أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اخر الاخبار, المقالات والبيانات - أوري أفنيري - الأمر المُطلق















المزيد.....

الأمر المُطلق


أوري أفنيري

الحوار المتمدن-العدد: 699 - 2003 / 12 / 31 - 04:12
المحور: اخر الاخبار, المقالات والبيانات
    


       عندما قررت لجنة التحكيم منح جائزة إسرائيل للبروفيسور يشعياهو ليبوفيتش رحمه الله، اعتقدت بأنه سيكون من اللائق دعوته إلى مؤتمر "المجلس الإسرائيلي من أجل سلام إسرائيلي فلسطيني"، الذي كان في طليعة المتفاوضين مع منظمة التحرير الفلسطينية.

     فأجابني: "أنا مستعد للمشاركة بشرط واحد: سأتحدث عن الواجب الأخلاقي لرفض الخدمة في الأراضي المحتلة". فقد كان يرى في ذلك جوهر النضال ضد الاحتلال.

     أجبته بأن له كل الحرية بالتحدث عما يريد، رغم أنني لم أكن مقتنعا بهذا الرأي.

     (على فكرة، لقد تمخضت محاضرته عن نتيجة غير متوقعة. فبأسلوبه الاستفزازي المعهود قارن، في خطابه، بين الوحدات الخاصة في الجيش وبين الإس إس النازي. لقد نشرت أقواله وأثارت ضجة هائلة، وكان في نية لجنة منح الجائزة إلغاء منحه الجائزة، فأبلغها ليبوفيتش بأنه متخل عنها)

     منذ ذلك الحين يدور في نفسي حوار ثاقب وموجع بهذا الشأن.

     أنا لست مسالما إذا كان الأمر متعلقا بالرفض المطلق لحمل السلاح. فأنا أتعاطف مع يونتان بن أرتسي، الماثل الآن لمحاكمة عسكرية بسبب مبادئه السلمية التي لا تقبل المساومة. إنه شاب رائع ويستحق الإعجاب. ولكن بكوني من أحفاد جيل واكب الحرب ضد النازيين، لا يمكنني قبول المبدأ القائل بأن كل حرب هي حرب غير أخلاقية. فبعد أن سيطر النازيون على ألمانيا وبدءوا بتنفيذ مآربهم، لم يكن بالإمكان القضاء عليهم إلا بقوة السلاح.

     في الوقت الذي لم ينشأ فيه نظام عالمي جديد بعد، يشمل سلطة دولية، قانون دولي (آمل أن يقوم مثل هذا النظام قبل نهاية القرن الواحد والعشرين)، لا يمكن للدولة أن تتخلى عن قوتها الدفاعية. وطالما لا يوجد نظام عالمي يتيح لكل طالبي الحرية الوصول إلى الاستقلال بالطرق السلمية، على المقاتلين من أجل الحرية حمل السلاح.

     إلا أن ليبوفيتش لم يكن مسالما. فهو لم يؤيد رفض حمل السلاح بشكل قاطع، بل أيَّد رفض خدمة الاحتلال. لقد كان يؤمن بالقيمة الأخلاقية الكامنة في الرفض، بواجب الإنسان الأخلاقي بالابتعاد عن نظام حكم أثيم والإعلان برأس مرفوع عن أنه لن يساند هذا الوضع غير الإنساني، غير الأخلاقي وغير القانوني في جوهره. لقد كان يؤمن أيضا بأن رافض الخدمة هو القدوة التي يمكنها التأثير على الشعب.

     هناك نقاط ضعف في هذا التوجه كما هو معلوم، وضعتني أمام حيرة.

     أولا، زعزعة النظام الديمقراطي. وظيفة الجيش هي خدمة الحكومة القانونية التي انتخبها كافة المواطنين. من يرفض تنفيذ أوامر الحكومة القانونية، يزعزع بذلك ركائز الديمقراطية.

     ثانيا، تشجيع الرفض لدى اليمينيين. فحسب "الأمر المطلق" للفيلسوف عيمانوئيل كانْت، يجب على كل إنسان التصرف بحيث تشكل أعماله أساسا لقاعدة عامة. فإذا سمح لفلان رفض خدمة الاحتلال يسمح لآخر رفض إخلاء المستوطنات.

     ثالثا، دب الفساد في الجيش. إذا ترك كل أصحاب المبادئ الأخلاقية الجيش فسيسقط لقمة سائغة بين أيدي أشخاص لا يتمتعون بالمبادئ الأخلاقية. سيرابط على الحواجز من يكره العرب فقط، وسيقوم بالعمليات العسكرية الساديون. ولكن لو بقي أصحاب المبادئ الأخلاقية في الجيش، فسوف يكون بإمكانهم التأثير على جوهره، ومنع الأعمال الأثيمة والأعمال البشعة بمجرد وجودهم فيه، أو على الأقل التبليغ عن هذه الأعمال بعد وقوعها.

     كنت دائما أكن احتراما كبيرا لرافضي الخدمة. فأنا أعلم علم اليقين مقدار الشجاعة التي يحتاجها شاب (أو مسن) للوقوف في وجه الضغط الاجتماعي الذي يتعرض له من قبل عائلته، أصدقائه ومحيطه، عند اتخاذه لهذا القرار وتحمل نتائجه. بطولة المقاتل الأخلاقية تفوق بطولته في القتال، رغم معرفته بأن الشعب كله يقف من وراءه ويسانده. (أقول ذلك لأنني كنت جنديا مقاتلا في وحدة "خاصة").

     لذلك أيّدت دائما حق أي شخص في رفض الخدمة. ولكني لم أكن على استعداد، في أية مرة من المرات، أن أحث الشباب على المضي في مثل هذه الطريق. لقد كان موقفي دائما: على الشاب أن يقرر بنفسه فيما يتعلق بالموقع الذي يمكِّنه من الإسهام بشكل أكبر في النضال ضد الاحتلال – داخل الجيش أو خارجه.

     إلا أنني أشعر بأن موقفي هذا بدأ يتغير.

     بادئ ذي بدء، قد أقنعني العديد من الشباب بأن من غير الممكن الصمود أمام الضغط داخل الجيش. فغسيل الدماغ هائل ومتواصل، والمناصب العليا يتقلدها رجال آليون معدومي الأحاسيس، وهم من مخلفات الاحتلال؛ ناهيك عن تلاميذ الحلقات الدينية الذين يكرهون العرب والمستوطنون الذين يعتمرون القلنسوات المحاكة.

     ثانيا، لقد تحول الاحتلال ذاته إلى غول، من غير الممكن خدمته دون فقدان الصورة الإنسانية. عندما يقول ذلك مقاتلو الوحدات الخاصة الذين أحسوا بهذا الواقع بشكل يومي فإن شهادتهم هي الفاصلة. عندما يتمرد الطيارون الذي قال قائدهم بأنه لا يحس سوى "ضربة بسيطة في الجناح" عندما يقوم بقذف قذيفة تقتل النساء والأطفال، فهذا موقف جدير بالاحترام. عندما يفضل خمسة شبان تبلغ أعمارهم 19 سنة السجن على أن يكونوا محتلين أحرار، فإن الفيلسوف كانْت نفسه كان سيؤدي لهم التحية. الاحتجاج ضد نظام الحكم غير الأخلاقي هو بمثابة أمر مطلق.

     هل سيمهد مثل هذا الرفض للخدمة الأجواء لرفض من قبل الطرف الآخر أيضا؟ من المؤكد أنه لا يوجد تشابه بين المناضلين من أجل السلام، الذين يرفضون أخذ قسط في الإثم المتواصل وبين المستوطنين الذين يعتبرون جزءا من هذا الإثم. ولكن من يعترف بالحق برفض تنفيذ الأوامر من منطلق الضمير والعقيدة، عليه تطبيق مبدأ الفيلسوف كانْت على نفسه أيضا. فإذا تم إخلاء المستوطنات، يجب أن نعترف بحق أي جندي بعدم المشاركة في ذلك الإخلاء  من منطلق الضمير والعقيدة.

     هل تعتبر هذه ضربة للنظام الديمقراطي؟ بالتأكيد. ولكنها ضربة مفيدة، فالديمقراطية الإسرائيلية آخذة بالتآكل في شتى المجالات، مع كل يوم احتلال يمر. إننا نشهد تدهورا متواصلا: فالحكومة هي حضانة يديرها شارون، الكنيست أصبحت تثير الاشمئزاز والمحكمة حولت نفسها، نوعا ما، إلى أداة بيد الاحتلال ووسائل الإعلام أصبحت مجندة تسير كالقطيع. رافضو الخدمة، بالذات هم الذين أعادوا إلى الحوار الجماهيري بُعده الأخلاقي.

     إلا أن رفض الخدمة يسطع نوره كشعلة في الظلام. إنه يطرد اليأس الذي بات يقضي على كل شيء جيد. إنه يعيد الإيمان بدولة إسرائيل وبالجيل الإسرائيلي الناشِئ.

     نعم، رافضو الخدمة قلائل. إنهم أقلية بين أوساط الشعب والجيش. إلا أن مثل هذه الأقليات هي التي صنعت تاريخ البشرية – لقد صنعه أشخاص كانت لديهم الشجاعة على المضي قدما بينما كانت الأغلبية تصرخ "توقف!"

     إن تزايد حالات رفض الخدمة، حيث كل حالة من هذه الحالات تشكل إلهاما للحالة التي تليها وأصبحت هذه التصرفات تنتقل من وحدة إلى وحدة، من شأنه أن يؤثر على الجمهور. إن الرفض هو تجسيد للتغيير وهو قوة تدفع هذا التغيير قدما.

     ولربما، أكثر من أي شيء آخر، يعيد لنا هؤلاء الأشخاص فخرنا، فأمة لديها مثل هؤلاء الأبناء يمكن أن يحذوها الأمل.    



#أوري_أفنيري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- صدام إلى هاغ!
- بالونات
- وما زالت دواليب الهواء تدور
- شجار في ليشبونه
- الخطاب الذي ألقيته في الحفل التكريمي لي ولسري نسيبة بمناسبة ...
- سبعون حورية ليعلون
- مطلوب: شارون يساري
- نقائل السرطان
- من تصدقون؟
- الدرع البشري
- خيانة كامب ديفيد
- بطل الحرب والسلام
- ثورة الضباط
- من سينقذ أبا مازن؟
- صوت لأسيادهم
- نحن الوطنيون
- افضل مسرحية في المدينة
- هم يُقتلون
- الآباء يأكلون الحصرم
- زيارة عرفات؟ عجبا


المزيد.....




- منهم آل الشيخ والفوزان.. بيان موقّع حول حكم أداء الحج لمن لم ...
- عربيا.. من أي الدول تقدّم أكثر طالبي الهجرة إلى أمريكا بـ202 ...
- كيف قلبت الحراكات الطلابية موازين سياسات الدول عبر التاريخ؟ ...
- رفح ... لماذا ينزعج الجميع من تقارير اجتياح المدينة الحدودية ...
- تضرر ناقلة نفط إثر هجوم شنّه الحوثيون عليها في البحر الأحمر ...
- -حزب الله- اللبناني يعلن مقتل أحد عناصره
- معمر أمريكي يبوح بأسرار العمر الطويل
- مقتل مدني بقصف إسرائيلي على بلدة جنوبي لبنان (فيديو+صور)
- صحيفة ألمانية تكشف سبب فشل مفاوضات السلام بين روسيا وأوكراني ...
- ما عجز عنه البشر فعله الذكاء الاصطناعي.. العثور على قبر أفلا ...


المزيد.....

- فيما السلطة مستمرة بإصدار مراسيم عفو وهمية للتخلص من قضية ال ... / المجلس الوطني للحقيقة والعدالة والمصالحة في سورية
- الخيار الوطني الديمقراطي .... طبيعته التاريخية وحدوده النظري ... / صالح ياسر
- نشرة اخبارية العدد 27 / الحزب الشيوعي العراقي
- مبروك عاشور نصر الورفلي : آملين من السلطات الليبية أن تكون ح ... / أحمد سليمان
- السلطات الليبيه تمارس ارهاب الدوله على مواطنيها / بصدد قضية ... / أحمد سليمان
- صرحت مسؤولة القسم الأوربي في ائتلاف السلم والحرية فيوليتا زل ... / أحمد سليمان
- الدولة العربية لا تتغير..ضحايا العنف ..مناشدة اقليم كوردستان ... / مركز الآن للثقافة والإعلام
- المصير المشترك .. لبنان... معارضاً.. عودة التحالف الفرنسي ال ... / مركز الآن للثقافة والإعلام
- نحو الوضوح....انسحاب الجيش السوري.. زائر غير منتظر ..دعاة ال ... / مركز الآن للثقافة والإعلام
- جمعية تارودانت الإجتماعية و الثقافية: محنة تماسينت الصامدة م ... / امال الحسين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اخر الاخبار, المقالات والبيانات - أوري أفنيري - الأمر المُطلق