ كتمتُه فكأني أخرس أو ثنى لساني عقلُ
ولو أني أظهرت للناس ديني لم يكن لي في غير حبسي أكل
فقال بشار : قد كنتُ زنديقاً . وقد تُبتُ عن الزندقة .
أجابه المهدي : كيف وأنت القائل ؟
والشيخ لا يترك عاداته حتى يوارى في ثرى رمسه
إذا ارعوى عاد إلى غيه كذي الضنى عاد إلى نكسه
لكن غافله السياف . فإذا رأسه يهوي على النطع ..
وقضي على الشاعر . لم ينفعه كتمان رأيه ولم يشفع له أن أعلن توبته . وإنا لنسأل : ماذا لو كان على عقيدة تخالف عقيدة خليفة المسلمين ؟ ألم يكن يكفي هذا الخليفة أن يقول لمن خالفه : لكم دينكم ولي دين ؟
وانظر إلى قصة الحلاج المتصوف بعد بشار الشاعر . قال هذا المتصوف ما قاله عن مذهبه في الحلول وناظره علي بن عيسى الوزير . وضاق به . فقال له أخر الأمر :
تعلَمك لطهورك وفرضك أجدى عليك من رسائل أنت لا تدري ما تقول فيها .. ما أحوجك إلى أدب ..
لو أقتصر الوزير على المناظرة رأياً برأي ومذهباً بمذهب . لما وجدنا في الأمر إلا ما يدعونا إلى الزهو بماضينا الفكري . أما هذه الخاتمة المنذرة التي ختم بها الوزير حديثه . وهي أن الحلاج في حاجة إلى وزير يؤدبه فتلك هي الطامة. لان السلطة عندئذ تختلط بالرأي ولقد حدث بالفعل أن أمر السلطان بضرب الحلاج ألف سوط وبقطع يديه ثم بإحراقه بالنار .
كان ذلك إذن مصير شاعر اختلفت عقيدته وكتم اختلافه في صدره ابتغاء التقية فما افلح معه كتمانه..
ومصير متصوف ذهب في تصوفه مذهباً لم يقبله أولو الأمر . فكان جزاؤه ما كان من ضرب بالسياط وتقطيع لليدين وإحراق بالنار . فانظر بعد ذلك إلى قصة أديب ناثر وحكيم لا يزال إلى يومنا هذا نقرأ له أدبه الساحر وحكمته النافذة .. هو ابن المقفع .
كان بالبصرة عندما كان سفيان بن معاوية نائباً عن الخليفة فيها وكان بين الرجلين ( سفيان وابن المقفع) مناوشات ومغايظات لم يخلُ بعضها من ظرف وفكاهة كأن يكون سفيان كبير الأنف فيتعمد ابن المقفع إذا ما دخل عليه أن يقول : السلام عليكما . كأنما أنف الرجل لضخامته رجل آخر يصاحبه . وكان يقول سفيان ذات يوم لابن المقفع رداً على قول ابن المقفع عن نفسه إنه ما ندم قط على سكوت : صدقت . فالخرس لك خير من كلامك .
وهكذا أخذ الرجلان يتبادلان قوارص الكلمات لكن مع هذا الفارق الكبير وهو أن أحد الرجلين كان ذا سلطان وأما الآخر فبضاعته أدب وفكر . فلبث صاحب النفوذ والجاه يدس لصاحبه عند الخليفة المنصور في بغداد حتى ظفر منه بالإذن أن يقتل الأديب الحكيم . فهل يقتله كما يقتل المجرمون ؟ لا . فللأدباء الحكماء ضروب أخرى من التعذيب . فقد أحمى سفيان لفريسته تنوراً وجعل يقطع من جسم ابن المقفع شريحة بعد شريحة . وهو حيَ ويلقي بالشريحة في التنور . ليرى المسكين أطرافه كيف تقطع ثم تحرق . قبل أن تحرق بقيته دفعة واحدة آخر الأمر . هذا بالإضافة إلى مسألة خلق القرآن وغيرها الكثير ...
لا لم يكن في ساحة الفكر عند الأسلاف حوار حر إلا في القليل النادر . وفي مواقف لم تكن بذي خطر كبير على سلطة الحاكم . وكيف يكون والحوار إنما يتم بين أنداد ذوي قامات متقاربة وأوزان متكافئة ؟ أما وساحتنا لا تعرف هذا التكافؤ ولا ذلك التقارب في الأوزان والقامات . اللهم إلا في المبادئ النظرية التي كادت لا تشهد العمل والتطبيق وكل الذي تعرفه هو أن تعلو فيها نخلة واحدة أو قلة من نخيل .. ليحيط بها كلأ قصير فإذا ما دفعت حرارة التربة ذلك الكلأ أن يرتفع برؤوسه جُذت رؤوسه لتظل قريبة من مواضع الأقدام .
هذه كانت ساحة الفكر . وتلك هي كائناتها فهي بطبعها ترفض أن يدور على أرضها حوار إذ لا يكون حوار بين نخيل ونجيل .. وفيم العجب ؟ ألسنا قوماً على الفطرة ؟ تلك إذن هي سنة الفطرة : فهل ترى في الفضاء نقاش الأقران دائراً بين سباع الطير وبغاثها ؟ وهل تجري مفاوضات في الغاب إلا في الأساطير والحكايات .. بين الليوث والغزلان ؟ هل علمت بزلزال يتريث حتى ينصت إلى آراء الذين ستنهدم على رؤوسهم السقوف والجدران ؟ هل سمعت ببركان يتروى ليستشير الجيران قبل أن ينفث من جوفه الحمم على ديارهم ؟
تلك هي فطرة الأحياء والأشياء وظواهر الطبيعة .. ونحنُ قوم على الفطرة . فأي عجب إذا سلكنا أنفسنا مع الفطرة ؟ فيما فطرها عليه فاطر الأرض والسماء ؟؟
بل إننا لنزيد على كل هذه الأحياء والأشياء والظواهر في الفطرية درجة .. فقد ورد في التراث أن من الكائنات ما لا يصلح إلا بأمير يؤمر عليه وتلك كما هي في العقد الفريد .. الناس والفأر والفرانيق والكراكي والنحل والحشرات .. هذه الطوائف كلها من الناس إلى الحشرات تأبى ( كما يقول صاحب هذه العبارة) بحكم فطرتها أن يكون الأمر حواراً بين أفرادها .وتريده أوامر ونواهي وزواجر تهبط من الأعلى ليصدع بها الأسفل . وطوبى لمن كان لهم الأمر في تلك الطوائف ناساً كانوا أو حشرات .. طوبى لهم لأن للأمر والنهي ( كما يقول الجاحظ) لذة . أين منها لذة الحواس في طعام أو شراب . بل أين منها لذة الطرب بالصوت الجميل أو لذة النشوة باللون المونق والملمس اللين ؟؟ فسرورك إذا كنت صاحب أمر ونهي هو سرور من طراز فريد حين ينحدر أمر من شفتيك فإذا هو نافذ . وحين توقع بخاتمك فإذا الطاعة على الناس قد وجبت . بل فإذا الحجة العقلية قد ألزمت كل ذي حجة . ولا تقل إنه لم يكن في الأمر إلا بصمة خاتم ..وإنه ليس في بصمة الخاتم عقل ولا حجة ؟ لا . لا تقل ذلك .. لأنك إنما تقوله لجهلك باللذة الكبرى التي تسري في كيانك كله من الرأس إلى القدم ..( إذا جلست من الناس مجلس الأمر والنهي ) . الحيوان للجاحظ ج1 ص 205 .. إنه إذا نزلت الأخبار والأوامر والنواهي من أهل الطوابق العليا إلى أهل الطوابق السفلى ( فالسعيد من قابل الأخبار بالتصديق والتسليم والأوامر بالانقياد والنواهي بالتعظيم ) البداية والنهاية لابن كثير ج1 ص5 ...
وعبثاً تقول للناس إذا قلت لهم إنه إذا كان الأمر لزيد وكأن على عمرو أن يطيع . فالكرامة الإنسانية عندئذ تكون كلها لزيد . والتبعية الخلقية واقعة على عاتقه . وأما عمرو في طاعته للأمر فهو الآلة الصماء يُضغط على أنفه فتتحرك منه الذراعان والساقان .. إنه لا يختار لنفسه ما يصنعه . لان ما يصنعه قد رُسم له في لوح . لا أقول عنه إنه لوح محفوظ . إذ ما أكثر ما يكون لوح الأقدار عند أصحاب الأمر والنهي غير محفوظ .. فتراهم يمحون في غدهم ما كانوا قد خطَوه في أمسهم . وقد شاءت لنا الفطرة أن يستمتع كل بما كتب له فزيد متعته في أن يأمر وينهي وعمرو كذلك متعته في أن ينقاد ويطيع . ومن ذا لا يسره أن يكون كأنجم السماء تدور في أفلاكها وهي لا تدري كيف تدور ولماذا تدور ؟ من ذا الذي لا يسره أن يكون كالشمس والقمر يطلعان بميقات معلوم ويغربان بميقات معلوم ؟
الفكرة عندنا ممزوجة بشخص صاحبها وكرامته . ارفضْها ترفضْه معها واقبلها تقبله . إنها شبيهة بالكلب في قول الانكليز حين يقولون : من أحبني أحب كلبي . أو هي قريبة من بعير المحب وناقة الحبيبة . في تصور الشاعر العربي القديم الذي قال إنه هو وحبيبته يتبادلان الحب . فلم يلبث أن امتد هذا الحب المتبادل أن امتد ليشمل ناقته وبعيرها ( وأحبها وتحبني ويحب ناقتها بعيري ) .
أما أن تُنزع الفكرة عن شخص قائلها لتوضع على أرض البحث إذ البحث عندنا لا يفرش له بساط إلا في عالم الأمثال السائرة . فيدور عليها النقاش إيجاباً وسلباً . وتصحيحاً وتكميلاً . دون أن يكون في شيء من ذلك كله ما يمس صاحب الفكرة في شخصه ولا في كرامته . حاكماً كان صاحبها أو محكوماً فذلك ليس من طباعنا . ولا هو جزء من كياننا . فإذا ذكرنا أن هذه الموضوعية شرط أساسي أول لأية خطوة يخطوها السائر نحو حياة العلم فَلَكَ أن تستنج من ذلك ما ترى .
ولو كان هذا التوحيد بين الرجل وبنات أفكاره مقصوراً على رجال ليس في أيديهم حل لأمورنا ولا عقد . وليس لبناتهم المحصنات في حياتنا غواية لقلنا للرجل الذي يوحد بين شخصه وفكره : نعم ونعام عين فأحصن بناتك بين ذراعيك حضنا ليجدن الدفء في أنفاسك والعطف من أعطافك . ولا شأن لنا بعد اليوم بك أو بهن . لكن الرجل وفكره وبنات فكره قد يكون ممن له علينا أمر وسلطان . وعندئذ تكون الطامة الكبرى لأننا إذا انتزعنا بناته من بين أحضانه لنجعلهن ملكاً مشاعاً للناقدين . ثار الرجل لكرامته ولن يكون لنا في الأمر عندئذ خيار . لأن صاحب السلطان وقتئذ لن يقول لنا : أنا وبنات فكري وحدة واحدة فإما اخترتمونا معاً وإما نبذتمونا معاً ..لا لن يقول لنا ذلك . لأنه لو قالها فربما اخترنا الثانية . لكنه سيضع قراره في شق واحد له صورة الأمر النافذ . فيقول :
هأنذا و أفكاري معاً وحدة واحدة . وليس لكم في الموقف خيار ...





#شامل_عبد_العزيز (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ليبراليون سعوديون , كُفّار سعوديون ؟؟
- الفكر الحر 1 من 2 ...
- لن يفلح قوم ولَّوْا أمرَهم امرأة - .
- إشكاليات سيد قطب حول المجتمع ...
- طين قبر الحسين عليه السلام شفاء لمن آمن وتيقن .. معجزة جديدة ...
- محاولة انتحار فتاة في الأردن ...
- حاضر الإسلام ومستقبله ..
- الحكم في الإسلام ...
- مستندين إلى فتوى دينية تسمح لهم بذلك ...
- حبيبتي المسيحية ...
- حوار في مصحة الأمراض النفسية ...
- أعذار من لاترتدي الحجاب وبيان تهافتها ...
- مأساة في إيطاليا وشماتة في بلاد العرب ...
- آمنا بالله وحده وكفرنا بالشرعية الدولية ...
- لقاء مع طبيب تخصص أنف وأذن و....إرهاب !!
- ختان البنات ...
- وشهد شاهد من أهلها ......
- ابعاد 3200 إمام وخطيب يعتنقون أفكار مغلوطة ...
- أسئلة إلى الرفاق ... ؟
- عدنان عاكف وتزوير الحقائق ...


المزيد.....




- صدمة في الولايات المتحدة.. رجل يضرم النار في جسده أمام محكمة ...
- صلاح السعدني .. رحيل -عمدة الفن المصري-
- وفاة مراسل حربي في دونيتسك متعاون مع وكالة -سبوتنيك- الروسية ...
- -بلومبيرغ-: ألمانيا تعتزم شراء 4 منظومات باتريوت إضافية مقاب ...
- قناة ABC الأمريكية تتحدث عن استهداف إسرائيل منشأة نووية إيرا ...
- بالفيديو.. مدافع -د-30- الروسية تدمر منظومة حرب إلكترونية في ...
- وزير خارجية إيران: المسيرات الإسرائيلية لم تسبب خسائر مادية ...
- هيئة رقابة بريطانية: بوريس جونسون ينتهك قواعد الحكومة
- غزيون يصفون الهجمات الإسرائيلية الإيرانية المتبادلة بأنها ضر ...
- أسطول الحرية يستعد للإبحار من تركيا إلى غزة


المزيد.....

- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص
- آراء سيبويه النحوية في شرح المكودي على ألفية ابن مالك - دراس ... / سجاد حسن عواد
- معرفة الله مفتاح تحقيق العبادة / حسني البشبيشي
- علم الآثار الإسلامي: البدايات والتبعات / محمود الصباغ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - شامل عبد العزيز - الفكر الحر2 من 2 ...