أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اخر الاخبار, المقالات والبيانات - أوري أفنيري - الأرز المر (2) أو: مسيرة الحماقة















المزيد.....

الأرز المر (2) أو: مسيرة الحماقة


أوري أفنيري

الحوار المتمدن-العدد: 804 - 2004 / 4 / 14 - 10:26
المحور: اخر الاخبار, المقالات والبيانات
    


سيبدو لكم ما يلي معروفا:

"في اليوم الرابع من حرب لبنان (1982) اجتزت الحدود في نقطة نائية بجانب المطلة وبحثت عن الجبهة، التي كانت قد وصلت آنذاك إلى مشارف صيدا. سافرت في سيارتي الخاصة، وكانت ترافقني مصورة. اجتزنا لوحدنا عددا من القرى الشيعية، حيث استقبلنا في كل منها بهتافات الفرح. لقد تملصنا بصعوبة من أيدي مئات المواطنين الذين دعونا لشرب القهوة في بيوتهم. وكان السكان قبل ذلك قد أمطروا وابلا من الأرز على جنود الجيش الإسرائيلي.

بعد عدة أشهر انضممت إلى قافلة تابعة للجيش كانت تعود في الاتجاه المعاكس، من صيدا إلى المطلة. كان الجنود يلبسون بذلا واقية ويعتمرون الخوذات، وكان العديد منهم في حالة ذعر.

ماذا حدث؟ لقد استقبل الشيعة جنود الجيش الإسرائيلي كمحررين. عندما اتضح لهم أن الجنود ينوون البقاء كمحتلين، بدءوا بقتلهم.

عندما دخل الجيش الإسرائيلي إلى لبنان، كان الشيعة لا حول لهم ولا قوة، وكانوا بمثابة العتبة التي تدوس فوقها سائر الطوائف في لبنان. بعد محاربة المحتلين (نحن) لمدة سنة، تحولوا إلى قوة سياسية وعسكرية هامة. وها هو اليوم حزب الله يتفاخر بكونه القوة العسكرية الوحيدة في العالم العربي التي انتصرت على الجيش الإسرائيلي".

إلى هنا ما حدث. لقد كتبت ذلك في مقال بعنوان "الأرز المر"، نشر بتاريخ 22 آذار 2003، عشية الحرب على العراق، وقد افتتحته بالكلمات التالية: "احذروا الشيعة: ستبدأ مشاكل جيش الاحتلال بعد الحرب..."

لقد توفيت بربرا توخمان، مؤلفة كتاب "مسيرة الحماقة" قبل الأوان، فلو كانت بين الأحياء لكانت ستضيف الآن إلى كتابها فصلا مشوّقا عن الحرب على العراق.

لقد كانت توخمان، كما هو معروف، تتوخى الدقة في اختيار أمثلتها. فلم يكن يكفي أن تتصرف حكومة ما بحماقة، لكي تحظى بالذكر في كتابها بل كان يجب أن يتوفر شرطان آخران: أن يكون بالإمكان توقع النتائج مسبقا، وأن يكون هناك من حذّر مسبقا من تلك النتائج.

(على سبيل المثال: لقد خسر الملك البريطاني جورج الثالث أمريكا بسبب سلسلة من الأعمال الحمقاء. وكان من الممكن توقع ذلك مسبقا، وبالفعل، فقد حذر الكاتب والسياسي البريطاني المعروف إدموند بورك من ذلك مسبقا).

ما يحدث الآن في العراق كان متوقعا تماما. إنه تكرار دقيق لما حدث لنا في لبنان. لقد قال أوطو فون-بسمارك ذات مرة: "الأحمق يتعلم من تجاربه. الذكي يتعلم من تجارب غيره". فكيف لنا أن نعرف الرئيس جورج بوش غير القادر على التعلم حتى من تجربته هو؟

وفيما أنا أقتبس عن نفسي، سأفعل ذلك ثانية. بتاريخ 8 شباط 2003 تحت عنوان "حرب تفوح منها الرائحة" كتبت: لا صلة لهذه الحرب بالإرهاب. لا صلة لهذه الحرب بسلاح الدمار الشامل. لا صلة لهذه الحرب بالديمقراطية في العراق. لهذه الحرب أهداف مختلفة تماما... رائحة النفط القوية تفوح من هذه الحملة".

ربما كانت تبدو هذه الأقوال مجرد تشهير. غير أنه اليوم قد اتضح دون، أدنى شك، بأن للاجتياح الأمريكي لم تكن أية علاقة بالإرهاب، ولا بأسلحة الدمار الشامل ولا بجرائم صدام والديمقراطية. لقد ثبت الأمر وتم توثيقه، وشهد على ذلك مؤخرا ريتشارد كلارك وهو الرجل الذي كان مسؤولا أيضا عن محاربة الإرهاب في إدارة بوش. منذ اللحظة التي تولى فيها بوش منصبه كان لديه ولمن يديره هدف واحد فقط في الشرق الأوسط: احتلال العراق.

تعمل عائلة بوش في مجال النفط وقد شغل رجالات النفط وظيفة مركزية بين أوساط أصحاب الأموال الذين دفعوا "بالبوشين" (المسن والشاب) إلى السلطة. فقد قرروا أن الإمبراطورية الأمريكية تحتاج إلى وضع اليد على مصادر النفط الهائلة في العراق، وإقامة قاعدة عسكرية دائمة في قلب منطقة النفط حيث يمكنها السيطرة على نفط بحر قزوين الواقع شمالي الخليج العربي.

المتطرفون المحافظون الجدد، وأغلبيتهم من الصهيونيين اليمينيين المعروفين، حددوا هدفا آخر: القضاء على التهديد العراقي على إسرائيل، ثم على التهديد السوري والإيراني. غير أن هذا الهدف كان هدفا ثانويا. لم يكن له أن يسيطر على السياسة الأمريكية لولا التأثير الحاسم لديك تشيني وبقية مديري بوش الذين أرادوا ضمان السيطرة الأمريكية على أغلبية مصادر النفط في العالم.

لقد تم بالفعل التوصل إلى هذا الهدف، فاحتلت العراق. 135 ألف جندي أمريكي يثبتون سلطة الاحتلال، بالإضافة إلى جنود الدول المنجرة، مثل بولندا، أوكراينا، بريطانيا، إل سلفادور وإيطاليا. وموظف صغير (وليس ذكيا للغاية) يدعى "ل. بول برمر الثالث" هو المندوب السامي في المستعمرة الجديدة، وهو ينوي "تسليم السلطة" إلى الحكومة العراقية التي عينها هو بنفسه.

بما معناه، السلطة على جمع النفايات والمستشفيات، ولكن ليس بالضرورة على المجالات الهامة. فهذه المجالات ستبقى كلها تحت إمرة "مستشارين" أمريكيين. لهذا الهدف سيتم إقامة أكبر سفارة أمريكية في العالم في بغداد: 3000 مستخدم سوف يسيطرون على كافة القطاعات في الدولة.

هذا يذكرنا "بسلطة فيشي" للمارشال بيتين في فرنسا. هذا الأمر يذكر العراقيين بالاستعمار البريطاني الذي سيطر بواسطة "ملك" عربي.

حسب الخطة الأمريكية، كان هذا الوضع سيدوم إلى الأبد. ليس لسنة ولا لسنتين بل لعشرات السنين. كما هو الحال في الاحتلال الإسرائيلي للمناطق الفلسطينية. غير أنه بخلاف الإسرائيليين، يسمي الأمريكيون ذلك "بناء الأمة" و "إقامة أول نظام ديمقراطي في العالم العربي". كان لجورج أورويل أن يتمتع بذلك.

هناك عنصر واحد لم يؤخذ بالحسبان: الشعب العراقي. ولكن ليس من الممكن التفكير في كل شيء.

عندما بدأ الكفاح المسلح، تشبث الأمريكيون باعتقادهم بأن المهاجمين ليسوا إلا "بقايا من نظام صدام"، مجرد "إرهابيين"، عملاء أجانب لأسامة بن لادن. يصعب على الأمريكيين، أكثر من أي نظام استعماري آخر، الاعتراف بأبسط حقيقة في العالم: أن الشعب الذي احتلت أرضه سينتفض ضد المحتل الأجنبي. وبالفعل لماذا يفعل ذلك بعد أن قام الأمريكيون أصحاب النوايا الحسنة، بتحريره من صدام الشرير؟

يفحص الأمريكيون الآن أمر إرسال قوات إضافية ويسأل السياسيون الجنرالات: ما هو عدد الجنود الذين تحتاجونهم للسيطرة على العراق؟ ويفحص الجنرالات الأمر بجدية متناهية: عشرة آلاف آخرين؟ عشرون ألف آخرين؟ لو كان من بينهم جنرال واحد جدي لكان سيجيب: "حتى 500,000 لن يكونوا كافين. عندما يتمرد شعب بأكمله، فإن الجيش الأجنبي لن يعود بالفائدة".

لقد كان الأمريكيون مستعدون لغضب السُّنة. فهم يسيطرون على العراق المعاصرة منذ إقامتها على يد البريطانيين بعد الحرب العالمية الأولى وكانوا على وشك خسارة الصدارة. أما الشيعة فقد كان من شأنهم أن يحصلوا على نصيب وافر في "الديمقراطية" التي كان الأمريكيون سيقيمونها. غير أن الشيعة لا ينوون استلام زمام "السلطة" في بلاد ستبقى تحت الاحتلال.

لقد حذرنا قبل الحرب (لا، لن أقتبس عن نفسي للمرة الثالثة!) أنه من غير الممكن تقريبا السيطرة على دولة يوجد فيها ثلاثة شعوب يعادي أحدهم الآخر: السُّنة، الشيعة والأكراد. هذا الأمر صحيح اليوم أيضا. ولكن لربما تحدث أعجوبة: الشيعة والسُّنة يتعاونون اليوم ضد الاحتلال. من يعرف، ربما سيؤدي هذا الكفاح المشترك إلى إقامة أمة عراقية حقيقية وستمنع حرب أهلية دامية في المستقبل. كلنا أمل في ذلك.

لقد وقع الأمريكيون الآن في مصيدة دسوها لأنفسهم، كما يقال "من حفر حفرة لأخيه، وقع فيها". حتى ولو أرادوا الخروج من العراق (وهم بالتأكيد لا يريدون ذلك)، فلا سبيل إلى ذلك. يمكن أن نقول عن حالتهم هذه: "لا يبتلعون ولا يتقيئون".

ليس هناك حل. سوف ينغمسون في الوحل أكثر فأكثر، سيقتلون وسيُقتلون، سيدمرون وسيدَمرون، بقسوة تأخذ بالتزايد. نوع من فيتنام جديدة في ظروف صحراوية. أصبح من الصعب الآن التمييز، في المشاهد التي تبثها "الجزيرة"، بين صور جنودنا في رام الله وصور الجنود الأمريكيين في الفلوجة. سيحدث لهم ما حدث لنا، ولكن بحجم أكبر.

كيف سيؤثر هذا التشابه على بوش ورجالاته؟ يمكنهم القول: يكفينا مستنقع واحد. هيا نجفف الآخر. لنجبر شارون على الوصول أخيرا إلى اتفاقية مع الفلسطينيين بدل أن يثرثر حول "الانفصال أحادي الجانب" الذي لن ينفذ أبدا.

إلا أن بوش والبوشيين يمكنهم أيضا القول: إذا كنا متشابهين إلى هذا الحد، فلنحتضن شارون أكثر فأكثر. ربما يكون هذا أكثر ملائمة لفصل في كتاب "مسيرة الحماقة (2)".

ربما يكون هذا الأمر جيد، كي ينزل هذان السيدان عن المسرح معا.



#أوري_أفنيري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- رسالة إلى عرفات
- ثلاثة جنرالات وقديس واحد
- كل الاحترام، يا أصدقائي
- روميو الفلسطيني
- طالما ظل الجيتو في القلب
- الدب الراقص
- نعم سيدي الوزير!
- إلى غزة!
- إكليل الأشواك
- رجل أسكيمو في البنطوستان
- اللا سامية – دليل المصطلحات
- العجلة من الشيطان!
- النوم على سرير (برنامج سياسي) مريح
- الأمر المُطلق
- صدام إلى هاغ!
- بالونات
- وما زالت دواليب الهواء تدور
- شجار في ليشبونه
- الخطاب الذي ألقيته في الحفل التكريمي لي ولسري نسيبة بمناسبة ...
- سبعون حورية ليعلون


المزيد.....




- فعل فاضح لطباخ بأطباق الطعام يثير صدمة بأمريكا.. وهاتفه يكشف ...
- كلفته 35 مليار دولار.. حاكم دبي يكشف عن تصميم مبنى المسافرين ...
- السعودية.. 6 وزراء عرب يبحثون في الرياض -الحرب الإسرائيلية ف ...
- هل يهدد حراك الجامعات الأمريكية علاقات إسرائيل مع واشنطن في ...
- السودان يدعو مجلس الأمن لعقد جلسة طارئة الاثنين لبحث -عدوان ...
- شاهد: قصف روسي لميكولايف بطائرات مسيرة يُلحق أضرارا بفندقين ...
- عباس: أخشى أن تتجه إسرائيل بعد غزة إلى الضفة الغربية لترحيل ...
- بيسكوف: الذعر ينتاب الجيش الأوكراني وعلينا المواصلة بنفس الو ...
- تركيا.. إصابة شخص بشجار مسلح في مركز تجاري
- وزير الخارجية البحريني يزور دمشق اليوم للمرة الأولى منذ اندل ...


المزيد.....

- فيما السلطة مستمرة بإصدار مراسيم عفو وهمية للتخلص من قضية ال ... / المجلس الوطني للحقيقة والعدالة والمصالحة في سورية
- الخيار الوطني الديمقراطي .... طبيعته التاريخية وحدوده النظري ... / صالح ياسر
- نشرة اخبارية العدد 27 / الحزب الشيوعي العراقي
- مبروك عاشور نصر الورفلي : آملين من السلطات الليبية أن تكون ح ... / أحمد سليمان
- السلطات الليبيه تمارس ارهاب الدوله على مواطنيها / بصدد قضية ... / أحمد سليمان
- صرحت مسؤولة القسم الأوربي في ائتلاف السلم والحرية فيوليتا زل ... / أحمد سليمان
- الدولة العربية لا تتغير..ضحايا العنف ..مناشدة اقليم كوردستان ... / مركز الآن للثقافة والإعلام
- المصير المشترك .. لبنان... معارضاً.. عودة التحالف الفرنسي ال ... / مركز الآن للثقافة والإعلام
- نحو الوضوح....انسحاب الجيش السوري.. زائر غير منتظر ..دعاة ال ... / مركز الآن للثقافة والإعلام
- جمعية تارودانت الإجتماعية و الثقافية: محنة تماسينت الصامدة م ... / امال الحسين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اخر الاخبار, المقالات والبيانات - أوري أفنيري - الأرز المر (2) أو: مسيرة الحماقة