أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اخر الاخبار, المقالات والبيانات - أوري أفنيري - نعم سيدي الوزير!















المزيد.....

نعم سيدي الوزير!


أوري أفنيري

الحوار المتمدن-العدد: 748 - 2004 / 2 / 18 - 06:28
المحور: اخر الاخبار, المقالات والبيانات
    


     في إحدى حلقات المسلسل البريطاني الشيق "نعم سيدي الوزير" أخذ المدير العام السير هامبري يعلم وزيره كيف يستخدم لجان التحقيق:

     نأخذ قاض متقاعد محترم يكون غباؤه مثبت، ونعينه رئيسا للجنة التحقيق، مقابل أجر لائق. ونساعده كي يتوصل بنفسه إلى الاستنتاجات المطلوبة، فنغذيه بالمعطيات المناسبة ونثير شوقه للقب لورد. والبقية معروفة.

     في هذه الأثناء، تقوم بأعمالها ثلاث لجان تحقيق منفردة – واحدة في الولايات المتحدة وأخرى في بريطانيا وثالثة في إسرائيل. على كل هذه اللجان الثلاث اكتشاف السبب الذي حذا بالاستخبارات إلى تزويد الحكومة بمعلومات كاذبة حول وجود سلاح دمار شامل لدى صدام حسين.

     ثلاث لجان، ثلاث مهازل.

     لا حاجة لهذه اللجان، بطبيعة الحال، بهدف اكتشاف الحقيقة، فالحاجة منها هو التمويه فقط. بهدف فهم ما حدث لا حاجة لقاض محترم، لورد، سيناتور سابق أو أي من رجالات الموساد الذي لم يعد صالحا للاستخدام. يكفي في مثل هذه الحال عقل متقد.

     من الواضح أن من يؤلف لجنة تحقيق يحدد استنتاجاتها مسبقا. عندما يعيَن رجالات من النظام للتحقيق في أفعال هذا النظام، سيكون الاستنتاج بالضرورة أن النظام لا غبار عليه.

     ففي إسرائيل على سبيل المثال، أقيمت لجنة أغرانات. فأخذوا قاض محترم من قضاة المحكمة العليا ونصبوه رئيسا للجنة التي أسندت إليها مهمة التحقيق وكشف المذنب في فشل حرب أكتوبر. وقد قيدوا التحقيق على أن يتم حول الأيام الأولى من الحرب فقط، وذلك لتحاشي التحقيق فيما حدث قبل ذلك (قرارات الحكومة). وكانت النتيجة: رئيسة الحكومة (غولدا مئير) ووزير الدفاع (موشي ديان) خرجا منها نقيان كالثلج. وقد كيلت كل الاتهامات إلى بعض الضباط في الجيش. 

     (لقد كانت استنتاجات اللجنة مثيرة للسخط إلى حد انتفض فيه الجمهور حيالها، كرجل واحد. لقد ألقيت استنتاجات اللجنة في سلة المهملات أما غولدا وديان فاضطرا للاستقالة).

     ما زال يعمل نهج سير هامبري في بريطانيا بشكل جيد حتى الآن. ففي الآونة الأخيرة أخذوا قاض محترم ألخ ألخ، وأسندوا إليه مهمة التقرير فيما إذا كان رئيس الحكومة قد زور تقارير الاستخبارات بهدف زج الدولة في الحرب. وقد أصدر القاضي المحترم قراره بالطبع بأن رئيس الحكومة تصرف بشكل جيد تماما وأن وسائل الإعلام المناوءة (في هذه الحال: الـ بي بي سي) مذنبة بكل ما حصل.  

     في بريطانيا بعكس ما يحدث في إسرائيل، عندما يصدر قاض أعلى قراره، يقف الجميع على أرجلهم هاتفين (فلتحيا الملكة). رغم أن عددا من الشبيبة اعتمروا شَعرا مستعارا كما يفعل القضاة ولطخوا بالطين بيت رئيس الحكومة ليرمزوا إلى أن استنتاجات اللورد - القاضي كانت مصطنعة و "مطينة". غير أن رئيس الحكومة لم يضطر للاستقالة، واستقال عوضا عنه القائمون على محطة الـ بي بي سي.  

     تعمل الآن ثلاث لجان. اللجنة الإسرائيلية التي عينت سرا وتعمل بالسر. وهي التي ستنهي أعمالها أولا. تليها اللجنة البريطانية الجديدة (التي من شأنها التحقيق مع الاستخبارات، في حين يقوم القاضي - اللورد بالتحقيق في تصاريح المستوى السياسي). في النهاية، بعد انتهاء الانتخابات، ينتظر أن تقوم اللجنة الأمريكية بالإعلان عن استنتاجاتها. تتشابه اللجان الثلاث فيما بينها إلى حد يثير العجب: فقد قام بتعيين كل هذه اللجان الزعماء السياسيون الذين منعوها من التحقيق في ما فعله المستوى السياسي وأمروها بالتحقيق فيما يتعلق بصحة المعلومات التي قدمتها وكالات الاستخبارات إلى الحكومات.

     لقد زج الرئيس جورج بوش بالولايات المتحدة في الحرب مدعيا بأن لدى صدام حسين سلاح دمار شامل يهدد أمن الولايات المتحدة. صدام حسين ينوي تسليم هذا السلاح الفتاك إلى إرهابيي منظمة القاعدة، لاستخدامه ضد المدن الأمريكية وقتل مئات الآلاف، إن لم نقل الملايين.

    لقد صرح رئيس الحكومة طوني بلير على مسامع شعبه بأن صدام حسين يمكنه استخدام أسلحة الدمار ضد المدن البريطانية خلال 45 دقيقة (ليست 40، ليست 50، بل 45 دقيقة بالضبط). 

     قامت حكومة إسرائيل بتوزيع الكمامات الواقية على جميع السكان وأثارت بذلك الذعر العام، مدعية بأن صدام سيطلق صواريخ تحمل رؤوسا كيماوية باتجاهنا.

     وهكذا، احتل الأمريكيون العراق ولم يعثروا على أية أسلحة دمار شامل هناك. لا كيماوية، لا بيولوجية ولا نووية. لا شيء.  

     إذن كيف أخفقت وكالات الاستخبارات العظيمة هذه؟ كيف قدمت إلى زعمائها معلومات كاذبة وحذت ببوش، بلير وشركائهما إلى خوض الحرب، التي دمرت فيها دولة كاملة وقتل فيها العديد من بني البشر (وما زالوا يقتلون)؟

     سيجيب العقل الواعي على هذا السؤال: لقد "خدع" بوش وبلير، بمحض إرادتهما. بوش والمحافظون الجدد الحاكمون في واشنطن قرروا الهجوم على العراق من ذي قبل، ويأتي هذا القرار بالأساس بهدف السيطرة على مرافق النفط، وكانت تهدف خرافات أسلحة الدمار الشامل إلى إيجاد سبب لإخافة الجماهير. 

     هل طلب الزعماء من وكالات الاستخبارات تزويدهم بتقارير كاذبة عن سابق قصد؟ لا سمح الله. ستثبت كل لجان التحقيق بأن أمرا كهذا لم يحدث، وبحق. لم يطلب الزعماء ذلك لعدم وجود حاجة في مثل هذا الطلب. فالقائمون على شُعب الاستخبارات في الولايات المتحدة، بريطانيا وإسرائيل كانوا يعرفون ما هو متوقع منهم، وقد طرحوا البضاعة المطلوبة في السوق. كانوا يعرفون على أي وجه من وجهي قطعة الخبز توجد الزبدة.

     هل زيف رجالات الاستخبارات معطياتهم لهذا الهدف؟ لا سمح الله. ليست هناك حاجة في ذلك. الاستخبارات تجمع كميات هائلة من المعلومات، وما عليها إلا انتقاء المعلومات التي تراها مناسبة من هذا الكم الهائل. ويا للعجب! تلك هي المعلومات ذاتها التي تتناسب واحتياجات الحكام السياسيين.

     لا يكمن مركز الثقل لدى كافة وكالات الاستخبارات في جمع المعلومات، بل يكمن في عملية التقييم. كيف تقوم هذه الوكالات بصياغة الصورة النهائية من حجارة الفسيفساء؟ يتعلق هذا الأمر بالرؤية الشخصية والإدراك بالفطرة، المنبثقين عن "التصور". هذا هو القالب التفكيري الذي يجول في رؤوس رجالات الاستخبارات. ولأن القائمين على وكالات الاستخبارات يعينون من قبل الحكام السياسيين، فلا عجب في أن يكون تصورهم ملائما دائما – دائما! -  لتصور السياسيين.

     أتكهن بأن كل هذه اللجان الثلاث، كل في بلادها، ستقرر (أ) أن الزعماء السياسيين لم يطلبوا من الاستخبارات تزييف الاستنتاجات ولم ينتهجوا الضغط أو التأثير عليها، (ب) أن قادة الاستخبارات تصرفوا بنزاهة وقدموا التقييم الاستخباراتي وفق ما تملي عليهم ضمائرهم وإدراكهم، (ج) أن كلا منهم تصرف وفق المعلومات التي كانت بحوزته، (د) أنه قد حدث فشل مهني مؤسف. (وللمبالغة نقول: أن حارس بوابة غرفة عمليات الاستخبارات هو المذنب).

     لن تصرح أي من اللجان الثلاث بما هو مفهوم ضمنا: الاستخبارات تابعة للرئيس (في الولايات المتحدة) ولرئيسي الحكومة (في بريطانيا وإسرائيل). هم من عليهم تحمل المسؤولية هم المسئولون عن قادة الاستخبارات ويجدر بهم مراقبتهم. لذلك يجدر بهؤلاء الثلاثة، أمام هذا الفشل الاستخباراتي الذريع، الاستقالة. لن يقال هذا ولن يحدث.

     فإذا أسند كل الذنب في الفشل إلى قادة الاستخبارات، يجدر بنا أن نفهم جوهرهم. إنهم يحوزون على الإعجاب في كافة أرجاء العالم. إن السرية التي تحيط بهم أنتجت طقوسا تكاد تكون دينية. زمرة كبيرة من الكتاب والصحفيين تعتاش من هذه الطقوس. يظهر رجل المخابرات في مثل هذا الأدب كإنسان ذو قيمة عليا يشبه "سمايلي" بطل الكاتب جون لا كره، وهو شخص لامع ذكي إلى حد النبوغ، بارد الأعصاب، متحذلق يحيك خيوطه العنكبوتية بصبر يدعو إلى العجب.

     مثل هذا الرجل غير موجود مع الأسف. وكما يقولون بالإنجليزية: الذكاء ووكالات الإنتلجنس (المخابرات) لا يستويان.

     كيف أعرف ذلك؟ هناك بعض الاختبارات البسيطة، التي يمكن لإنسان ذي منطق أن يستخدمها.

     الاختبار الأول: الجودة البشرية. كل رجالات الاستخبارات سيتقاعدون ذات مرة وعندها سنراهم على حقيقتهم دون رقابة ودون غطاء السرية. وماذا سنرى؟ يوجد بينهم بعض الأشخاص الأذكياء وهناك من بينهم أغبياء لا مثيل لهم. إلا أن معظمهم أشخاص عاديون، تكتنفهم الضحالة، أفكارهم ملتزمة بالنهج الرسمي تماما. لا يجدر بنا أن نثق بمثل هؤلاء الأشخاص، لو كانوا مستشارين ماليين لنا. إنه أمر مرعب أن يكون مثل هؤلاء قد حددوا مصائر بني البشر. 

     يظهر هذا الأمر جليا في إسرائيل بشكل خاص، لأن رجالات الاستخبارات المتقاعدين يطلبون كمحللين سياسيين في كافة وسائل الإعلام. وقد اتضح أن معدل نسبة ذكائهم لا يتعدى معدل هذه النسبة في الكنيست. ولأن بإمكاننا الافتراض بأنهم لم يكونوا نوابغ قبل ذلك، وقد حدث يوم تقاعدهم أن مست عملية عصبية خفية قدرتهم العقلية وأثرت عليها، فلا بد من الاستنتاج أنهم كانوا قبل ذلك متوسطي الذكاء أو أقل.   

     في جهاز يسيطر عليه مثل هؤلاء سيتم ابتلاع شخص ذكي أيضا، فهو سيتأقلم بهدف البقاء.

     الاختبار الثاني: النتائج. لقد مللنا من التذكير بالإخفاقات الكلاسيكية التي كانت من نصيب الاستخبارات في الحرب العالمية الثانية. فالروس فوجئوا بالاجتياح الألماني لبلادهم. الأمريكيون وقنبلة بيرل هاربور. لقد فوجئت الاستخبارات الأمريكية تماما بتفكك الاتحاد السوفييتي. كما فوجئت الاستخبارات الأمريكية والإسرائيلية تماما بثورة الخميني في إيران. الاستخبارات الإسرائيلية فوجئت بتعبئة الجيش المصري في سيناء عام 1967، بالهجوم المصري-السوري عام 1973، بارتفاع شأن حزب الله في لبنان، بالانتفاضة الأولى والثانية وباغتيال رابين. الاستخبارات الأمريكية لم تحلم بتفجير مركز التجارة العالمي. والقائمة طويلة. 

     لم تكن لدى وكالات الاستخبارات في الولايات المتحدة وبريطانيا وإسرائيل أية فكرة عما يحدث في عراق صدام، وفيما إذا كان لديه سلاح من هذا النوع أو ذاك. فهم تكهنوا فقط. وإذا كان الأمر مجرد تكهن، فمن الحري أن يتكهنوا بما تريد السلطة سماعه.  

     "هل توجد لدى صدام أسلحة دمار شامل؟"

     "نعم سيدي رئيس الوزراء!".



#أوري_أفنيري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- إلى غزة!
- إكليل الأشواك
- رجل أسكيمو في البنطوستان
- اللا سامية – دليل المصطلحات
- العجلة من الشيطان!
- النوم على سرير (برنامج سياسي) مريح
- الأمر المُطلق
- صدام إلى هاغ!
- بالونات
- وما زالت دواليب الهواء تدور
- شجار في ليشبونه
- الخطاب الذي ألقيته في الحفل التكريمي لي ولسري نسيبة بمناسبة ...
- سبعون حورية ليعلون
- مطلوب: شارون يساري
- نقائل السرطان
- من تصدقون؟
- الدرع البشري
- خيانة كامب ديفيد
- بطل الحرب والسلام
- ثورة الضباط


المزيد.....




- السعودي المسجون بأمريكا حميدان التركي أمام المحكمة مجددا.. و ...
- وزير الخارجية الأمريكي يأمل في إحراز تقدم مع الصين وبكين تكش ...
- مباشر: ماكرون يهدد بعقوبات ضد المستوطنين -المذنبين بارتكاب ع ...
- أمريكا تعلن البدء في بناء رصيف بحري مؤقت قبالة ساحل غزة لإيص ...
- غضب في لبنان بعد تعرض محامية للضرب والسحل أمام المحكمة (فيدي ...
- آخر تطورات العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا /26.04.2024/ ...
- البنتاغون يؤكد بناء رصيف بحري جنوب قطاع غزة وحماس تتعهد بمق ...
- لماذا غيّر رئيس مجلس النواب الأمريكي موقفه بخصوص أوكرانيا؟
- شاهد.. الشرطة الأوروبية تداهم أكبر ورشة لتصنيع العملات المزي ...
- -البول يساوي وزنه ذهبا-.. فكرة غريبة لزراعة الخضروات!


المزيد.....

- فيما السلطة مستمرة بإصدار مراسيم عفو وهمية للتخلص من قضية ال ... / المجلس الوطني للحقيقة والعدالة والمصالحة في سورية
- الخيار الوطني الديمقراطي .... طبيعته التاريخية وحدوده النظري ... / صالح ياسر
- نشرة اخبارية العدد 27 / الحزب الشيوعي العراقي
- مبروك عاشور نصر الورفلي : آملين من السلطات الليبية أن تكون ح ... / أحمد سليمان
- السلطات الليبيه تمارس ارهاب الدوله على مواطنيها / بصدد قضية ... / أحمد سليمان
- صرحت مسؤولة القسم الأوربي في ائتلاف السلم والحرية فيوليتا زل ... / أحمد سليمان
- الدولة العربية لا تتغير..ضحايا العنف ..مناشدة اقليم كوردستان ... / مركز الآن للثقافة والإعلام
- المصير المشترك .. لبنان... معارضاً.. عودة التحالف الفرنسي ال ... / مركز الآن للثقافة والإعلام
- نحو الوضوح....انسحاب الجيش السوري.. زائر غير منتظر ..دعاة ال ... / مركز الآن للثقافة والإعلام
- جمعية تارودانت الإجتماعية و الثقافية: محنة تماسينت الصامدة م ... / امال الحسين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اخر الاخبار, المقالات والبيانات - أوري أفنيري - نعم سيدي الوزير!