أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - الحزب الشيوعي السوداني - التقرير السياسي العام المجاز من المؤتمر الخامس للحزب الشيوعي السوداني يناير 2009م















المزيد.....



التقرير السياسي العام المجاز من المؤتمر الخامس للحزب الشيوعي السوداني يناير 2009م


الحزب الشيوعي السوداني
(Sudanese Communist Party)


الحوار المتمدن-العدد: 2621 - 2009 / 4 / 19 - 09:20
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
    


التقرير السياسي العام
المجاز من المؤتمر الخامس للحزب الشيوعي السوداني يناير 2009م

إضاءة حول التقرير العام:
• اعُتمد لأعداد التقرير العام للمؤتمر الخامس، ذات الوجهة والمواصفات التي تم على ضوئها إعداد التقرير العام للمؤتمر الرابع (الماركسية وقضايا الثورة السودانية). ذلك ان تلك الوجهة لا تزال بصورة عامة سليمة. مفردات هذه الوجهة هي:
أ‌- التقرير العام لن يكون سرداً للأحداث فما أكثرها.
ب‌- يهتم التقرير بالأحداث الكبرى التي أثرت ولا تزال تؤثر على مجريات الحياة في بلادنا.
ج‌- يهتم بالقضايا الفكرية ذات الأثر على سير العمل الثوري في بلادنا.
د‌- يناقش تجاربنا سلباً وإيجاباً بهدف توسيع الحركة الثورية وإجراء تحسينات أساسية في أدوات نضالها.
هـ- يوضح آفاق الثورة.
• وبعد الوقوف على المناقشات التي دارت في سكرتارية اللجنة المركزية للحزب حول هذه الوجهة والمواصفات، وعلى المساهمات الواردة في الأوراق التي رفعها بعض الزملاء والزميلات التي تضمنت بعض المقترحات لما يجب ان يشمله التقرير العام، طُرحت ضوابط إضافية للوجهة العامة لتقرير السياسي وهي:
1- عدم التصدي لطرح مهام برنامجية في التقرير العام. فهذه مكانها الطبيعي المناسب هو البرنامج. التقرير العام يركّز على الأساس النظري والوجهة العامة لبرنامج الحزب وأساليب عمله استناداً إلى الدراسة النقدية لما هو واقع.
2- تجاوز الأسلوب السوفيتي الذي يركّز بصفة خاصة، في كتابة التقارير للمؤتمرات، خاصة المنشورة أو المعلنة أو عموماً تلك التي يتاح لنا الإطلاع عليها، على العملية الثورية العالمية أكثر من تركيزها على الأوضاع الداخلية، من منطلقات التقدم في العملية الثورية العالمية إبان فترة القطبية الثنائية للعالم. وبطبيعة الحال اتضح ان هنالك قضايا داخلية عديدة نوقشت داخل تلك المؤتمرات، لكنها عادة لا تتاح لنا الوقوف عليها.
ولكن هذا التجاوز، بما يتطلبه واقع الحركة اليوم، يجب ان لا يحجب عنا ان الأوضاع الداخلية التي تجري في إطار صراعات عالمية وإقليمية تؤثر فيها بهذا القدر أو ذاك. أضف إلى ذلك ان هناك اليوم متغيرات نوعية جديدة، سلبية وإيجابية، في الساحة العالمية، تتطلب ان نعطيها الأسبقية في التقرير، كالانهيار في المعسكر الاشتراكي، والعولمة، والتطورات الإيجابية في بعض بلدان أمريكا اللاتينية، خاصة وهي تلقي بظلالها وآثارها على معظم أبواب التقرير، غير أن معالجة هذه المتغيرات النوعية الجديدة يجب أن لا تقود إلى اختزال معالجة الأوضاع الداخلية في السودان .
* وبناءاً على ذلك فان التقرير يسعى لمعالجة المتغيرات الأساسية في الوضع العالمي والإقليمي، وفي الواقع السوداني، ويطرح المهام التي تواجه العمل الثوري في الفترة القادمة. ويحدد بدقة التصور للأفق الاشتراكي، كما يطرح قضية تأهيل الحزب فكرياً وسياسياً وتنظيمياً ليجدد نفسه ويواكب هذه المتغيرات، ويواصل مشواره في البناء استناداً إلى أفكار ومفاهيم الخط التنظيمي.
* لن يكون التقرير العام، بمثابة رصد لنشاط مركز الحزب منذ المؤتمر الرابع، من زوايا: اجتماعات اللجنة المركزية للحزب ونشاطها بين المؤتمرين، وما طرحته من قضايا ومواقف الخ، مثل هذه المتابعة والتقويم مكانها تقرير منفصل بعنوان: "التقرير التنظيمي".
* كذلك لن يكون التقرير تاريخاً للحزب منذ المؤتمر الرابع، ولكن طبيعي ان المؤتمر من صلاحياته تكوين لجنة أو تحديد جهة ما لاستكمال كتابة تاريخ الحزب الذي بدأه الشهيد عبد الخالق بكتيب "لمحات من تاريخ الحزب". وحقيقة يفتقر الحزب إلى توثيق واف وصحيح ودقيق لتاريخه. وطبيعي ان مثل هذا التوثيق يصبح أكثر مشقة مع مضي الزمن.
ونحن الآن فقدنا كل مؤسسي الحزب باستثناء أفراد قلائل. وهناك مناطق حزبية رحل جُلَّ الذين شاركوا في تأسيسها. إن مهمة التأريخ لحزبنا ليست مهمة ثانوية. بل لها قيمة تاريخية وفكرية ونضالية عظمى.( الما عندو قديم يشتري ليهو واحد). ونحن عندنا قديم عظيم . إن المأثرة التي حققها من أسسوا الحزب الشيوعي السوداني، ومن واصلوا بناء الحزب ونضاله، تستحق ان تسجل وتنشر. فهي ذات قيمة لنا وللبلدان ذات الظروف والواقع المشابه لواقعنا. إنها تؤكد قدرة المنهج الماركسي على التعامل مع هذا الواقع وبناء حزب متقدم فيه والحفاظ عليه.كما إنها تؤكد القدرات الفكرية والنضالية الكبيرة التي أبداها مؤسسو الحزب وأعضاؤه رغم ما تعرضوا له.
* واتُخذت المراجع الآتية كأساس لصياغة هذا التقرير .
1- كتيبات الحوار الداخلي والسمنارات التي تضمنت آراء الزملاء والهيئات الحزبية والفروع لتجديد الحزب.
2- تقرير المؤتمر الرابع "الماركسية وقضايا الثورة السودانية" كهمزة وصل بين المؤتمرين الرابع والخامس (إثبات ما له راهنيته وإضافة ما طورنا أفكارنا حوله، خاصة بالنسبة لبناء الحزب).
3- الدراسات التي أُعدت لصياغة البرنامج الذي سيقدم للمؤتمر الخامس.
4- دورات اللجنة المركزية ( وبصفة خاصة دورة أغسطس 2001).
5- مطبوعات حزبية متنوعة (حول البرنامج، قضايا ما بعد المؤتمر، لمحات من تاريخ الحزب الشيوعي السوداني، الخطابات الداخلية التي أصدرها مركز الحزب خلال السنوات الماضية .. الخ).

أُتبع المنهج الآتي لصياغة التقرير :
أ‌- سيادة النظرة الانتقادية التي لا يتطور العمل بدونها.
ب‌- وفق قدرات الحزب حالياً في هذه الظروف، وكسباً للوقت، فان مشروع التقرير للمؤتمر الخامس لن يغطّي كل القضايا بصورة شاملة ومكتملة. لذا نركّز على القضايا الجوهرية وقضايا الساحة السياسية الراهنة. وطبيعي ان المؤتمر السادس سيستكمل النقص في ظروف أفضل واحسن تتمكن فيها تنظيمات الحزب على المستوى الوطني من تطوير الدراسة الباطنية للمجتمع السوداني التي بدأها المؤتمر الرابع.
ج‌- لا يكفي ان نقول أو نعلن على رؤوس الأشهاد اننا سنجدد الحزب، بل لابد ان تتخلل التقرير كله، كوجهة محددة مدعومة بأكبر قدر من الحيثيات والأسانيد، سياستنا لتجديد الحزب فكراً وبنياناً وممارسات، إستناداً إلى دراستنا الانتقادية لتجربتنا وإلى دروس تجربة الانهيار في المعسكر الاشتراكي. وعلى سبيل المثال يشمل هذا: الانفتاح والإستنارة في التعامل مع المنهج الماركسي، مفهوم التغيير الاجتماعي والتحول الاشتراكي في الماركسية الديمقراطية وحقوق الإنسان ..... الخ . نبذ أفكار الطليعية والموروث الستاليني،
د- لضرورة توسيع المشاركة طرحت تكليفات محددة لعدد من الزملاء والزميلات والهيئات الحزبية داخل وخارج السودان، على سبيل المشاركة في إعداد بعض مواد التقرير من بينها البحث في علاقة الحزب الشيوعي بالطبقة العاملة وحركة الشباب والنساء وقضايا التعليم العالي والعام والملامح والأساليب الجديدة الملائمة للعمل بين الطلاب، والأوضاع السياسية والاجتماعية في جنوب الوطن بعد نيفاشا وآفاق الوحدة والعمل الديمقراطي في الجنوب، والتحالفات الديمقراطية ضد الاحتكارات في البلدان الصناعية المتطورة، والمنبر العالمي لمناهضة الوجه المتوحش للعولمة، وتجربة التجمع الوطني الديمقراطي وتجربة مجد، وجبهة حقوق الإنسان وقضايا التضامن .. الخ.
وبصورة مباشرة شاركت مكاتب: الجنوب، الشباب، الدراسات النقابية، طلاب الجامعات، الثانويات، العلاقات الخارجية. وكذلك عدد من الزميلات تم تحديدهن عن طريق تنظيم الحزب بالعاصمة القومية. ومما يجدر ذكره عقدت لقاءات مشتركة مع ممثلين لمعظم هذه الجهات لمناقشة الأوراق التي تم إعدادها بناءً على طلبها.
ان توسيع المشاركة يكفل ان يأتي التقرير – إلى جانب المادة الواردة في كتيبات الحوار الداخلي – نتاجاً لعمل وجهد جماعيين يغطيان الأطر والمحاور الثلاثة: متغيرات العصر والوضع العالمي الراهن ومتغيرات المجتمع السوداني وتأهيل الحزب فكرياً وتنظيمياً وسياسياً لمهامه. وبطبيعة الحال ستظل هذه المحاور والأطر مفتوحة للتطوير النظري والفكري أمام العقل الجمعي للحزب بعد المؤتمر بمختلف الأشكال والأساليب الواجب ابتداعها: مركز دراسات ودوريات فكرية وورش عمل تتمتع بإدارات ذات استقلال واسع وتصبح سمة ثابتة في حياة الحزب ونشاطه.
واستناداً إلى ان يكون التقرير متضمناً القضايا والمواضيع التالية:
واستناداً إلى ذلك يكون التقرير متضمنا للقضايا والمواضيع التالية :-
1- الوضع العالمي والإقليمي
2- الأوضاع الداخلية في السودان
3- قضايا فكرية وسياسية
4- بناء الحزب


قدمت اللجنة المركزية النقد الذاتي الآتي و أجازه المؤتمر
* نقد ذاتي حول تأخير انعقاد المؤتمر الخامس:
40 عاماً بدون مؤتمر !!
من قضايانا الكبيرة التي تنتظر العلاج في المؤتمر الخامس ان حزبنا لم يعقد مؤتمراً طيلة الأعوام الأربعين الماضية، علماً بان النظام الداخلي ينص على عقد المؤتمر مرة كل عامين.
ان مؤتمرات الحزب هي مواسم التشمير عن ساعد الجد واستنهاض الهمة والفكر لمراجعة أداء الحزب في كل مفاصله وتصحيح الأخطاء وحل المشكلات النظرية والعملية التي تعترض نشاطه ولمحاسبة اللجنة المركزية للحزب عن أعمالها . إن المؤتمرات الحزبية تحتل موقعاً مفصلياً في ممارسة الرقابة الجماعية والديمقراطية الداخلية والحياة المعافاة داخل الحزب . ان عدم عقد المؤتمر الخامس وغياب المؤتمرات طيلة أربعين عاماً تقصير جسيم لابد من النظر في أسبابه ومعالجتها وتحديد المسئولية فيها واتخاذ كل ما يلزم لمنع تكرارها. ان عقد المؤتمرات في مواعيدها من شروط ترسيخ الديمقراطية في الحزب.
وحسب النظام الداخلي فان مسئولية دعوة المؤتمر للإنعقاد والتحضير له تقع على عاتق اللجنة المركزية. ويجيز النظام الداخلي أيضاَ دعوة المؤتمر للإنعقاد بناءً على طلب من منظمات حزبية تمثل ما لا يقل عن ثلثي أعضاء الحزب، إلا انه لم يبين كيفية عقد المؤتمر في هذه الحالة.وهي حالة تعني وجود مشكلة داخل الحزب تحتاج لحل . ويبدو انه ترك ذلك للظروف وقدرات الكادر.
فما الذي عطل عقد المؤتمر الخامس؟
نأخذ في الاعتبار أنه لم يتبق من أعضاء اللجنة المركزية التي انتخبها المؤتمر الرابع في مواقعهم سوى 6 . وخلال الأعوام الأربعين الماضية جرت أحداث غيّرت من وجه البلاد ومن حالة الحزب بصورة شاملة . وقد تغيّرت تركيبة اللجنة المركزية عدة مرات . ومع ذلك فأن اللجنة المركزية بتركيبتها القائمة الآن تتحمل مسئولية كامل الإجابة على السؤال عن أسباب عدم انعقاد المؤتمر الخامس . ذلك إن المسئولية هنا تضامنية ، وفق النظام الداخلي ، يتحملها فردياً وجماعياً كل من قبل أن يكون عضواً في اللجنة المركزية .
ونأخذ في الاعتبار أيضاً ما استجد في حزبنا وبلادنا من تطورات وأحداث منذ المؤتمر الرابع كان من أبرزها إن تياراً يمينياً تصفوياً أخذ في التشكّل والتكّون داخل اللجنة المركزية ووسط الكادر القيادي الجماهيري والتنظيمي المحيط بها خلال الصراع السياسي والاجتماعي الذي احتدم في البلاد بين القوى الوطنية الديمقراطية والحلف اليميني الرجعي .وكان صوت ذلك التيار خافتاً من الناحيتين الفكرية والعملية. ثم وقع انقلاب 25 مايو 1969، الذي سرعان ما تمخض عن سلطة من البرجوازية الصغيرة أرادت الاستقواء بالشيوعيين دون حزبهم . ووجد التصفويون في السلطة الجديدة سنداً شجعهم على رفع صوتهم . ونشب صراع حاد داخل الحزب الشيوعي. وفي أغسطس 1969 قررت اللجنة المركزية بناء على اقتراح من عبد الخالق عقد مؤتمر تداولي لكادر الحزب لحسم الخلاف حول التكتيكات، وأستمر التحضير للمؤتمر عاماً كاملاً احتدم العداء أثناءه بين الحزب من جهة والسلطة وحلفائها التصفويين من جهة أخرى ، وتم خلاله نفي عبد الخالق إلى مصر ثم اعتقاله تحفظياً لفترة ثم أطلاق سراحه . وعقد المؤتمر في 21 أغسطس 1970، وانتهى بهزيمة ساحقة للتصفويين الذي انتهى بهم الأمر إلى الخروج من الحزب في انقسام هو الأكبر في تاريخه ضم 40% من أعضاء اللجنة المركزية وعشرات من كادر الحزب. وفي 16 نوفمبر التالي نفذت السلطة نصيبها من ردة الفعل بإبعاد بابكر النور وهاشم العطا وفاروق حمد الله من جميع مناصبهم ، كما اعتقلت عبد الخالق وعز الدين على عامر . ومضى الصراع في طريق التصعيد إلى نهايته المعلومة في 19 يوليو ومذابح 22 يوليو واعتقالات الشيوعيين ومطارداتهم والتنكيل بهم .
ولم تكن الأوضاع تسمح حتى نهاية حكم نميري بعقد مؤتمر ، بما في ذلك خلال الفترتين القصيرتين للاسترخاء السياسي اللتين صاحبتا إجازة الدستور عام 1973 والمصالحة عام 1977.
ونفس الشيء يمكن أن يقال عن الأوضاع بعد 30 يونيو 1989 حتى يناير 2005 . غير أن الصورة تغيرت بعد انتفاضة أبريل 1985 التي أسقطت ديكتاتورية نميري واستعادت الديمقراطية . وصار ممكنا بالفعل ضمن أمور أخرى ، عقد المؤتمر الخامس للحزب الشيوعي متأخراً 20 عاماً تقريباً .
كما يمكن القول إنه منذ 2005 صار ممكناً الشروع في الإجراءات العملية لعقد المؤتمر . وكانت المناقشة العامة التي أُفتتحت بقرار من اللجنة المركزية عام 1992 قد عكست رغبة حقيقية لدى الأغلبية الساحقة من الشيوعيين للتداول حول القضايا التي تشكل جدول أعمال المؤتمر الخامس . وتقدم نتيجة المناقشات أساساً متيناً لتطوير حزبنا وتعزيز وحدته .
يمكن القول أن السبب الرئيسي لتعطيل انعقاد المؤتمر كان تغليب الاعتبارات التأمينية لسلامة الحزب وكوادره على ضرورات التمسك بقواعد النظم الحزبية ومبادئها. ولقد كان في الإمكان اختيار وتطبيق بدائل تتيح عقد المؤتمر بتنازلات في بعض الجوانب ( مثل عدد أعضاء المؤتمر) بأشكال التفويض ، تجنباً لغيابه أكثر من أربعين عاماً . وهو تقصير جسيم تتحمل مسئوليته دون شك اللجنة المركزية .

الفصل الأول
الوضع العالمي والإقليمي

أ-التجربة الاشتراكية السوفيتية
ب-تجربة النمط السوفيتي والماركسية
ج- العولمة
د- العالم الثالث: أفريقيا والعالم العربي والتطورات في بعض بلدان أمريكا اللاتينية وجنوب شرق آسيا

أ- التجربة الاشتراكية السوفيتية:
مترسمين خطى المدرسة الموضوعية في علم التاريخ، نبتعد عن حرف "لو" الشرطي في تقويمنا للتجربة الاشتراكية السوفيتية، التي أمتدت في الزمان لما يقرب من ثلاثة أرباع القرن (1917- 1991). وقد حققت هذه التجربة خلال هذا المدى الزمني انتصارات كبيرة وباهرة، وكذلك ارتكبت أخطاء كبيرة ومدمرة. فهي تجربة إنسانية رائدة جديرة بالتقويم الموضوعي واستخلاص الدروس المناسبة منها للتزود بها مستقبلاً. فالتاريخ نفسه يعلمنا ان الهزيمة والفشل ما هما إلا مأساة كارثية تثير كوامن الأسى والحزن والغضب الثوري النبيل. والنضال ، كما قال كارل ماركس، لا يسير دوماً في خط صاعد إلى النجاح. ولكن تكرار الهزيمة والفشل مرة بعد أخرى بأثر ذات العوامل والأسباب التي قادت لهما في المرة الأولى، فهو ملهاة بائسة لا تثير إلا الرثاء والسخرية ولا تستحق غير اللعنات.
والواقع ان هناك محاولات عديدة جرت، ولاتزال تجري، لقطع الطريق أمام التقويم الموضوعي لتلك التجربة. فهناك مثلاً الدعوة لفتح ملف صراعات البلاشفة مع خصومهم السياسيين مجدداً، ومن ثم الوصول لإستنتاج مفاده ان ثورة اكتوبر الاشتراكية كانت خطأً تاريخياً كبيراً وكفى !! وفي ذات السياق هناك الزعم بان الاشتراكية السوفيتية لم تولد من رحم رأسمالية متطورة، وبالتالي لم يكن هناك مجال لإصلاحها من الداخل وتصحيح مسارها، بل انه كان مكتوباً لها الهلاك المحتوم والأكيد في نهاية الأمر.
ومن ناحية أخرى هناك المنبهرون بالتجربة السوفيتية للدرجة التي يستبعدون معها كلية وجود أية أسباب داخلية للإنهيار. ويعزون بالتالي ما حدث من انهيار للتآمر والضغوط الخارجية وخيانة بعض القادة السوفييت. وبطبيعة الحال ما كان بإمكان تآمر وضغوط الامبريالية، وسباق التسلح الذي كان يمتص ثلث الدخل القومي السوفيتي سنوياً، ونشاط أعداء الاشتراكية داخلياً ان ينجح في مرماه لو لا وجود أخطاء داخلية في تجربة النمط السوفيتي.
وهناك التقويم الذي يروّجِ له مفكرو الامبريالية الذين طووا جميع الصفحات، وزعموا ان الصنم الماركسي بالذات قد سقط بصوت أكثر دوياً في الانهيار الاشتراكي الكبير، وان المسمار الأخير قد تم دقه في تابوت البديل الماركسي لليبرالية الغربية. ثم ينشط هؤلاء المفكرون في إرساء منظومة مفاهيم وطروحات ما بعد الماركسية والصراع السياسي / الاجتماعي على حد زعمهم.
مهما يكن الأمر، فان البحث والتقصي سيستمر لسنوات عديدة في التجربة الاشتراكية السوفيتية، للوقوف على مجمل العوامل الداخلية والخارجية التي أودت بها للانهيار. وهناك حالياً رؤية جديدة لأسباب الانهيار عبّرت عن نفسها في عدد من المؤلفات الحديثة، وعموماً الموضوع برمته يحتاج منا لتمحيص شديد خاصة ونحن لم نلامس تلك التجربة بعمق. ولكن ما يمكن قوله بكل اطمئنان، إن انهيار التجربة الاشتراكية السوفيتية جاء نتيجة لانعدام الديمقراطية الذي قاد لتفاقم أخطاء لا مفر منها مع تجربة جديدة. إن ما انهار حقيقة هو النموذج الستاليني للاشتراكية وليس الحلم الاشتراكي والنظرية الاشتراكية التي تحتاج طبعاً للتجديد الثوري الجذري بما يجعلها قادرة على تقديم بديل اشتراكي علمي، واقعي وديمقراطي.
غير ان تزامن التصدع والانهيار في بلدان اشتراكية عديدة، وفي نماذج التطور اللاراسمالي المترسم خطى النمط السوفيتي في انحاء مختلفة من العالم، كفيل بان يلفت الانتباه لوجود سلبيات وأخطاء داخلية مشتركة في تلك التجارب مهدت الطريق للهزيمة وقادت لها.

فما هو الإطار العام الذي نقّوم على ضوئه تلك التجربة الرائدة؟
لقد كانت ثورة اكتوبر الاشتراكية ثورة عمالية وشعبية حقيقية باعتراف خصومها جميعاً. ورغم حروب التدخل والحصار الاقتصادي من الدول الإمبريالية، ومن القوى الطبقية الداخلية التي كانت تشكل دعامات اجتماعية للنظام القيصري شبه الإقطاعي، صمدت وانتصرت. ثم خاضت معارك بناء مستقلة تمكن بأثرها الاتحاد السوفيتي من اختراق جبهة الرأسمالية العالمية ووصل إلى مصاف قوة عالمية عظمى في زمن قياسي وجيز. واستناداً إلى انجازاته الاقتصادية الكبيرة تمكّن من تحقيق قدر ملموس من العدالة الاجتماعية والرفاه لشعوبه، كما تجلى في كفالة حق العمل وتلبية الاحتياجات المعيشية والخدمية. كما تمكن من الإسهام الأكبر في دحر الفاشية والنازية، ومن دعم حركات التحرر الوطني في النضال ضد الاستعمار. لقد خسر الاتحاد السوفيتي عشرين مليوناً من البشر, غير الخسائر المادية الرهيبة في الحرب العالمية الثانية التي كانت امتدادا لحروب التدخل ضد الثورة البلشفية. وفقد مئات الألوف من الشيوعيين أرواحهم في القتال ضد العدوان النازي والفاشي. وحقيقة هزت الثورة البلشفية العالم ووضعت حداً لقطبيتة الأحادية، وحركت ساكن وكوامن الثورة في كل أرجائه.
غير ان حالة الحصار التي فرضت على الاتحاد السوفيتي، وتخلف الريف السوفيتي، وفشل الثورة في بلدان غرب اوربا المتطورة صناعياً، وفي ألمانيا بالذات، قادت جميعها لأن يراجع البلاشفة حساباتهم وأسبقياتهم استناداً إلى معطيات الواقع الداخلي المحدد والملموس حفاظاً على تأمين انتصارهم التاريخي. فقدم لينين على سبيل تصحيح المسار والخروج من المأزق الذي وجد البلاشفة أنفسهم فيه، ما عُرف بالسياسة الاقتصادية الجديدة لتحل محل الشيوعية الحربية التي فرضها التدخل الأجنبي لتنكيس رايات ثورة أكتوبر . ورمت السياسة الاقتصادية الجديدة للتراجع المحسوب عن بعض قضايا التحول الاشتراكي المباشر، ولإفساح المجال للرأسمالية المحلية والاستثمارات الأجنبية، بهدف توسيع القاعدة الاقتصادية والاجتماعية لنظام اكتوبر في المدينة والريف. واستناداً إلى هذه السياسة تم إحراز نجاحات لا يستهان بها اقتصاديا واجتماعياً. غير ان قصور السياسة الاقتصادية الجديدة تجلّى بصفة خاصة في الجانب السياسي،إذ لم يصاحب التعددية الاقتصادية والاجتماعية التي اعتمدتها تعددية سياسية بأي مستوى من المستويات.
وبديلاً لمواصلة السياسة الاقتصادية الجديدة، واستكمال نقائصها في الجانب السياسي، عمد ستالين بعد وفاة لينين المبكرة، إلى تجاوز هذه السياسة كلية، وبدأ السير قدماً في فرض التحول الاشتراكي المباشر عن طريق:
- ضرب مصالح البرجوازية في المدينة والريف.
- فرض المزارع الجماعية والتعاونية في الريف السوفيتي بالقوة والقسر.
- إعطاء الأسبقية للصناعة الثقيلة.
- تجاوز أسس الحل الماركسي الديمقراطي للمسألة القومية وفرض اتحاد فدرالي لقوميات وشعوب الإمبراطورية القيصرية.
وهكذا قطع ستالين الطريق أمام تصحيح المسار، وتخطى القوانين الموضوعية الماثلة وقتها للتطور الاقتصادي والاجتماعي وقفز فوقها. ثم أقدم على ضرب واحتواء المعارضة العمالية والحزبية لسياساته بفرض تعميمات نظرية مغلوطة على غرار: " تنامي شراسة العدو الطبقي كلما تصاعد البناء الاشتراكي"، وجرى اتخاذ مثل هذه التعميمات النظرية تكأة لتصفية الخصوم السياسيين داخل الحزب نفسه بوصفهم امتداداً للعدو الطبقي. وضرب الديمقراطية وفرض الشمولية والدولة البوليسية ومن ثم سلب حق العاملين في الإضراب وحوّل النقابات والسوفيتيات إلى تنظيمات سلطوية، بل أن شعار ( كل السلطة للسوفيتيات ) تحول في واقع الأمر إلى شعار كل السلطة للحزب الذي لم يسلم هو الآخر من السلطوية .
إن غياب الملكية الاجتماعية لوسائل الانتاج والتسيير الذاتي للعملية الانتاجية والحريات السياسية والنقابية والقومية جعل النظام الاقتصادي / الاجتماعي للاشتراكية السوفيتية أقرب إلى رأسمالية الدولة وليس نظاماً اشتراكياً. لقد قادت الستالينية في الواقع لتكريس التطابق المتعسف بين مفهوم ملكية الدولة ومفهوم الملكية الاجتماعية لوسائل الانتاج. ان حجب الإرادة المستقلة لحركة الجماهير افقد النظام السوفيتي جهازه المناعي الكفيل بتقويم السلبيات وتصحيح المسار، وأدخله في متاهات الجمود والانغلاق. ورفد هذا العامل ودعمه اجتماعياً، تشكل وتخلق فئات بيروقراطية مميزة ومحافظة في إدارات الاقتصاد والدولة.
لقد قاد زخم الثورة البلشفية ومنجزاتها وحروب التدخل ضدها إلى توحيد الجبهة الداخلية لكل قوميات وشعوب الاتحاد السوفيتي. ولكن هذه الحقيقة يجب أن لا تحجب عنا أنه ونقيضاً للطرح الماركسي بالحل الديمقراطي للمسألة القومية اقتصادياً واجتماعياً وسياسياً وثقافياً، وكفالة حق تقرير المصير كحق ديمقراطي أصيل، فرضت الستالينية اتحاداً فدرالياً لا مكان فيه لحق تقرير المصير إلا بصورة شكلية وبعد انجاز التحول الاشتراكي! ومهّد هذا الطريق لتنامي شوفينية القومية الروسية الأكبر وإلى تعقيدات خطيرة في المسألة القومية.
وبعد الحرب العالمية الثانية، وعلى ضوء نتائجها، أخذ الاتحاد السوفيتي يلعب دور العّراب لإلهام أو فرض النمط السوفيتي بحذافيره على بلدان شرق أوربا الاشتراكية. وذلك رغم ان المنهج الماركسي الجدلي يشير إلى ان القوانين العامة التي تحكم مسار تطور المجتمعات البشرية، تتجلى بصور مختلفة ومتنوعة باختلاف وتنوع الواقع الموضوعي. وتحركت الجيوش والدبابات السوفيتية مرات عديدة لسحق وتنكيس رايات الانتفاضات الشعبية التي رمت للإصلاح والديمقراطية وتقويم سلبيات النمط السوفيتي في تلك البلدان. وكغطاء وتبرير لذلك التدخل الفظ كان يتم تشويه وابتذال الأهداف الحقيقية لتك الانتفاضات وطمس أهدافها وقواها الاجتماعية والسياسية. فهي حيناً أعمال تخريب نظمتها حفنة مرتدة تم طردها من قيادة الحزب، وحيناً آخر يتم إرجاعها لأثر الكنيسة المناوئ للاشتراكية لعدم انجاز الإصلاح الزراعي بصورة جذرية. وفي كل الأحيان يتم الترويج لدور المخابرات الأجنبية واتجاهات العداء للاشتراكية كمحرك لتك الانتفاضات الشعبية.
وبطبيعة الحال كان القهر والبطش يطول القوى الرامية للإصلاح والتجديد داخل الأحزاب الشيوعية نفسها. إن إفرازات الجمود والانغلاق والرأي الواحد الأحد في تجربة النمط السوفيتي لم تقد فحسب إلى طمس النظرة الانتقادية التي لا يتم إصلاح الخطأ وتصحيح المسار بدونها، بل أيضاً إلى رفضها كلية ومحاربتها.
صفوة القول ان النمط السوفيتي الذي جرى تسويقه بوصفه تجسيداً حياً للماركسية بلحمها ودمها، اكتنفته أخطاء عديدة. وان الذي قاد للإنهيار في نهاية المطاف لم يكن الماركسية، بل كان الابتعاد عن بعض مبادئها الأساسية. فالماركسية في جوهرها منهج علمي يتم الاسترشاد به في الوصول للقوانين التي تحكم التغيير الاجتماعي في هذا الواقع أو ذاك. انها نظرية تتنافى تماماً مع الأحادية والنمط الواحد والنموذج الصالح لكل زمان ومكان. ان فشل واخفاق مشروع تاريخي كان يدعي الانتساب للماركسية لا يعني ان الماركسية قد عفا عليها الزمن وتجاوزها.
لقد كانت هناك امكانية حقيقية للعلاج والإصلاح وتصحيح المسار في المؤتمر العشرين للحزب الشيوعي السوفيتي عام 1956. ولكن ما حدث في ذلك المؤتمر كان تعداد جرائم الستالينية دون تشخيص عميق لمسوغاتها النظرية والفكرية، ودون وضع اليد على مرتكزاتها الدستورية والقانونية القائمة في تجربة النمط السوفيتي. صحيح ادخل المؤتمر بعض الاصلاحات الديمقراطية الهامشية، وتم رد الاعتبار، دون شفافية تذكر لضحايا القهر الستاليني، غير ان النظام الشمولي المنغلق ظل قائماً بكل ركائزه ودعائمه النظرية والسياسية والقانونية بدون شخص ستالين. وأيضاً رغم ما توصل له ذلك المؤتمر حول امكانية الوصول للإشتراكية بطرق متعددة، تواصل التدخل الفظ في بلدان شرق أوربا الاشتراكية.
ثم هبت قوى الحرس القديم المنتفعة بسلبيات النظام (النومنكلاتورا)، مستفيدة من بقاء أركان وركائز النظام دون تغيير، لإلغاء إصلاحات المؤتمر العشرين على ضعفها وهشاشتها. فكانت المحاولة الانقلابية للإطاحة بخرتشوف عام 1957، ثم كانت المحاولة الانقلابية الناجحة التي أطاحت به في اكتوبر 1964.
وكذلك ذهبت أدراج الرياح كل محاولات الإصلاح الأخرى في ظل بقاء ركائز النمط السوفيتي. وكان جوهر تلك المحاولات يرمي إلى معالجة موجات الركود الاقتصادي المصاحبة لنمط رأسمالية الدولة والمركزة الصارمة بفتح هامش ضيق جداً لاقتصاد السوق الذي يحتمه واقع تعدد الانماط الاقتصادية، وبوضع خطط قصيرة المدى تفسح مجالاً لدور المنتجين في التخطيط والإدارة والحوافز المادية في حالة زيادة الانتاجية.
غير انه كما يقولون: لا يستقيم الظل والعود اعوج! لقد استعصى الخلل على الإصلاح لأنه خلل هيكلي وأساسي يرتبط ارتباطاً وثيقاً بركائز نظام النمط السوفيتي.
وإذا امعنا النظر في حركة البريسترويكا والغلاسنوست، أو إعادة البناء والصراحة والشفافية، نجدها لا تخرج من الإطار العام لترقيع نظام النمط السوفيتي. ما تميزت به حقاً هو ان جرعتها الإصلاحية كانت أكبر وأشمل وانها أتت متأخرة جداً وبعد ان اتسع الفتق على الراتق. وكان أقصى ما رمت إليه البريسترويكا هو إزالة أثار الستالينية من جمود وبيروقراطية وفساد. ولكنها انتهجت للوصول إلى هذا الهدف، ليس الطريق الثوري الراديكالي، بل طريق تمويه سوءات النظام الأساسية. فهي قد ألقت تبعات الجمود على برجنيف بينما هي عيوب هيكلية في النظام نابعة من رأسمالية الدولة والشمولية والمركزة الصارمة اقتصاديا وسياسياً وغياب الارادة المستقلة لحركة الجماهير المنظمة في الحزب والنقابات والسوفيتات والتي تحولت جميعها إلى تنظيمات سلطوية مسلوبة الإرادة.
لقد سعت حركة البريسترويكا في الواقع، مع الإبقاء على ركائز النظام الشمولي وحزبه الواحد، لتفكيك المركزة اقتصاديا. فعمدت لتوسيع النظام التعاوني واتاحة الفرصة للقطاع الخاص واقتصاد السوق في حدود بعينها واضفاء مسحة ديمقراطية على إدارات الاقتصاد والانتاج.
غير ان البريسترويكا فجّرت حركة نشطة لتفكيك وتغيير كل اركان النظام السوفيتي. وفي الواقع كانت الأمور في الاتحاد السوفيتي وبلدان شرق أوربا الاشتراكية كذلك، قد وصلت إلى درجة الأزمة المركبة والمتفاقمة والتي كان من الصعب، بل ومن المستحيل فيها، ألا يقود الشروع في تفكيك المركزية الاقتصادية لتفكيك الأنظمة بأسرها ومن جذورها.
ومن زاوية معينة فان حركة البريسترويكا، ركّزت على الإصلاح في الجانب الاقتصادي/الاجتماعي واهملت الجانب السياسي. فالغاء المادة 6 من الدستور والخاصة بالدور القيادي للحزب في السلطة والدولة والمجتمع في جمهورية روسيا الاتحادية مثلا لم يقرره الحزب وإنما تم إقراره رغماً عنه من قبل البرلمان الروسي. وفي هذا السياق فقد أتت لاحقاً وبعد فوات الأوان، الطروحات المستنيرة للمؤتمر 27 للحزب الشيوعي السوفيتي، حول الديمقراطية والرأي الآخر وعدم احتكار الحقيقة.
لا نقول ان البريسترويكا لو أهتمت بالجانب السياسي لتغير مسار الأمور، فما كان ذلك ممكناً. فقد تخطت أزمة الجمود والركود والفساد التي غرست بذرتها الستالينية، والتي ارتدت أبعاداً نوعية وصلت لكل خلايا المجتمع، نطاق الإصلاح من الداخل مهما كانت درجة ونوعية هذا الإصلاح الباطني.
والجدير بالذكر ان قوى الحرس القديم المحافظة والمنتفعة بالنظام وجموده وفساده (النومنكلاتورا)، والتي حاولت أجيالها السابقة قطع الطريق امام إصلاحات خرتشوف منتصف الخمسينات، ثم أطاحت به في منتصف الستينات، كررت ذات السيناريو مع قورباتشوف في منتصف الثمانينات. فقد سعت إلى عرقلة مسار البروسترويكا وإضعافها وإلى تعويق مسار الاصلاحات الاقتصادية ثم أخيراً لجأت للمحاولة الانقلابية الحمقاء الفاشلة في أغسطس 1991 والتي أعطت الضوء الأخضر ليس للإطاحة بقورباتشوف وحده، وانما أيضاً بسلطة الحزب وبالاشتراكية وبالاتحاد السوفيتي جميعاً.
ان جوهر ما يجب ان نتعلمه من التجربة السوفيتية، ونحن نناضل من أجل التغيير الوطني الديمقراطي وصولاً للأفق الاشتراكي، يرتبط مباشرة بقضية الديمقراطية. ونعني تحديداً الديمقراطية داخل الحزب والديمقراطية كحقوق لحركة الجماهير، والنأي بالحزب من السلطوية.، والاندغام في جهاز الدولة كشرط موضوعي لمواصلة العمل الثوري وتصحيح مساره.

ب-التجربة السوفيتية والماركسية:
لقد صدق تماماً من قال "ان النظرية رمادية، وشجرة الحياة خضراء يانعة ومتجددة ابداً"
ان الانهيار الاشتراكي الكبير قد اوضح بجلاء ان الفكر الاشتراكي يمر بأزمة عصيبة. وكان من الطبيعي ان يجري التساؤل في ظروف مثل هذه الأزمة عن جدوى النظرية الماركسية ذاتها التي انتجت وأفرخت مثل ذلك الفكر.
وسرعان ما بادرت ماكينة الدعاية الامبريالية، على سبيل التبشير بسرمدية وأبدية الرأسمالية والليبرالية الغربية، للترويج لدعاوي ومزاعم نهاية الأيدولوجيات والصراعات السياسية والاجتماعية. وقدمت بديلاً لها البراغماتية وصراع الحضارات والاستنزاف الحسابي،وغير ذلك من النظريات والمناهج التي تعبر في جوهرها عن موقف طبقي ماكر وناعم يسعى لتغبيش وتعمية الوعى الاجتماعي والسياسي . وقد درجت القوى الرأسمالية منذ نشأتها على صياغة مصالحها كما لو أنها مصالح كل الشعب .
ومن المعروف ان الماركسية ليست علماً تطبيقياً، وإنما هي منهج يتم الاسترشاد به لدراسة الواقع . وقد غدا المنهج الماركسي جزءاً من التراث البشري، وتختلف نتائج الاسترشاد به من بلد لآخر على ضوء خصائص واقعه. وقد أكد لينين أن كل بلد سيصل إلى الاشتراكية بطريقه الخاص . ونصح شيوعيي الشرق بترجمة الماركسية التي كتبت لشعوب غرب أوربا إلى لغاتها الخاصة التي يمكن أن تفهمها بها شعوبها. كما أكد ان التشكيلات الاقتصادية الاجتماعية التي تحدثت عنها المادية التاريخية لا تحكم تطور كل المجتمعات وقع الحافر على الحافر.و دعي مؤسسو الاشتراكية العلمية للاستفادة من كل الومضات الايجابية في التيارات الفلسفية والفكرية الأخرى . ومعروف أن فردريك انجلز قد أستند في كتابه ( أصل العائلة ) إلى أعمال المؤرخ والكاتب الإمريكي مورغان .
فالماركسية ليست هي فصل الخطاب، ولا هي الكلمة النهائية التي تطوى بعدها الصحف وتجف الأقلام. جوهر الماركسية هو منهجها الجدلي لدراسة الواقع. انها ليست عقيدة جامدة تتحجر في اصول نمطية عقيمة. والمنهج الماركسي لدراسة الواقع، وصولاً للقوانين العامة التي تتحكم في مسار هذا الواقع، قادر على تجديد نفسه على الدوام. انه منهج قابل للتعديل حذفاً وإضافة وفق ما تمليه ضرورات تجدد الواقع وحصاد التجارب النضالية والتطورات في العلوم الطبيعية والإنسانية.
يقول مؤسسا الماركسية، على سبيل المثال، عن هذا المنهج:
- انه حجر الزاوية لبناء يجب ان يشيد في جميع الاتجاهات ، ويجب ان يتجدد مع كل اكتشاف علمي جديد.
- انه منهج يتحول إلى نقيضه عندما نستخدمه كنمط جاهز نقيس عليه وقائع التاريخ، ونغصبها فيه غصباً لنرضي أهواءنا.
- ان الافتراضات النظرية ليست حتميات قدرية جبرية. انها لن تنزل إلى أرض الواقع دون توفر الشروط والظروف الموضوعية والذاتية اللازمة والضرورية لذلك.
- وقد قال كارل ماركس قولته الشهيرة رفضاً للجمود الذي يجرٍّد المنهج الماركسي من ديناميكيته ويجعله يدير الظهر للواقع المحدد والملموس... " إذا كانت هذه هي الماركسية فكل ما اعرفه انني لست ماركسياً".
فالماركسية استناداً لمنهجها ذاته، تقتضي النظر إليها في تاريخيتها، وليس كنصوص مذهبية لا يأتيها الباطل من بين يديها ولا من خلفها.
ويتفق الكثيرون في ان الخطاب الستاليني الشمولي المنغلق، قد اختزل الماركسية في برشامات نظرية ووصفات جاهزة وصالحة لكل زمان ومكان. وهذا أمر حولها إلى عقيدة جامدة تنضح بالاستعلاء والانغلاق والغرور المهلك.
الستالينية ، على سبيل المثال، اختزلت قوة الدفع للتطور التاريخي في الصراع الطبقي، بينما لم تسقط الماركسية وجود عوامل أخرى فاعلة ومؤثرة في ذلك التطور: ثقافية وقومية وغيرها. صحيح ان الاقتصاد محرك للتاريخ، ولكن هذه مقولة عامة ونسبية وتتطلب رفدها بعوامل أخرى ذات فعل وتأثير في الزمان والمكان حسب خصائص الواقع الماثل. وتأثر الحزب بالفعل بكتيبات ستالين المختزلة والمبتسرة حول المنهج المادي الجدلي والمادية التاريخية والاقتصاد السياسي.
ان الستالينية قد طمست بالفعل جوهر الماركسية. فبينما تقول الماركسية ان الحقيقة دائماً وأبداً نسبية، وان التطور دائماً وأبداً مطلق ولا سقف له، يدّعي الخطاب الستاليني الذي تبلور في ظل السلطة الشمولية والتسلط لنفسه الكمال والإحاطة الشاملة وتملك علم الماضي والحاضر والمستقبل. ولن تفضي مثل هذه النظرة الضيقة المتعصبة وغير العلمية إلاّ إلى ضرب الديمقراطية وهيمنة القلة وإلى رفض وتجريم الرأي الآخر. وحقيقة ما جدوى وما فائدة الرأي الآخر مع مثل هذا الخطاب الشمولي المنغلق؟!
والواقع ان المفاهيم الأساسية للماركسية غدت اليوم جزءاً لا يتجزأ من نسيج العلوم الاجتماعية المعاصرة. فالمفهوم المادي للتاريخ مثلاً قد أصبح أساساً للمدرسة الموضوعية في التاريخ بتيارها الكاسح الذي غمر كثيراً من الجامعات ومراكز البحث المتخصصة في جميع أنحاء العالم. ويتزايد الاعتراف بأثر اسلوب الانتاج المادي على البناء الفوقي. وفي العلوم السياسية يتأكد ان العوامل الداخلية لها قصب السبق والصدارةفي استقرار وتطور أنظمة الحكم قبل العوامل الخارجية.
ان اطلاق القول، بعد تجربة الانهيار في المعسكر الاشتراكي، بالاحتياج لنظرية جديدة بديلة للماركسية، مفارق للحقيقة تماماً. ان الاحتياج الماثل ليس هو التخلي عن الماركسية، بل هو القيام باختراق جديد في حقل النظرية، استناداً للمنهج الماركسي ذاته، للوصول إلى ماركسية عصر الثورة التكنولوجية والقرن الحادي والعشرين. وغني عن القول ان التخلي عن الماركسية لن يقود إلاّ للرجعية السياسية والاجتماعية، فلا حركة ثورية بدون نظرية ثورية. كما ان دعوة بعض الماركسيين للتواضع، واعتبار الماركسية كسواها من الفلسفات السابقة التي تجاوزها الزمن وانتهي عمرها الافتراضي، دعوة باطلة تعكس بصورة مزدوجة التمويه لتغطية الهروب والرعب والهلع الناجمين عن تراجع وانحسار الحركة الثورية في العالم. إن الاختراق الذي نطرحه في حقل النظرية يشمل جوانب عديدة منها ، بما في ذلك أسهام لينين بنظرية الاستعمار كمرحلة أعلى في تطور الرأسمالية . ومعروف أن أسهام لينين هنا كان محكوماً بعصره حيث أعتبر الامبريالية رأسمالية محتضرة . لكن الرأسمالية استطاعت أن تمدد عمرها وتنجز الثورة العلمية التقنية وتسخر انجازات هذه الثورة في تطوير إنتاجية العمل .

الحقوق الديمقراطية ودور حركة الجماهير
مفاهيم محورية في التحول الاشتراكي:
تشير الماركسية إلى ان التحول الاشتراكي عملية تطور اجتماعي/تاريخي وليس هندسة اجتماعية يتم إخضاع الواقع الموضوعي وقوانين سيره الموضوعية قسريا لها. فالتحولات الاجتماعية في الماركسية لا تصنعها الأقليات الفدائية أو الطليعية، وانما تأتي من خلال الصراع الطبقي والاجتماعي والسياسي. وبطبيعة الحال كذلك لا يحققها مستبد عادل يمتطي صهوة نظام شمولي لإحقاق الحق وانصاف المظلوم. فلا حق ولا عدالة تحت مظلة الاستبداد والطغيان. كما لا تعتمد التحولات الاجتماعية على دور فردي لقائد فذ أو نخبة صفوية تمسك حركة التاريخ والتطور الاجتماعي بين يديها من جميع النواصي وتطوٍّعها لإرادتها الثورية. بل تقول المفاهيم الماركسية ان الجماهير هي القوى المحددة في صنع التاريخ وفي انجاز التحولات الاجتماعية. ومن أجل هذا تقوم اركان التكتيك الماركسي وأساليب عمله على تنمية حركة الجماهير، والحضور الفاعل للجماهير المنظمة ومراكمة العمل الثوري بصورة مثابرة وصبورة.
ان الإمكانية للتحول الاشتراكي لا تتوفر إلا عندما تنضج الظروف موضوعياً وذاتياً لذلك. ولذا يقول كارل ماركس في مقدمة كتابه"اسهام في نقد الاقتصاد السياسي":
"ان تشكيلاً اجتماعياً معيناً لا يزول قبل ان تنمو كل القوى الاجتماعية التي يتسع لاحتوائها. ولا تحل قط محل هذا التشكيل علاقات انتاج جديدة ومتفوقة ما لم تنفتح شروط الوجود المادي لهذه العلاقات في صميم المجتمع القديم نفسه. ومن أجل ذلك لا تطرح الإنسانية على نفسها قط سوى مسائل قادرة على حلها. ذلك انه إذا نظرنا إلى الأمر عن كثب، وجدنا ان المسألة نفسها لا تظهر إلاّ حين تتوافر الشروط المادية لحلها، أو حين تكون على الأقل على أُهبة التوافر".
فالتحول الاشتراكي في الماركسية لن يكتب له النجاح إلاّ إذا أتى لضرورة موضوعية اختمرت عناصرها وشروطها ومقوماتها في احشاء المجتمع القديم. وبالتالي تضحى أية محاولة لفرض التحول الاشتراكي في واقع لم ينضج له بعد، مجرد معاندة لقوانين التطور التاريخي والاجتماعي الموضوعية وقفزاً فوق المراحل ولن يكتب لها النجاح والاستمرارية. وبالإمكان القول بكل اطمئنان ان القفز للثورة الاشتراكية دون توفر المقومات الضرورية لها لن يفضي إلى الاشتراكية بل سيقود بالضرورة إلى طغيان الأقلية والبيروقراطية. إن التعميمات النظرية الخاطئة للنمط السوفيتي حول الأزمة العامة الثالثة للنظام الرأسمالي وعصر الانتقال للإشتراكية وقدرات الديمقراطيين الثوريين في هذا الصدد، لم تقد إلاّ لتشجيع التكتيك الانقلابي.
وينبغي الإشارة هنا إلى انه لا توجد في مؤلفات مؤسسي الماركسية تأكيدات أو حتى تلميحات بان الاشتراكية ترفض الديمقراطية التعددية أو تستبعد نظام تعدد الأحزاب. صحيح انهما أشارا لأوجه القصور في الديمقراطية البرجوازية وخاصة تحكم الرأسمالية في آلياتها وإغفالها للديمقراطية الاجتماعية، ولكن الواقع ان مؤلفات ماركس وانجلز بدءاً من كتاب "الأيدلوجية الألمانية" تعج بالحديث عن مفهم "الديمقراطية" و "الرقابة الشعبية" و"الرقابة الشعبية المباشرة". وطبيعي إنه لا مكان لرقابة شعبية من أي نوع وبأي درجة في ظل الشمولية، بل ان الرقابة الشعبية في مختلف تجلياتها وأشكالها لا تزدهر إلا في ظل الديمقراطية والإرادة المستقلة لحركة الجماهير المنظمة. ان ما حرص عليه مؤسسا الماركسية أكثر من غيره هو التأكيد بان الديمقراطية البرجوازية، بحكم سيطرة رأس المال على كل آلياتها وفعالياتها، لا تجسد سوى ديكتاتورية البرجوازية. وان الديمقراطية لن تقف على رجليها دون استكمالها بالديمقراطية الاجتماعية وستنبثق عن هذا الاستكمال في نهاية المطاف دكتاتورية البروليتاريا. أي ان دكتاتورية البروليتاريا من منظور مؤسسيْ الماركسية، لا تعني مطلقاً الشمولية وهيمنة الحزب الواحد وغيرها من سمات تجربة النمط السوفيتي. بل تفتح الطريق لأكثر النظم ديمقراطية في تاريخ الإنسانية. ويرفد هذا ما أشار له كارل ماركس بصفة خاصة عن ضرورة توفر القواعد والأسس الديمقراطية التي طبقتها كومونة باريس في الدولة الاشتراكية، مثل انتخاب جميع شاغلى المسئوليات بمن في ذلك القضاة مع كفالة حق سحب الثقة منهم في أي وقت . صحيح أنه وباستثناء ما ورد حول تجربة الكومونة ، لم تطرح الماركسية تعميمات نظرية مكتملة حول الدولة الاشتراكية . وبالتالي هناك احتياج ماس لتأصيل نظري جديد للدولة الاشتراكية في الظروف المعاصرة يتجاوز سلبيات تجربة دولة النمط السوفيتي .
ومعلوم أن ماركس كان قد أشاد بتجربة الكومونة في 1871 كأول سلطة عمالية في العالم، وذلك رغم تعدد الاتجاهات الفكرية والسياسية لقادتها، ورغم ضعف التيار الماركسي بالذات بين هذه الاتجاهات.
وتثبت الماركسية مفهوم التعددية في كل مؤلفاتها منذ البيان الشيوعي في عام 1848. لقد أشار ذلك البيان إلى أحزاب الطبقة العاملة في البلد المعين وليس إلى حزبها الوحيد.
وكذلك معلوم ان ثورة اكتوبر الاشتراكية لم تحجر نشاط حزب الاشتراكيين الثوريين وحزب المناشفة. وظل هذان الحزبان يتمتعان بالشرعية ويمارسان نشاطهما العلني بين الجماهير, وكان لهما وجود كثيف في السوفيتات المحلية والمركزية. بل أكثر من ذلك اشترك حزب الاشتراكيين الثوريين في السلطة السوفيتية واستنكف حزب المناشفة رغم دعوته للمشاركة.
ولا جدال حول ان الماركسية طرحت نظرياً وعملياً قيادة الحزب الماركسي للتحول الاشتراكي. ولكن هذا الطرح يقف، ليس كضربة لازب، وانما كفرضية نظرية وعملية واردة في ظل الانحسار الطبيعي في الصراعات الطبقية والاجتماعية والثقافية أبان التحول الاشتراكي، وهو أمر يطرح في جدول عمل الثوريين إمكانية توحيد الأحزاب العمالية والماركسية والديمقراطية. ولكن طالما ظل التعدد والتنوع قائما، اقتصاديا واجتماعياً وثقافياً، ستكون الإمكانية مفتوحة لتعدد الأحزاب.

ج- العولمة:
العولمة فترة جديدة في تطور النظام الرأسمالي.وقد أرتبط هذا النظام منذ بداية تشكله وتخلقه بالحاجة للأسواق في كل أنحاء المعمورة، وبالتالي أسبغ طابعاً عالمياً علي الإنتاج والاستهلاك. فالعولمة في جوهرها هي تعبير عن اتجاه موضوعي في مسار اقتصاديات وأسواق العالم نحو التكامل تحت هيمنة الاحتكارات العالمية، فالمدخلات الخارجية عبر الاستغلال الاستعماري للمواد الخام، والسيطرة على أسواق التصريف، ضربة لازب للنظام الرأسمالي ليعيد انتاج ذاته ويتجاوز أزماته.
وكان كارل ماركس قد تنبأ بمثل هذا التكامل العالمي غير المتكافئ، وأشار إلى انه سيسير في اتجاه إيجابي، وسيكون آلة رافعة للتقدم الإنساني والعدالة الاجتماعية في العالم تحت مظلة الاشتراكية. أما في ظل الرأسمالية فلن يقود إلاّ لتفاقم تناقضها الرئيسي وهو التناقض بين الطابع الاجتماعي العالمي للإنتاج، والتملك الخاص لوسائل الإنتاج.
وتستند العولمة إلى منجزات الثورة العلمية التكنولوجية التي أحدثت قفزة نوعية في وسائل الانتاج وفي الانتاجية. غير ان فيض الانتاج بأثر هذه القفزة لم يغير البتة، تحت مظلة العولمة، من طبيعة النظام الرأسمالي. فرغم ازدياد الطابع الاجتماعي للعملية الانتاجية عالمياً، بتنامي الاحتكارات الضخمة والشركات الكونية العملاقة عابرة القارات، إلاّ ان الملكية الخاصة لوسائل الانتاج تبقى وتتعزز. وقاد هذا إلى تجسيم التناقض الأساسي للرأسمالية، وإلى استقطاب طبقي أكثر حدة ووضوحاً. ان الحقائق الماثلة في الساحة العالمية تشير إلى ان العولمة لم تقد إلاّ لتغيرات سلبية كبيرة في الخرائط الطبقية والاجتماعية في العالم بأثر الغياب التام للعدالة الاجتماعية.
ان الفقراء يزدادون فقراً وعدداً، والأغنياء يزدادون غنىً ويقل عددهم. وهو أمر يفاقم ويعمق التفاوت الاجتماعي.
لقد تدهورت الأحوال المعيشية للطبقة العاملة، وكذلك الفئات الوسطى التي تعرضت أقسام واسعة منها للبطالة. وقد قاد التقدم التكنولوجي بفنونه ووسائله الانتاجية الجديدة تحت مظلة حركة العولمة إلى إلغاء ملايين الوظائف والمهن والى ارتفاع نسبة العطالة، وإلى زيادة استغلال الطبقة العاملة وزيادة فائض القيمة النسبي.
ووجدت حركة العولمة مناخاً ملائماً لها في عالم القطب الواحد بعد اختلال موازين القوى العالمية بانهيار التجربة الاشتراكية في بلدان المعسكر الاشتراكي. كما استفادت هذه الحركة للحد الأقصى من الحملة العالمية التي اطلقتها تحت أسم مكافحة الارهاب بعد أحداث 11 سبتمبر 2001 في أمريكا. وقد أصبح شعار مكافحة الارهاب تكأة وتبريراً لتنفيذ أهداف حركة العولمة. وبالإمكان القول ان الرأسمالية اليوم قد عادت سيرتها الأولى على سنوات سطوة الامبريالية وتحرك الجيوش والأساطيل عبر المحيطات لشن حروب التدخل والغزو والاحتلال.ولعل ابرز درس نستخلصه من التطورات في النظام الرأسمالي اليوم هو صمود الرأسمالية وقدرتها على تجديد نفسها و تجاوز أزماتها . وهو درس يقتضي مراجعة التعميمات النظرية للنمط السوفيتي حول الأزمة العامة الثالثة والأخيرة للنظام الرأسمالي ، وكذلك مراجعة مقولة لينين حول أن الاستعمار هو أعلى مراحل الرأسمالية .
وتسعى حركة العولمة لدمج اقتصاد كل بلد رأسمالي في الاقتصاد العالمي بتقوية الموقف التنافسي للصادرات في الأسواق الخارجية، وبالتالي تنتهج سياسات حرية التجارة وتكسير الحواجز والعقبات التي تقف أمام تدفق الرساميل والاستثمارات والسلع والخدمات.
وللعولمة خصائصها البنيوية وآلياتها المالية والاقتصادية والسياسية والعسكرية للوصول إلى هذه الغايات. وتتمثل هذه الآليات في البنك الدولي وصندوق النقد العالمي ومنظمة التجارة الدولية وحلف الاطلسي.
وداخل البلدان الرأسمالية المتطورة يسعى التحالف السياسي والاجتماعي لحركة العولمة المكّون من الليبرالية الرأسمالية الجديدة واليمين الديني، لتحميل اوزار الأزمات الرأسمالية على عاتق العمل والعاملين. ويستهدف هذا التحالف في المقام الأول ضرب المكاسب التاريخية للعاملين ... دولة الرفاه الكينزية، والانفاق الحكومي العام على الخدمات والأشغال العامة، تحت زعم انها قادت إلى انخفاص اسعار الفائدة و بالتالي إلى انكماش وتأزم النظام الرأسمالي. واستناداً إلى ذلك يسعى هذا التحالف اليميني داخل كل بلد رأسمالي إلى سلب حقوق العاملين الاجتماعية والسياسية بما في ذلك الضمان الاجتماعي وكفالة حق العمل وحقوق المرأة والأقليات والعمالة المهاجرة. وفي الواقع العملي عصفت حركة العولمة بدولة الرفاه الكينزية، ونبذت افكار العدالة الاجتماعية، وقلّصت إلى أدنى حد الدور الاجتماعي للدولة.
وبين اركانحرب حركة العولمة المكّّون من البلدان الصناعية المتطورة تلعب أمريكا دور العراب والقائد الفعلي. وتسعى أمريكا من خلال هذه الحركة لتوسيع الحيز الجغرافي لمفهوم الأمن القومي لأمريكا عبر التدخلات العسكرية والضربات الوقائية تحت مسمى الحرب العالمية ضد الارهاب. ولتنفيذ هذه السياسة العدوانية ستتجاوز الميزانية العسكرية للجيش الأمريكي 500 مليار دولار هذا العام (2007) وتتمتع الولايات المتحدة بوجود عسكري في 140 دولة، وتربطها بما مجموعه 36 دولة معاهدات للتعاون العسكري، وينتشر 400 ألف من جنودها في 800 قاعدة خارج الأراضي الأمريكية.
هذا إلى جانب ما تضطلع به أمريكا من دور في توسيع حلف الأطلسي وتوسيع نطاق ميادين عمله لتشمل كافة مناطق العالم.وتزامنت هذه السياسة مع استراتيجية منهجية لأمريكا لإضعاف الأمم المتحدة وتطويعها لتتماشى مع الإرادة الأمريكية غض النظر عن القانون الدولي والمعاهدات الدولية.
وفي العالم الثالث تسعى حركة العولمة لفرض طريق التبعية والنهج الرأسمالي وصولاً إلى أهدافها. وقادت مجمل عوامل دولية ومحلية للضغط على بلدان العالم الثالث للسير في ركاب ومعية حركة العولمة، وانتهاج ما عرف بطريق التحرير الاقتصادي أو الانفتاح الاقتصادي. أهم هذه العوامل هي:
* برامج التثبيت و التكيف الهيكلي لصندوق النقد والبنك الدولي.
* الشروط غير المتكافئة في التجارة الدولية.
* ارتفاع اسعار الفائدة على القروض.
* تدهور حجم المعونات الخارجية غير المشروطة.
* تبديد الفوائض الاقتصادية المحلية عبر الصرف البذخي والفساد.
* المديونية الخارجية التي بلغت أرقاماً فلكية.
وقادت مجمل هذه العوامل، وما يصاحبها من ضغوط وتهديدات وإملاءات ، خاصة مع غياب الديمقراطية وتسلط الأنظمة الدكتاتورية والشمولية، إلى فرض نهج التبعية، ونمو القوى الاجتماعية الداعمة لهذا النهج وخاصة فئات الرأسمالية الطفيلية في المدينة والريف.
وأسفرت تجارب التطبيق، بطبيعة الحال، عن تراجع القفزة الكبيرة في وزن الفئات الوسطي والطبقة العاملة، وتقلص وانحسار دورهما الاجتماعي والسياسي المؤثر والفعال في سنوات ما بعد الاستقلال الوطني في بلدان العالم الثالث. وكانت تلك القفزة قد تحققت بأثر دور الدولة في التنمية الاقتصادية ورفع مستوى المعيشة وزيادة الانفاق الحكومي على التعليم والصحة والإسكان، والتدخل الحكومي في آليات السوق عبر سياسات الدعم والتركيز والرقابة على الأسعار وقوانين الحد الأدني للإجور.

الفشل هو المصير المحتوم لسياسات العولمة:
بداية نشير إلى أن الفشل المحتوم مقصود به سياسات العولمة الراهنة وليس العولمة نفسها . فقد تجد الرأسمالية مخرجاً جديداً مثلما وجدته رأسمالية المنافسة الحرة في القرن التاسع عشر، ثم مخرجاً من الاستعمار القديم إلى الاستعمار الحديث ، ثم في العولمة ، ثم التوظيف المكثف لمنجزات الثورة العلمية التقنية .
لقد أسفرت حركة العولمة في سعيها لفرض النظام العالمي الجديد، عن صراع مستفحل بين المراكز الرئيسية الثلاثة للرأسمالية العالمية: الولايات المتحدة الأمريكية، غرب أوربا، اليابان. وتركّزت هذه الصراعات بصورة خاصة في مجالات الاستثمارات والتجارة. ويشهد العالم المعاصر صراع الضواري الإمبريالية في سعيها وراء مناطق النفوذ في مختلف انحاء العالم.
وتؤكد التطورات الجارية في العالم، ان سياسات العولمة لم تنقذ العالم الرأسمالي من الأزمات الاقتصادية والاجتماعية مثل الأزمة المزدوجة للتضخم والكساد في آن معاً وأزمة انهيار اسعار العملة والأزمة السياسية والاجتماعية الناجمة عن ازدياد حدة التفاوت الاجتماعي.
وتدور الصراعات الطبقية والاجتماعية في البلدان الصناعية المتطورة وتتنامى باضطراد وتائر الحركة النقابية والسياسية المناوئة لهيمنة الاحتكارات.ومن خلال هذا الصراع يتم إحراز مكاسب هامة لا يستهان بها لمصلحة العمل والعاملين. مثل الضمان الاجتماعي وحق العمل وغل يد الدولة عن التراجع عن الانفاق العام على الخدمات.وفي أكثر من بلد تم احياء التضامن النقابي بين العمال والفئات الوسطى والطلاب كما يتجلى في الحركة الإضرابية والمظاهرات وفي سيل المسيرات ضد البطالة والفقر والتهميش. لقد ارتدت المطالب النقابية في هذه البلدان أبعاداً أكثر راديكالية في مضامينها الاجتماعية. فإلى جانب المطالب التقليدية بزيادات الإجور وتحسين شروط الخدمة، أطلت برأسها مطالب جديدة مثل زيادة الانفاق الحكومي العام على الأشغال العامة والخدمات، والضمان الاجتماعي، وسن قوانين ديمقراطية للعمل تحول دون تشريد العاملين، وحماية البيئة وغيرها. ولكن الجوهر والأساس بالنسبة لكل المطالب يظل واحداً وهو انتزاع جزء أكبر من فائض القيمة لمصلحة العمل والعاملين.
وقاد تنامي الحركة النقابية وإحياء التضامن النقابي إلى عودة الحيوية إلى أوصال الأحزاب اليسارية والديمقراطية. وعلى المستوى السياسي قامت في العديد من البلدان الرأسمالية تحالفات سياسية عريضة مناوئة لهيمنة الاحتكارات.
ومن ناحية أخرى تنامت الحركة الجماهيرية المناوئة لسياسات العولمة الخارجية كما تجلى في الحملات العالمية الواسعة ضد غزو العراق، وفي التضامن مع الشعب الفلسطيني، وكذلك في التضامن مع بعض بلدان أمريكا اللاتينية التي رفضت نهج التبعية والخضوع للإمبريالية، وحققت مكاسب ملموسة لشعوبها بالسير على طريق التطور المستقل.
وفي العالم الثالث عامة تنمو وتزدهر حركة واسعة ونشطة تستهدف تكامل مقومات التنمية الإقليمية وإلغاء الديون وتعديل اتفاقات التجارة الدولية وإنشاء كتل تجارية إقليمية. وتتسع الدوائر الاجتماعية والسياسية التي تستبين مخاطر نهج التبعية على نهضة بلدانها وسيادتها الوطنية،وتستجمع هذه القوى قدراتها للإطاحة بالأنظمة الدكتاتورية والشمولية التي تكرس نهج التبعية وتدير الظهر لكافة الأبعاد الاجتماعية والبيئية.وهناك ثمة تحول يتسع مداه عاماً بعد عام من الحكم العسكري للحكم المدني في أكثر من بلد.

الآفاق مفتوحة أمام حركة الشعوب:
صحيح ان ما حدث من انهيار للتجارب الاشتراكية في المعسكر الاشتراكي السابق، قاد إلى اختلال حاد في موازين القوى العالمية، وإلى إضعاف حركة الطبقة العاملة والحركة الثورية على المستوى العالمي. ولكن ما راكمته البشرية من الوعي والتجارب وأدوات النضال في صراعها ضد الرأسمالية وإفرازاتها باق وراكز. ان غياب المعسكرالاشتراكي السابق لا يعني الانهيار التام والشامل والنهائي الذي لا قيامة بعده للقوى الثورية والاشتراكية وقوى التحرر الوطني. وحتى في بلدان المعسكر الاشتراكي السابق تستنهض القوى المعادية للنظام العالمي الجديد صفوفها بعد الهزيمة وتقِّوم تجاربها وتراجع وتنتقد أخطاءها وتعمل على تجديد نفسها. كما تقوم بطرح مطالب متجددة على رأسها الديمقراطية التعددية والتداول الديمقراطي للسلطة وحقوق الإنسان. وسجلت هذه القوى في أكثر من بلد انتصارات انتخابية برلمانية ورئاسية كبيرة.
ان زوال دولة الرفاه الكينزية وتقلص دور الدولة الاجتماعي إلى أدنى حد، وانزلاق الطبقة الوسطى إلى عداد الطبقة العاملة وسائر المحرومين، سيفاقم المشكلة الاجتماعية ويطرح في كل العوالم: الأول والثاني والثالث، ضرورة تجاوز النظام العالمي الجديد القائم على حركة العولمة. وهذا عامل موضوعي لنمو حركات رفض واحتجاج للوجه المتوحش لسلبيات حركة العولمة والنظام العالمي الجديد. ولقد تفجرت بالفعل حركة عالمية مناهضة للعولمة في انحاء مختلفة من العالم وبصفة خاصة في اوربا وأمريكا الشمالية وأمريكا الجنوبية وتكّون منبر عالمي واسع فكرياً وسياسياً واجتماعياً، ويتميز بمرونة تنظيمية عالية قاد تحركات جماهيرية واسعة ضد سياسات العولمة وآلياتها. ويطرح هذا المنبر مطالب اقتصادية واجتماعية وسياسية عديدة يرد بينها: إلغاء الديون، أسس عادلة ومتكافئة في التجارة الدولية، مناهضة العدوان والغزو والاحتلال، تقويم الاختلال في آليات الشرعية الدولية القائمة بانجاز إصلاحات في الأمم المتحدة ومجلس الأمن، تحديد دقيق لمصطلح الإرهاب يتم الاتفاق عليه من قبل كل الأطراف في مؤتمر للأمم المتحدة، إصحاح البيئة، نزع الالغام، محاربة الجفاف والتصحر، وغير ذلك من المطالب.
وتناضل مختلف الأحزاب الشيوعية والعمالية واليسارية والديمقراطية في العالم لدعم توجهات هذا المنبر وتوسيع آفاقه ورفع قدراته، لا لرفض ومناهضة حركة العولمة، ولكن لرفض الوجه المتوحش للعولمة والنظام العالمي الجديد، ولدعم وتغذية أعمال التضامن العالمي ضد العدوان. انه في الأساس،منبر إصلاحي ولا يشكل أممية اشتراكية جديدة . ويرفد التوجه العام ضد سياسات العولمة والحرب والعدوان. ما يواجهه الغزو الإمبريالي للعراق وافغانستان من صعوبات، فلم تستطع، لا القوات الغازية، ولا السلطات التي قامت تحت ظل الاحتلال، من إيقاف المقاومة والعنف ومن عودة الاستقرار والديمقراطية.
ومن ناحية أخرى تتهاوى على نطاق واسع، مزاعم مفكري الأمبريالية لتغبيش وعي الشعوب على شاكلة زوال بروليتاريا كارل ماركس من المسرح السياسي/ الاجتماعي العالمي، وبالتالي زوال الدعامات الاجتماعية لدعوة الاشتراكية، وتراجع شعارات ومفاهيم الوطن والوطنية بأثر العولمة، وغير ذلك من الأباطيل.
ويتأكد اليوم ان المحرك للصراعات في العالم ليس هو صراع الحضارات، بل هو الصراع السياسي/الاجتماعي الدائر تحت أبصارنا بلحمه ودمه في البلدان المختلفة وعلى المستوى العالمي.
كما يتاكد ان الحراك الاجتماعي المصاحب للثورة التكنولوجية لم يقد لزوال الطبقة العاملة ولا لنهاية الطاقات الثورية للفئات الوسطي. وبالتالي فان الدعوة لرأسمالية شعبية عن طريق التفاهم بين الطبقات في المجتمع الليبرالي لا تستقيم. وطبيعي جداً ان يقود التطور التكنولوجي إلى تغيرات هيكلية في بنية الطبقة العاملة تماماً كما أفرز تغيرات ملحوظة في بنية الرأسماليين والانتاج الرأسمالي. ان فترة المخاض الجديدة التي تعايشها الطبقة العاملة والتغيرات في بنيتها لا تبرر الزعم بنهايتها وزوالها. فالتغيرات البنيوية في تركيب الطبقة العاملة لن تغير من طبيعة الاستغلال الرأسمالي، ولا من الرسالة التاريخية للطبقة العاملة الجديدة وحلفائها لإقامة المجتمع الاشتراكي.
وقد قاد الحراك الاجتماعي المصاحب للثورة التكنولوجية إلى نشوء تحالفات أوسع للعاملين يدوياً وذهنياً. ان هذه التحالفات العريضة لقوى العمل تشكل دعامات اجتماعية اكثر قدرة على انجاز التحولات الاجتماعية والتغيير الاجتماعي.
كما ان قيٍّم ومفاهيم الوطن والذود عن السيادة الوطنية والتراث الحضاري تتنامى أمام خطر الذوبان في نهج الحضارة الغربية. ويتصاعد هذا النمو طرداً مع اتساع الحركة المناوئة لنهج التبعية ودعاماته الاجتماعية المحلية التي ترضخ لإملاءات وشروط النظام العالمي الجديد.

د‌- العالم الثالث:
لمحات من أفريقيا والعالم العربي وأمريكا اللاتينية وآسيا:
(1) أفريقيا:
القارة الأفريقية غنية بمواردها وخيراتها في ظاهر الأرض وباطنها. فهناك الثروات النفطية والغاز الطبيعي. وهناك المعادن بما في ذلك النحاس والذهب والماس واليورانيوم وغيرها. وهناك الثروات المائية والزراعية والحيوانية التي لا ينضب لها معين. ورغم ذلك تعاني البلدان الأفريقية من واقع التخلف، وتثقل كاهلها الاقتصادي المديونية الخارجية بارقام فلكية، ويعاني المواطن الأفريقي في معظم البلدان الأفريقية من الفقر والجهل والمرض وتحصده الأوبئة والمجاعات والحروب.
ولم يقد انتاج النفط في بعض البلدان الأفريقية، وارتفاع أسعاره عالمياً، إلاّ إلى زيادة الفساد وتقوية القبضة الاستبدادية للأنظمة الشمولية الحاكمة، وإلى إهمال تنمية الثروات التقليدية الزراعية والحيوانية. وفي معظم البلدان الأفريقية المنتجة للنفط لا يتم إلاّ تكريس نسبة ضئيلة للغاية من عائداته في رفع مستوى حياة الملايين من الفقراء. والواقع ان البلدان الأفريقية المنتجة للنفط جنوب الصحراء تنتج أكثر من 11% من جملة الانتاج النفطي العالمي. وتحتل نيجيريا مكان الدولة الأعلى انتاجاً بين هذه الدول (2.5 مليون برميل في اليوم)، ورغم ذلك نجد ان اكثر من 90 مليون من سكانها البالغ عددهم 130 مليون يعيشون تحت خط الفقر. كما يرتفع التساؤل في تشاد والسودان وغيرهما عن أين تذهب أموال النفط المتزايدة في وقت تتدنى فيه أحوال المواطنين المعيشية.
لقد حالت عدة عوامل وأسباب دون التنمية والتغيير الاجتماعي في البلدان الأفريقية على رأسها:

* التدخلات الاستعمارية لنهب الثروات الأفريقية من المعادن ومواد الطاقة، وقطع الطريق في وجه سير البلدان الأفريقية في طريق التطور المستقل والنهضة الزراعية الصناعية الثقافية الشاملة. وتتبارى الضواري الاستعمارية حالياً، وفق سياسات العولمة والنظام العالمي الجديد، لبسط مناطق النفوذ والسيطرة من جديد على موارد أفريقيا النفطية والمعدنية، تماماً كما كان عليه حال الصراع حول النحاس في إقليم كاتنقا في الكنغو مطلع ستينات القرن الماضي.

* الأنظمة الانقلابية والشمولية التي تصادر أي دور مستقل للجماهير الشعبية وتنتهج طريق التبعية والرضوخ لإملاءات النظام العالمي الجديد، وتفتح الباب لاستشراء الفساد وسياسات المحاباة التي تؤجج النزاعات العرقية والدينية، بل وتقود إلى انهاء وجود الدولة ذاتها كما حدث في الصومال.

* الطريق المسدودالذي وصلت إليه طروحات الاشتراكية الأفريقية أو اشتراكية القرية، وعجزها عن تقديم نموذج عملي على أرض الواقع للتطور المستقل. وكذلك الفشل في انجاز التحول الديمقراطي والتغيير الاجتماعي على أيدي الأحزاب اليسارية التي تتمسك بالقشور دون اللباب في طروحاتها الاشتراكية وتترسم خطى الشمولية والحزب الواحد في تجربة النمط السوفيتي المنهارة.

* النزاعات الدامية باسباب تعدد الإثنيات والأعراق والأديان والخلاف حول ترسيم الحدود، والفشل في حل المسألة القومية حلاً ديمقراطياًُ عادلاً، وما يقود له كل ذلك وغيره من هشاشة وضعف المجتمع المدني.

خارطة الطريق لمواجهة مشاكل أفريقيا
ان المفتاح لحل مشاكل أفريقيا المزمنة يكمن في قيام تحالفات واسعة لكل القوى والتنظيمات السياسية والنقابية والجهوية والقومية بما يمليه واقع التعدد والتنوع في بلدان أفريقيا، لانهاء الأنظمة الشمولية الاستبدادية وفتح الطريق لقيام أنظمة ديمقراطية تعددية تضطلع بمهام:
- انجاز التحول الديمقراطي وكفالة حرية التنظيم والتعبير واستقلال وحرية النقابات وسائر منظمات المجتمع المدني، بما يرسي آليات فعالة للتنمية المتوازنة ورتق النسيج الاجتماعي ومحاربة الفساد. ذلك ان الرقابة الشعبية التي يوفرها التحول الديمقراطي هي الكفيلة حقاً بانجاز التنمية ومحاصرة الفساد. وفي هذا الإطار، وليس خارجه، يستقيم مقترح النيباد (الشراكة من أجل التنمية في أفريقيا) حول تكوين آلية للمراقبة والمحاسبة الذاتية للبلدان الأفريقية.
- الحل الديمقراطي للمسألة القومية والإثنية بما يقود للوحدة الراسخة والطوعية في إطار التعدد والتنوع. فالإثنية ليست لعنة أو قدراً مسطراً لا فكاك منه، وفي الواقع لعبت الإثنية دوراً كبيراً في معارك التحرر من السيطرة الاستعمارية المباشرة في الكثير من البلدان الأفريقية. غير ان السياسات الخاطئة للأنظمة الشمولية، وخاصة قطع الطريق أمام التحول الديمقراطي في قاع المجتمع، والكيل بمكيالين في التعامل مع الاثنيات والجهويات كالمحاباة من جانب والتهميش من الجانب الآخر قاد لان تتحول الاثنية إلى بؤرة ملتهبة للفرقة والشتات والنزاعات المتواصلة.
وتتحول الاثنية إلى مصدر فوة ووحدة باعتماد صيغ الحكم اللامركزي والفدرالية والحكم الذاتي حسب واقع الحال والاقتسام العادل للسلطة والثروة، وانجاز التحول الديمقراطي. أي بالحل الديمقراطي للمسألة القومية سياسياً واقتصادياً واجتماعياً وثقافياً.
إن الحل أحادي الجانب للمسألة القومية، والذي يتلخص فقط في التمدد في الحكم اللامركزي بزيادة عدد الأقاليم والولايات كما في نيجيريا، لن يقود إلى حل ديمقراطي عادل للمسألة القومية. فقد ارتفع عدد الولايات في نيجيريا من 3 إلى أكثر من 30 دون ان يقود مثل هذا الحل الاحادي إلى وضع نهاية للصراعات الدامية في هذا البلد على أسس عرقية ودينية.
- يقف التكامل الاقتصادي الأفريقي بين البلدان المتجاورة وخاصة في مجال تصنيع المدخلات الضرورية عالية التكلفة للتنمية الزراعية، رافداً هاماً على طريق انتهاج هذه البلدان لطريق التطور المستقل.
- رفع قدرات البلدان الأفريقية على مواجهة سياسات العولمة والنظام العالمي الجديد،بما يقتضي دعم التكتلات الإقليمية القائمة وتطويرها، وإقامة تكتلات جديدة أوسع، على سبيل تقوية ضغوط أفريقيا بصورة جماعية من أجل تعديل شروط التبادل التجاري العالمية غير المتكافئة وفرض أسعار مجزية وعادلة للمحاصيل الزراعية الخامة والمحوّلة وإلغاء الديون .. الخ.
- تفعيل بنك التنمية الأفريقي.
- تطوير ميثاق الاتحاد الأفريقي ليشمل التضامن بين شعوب القارة في قضايا الحريات وحقوق الإنسان ومواجهة الأنظمة الشمولية والتدخلات الأجنبية. ولعل قراريْ مؤتمريْ الاتحاد الأفريقي الأخيرين بالخرطوم 2006 وباديس أبابا في 2007 برفض رئاسة السودان للإتحاد من منطلق إهدار حكومة السودان لحقوق الإنسان وارتكابها جرائم حرب في دار فور، يقفان دليلاً على إمكانية تطوير الميثاق. كما يعيدان لأذهان الشعوب الأفريقية أصداء حملة التضامن الواسعة، على المستويين الرسمي والشعبي، مع شعب الكنغو على أيام اغتيال بطل أفريقيا باتريس لوممبا مطلع ستينات القرن الماضي. كما يتطلب تطوير الميثاق، تقوية العلاقات البرلمانية وجعلها مستقلة عن الحكومات والأجهزة التنفيذية .
والواقع ان الأعوام الأخيرة شهدت بعض التحولات في أفريقيا من الحكم الشمولي إلى الحكم الديمقراطي التعددي.وفي هذا الإطار يقف انتصار شعب جنوب أفريقيا بقيادة نلسون مانديلا على نظام التفرقة العنصرية، على رأس هذا التحول. وتمكنت ليبيريا بعد طول معاناة وصراعات دموية من إقامة نظام ديمقراطي تعددي فتح الطريق لإصلاحات ديمقراطية وتنموية. وكذلك جرى تحول ديمقراطي بهذا القدر أو ذاك في عدد من دول القارة مثل أثيوبيا ونيجيريا وكينيا ويوغندا وتنزانيا والكنغو والسنغال وموريتانيا.

(2) العالم العربي:
وفي العالم العربي تتربع على دست الحكم في الكثير من بلدانه، انظمة استبدادية تعبٍّر عن مصالح شبه الاقطاع والرأسمالية الطفيلية والكمبرادورية. وتنتهج هذه البلدان نهج التبعية للنظام العالمي الجديد. وبأثر هذا جرى التراجع عن مكاسب هامة احرزتها الشعوب العربية ابان النهوض في حركة التحرر الوطني العربية، بما في ذلك دعم وتوسيع القطاع العام وانجاز الإصلاح الزراعي بهذه الدرجة أو تلك من الراديكالية، وزيادة الانفاق الحكومي على الخدمات والاشغال العامة، وكذلك المواقف الإيجابية من الامبريالية والاستعمار الإستيطاني الاسرائيلي لفلسطين.
ورغم ان السنوات الأخيرة شهدت ارهاصات لتحولات ديمقراطية بأثر نضال الشعوب العربية في الجزائر والمغرب وموريتانيا وتونس ومصر إلا انها لاتزال هشة وفوقية. وتتأكد في بلدان العالم العربي ضرورات:
* النضال مع الشعوب العربية لاستعادة قدرات حركة التحرر الوطني العربية كأداة أساسية في النضال من أجل انهاء السيطرة الامبريالية ورفض طريق التبعية. وفي هذا المقام تبرز أهمية مواجهة خطر التفتت عبر الانقسام السني/الشيعي الذي يضعف طاقات الشعوب العربية في مواجهة الإمبريالية، والتصدي لإهدار حقوق الأقليات القومية والدينية. كما تبرز أهمية تنمية وتطوير العلاقات بين التيارات اليسارية والديمقراطية والقومية والاسلامية المستنيرة.
* قيام تحالفات عريضة على طريق النضال لإنهاء الأنظمة الشمولية واستعادة الديمقراطية والحريات وتدشين طريق التطور المستقل. ان المشروع الأمريكي للإصلاح الديمقراطي في بلدان الشرق الأوسط يظل فوقياً وخارجياً وضعيف المردود دون قيام مثل هذه التحالفات الشعبية العريضة.
* استثمار العامل القومي العربي في استجلاب أوسع تضامن لدعم خيار شعب فلسطين وتوحيد الجبهة الفلسطينية الداخلية.
* حشد أوسع الطاقات السياسية والدبلوماسية لفك الجمود أمام التسوية السلمية للصراع الفلسطيني/الإسرائيلي بتصفية الاحتلال وقيام الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية على حدود عام 1967 وعودة اللاجئين من المخيمات وإطلاق سراح المعتقلين.
وقد فرض هذه التسوية وجعلها ممكنة، نضال شعب فلسطين التحرري وانتفاضاته المتواصلة ضد الاحتلال، وتضامن الشعوب العربية وشعوب العالم مع هذا النضال التحرري، وبأثر هذا تحركت آليات الشرعية الدولية، فكان القرار رقم 242 والقرار 338 وكانت مدريد 1991 واوسلو1993 ثم خارطة الطريق التي ترعاها الأمم المتحدة وأمريكا وروسيا والاتحاد الأوربي.
ان أسرائيل بالتواطؤ مع أمريكا تسعى كما درجت دائما لإفراغ قرارات الشرعية الدولية من مضامينها، فبديلاً لشعارات مدريد: "الأرض مقابل السلام"، ظلت ترفع شعار: "أمن أسرائيل"، وبديلاً للسلام العادل رفعت شعار السلام الآمن لإسرائيل. بل ان الاستراتيجية الإسرائيلية تهدف لقيام الدولة الفلسطينية في مساحة صغيرة من أراضي الضفة والقطاع مجردة من السيادة الوطنية. ويا حبذا لو دخلت هذه الدويلة الصغيرة في اتحاد كونفدرالي مع الأردن. كما تسعى إسرائيل للتوسع في إقامة المستوطنات اليهودية في الأراضي الفسلطينية ولبناء الجدار الفاصل الذي يخترق الأراضي الفلسطينية، ولتهويد القدس لتكون عاصمة أبدية لإسرائيل! وللحيلولة دون عودة اللاجئين الفلسطينيين. بل انها تتحدث عن تحالف إقليمي بينها والبلدان العربية المجاورة لها يفضي لقيام السوق الشرق أوسطية. كما تتحدث بلسان واحد مع أمريكا عن مشروع الشرق الأوسط الكبير.
إن طموحات إسرائيل الصهيونية للحصول على مكاسب جديدة تتطلب أوسع تضامن عربي وعالمي مع الشعب الفلسطيني لفرض قرارات الشرعية الدولية.
* إجلاء الجيوش الأجنبية من العراق وتمكين شعب العراق من تصفية آثار الغزو والاحتلال وبناء دولته الديمقراطية المستقلة.
* تفعيل دور الجامعة العربية ليشمل إلى جانب استنفار كل الجهد القومي الممكن، التضامن مع الشعوب العربية ضد الأنظمة الانقلابية ومع سجناء الرأي والضمير والأقليات الدينية والعرقية، وتحرير المواطن العربي من ربقة الفقر والجهل والمرض باستثمار عائدات البترول العربية في التنمية في البلدان العربية.
* التفاعل بين العالم العربي وأفريقيا عبر التكامل والتعاون الاقتصادي وتفعيل دور المصرف العربي للتنمية في أفريقيا والاستفادة من إمكانات وقدرات البلدان المتطورة نسبياً مثل مصر وجنوب أفريقيا في هذا المضمار.
* وبصورة عامة فإن المهام الآنية في العالم العربي هي النضال من أجل التحول الديمقراطي والتضامن بين الشعوب العربية.

(3) أمريكا اللاتينية:
أبرز ما يميز الأوضاع السياسية والاجتماعية في بلدان أمريكا اللاتينية هو صمود الثورة الكوبية، والتحولات الديمقراطية المناهضة للإمبريالية الأمريكية بدرجات متفاوتة في البرازيل وفنزويلا وبوليفيا وشيلي والأرجنتين والإكوادور ونيكاراغوا وبيرو .. الخ
لقد قاد التراكم النضالي طويل الأمد ضد الهيمنة والتدخلات الأمريكية في بلدان أمريكا الجنوبية، لأن يشق عدد متزايد من البلدان، بسند جماهيري عبر صناديق الاقتراع والصراع السياسي/الاجتماعي، عصا الطاعة على مبدأ مونرو الذي جعل من أمريكا اللاتينية منطقة نفوذ تابعة للولايات المتحدة الأمريكية. وكان لسان العنجهية الاستعمارية لأمريكا يتحدث عن بلدان هذه القارة كمجرد حدائق خلفية للبيت الأمريكي! وفي أحسن الحالات كمجرد جمهوريات للموز! بل ان توازن القوى العالمي الذي كان قائما عام 1919 مكّن الامبريالية الأمريكية من تسجيل مبدأ مونرو في ميثاق عصبة الأمم. وحتى بعد نصف قرن من ذلك صرح هنري كيسنجر وزير الخارجية الأمريكية الأسبق حول تشيلي على أيام الرئيس الاشتراكي الليندي ... "لا أرى لماذا علينا ان نترك بلداً يتجه إلى الماركسية فقط لأن شعبه غير مسئول"!!
وتسير بلدان أمريكا اللاتينية التي تمردت على الهيمنة الأمريكية على طريق التطور المستقل ودعم القطاع العام كقاعدة لهذا التطور، بهذه الدرجة أو تلك من الراديكالية بسند جماهيري واسع وفعال وتضامن عالمي. ويستند هذا الطريق على اتجاه سياسي وتحالف اجتماعي عريض رافض للبرنامج السياسي والاقتصادي لليبرالية الجديدة ولمخطط الخصخصة العشوائية وسيطرة آليات السوق الذي تسبب في إفقار الطبقات الشعبية. وتقيم هذه البلدان علاقاتها الخارجية باستقلال وبعيداً عن الهيمنة الأمريكية.
ويتجلى هذا الطريق المستقل وصولاً للتحول الديمقراطي والتقدم الاجتماعي، في رفض المخطط الأمريكي لإقامة تكتل تجاري جديد لبلدان أمريكا اللاتينية تحت هيمنتها ولخدمة مصالحها، وفي الاتفاق التجاري بين كوبا وفنزويلا وبوليفيا، وانهاء الاحتكار بتأميم حقول وصناعة الغاز الطبيعي في بوليفيا، وامتلاك زمام السيطرة على صناعة النفط في فنزويلا، وكذلك في التكامل الاقتصادي ومحاربة الفقر ودعم الخدمات الصحية ورفع المستوى التعليمي والثقافي للشعب.
وتصمد هذه البلدان في وجه عقوبات أمريكا مثل عقوبة حظر الأسلحة الأمريكية عنها أو التلويح بعدم شراء نفطها .. الخ.

(4) النمور الآسيوية:
وترفد السير على طريق التطور المستقل والتحرر من التبعية وإلزامية التحول الديمقراطي والحريات السياسية والنقابية، والتضامن بين الشعوب وتفعيل المنظمات الإقليمية، تجربة النمور الآسيوية في جنوب شرق آسيا وكذلك تجربة رصيفاتها في بعض بلدان أمريكا اللاتينية. وقد أكدت هذه التجربة على أرض الواقع ان نهج التبعية وغياب البعد الاجتماعي للتنمية وطريق استجلاب التكنولوجيا والديون بأرقام فلكية لن يقود في الواقع العملي إلاّ لإفراز العطالة والفساد والأزمة الاقتصادية/المالية وانهيار أسعار العملة وعدم الاستقرار السياسي. ولعل في هذه التجربة السلبية ما يدعم ويعزز ضرورة السير على طريق التطور المستقل. لقد انبهر الدائرون في الفلك الرأسمالي بتلك التجربة ووصفوها بانها تجربة رائدة قبل ان تنهار. وفي الواقع لم تقد الجهود الهائلة والتوظيفات الضخمة بعشرات المليارات من الدولارات لصندوق النقد الدولي إلاّ لعلاج جزئي ومؤقت للأزمة، تواصلت معه المقاومة الشعبية لطريق التبعية بالانتفاضات العمالية والطلابية.

الفصل الثاني

الأوضاع الداخلية في السودان

أ‌- أثر المنهج الماركسي في صياغة قضايا الثورة السودانية.
ب‌- الأزمة السودانية: الجذور والتطورات والمخرج.
ج- إتفاقية السلام الشامل في التنفيذ.
د- الوضع في الجنوب.
هـ- ملامح ومؤشرات جديدة في العمل بين العمال والطلاب والنساء والشباب والمنظمات الطوعية:
1- الحزب الشيوعي والطبقة العاملة.
2- قضايا التعليم والطلاب.
3- الحزب الشيوعي وقضية المرأة.
4- علاقة الحزب الشيوعي بحركة الشباب.
5- المنظمات الطوعية.
هـ- التجمع الوطني الديمقراطي وتجربة مجد.

أ/ اثر المنهج الماركسي في صياغة قضايا الثورة السودانية
تمكّن الحزب الشيوعي السوداني، مسترشداً بالمنهج الماركسي، من تأكيد وتعزيز ضرورته التاريخية والموضوعية لتطور الثورة السودانية، تلك الضرورة التي افرزها واقع وموازين الصراع السياسي والاجتماعي في السودان في منتصف اربعينيات القرن الماضي، ودعمتها التطورات اللاحقة في مسار ذلك الصراع (راجع كتيب: لمحات من تاريخ الحزب الشيوعي السوداني) وقد ساعد الاهتداء بذلك المنهج، وصولاً الى صياغة استراتيجية وتكتيكات الحزب وبرامجه واشكال واساليب عمله، في تعميد وترسيخ جدوى الحزب الشيوعي في الساحة السياسية والاجتماعية في السودان.
ولعل مأثرة الحزب الشيوعي السوداني تكمن في استطاعته، عبر اجتهاداته المتواصلة، ترجمة النظرية الماركسية الى لغة مفهومة لجماهير شعبنا رغم واقع التخلف وضعف الطبقة العاملة الصناعية وغلبة فئات البرجوازية الصغيرة في المجتمع. وقد دللت عديد التجارب، منذ نشوء الحلقات الاولى للحركة السودانية للتحرر الوطني، ان الطبقة العاملة السودانية هي الأكثر نشاطاً في ميادين الصراع السياسي والاجتماعي، فإلى هذه الطبقة بالذات يرجع الفضل في تفجير حركة التنظيم النقابي وتحسين مستوى المعيشة والنضال ضد الاستعمار والدكتاتورية، وفي التضامن مع فئات الشعب الاخرى كالمزارعين والطلاب.
لقد اثبت نضال الطبقة العاملة السودانية خطل المزاعم التي تربط وجود الحزب الشيوعي باستلاب البروليتاريا الصناعية كما في البلدان الرأسمالية المتطورة. اما الدور القيادي للطبقة العاملة فهو قضية نضالية تحسمها في نهاية الامر القناعات الشعبية ويحكمها مسار الصراع السياسي والاجتماعي وازدياد وزن الطبقة العاملة في التركيب الاجتماعي للسكان بأثر التنمية.
كما ان الاصرار على تطبيق المنهج الماركسي بإستقلال على الواقع السوداني، وفق تفرده وتنوعه وتطوره غير المتساوي، دفع الحزب الشيوعي السوداني للصراع قدر استطاعته، لتأكيد استقلاليته وللانفلات من اسار النمط السوفيتي وجموده. وهو صراع حدا بكثير من المهتمين بالشأن السوداني للحديث عن استقلالية الحزب الشيوعي السوداني عن النمط السوفيتي. وقد مكّنت الاستقلالية ومحاولات الاختراق المبكر لجبهة الجمود والانغلاق من تقديم الحزب لطروحات واسهامات مستنيرة عبر الصراع مع السوفيت حول طبيعة انقلابي 17 نوفمبر 1958 و25 مايو1969، وما يتفرع عن ذلك من قراءة للاوضاع السياسية والاجتماعية في السودان.
غير ان ذلك الصراع كانت تحد منه وتضعفه اعتبارات تغليب العداء للرأسمالية والاستعمار في التحالف مع المعسكر الاشتراكي، على اعتبارات اختراق الجمود.
وفي الواقع العملي ظلت محاولات الاستقلالية والتمايز محاصرة دوماً بمحيط الجمود، رغم الاقرار العام بأحقية كل حزب في اتخاذ القرار في اوضاع بلاده الداخلية. فأهل مكة ادرى بشعابها، وكل حزب مسئول امام شعبه وطبقته العاملة عن نتائج استرشاده بالمنهج الماركسي.

قراءة الحزب الشيوعي السوداني للمنهج الماركسي
المنهج الماركسي منهج منفتح ولا يجمعه جامع مع الجمود والانغلاق. انه منهج يغتني ويتطور بدراسته واستيعابه وتمثله لكل ومضات الفكر العالمي المستنير. والمنهج الماركسي ليس عدمياً ولا يدعو للانبتات عن الواقع الموضوعي ولا عن قضايا التراث. بل ينظر في تلك القضايا بوصفها رافداً للواقع في حركته وتطوره التاريخي. فالاصالة والمعاصرة وجهان لعملة واحدة ويشكلان معاً الترابط الجدلي لعناصر ومكونات الواقع المتجدد الذي يبحث فيه ذلك المنهج. وكما هو معروف فإن المنهج الماركسي يقرأ التراث في تاريخيته، لا في سكونه وسلفيته، ومن ثم يسعى لمد حبال الوصل بين الماضي والحاضر. اي انه لا يقوم بإسقاط الماضي على الحاضر، فللحاضر والراهن دوماً جديده الذي يسعى الثوريون للتأصيل له من بين ثنايا التراث. وينتصب دوماً أمام الحزب الشيوعي السوداني، الشرط الموضوعي لتحوله إلى حزب جماهيري. وهو شرط ربط طروحاته بجذور عميقة بكل ما هو ثوري في مجرى تراث شعب السودان الحضاري. والواقع ان الحزب الشيوعي السوداني درج على الدوام للتأصيل لطروحاته من بين ثنايا التراث السوداني بكل تنوعه وتعدده.
وجاءت الدعوة في دستور الحزب المجاز في مؤتمره الرابع (اكتوبر1967) لربط المنهج الماركسي بجذور عميقة بكل ماهو ثوري في مجرى انجازات شعبنا السياسية والاجتماعية وفي سماته الحضارية. وعلى سبيل المثال طرح ذلك الدستور ضرورة الاستفادة من جوهر تعاليم الدين الاسلامي الحنيف ومقاصده الكلية الداعية للتحرر والعدالة والمساواة، في خدمة قضايا تقدم وتطور الثورة السودانية، وسحب البساط من تحت اقدام القوى التقليدية في السودان في استغلالها الدين لفرملة واعاقة تطور تلك الثورة.
وتحت مظلة نظام الانقاذ اثمر غرس الشمولية المتأسلمةٍ، العديد من جماعات التطرف والهوس الديني المعادية للتحول الديمقراطي والتغيير الاجتماعي. وفي وجه النشاط الارهابي لهذه الجماعات، تكفيراً واهدار دم وحصداً لارواح المصلين في المساجد، ثابر الحزب الشيوعي على كشف وفضح هذا النشاط ومراميه، وظل الحزب يدعو لتقنين الحقوق الدستورية للجماهير، ولمنبر واسع لمواجهة خطر هذه الجماعات، بوصف هذا شرطاً اساسياً في محاصرة الارهاب وعزله في ركن قصي وهامشي تمهيداً لهزيمته ودحره. كما دعم الحزب الدعوة لتوحيد قوى الاستنارة في النضال ضد جماعات الهوس الديني ونشاطها.
ومنذ مؤتمره الثاني استقر أسلوب الحزب في الرصد الشامل لمقاومة الشعب ضد الاستعمار البريطاني ، مثل مقاومة الدينكا والزاندي وجبال النوبة وغيرها .
وفي مقدمة تقويم الحزب الشيوعي لثورة أكتوبر 1964 طرح الحزب انها أهم حدث في تاريخ السودان بعد الثورة المهدية. ومستلهماً تجارب التحالفات الجبهوية العريضة في التاريخ السوداني، القائمة على واقع التعدد والتنوع في السودان، والتي افضت الى قيام مملكة سنار مطلع القرن السادس عشر الميلادي، والى انتصار الثورة المهدية في 1885، ثابر الحزب عبر تاريخه في رفع الشعارات والدعوات لقيام التحالفات الجبهوية الواسعة على سبيل تمكين الشعب من تحقيق الانتصارات لاهدافه وقضاياه . وكان من ابرز تلك التحالفات التي ساهم الحزب في تأسيسها أو الدعوة لها:- الجبهة المتحدة لتحرير السودان على ايام المستعمر الاجنبي، الجبهة المعادية للاستعمار، الجبهة الوطنية الديمقراطية، الجبهة الاستقلالية عشية الاستقلال في مواجهة الدعوة لوحدة وادي النيل ، جبهة الهيئات في اكتوبر 1964، جبهة عريضة للديمقراطية وانقاذ الوطن على ايام نميري، التجمع الحزبي والنقابي تحضيراً للانتفاضة، التحالفات القاعدية بين الطلاب والعمال والمهنيين..الخ، وحدة قوى الانتفاضة بعد انتفاضة مارس ابريل 1985، التجمع الوطني الديمقراطي لمقاومة نظام 30 يونيو1989، واليوم ايضاً يطرح الحزب الشعار، ويوجه الدعوة النضالية، لوحدة قوى المعارضة عبر التنسيق والعمل المشترك بين فصائلها لانزال نيفاشا والاتفاقيات الأخرى إلى ارض الواقع وعقد المؤتمر الجامع لتحويلها من الثنائية الى رحاب القومية.
ولا تغيب عن الحزب في دعوته لهذا التحالف الواسع او ذاك، الطبيعة الاجتماعية للقوى المشاركة فيه. فقد دللت تجارب التحالفات منذ فجر الحركة الوطنية في السودان وقيام الحركة السياسية الحديثة فيه، ان القوى التقليدية، حفاظاً على مصالحها وامتيازاتها، تجنح دائماً لخفض سقف الحد الادنى لبرنامج التحالف عكساً مع تنامي حركة الجماهير واقترابها من تحقيق التغيير المنشود. كما لا تغيب عن الحزب حقيقة أن هذه التحالفات الفوقية لا تكتمل دون استنادها الى تحالفات قاعدية راسخة بين الجماهير، ودون توفر الاسس الديمقراطية وصيغة التراضي في عملها وكفالة حق العمل المستقل لأطرافها. إن هذه الاستنتاجات الهامة المستخلصة من تجارب التحالفات أبرزت مقدرة الحزب ، استناداً إلى المؤشرات العامة للمنهج الجدلي ، على القراءة الصحيحة للواقع السوداني .
ورغم أن الحزب الشيوعي لا يعترض من ناحية المبدأ على شعار وحدة قوى اليسار رغم ارتباط هذا الشعار عن طريق الخطأ في أذهان الجماهير بالتكتيك الانقلابي ، إلا انه يرى ان المهام والقضايا التي تواجه الشعب والوطن حالياً، تجعل الاسبقية والصدارة في جدول العمل، ليس لوحدة قوى اليسار، وانما لوحدة كل القوى الراغبة في التحول الديمقراطي وحل الازمة السودانية في تجلياتها المختلفة حلاً ديمقراطياً عادلاً، والوصول الى وحدة السودان عبر الاستفتاء على تقرير المصير في نهاية الفترة الانتقالية.
ومن ناحية اخرى، واستناداً الى الدراسة الباطنية للمجتمع السوداني على ضوء المنهج الماركسي، افسح الحزب حيزاً مناسباً في برامجه لحقيقة ان التغيير الاجتماعي في الواقع السوداني يستوجب ان يكون الاصلاح الزراعي الديمقراطي والحل الديمقراطي للمسألة القومية والجهوية ركنين اساسيين في ذلك التغيير. كما وضع اعتباراً لحقيقة التطور غير المتساوي في السودان اقتصادياً واجتماعياً وثقافياً ومن ثم تفاوت درجات الوعي الاجتماعي والسياسي. واستناداً الى ذلك تصدى لمعالجة التحديات التي تواجه العمل الثوري في مناطق القطاع التقليدي، وصاغ افكار وتوجهات الخط التنظيمي المتنوع من منطقة لاخرى وفق ما يمليه واقع التطور غير المتساوي.
وظل الحزب الشيوعي يطرح دائماً ويؤكد الارتباط الوثيق الذي لا تنفصم له عرى، بين الدعوة للاشتراكية والحقوق الديمقراطية للجماهير والتداول الديمقراطي للسلطة عبر صناديق الاقتراع. واوضح الحزب مراراً ان مفاهيم وشعارات طليعية الطبقة العاملة وطليعية الحزب الشيوعي وغيرها، لا تأتي بالطلب، او برغبة ذاتية، او استناداً الى حتمية قدرية.
إن سيادة مثل هذه المفاهيم والشعارات لن تقود في الواقع العملي إلاّ للغرور المهلك والى اضعاف الحزب. كما اعلن الحزب الشيوعي انه حزب بين الاحزاب السياسية السودانية، وان فعاليته تتضاعف بإستقامته في الدفاع عن الديمقراطية والتحول الديمقراطي، وبتوفر الاسس الديمقراطية داخله وكذلك بمراعاته لتلك الاسس في تعامله مع حركة الجماهير وتنظيماتها.
رائد لا يكذب أهله
إن استرشاد الحزب بالمنهج الماركسي ساعد في وقوف الحزب على الاسباب وراء تطورات وتجليات الاوضاع السياسية والاجتماعية في السودان، وهذا امر جعل طروحات الحزب ودعواته النضالية في مختلف القضايا التي طرحها الحزب، مصدر إلهام وجذب لجماهير واسعة من الشعب.
ونتيجة لذلك اثبت الحزب أحقيته في الحياة ورسّخ جدواه النضالية وضرورته في الواقع السوداني على مدى اكثر من ستين عاماً من الزمان (1946-2007).
لقد سطّر الحزب الشيوعي السوداني والقوى الديمقراطية المتحالفة معه ملحمة نضالية غنية ومفعمة بالتجرد والاخلاص والحب لشعبنا العظيم.
لقد افاد التحالف الشيوعي/ الديمقراطي حركة شعبنا في مسيرتها من اجل التحرر الوطني والنهضة الوطنية الديمقراطية، خطاباً سياسياً واجتماعياً ملهماً ومعبراً عن آمال وتطلعات تلك الحركة، وبرامج للتغيير الاجتماعي، وشعارات جاذبة، وادوات صراع واشكال نضال وتحالفات، دعمت منهج النضال السياسي الجماهيري في السودان.
وقدّم الحزب على ضوء ذلك المنهج مبدأ اللامركزية والحكم الذاتي الاقليمي والتنمية وتقرير المصير لجنوب الوطن، على سبيل الحل الديمقراطي للمسألة القومية وانهاء التهميش في السودان. وصاغ الحزب شعار الاضراب السياسي العام والعصيان المدني الذي كان سلاح الجماهير الفعال في ثورة اكتوبر1964، وكذلك في انتفاضة مارس ابريل1985.
وبفضل دراسته للواقع السوداني دراسة باطنية على ضوء المنهج الماركسي، تمكّن الحزب الشيوعي من صياغة وثائقه الاساسية التي أثّرت إيجابا على الفكر السياسي والاجتماعي في السودان وعلى مسار العمل السياسي فيه، مثل وثائق:- سبيل السودان نحو تعزيز الاستقلال والديمقراطية والسلم في 1956، وكتاب المؤتمر الرابع للحزب: الماركسية وقضايا الثورة السودانية في 1967، وبيان الديمقراطية مفتاح الحل: جبهة عريضة للديمقراطية وانقاذ الوطن في 1977، والورقة التي أعدها الحزب للمؤتمر القومي الدستوري قبيل انقلاب 30 يونيو، وغير ذلك من الوثائق التي تقترح لجنة إعداد مشروع التقرير السياسي إعادة طبعها ونشرها على شرف انعقاد المؤتمر. وعند قيام اول حكومة وطنية في فترة الحكم الذاتي عام 1953 قاد الحزب نشاطاً جماهيرياً واسعاً من اجل الغاء القوانين المقيدة للحريات،وطالب بإلغاء قانون النشاط الهدام والمواد الاخرى في القوانين التي تمنع التنظيم والتظاهر مثل المواد 105 و107 وغيرهما. وارتفع صوت النائب الشيوعي حسن الطاهر زروق في مجلس النواب في اغسطس1955، عند مناقشة تقرير المصير في البرلمان: .. (المصير الذي نريده لاهلنا يجب ان يختلف اختلافاً جوهرياً عن المصير الذي اراده ومازال يفرضه علينا الاستعمار، اننا نريد في المكان الاول ان نقيم في بلادنا حكماً ديمقراطياً يمثل المصالح الكبرى للشعب على اساس النظام الجمهوري البرلماني، اننا نريد مصيراً جديداً لشعبنا تطلق فيه الحريات الديمقراطية، وفي يد المجلس ان يغير الوضع التشريعي وقانون عقوبات السودان وقانون التحقيق الجنائي الذي صفّدنا به الاستعمار. والمصير الذي نريده لبلادنا ياسيدي الرئيس يجب ان يضع في اعتباره وحدة شعبنا وتوحيده في الكفاح من اجل التحرر. ونحن نعلم ان هناك في المديريات الجنوبية تجمعات قبلية وقومية قهرها الاستعمار وخلّفها في وضع متأخر بدائي ظالم، فعلينا ان نخلصهم من هذا التأخر والقهر القومي ونعطيهم حقهم في وضع نظمهم المحلية وتنظيم وضعهم الخاص في نطاق وحدة البلاد ومصلحتها العليا.. والمصير الذي نريده لبلادنا يجب ان يكفل لكل المواطنين من زراع وعمال وموظفين وطلبة وارباب حرف ونساء مستوى لائقاً من المعيشة والحقوق الديمقراطية، فهؤلاء هم العنصر المتطور صاحب المستقبل في بلادنا وهم صانعو تاريخه.) (راجع كتاب الاستاذ محمد سليمان: اليسار السوداني في عشر سنوات ص 137). وبأثر كل هذا استيقظت ودخلت الى دائرة الوعي والنشاط السياسي والاجتماعي اقسام واسعة من الشعب في كل انحاء الوطن. واسهم الحلف الشيوعي الديمقراطي بقسطه من الحضور الفاعل والنشط في اهم الانتصارات والمكاسب التي انجزها شعبنا في مسيرته النضالية:.. الاستقلال السياسي، ثورة 21 اكتوبر1964، انتفاضة مارس ابريل1985، ومقاومة نظام 30 يونيو وسلطته الشمولية الانفرادية.
واستناداً الى هذا التراث النضالي، تمكّن الحزب الشيوعي من الصمود رغم كل المخططات لتصفيته وايقاف نشاطه ومحو آثار ذلك النشاط منذ قوانين النشاط الهدام و قانون الجمعيات غير المشروعة على أيام المستعمر الاجنبي. وواجه الحزب بعد ثورة اكتوبر 1964، بسند جماهيري واسع وفعال، مؤامرة خرق الدستور واصدار قرار برلماني يقضي بحل الحزب وتحريم نشاطه ومصادرة ممتلكاته وقفل دوره وتعطيل صحيفته وإبعاد نوابه المنتخبين من البرلمان. ونجح الحزب الشيوعي في تخطي وتجاوز خطر التصفية على الطراز المصري الناصري على ايام دكتاتورية السفاح نميري . ونحن واثقون كل الثقة في انه، بصمود وارادة الشيوعيين والديمقراطيين وكل الوطنيين سيكون في مقدمة الصفوف لهزيمة المخطط الإنقاذي الممتد عبر 17 عاماً لأضعافه وتصفيته تارة بالتصفيات الجسدية والتعذيب والفصل للصالح العام والاعتقال، وتارة بتجفيف المنابع المالية اللازمة لمواصلة نشاطه، وتارة ثالثة بمحاولات اختراق صفوفه وزرع الفتن والفوضى داخله وقسمه، وفي كل الاحيان بإستخدام سلاح الارهاب الديني لمنع تلاحمه مع الجماهير بفتاوي التكفير والالحاد واهدار الدم والخروج عن الملة. إن واحداً من الشروط والمقومات الهامة لتجديد الحزب هو مواصلة الصراع ضد اتجاهات التصفية والانقسامات.
إن سر بقاء الحزب الشيوعي رغم كل هذه المحاولات يكمن في استناده إلى قوى اجتماعية موجودة في المجتمع السوداني ، وتعبيره عن مصالح هذه القوى . إن بقاء الحزب على الأرض السودانية يستند إلى ضرورة موضوعية قائمة في المجتمع السوداني .
وتمتد جذور التحالف الديمقراطي عميقاً في المجتمع السوداني، وتتسع كل يوم الدوائر الاجتماعية والسياسية المؤمنة حقاً بأن وجود هذا التحالف ضرورة موضوعية لا غنى عنها للتحول الديمقراطي والتغيير الاجتماعي المستشرف آفاق العدالة الاجتماعية والاشتراكية.
واستناداً إلى ذات التراث النضالي فإن الضرورة الماثلة بعد تجربة الانهيار المأساوية في الاتحاد السوفيتي وبلدان شرق اوربا الاشتراكية، تقتضي تجديد الحزب فكراً وبنياناً وممارسات. صحيح انه لابد من التمسك بما ظل صحيحاً في الفكر والتطبيق والمناهج، ولكن صحيح ايضاً انه لا بد من دعم المسار بالدراسة الانتقادية لتجربتنا في الواقع السوداني، وتجديد برنامجنا ونظامنا الداخلي وفق اسس جديدة تؤكد الديمقراطية والتحرر من النواقص والعيوب. وهذه على وجه التحديد هي المهمة التي كانت محور الاهتمام في الحوار الداخلي في الحزب الذي امتد لسنوات والتي يسطر مؤتمرنا الخامس هذا الآلية المناسبة لإعتمادها وترسيخها وتطويرها.
لقد رفعنا راية تجديد الحزب ليواصل مشواره بخطى واثقة على طريق حشد الجماهير السودانية تحت رايات النهضة الوطنية الديمقراطية والعدالة الاجتماعية والاشتراكية.
وسيكون مؤتمرنا الخامس ناجحاً اذا تمكن من تدشين الطريق لتجديد الحزب. ان الخيار المصيري الذي لا مهرب منه ولا محيد ينتصب امام الحزب الشيوعي السوداني، اما ان يقوم بتجديد ملموس في فكره وبنيانه وممارساته ليواكب العصر، واما ان يتعرض لاحتمالات الضعف والانكماش. إن الإرادة الغلاّبة لكادر وأعضاء الحزب والديمقراطيين تقف بوضوح كما تؤشر وتؤكد كتيبات الحوار الداخلي في الحزب، الى جانب تجديد الحزب وبقائه حزباً ذا فائدة لحركة شعبنا النضالية في مسيرتها نحو النهضة الوطنية الديمقراطية وافقها الاشتراكي. وهذه على وجه التحديد، هي المهمة التاريخية المطروحة أمام المؤتمر الخامس.

ب/ الأزمة السودانية: الجذور والتطورات والمخرج
تواجه الحياة السياسية والاجتماعية في السودان متغيرات جديدة، في ظرف عالمي واقليمي ومحلي بالغ التعقيد. وها نحن بعد نصف قرن من الاستقلال 1956-2007 نواصل تلخيص وتركيز رؤانا حول قضايا السودان المصيرية، بما في ذلك وضع هياكل ومؤسسات وتشريعات الدولة السودانية المستقلة وقومية اجهزتها والحل الديمقراطي للمسألة القومية والجهوية والتنمية المتوازنة وغير ذلك من القضايا.
لقد ارتدت الازمة السودانية التي غرست بذرتها القوى التقليدية منذ فجر الاستقلال ابعاداً نوعية جديدة، ولم يعد بالامكان تبسيطها او تجزئتها، فقد اصبحت ازمة وطنية عامة، مركّبة وشاملة ومتفاقمة. وتحتاج بهذه المواصفات لحل شامل لها تتوافق عليه كل القوى والفعاليات السياسية السودانية، ذلك ان الحلول الجزئية والثنائية بمختلف الوانها واشكالها قد تقود لهدنة يطول او يقصر مداها، ولكنها لن تقود لسلام مستدام يحمل فوق ظهره التحول الديمقراطي والتنمية المتوازنة ووحدة الوطن.
ان أسباب نشوء وتطور الأزمة السودانية وتراكم عناصرها عبر السنوات تكمن في:-
1) رفع القوى التقليدية ايديها عن اهداف ومواثيق وشعارات تحالفها مع حركة الجماهير إبان النضال الوطني لطرد المستعمر والنضال لاحقاً لتغيير الانظمة الدكتاتورية يسارية كانت أم يمينية ، ومن ثم بقاء وتراكم عناصر الازمة دون معالجة بعد التغيير وعودة الديمقراطية، تماماً كما حدث بعد ثورة اكتوبر 1964 وبعد انتفاضة مارس ابريل 1985.
2) سيطرة الانظمة الدكتاتورية والشمولية على مقاليد الحكم بما في ذلك دكتاتورية النظام المايوي لمدى زمني يبلغ 76% من سنوات استقلال السودان (38 سنة من مجموع سنوات عمر الاستقلال البالغ خمسين عاماً) واذا وضعنا في الاعتبار ان اطول فترة من فترات التطور الديمقراطي الثلاث بعد الاستقلال كانت 4 اعوام ونصف (بعد ثورة اكتوبر1964 وحتى انقلاب مايو1969) لإتضح لنا الاثر الكبير للانظمة الشمولية في تطور وتفاقم الازمة.
3) غياب الإقتناع الراسخ، نظرياً وعملياً، لدى القوى التقليدية بواقع التعدد والتنوع في السودان دينياً وعرقياً وثقافياً، وسعيها المتكرر لاقحام الدين في السياسة، وللسير في دروب التحالف العروبي/الاسلامي، والحديث عن اهل القبلة وقبائل اليسار وما شابه ذلك. وهو سعي ضار بوحدة وتلاحم كل مكّونات شعب السودان الحضارية.
4) فشل هذه القوى في إحداث أية تنمية يؤبه لها اقتصادياً واجتماعياً وثقافياً، والابقاء على التفاوت التنموي الحاد بين اقاليم السودان في مضمار التنمية. وقاد هذا الفشل بدوره لقدوم الانظمة العسكرية لمواصلة ذات الطريق التقليدي.
وعلى رأس الابعاد النوعية الجديدة العالقة بتطور الازمة السودانية الوطنية العامة، ان واقع التعدد والتنوع في السودان لم يعد مجرد أطروحة يتم تداولها في الجامعات ومراكز البحث وبين طلائع الشعب المستنيرة وحسب، بل اصبح يسجل حضوراً كثيفاً في الصراعات السياسية والاجتماعية الدائرة بمختلف الاشكال بما في ذلك شكل الصراع المسلح والحروب الاهلية. ان تجليات ومظاهر هذا الحضور الكثيف ماثلة وشاخصة في التنظيمات والبرامج لحركة الاقليات القومية والجهوية المهمشة في مختلف انحاء السودان. وتطرح هذه الحركة مطالب عادلة ومشروعة لحمتها وسداها الحقوق الديمقراطية واللامركزية لفتح الطريق امام المشاركة الفاعلة في ادارة شئون البلاد محلياً وعلى المستوى الوطني العام، وانجاز التنمية المتوازنة، وبإختصار تطرح هذه الحركة الاقتسام العادل للسلطة والثروة والحل الديمقراطي العادل للمسألة القومية والجهوية في السودان.
لقد اتهمت القوى التقليدية هذه الحركة بأنها عنصرية تقود لتمزيق وحدة الوطن وسعت لاحتوائها والاستقواء بها في الصراع السياسي والاجتماعي الدائر في البلاد. كما سعت في كل الاحوال لإجهاضها وطمس معالمها واهدافها على سبيل انقاذ الكيانات الطائفية من خطر التحلل وانحسار النفوذ بأثر النهوض الاجتماعي والسياسي في كل انحاء السودان كناتج نوعي وطبيعي لتراكم التهميش المزمن.
وكانت القوى التقليدية من منظورها الطبقي الضيق، تنظر لمبدأ فصل الدين عن السياسة، ومبدأ الحل الذاتي الاقليمي، ناهيك عن تقرير المصير لجنوب الوطن، كمطالب دونها الموبقات والكبائر. ولا سبيل بالطبع لدولة المواطنة المدنية في واقع التعدد والتنوع القائم في السودان دون فصل الدين عن السياسة، وطبيعي ان معيار الاغلبية والاقلية معيار سياسي لا ينسحب على قضايا المعتقد الديني والفكر والثقافة. ولا سبيل كذلك لوحدة الوطن الطوعية دون تكافؤ الفرص امام مختلف التوجهات الحضارية في السودان وتعبيد الطريق للوحدة في اطار التنوع.
وفيما يختص بالتنمية اهملت القوى التقليدية، مدنية وعسكرية، المطالب الشعبية الرامية للاصلاح الديمقراطي ولإنجاز نهضة وطنية ديمقراطية، اقتصادية/ثقافية شاملة لدعم الاستقلال السياسي.
ومارست هذه القوى سياسات:-
* تغبيش وعي الجماهير في سنوات الاستقلال الأولى، بالتنمية عن طريق اطلاق شعارات " تحرير لا تعمير وشد الاحزمة على البطون". كتبرير وتغطية لعجزها عن السير على دروب التنمية.
* عدم المساس بالتركة الاستعمارية التي جنحت، لتلبية مصالح بريطانيا، لتركيز التنمية على ضعفها وهشاشتها في مثلث الخرطوم/كوستي/ سنار والطريق للميناء. ولعل فشل هذه القوى في تجاوز هذه التركة الاستعمارية وفي احداث التنمية المتوازنة يتجسد بصورة لافتة للنظر في تباهيها بتحقيق الاكتفاء الذاتي في بعض المنتجات الزراعية وفي توفير مخزون احتياطي من الذرة على ايام الجفاف والتصحر. وكأن مهام الدولة في توجيه وقيادة التنمية والخروج من فلك التبعية يمكن اختزالها في مجرد الابقاء على الشعب على قيد الحياة ليس إلاّ.
* تحفيز الاستثمار الاجنبي والقطاع الخاص المحلي على حساب القطاع العام بترسانة كاملة من التسهيلات التي لا حصر لها وقوانين تشجيع الاستثمار الاجنبي.
* انتهاج سياسات الاصلاح اليميني الأحادية بالنسبة للبنوك وشركات التأمين والتجارة الخارجية والاصلاح الزراعي، تلك السياسات التي رمت الى السودنة وتعويض اصحاب مشاريع القطن الخاصة، دون اية ابعاد اجتماعية لصالح القطاع العام، والقطاع التعاوني، وبديلاً لإحكام قبضة الدولة على النشاط المصرفي وشركات التأمين والتجارة الخارجية.
* إهدار وتبديد الفوائض الاقتصادية المحلية واللازمة للتنمية بالصرف البذخي والفساد.
* وتحت مظلة نظام الانقاذ قاد الخضوع لروشتة التثبيت والتكييف الهيكلي لصندوق النقد والبنك الدولي الى برنامج التحرير الاقتصادي الذي اطلق آليات السوق الحرة كما قاد لتفكيك اوصال القطاع العام وتحويل مؤسساته لرأٍس المال الخاص المحلي والاجنبي، ولتقليص دور الدولة الاقتصادي والاجتماعي الى ادنى حد.
وفي الواقع انتهج نظام الانقاذ مجمل سياسات اقتصادية/مالية للدفع الرأسمالي في البلاد. على رأس هذه السياسات توفير مزايا تفضيلية للرأسمالية الطفيلية على غرار أسلمة النظام المصرفي وتعديل قانونه وتشويه وظيفة النظام الضريبي وتصفية ركائز القطاع العام عن طريق الخصخصة، وتمليك مؤسسات استثمارية خاصة للقوات النظامية والدفاع الشعبي، وتمويل المنظمات السلطوية من الميزانيات العامة للدولة ....الخ.
وقد رفد البترول والمعادن مصادر دعم اضافية للتراكم الرأسمالي.
وبأثر الدكتاتورية والقهر والاستبداد، وتحويل جهاز الدولة الى جهاز حزبي لذوي الولاء والمحاسيب، وتصفية الدور الرقابي للعاملين بآليات الفصل للصالح العام وقانون نقابة المنشأة وسلطات المسجل المطلقة، استشرى الفساد والاختلاسات بأرقام فلكية.
ما يمكن قوله في الواقع العملي بإيجاز ان الرأسمالية الطفيلية الاسلامية قد احتكرت السلطة والنظام المصرفي والسوق، وأسفرت سياساتها عن تكريس الفشل التنموي في المدينة والريف، وقادت لترييف المدن، ولتفاوت اجتماعي حاد اذ غدا اكثر من 95% من شعب السودان تحت خط الفقر، واصبح السودان في مقدمة قائمة الدول الاكثر فقراً وفساداً في العالم، وانتشرت الامراض والاوبئة والمجاعات.
ولعل الصورة التالية تساعد في توضيح ما قادت اليه سياسات التحرير الاقتصادي:
* متوسط معدل النمو السنوي الإجمالي 1.4%.
* متوسط نصيب الفرد من الناتج المحلي الاجمالي 06.%.
* صناعة النسيج والصناعات الغذائية بإستثناء صناعة السكر تعمل بطاقة انتاجية لا تتجاوز الـ15%،
* ازدياد عدد المنشآت الصناعية المتوقفة عن العمل بين صناعات الاحذية والمصنوعات الجلدية والملابس الجاهزة،
* انهيار مشاريع التنمية في الولايات بآثار الفساد والخصخصة (في دارفور مثلاً انهارت مشاريع: حزام السافنا، ساق النعام،النسيج، جبل مرة، طريق الانقاذ الغربي..الخ.).
* إهمال القطاع الزراعي رغم أهميته في الاقتصاد السوداني وهو قطاع يسكنه 65% من سكان السودان ويسهم بنسبة 12.2% من الناتج المحلي الإجمالي. وتجري الخصخصة فيه لغير صالح المنتجين الحقيقيين. كما يواجه القطاع الحيواني إهمالاً مماثلاً رغم إسهامه بنسبة 21.7% من الناتج المحلي الإجمالي.
وتسعى الرأسمالية الطفيلية الاسلامية، على سبيل فك العزلة من حولها وتوسيع القاعدة الاجتماعية والسياسية لنظامها، للالتفاف حول نيفاشا وعرقلة تنفيذها، وبالسعي للتحالف مع فئات الرأسمالية التقليدية تارة بإطلاق شعارات الوفاق والتصالح والتوالي، وتارة اخرى بإعتماد مخصصات مالية ضخمة وامتيازات لشاغلي المناصب الدستورية وأسرهم منذ الاستقلال، وفي كل الاحيان بقسم واضعاف كل التكوينات السياسية المناوئة لها.
ومن ناحية اخرى قادت هذه السياسات الى تفاقم المسألة القومية والجهوية والهبت نيرانها، فأطلت برأسها، كإفرازات طبيعية للتهميش والتوجه الحضاري الأحادي ومن ثم تعذر الحياة المشتركة لمكونات شعب السودان الحضارية، دعاوي الانفصال التي يغذيها اهل الانقاذ من جهة وغلاة القوميين في حركة الاقليات القومية والجهوية المهمشة من جهة اخرى.
إن هذا الوضع يهدد وحدة السودان، ويضعف من قدرات شعب السودان على مواجهة التحديات الماثلة من قبل حركة العولمة والنظام العالمي الجديد في سعيهما لفرض نهج التبعية وتكريسه وتمزيق وحدة البلاد. وهذا واقع يتطلب المشاركة النشطة في المنبر العالمي المناهض لسياسات العولمة وتوجهاتها.

رؤية الحزب الشيوعي للخروج من الازمة
يواصل الحزب الشيوعي، على سبيل الخروج من الازمة وتجاوزها، طرح برنامجه للتغيير الاجتماعي الوطني الديمقراطي، وللحل الديمقراطي العادل للمسألة القومية والجهوية، بما يقود الى تكامل عناصر ومقومات التنمية في السودان، ومن ثم الى وحدة متينة وراسخة للوطن في اطار التعدد والتنوع. كما يقود ايضاً الى تمكين شعب السودان من الانفلات من مخاطر النظام العالمي الجديد الذي يهدد وحدة الوطن وسيادته وهويته الحضارية والثقافية وخياره الذي لا بديل له في التطور المستقل بعيداً عن نهج التبعية.
وينطلق الحزب الشيوعي في تحديد ملامح برنامج التغيير الوطني الديمقراطي من حقيقة ان القضية المركزية ذات الاسبقية هي قضية الاصلاح الديمقراطي والتنمية. ويرمي البرنامج الى إحداث نهضة صناعية/ زراعية/ ثقافية شاملة. وفي هذا ينطلق الحزب من مبدأ ان كل الثروات في السودان، في ظاهر الارض وباطنها، ثروات قومية ويجب التعامل معها على هذا الاساس. ذلك ان تجزئة الثروات الحالية إقليمياً قصير النظر ويقود الى المساس بوحدة الوطن وتكامل مقومات التنمية فيه، ناهيك عن ان كل الفرص متوفرة في السودان لاكتشاف وتنمية ثروات جديدة في باطن الارض في هذه الولاية او تلك.
ويدعو الحزب الشيوعي لأن يتم ردم الفجوات التنموية القائمة بين الاقاليم، في قطاعات الاقتصاد المختلفة: صناعية وزراعية وثقافية وخدمية، عن طريق المعاملة التفضيلية للاقاليم والمناطق المهمشة عبر آلية الميزانية السنوية العامة وميزانية التنمية، ولابد من الانتباه هنا لما يواجه هذا المبدأ في التنفيذ بعد اتفاقات نيفاشا والشرق والغرب . كما ان وحدة الوطن تتطلب آنياً دعم التنمية القومية في الاقليم الجنوبي واعادة البناء في دارفور وشرق السودان وجنوب النيل الازرق وجبال النوبة.
ويستهدف الحزب الشيوعي عبر خطه السياسي وتكتيكاته وتحالفاته السياسية، مراكمة المقومات الضرورية وصولاً لتنفيذ البرنامج الوطني الديمقراطي، ويقف على رأس هذه المقومات : بناء التحالف الوطني الديمقراطي وقيام سلطته السياسية وجهاز دولته الديمقراطي القريب من الشعب والذي يفتح الباب واسعاً، بدستوره وتشريعاته وهياكله القومية، للديمقراطية السياسية والاجتماعية والاقتصادية وللتنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية الشاملة لتجديد بنية المجتمع السوداني.

ج/ اتفاقية السلام الشامل وعقبات في التنفيذ..
أيد الحزب الشيوعي السوداني اتفاقية السلام الشامل لأنها اوقفت الحرب التي كانت وبالاً على البلاد وصرفت فيها مليارات الدولارات التي كان من الممكن انفاقها على التنمية وتحسين حياة المواطنين. ولجمت آلة الحرب التي ازهقت ملايين الارواح من ابناء الشمال والجنوب، ودمرت ما كان جنينياً للتنمية والتطور والبنى التحتية في الجنوب، وشردت ملايين المواطنين. لكل ذلك فإن اتفاقية السلام الشامل تمثل نقطة تحول هامة في المسار السياسي للجنوب بشكل خاص.
* منذ اتفاق مشاكوس الإطاري، انتقد الحزب ثنائية الاتفاقية وهشاشة بنودها في اكثر من موضع وقابليتها للانهيار في اي منعرج سياسي يفسر فيه احد الطرفين اياً من بنود الاتفاقية لصالحه كما هو الحال الان مع عدد من المواد وعلى رأسها برتوكول ابيي الذي تحول الى قنبلة موقوتة.
* وانتقد كذلك التقسيم الشمولي للسلطة والثروة لصالح حزب المؤتمر الوطني، بما ادي الى انفراده بالسلطة وهيمنته على اهم مواقع اتخاذ القرارات، حيث يستحوذ وحده على 52% من مقاعد المجلس التنفيذي والتشريعي المركزيين و28% للحركة الشعبية و14% لكل القوى السياسية الشمالية و6% لكل القوى السياسية الجنوبية.
هذا التقسيم يضمن سيطرته التامة حتى لو توحدت كل القوى السياسية الاخرى في الشمال والجنوب. وهذا يمثل إحدى أهم سلبيات الاتفاقية وابرزها، وقد اتضح ذلك في الممارسة العملية عند تنفيذها.
اكدت التجارب سواء في اتفاقية ابوجا او السلام الشامل او الشرق ان اختصار التفاوض على طرفين رغم ان الازمة السودانية في خلفياتها التاريخية وتجلياتها السياسية والاجتماعية ازمة عامة وشاملة يستحيل حلها عبر الاتفاقيات الثنائية. ما حدث لا يأخذ في الاعتبار وضع السودان كثيف التنوع والتعدد حيث يصعب الحديث عن هوية وطنية عامة لازالت تتصف بالهشاشة. وهذا يستوجب اشراك كل اهل السودان بتنوعهم الحزبي والجهوي في الحل السياسي الديمقراطي الشامل لازمة الوطن.
مخاطر الثنائية تتمثل ايضاً في ان مهمة بناء السودان واستقراره بعد الحرب مهمة شاقة لا يمكن ان يقوم بها حزبان كما اكدت تجارب الحكم في السودان منذ الاستقلال. فالشراكة التي تجمع بين حزبين يتقاسمان السلطة سرعان ما تنفض عند اول منعرج سياسي ليفضي صراع المصالح بينهما الى اتفاق ثنائي او ثلاثي آخر ليلتقيا في زاوية حادة من منحنيات الصراع السياسي لينهار الحلف امام المشاكل المعقدة لبلد في حجم قارة.
فإذا كان هذا هو الحال مع احزاب شمالية بينها العديد من القواسم المشتركة طبقياً فما بالك في اتفاق ثنائي بين حزب الجبهة القومية المتأسلمة والحركة الشعبية اللذين لا يجمع بين برنامجيهما (على الاقل المعلنين) جامع .والآن الشراكة بينهما تستخدم للحفاظ على البنية التحتية ( الأمنية والاقتصادية ) لنظام الإنقاذ ، بعد أن خرقت الجبهة القومية منهج توزيع الحقائب الوزارية وهيمنت على وزارات الدفاع والداخلية والمالية والاقتصاد الوطني والطاقة، العمود الفقري لكل حكومة .
* ويمثل تلكؤ الحكومة في تنفيذ الاتفاقية احد العوامل الرئيسية التي تهدد بإنهيارها. فقد ابطأت السلطة في انشاء مفوضية البترول والذي لا يعرف حقيقته وتفاصيله سوى القيادة العليا للجبهة القومية الإسلامية ، ومفوضية تقسيم الأراضي وفي حسم وضع انتشار القوات المسلحة في الجنوب، وفي تنفيذ برتوكول ابيي كما اشرنا من قبل وفي عدم تنفيذ بنود الاتفاقية المتعلقة بالمليشيات مثل الدفاع الشعبي والتي اصبحت تمثل تهديداً مباشراً للامن في كافة انحاء البلاد، وفي التباطؤ في نزع السلاح الذي اصبحت كثافة انتشاره تجسيداً للانفلات الامني. وكذلك وضع قوات جهاز الامن والمخابرات الذي يتعارض مع الاتفاقية وتحول –رغم اتفاقية السلام- الى قوى ضاربة لاتقل عدداً وعتاداً من القوات المسلحة، بينما تحصرها الاتفاقية في قوة محددة ينحصر دورها في جمع المعلومات ورفعها مع توصياتها للجهات المختصة لاتخاذ القرار..الخ..الخ..
* ضمن المصاعب التي تواجه الاتفاقية في التنفيذ، القوى الداعية للانفصال. ففي الشمال هناك حزب انفصالي يدعو علانية لفصل الشمال عن الجنوب، معترف به من السلطة ومسجل في اضابيرها وله صحيفة ودار ودعم من السلطة. وهناك قوى جنوبية داخل الحركة وخارجها، عبرت عن معارضتها للوحدة بالحوار الجهير في اللقاءات التي قام بها د. جون قرنق في يونيو 2004 في معظم مدن وقرى جنوب السودان وهي بعد اتفاقية السلام راحت تدعو للإعلان الفوري لانفصال الجنوب من داخل مجلس تشريعي جنوب السودان وليس عبر الاستفتاء في العام 2011 كما حددته اتفاقية نيفاشا للسلام .
هذه المصاعب الموضوعية التي احاطت بالاتفاق ولا زالت هي عقبات امام تنفيذ الاتفاقية، بل تهدد بنسفها اذا لم يتم تجاوزها بالتنفيذ الحقيقي لبنودها والشروع في ردم فجوة عدم الثقة ونقض العهود والمواثيق ووضع الاسس لاستقرار وتطور وتنمية الجنوب، في ظل تحول ديمقراطي قولاً وفعلاً.

د- الوضع في الجنوب وعقبات تنفيذ الاتفاقية:
هناك عقبات كثيرة تتمثل ابرزها في:
اولاً: الوضع السياسي في الجنوب بعد اتفاقية السلام :
* تستأثر الحركة الشعبية كما المؤتمر الوطني بـ70% من نسبة التمثيل في الاجهزة الدستورية وفرضت هيمنتها الشاملة على كل مفاصل الحياة في الجنوب. وهذه حقيقة ترفد الشمولية في النظام السياسي السوداني بأسره رغم كل الحقوق الواردة في الدستور الانتقالي.
* المؤتمر الوطني يكتفي بوجود في الجنوب خلال نسبة الـ15% التي نصت عليها الاتفاقية لمتابعة تطورات الاوضاع ومحاولة التأثير فيها.
* القوى السياسية الاخرى تهمش. ومن الواضح ان الحركة الشعبية قررت الا تسمح لاي فصيل جنوبي اخر ان يلعب دوراً ذا شأن همشت القوى السياسية الجنوبية الأخرى عندما قبلت بنسب التمثيل التي جاءت ضمن اتفاقية السلام الشامل ، فحالت دون مشاركة التيار التقدمي الديمقراطي في المؤتمر الجنوبي الجنوبي وفي الاجهزة الدستورية بأي مستوى بل تراجعت عن اجراء اي حوار معه رغم انها كانت المبادرة بذلك قبل التوقيع النهائي على اتفاقية السلام الشامل.
ورغم كل الحقوق الواردة في الدستور الانتقالي لجنوب السودان مثل إطلاق الحريات العامة والتأمين على حكم القانون .... الخ . إلا أن الممارسات العملية تكتنفها بعض الشوائب كاللجوء للعنف لفض مظاهرات سلمية واعتقال ناشطين في حقوق الإنسان واقتحام الجامعات وجلد القضاة ، هذه التجاوزات قد تدفع إذا لم يتم الالتفات إليها وإيقافها في مهدها إلى مواصلة السير في خنق واغتيال الديمقراطية، الأمر الذي اتبعته حكومات ما قبل السلام .
ثانياً: الوضع الاقتصادي في الجنوب :
أسبقيات حكومة الجنوب في السياسة الاقتصادية لا تبشر بنتائج حسنة في نهاية المطاف رغم المجهودات التي تبذل هنا وهناك في مجال الصيانة وتعبيد الطرق. فبدلاً من مواجهة القضايا والمشاكل المستعصية التي يعاني منها المواطنون مثل الغلاء والارتفاع الخرافي في اسعار السلع الضرورية، سداد المرتبات المتراكمة التي قادت للعديد من الاعتصامات و الإضرابات، تعويض الأهالي المتضررين من الاثار الضارة للتنقيب عن البترول في مناطقهم، قضايا التعليم وتدهور الوضع الصحي الذي ادى الى انتشار امراض الكوليرا والسحائي والملاريا..الخ.. بدلاً من مواجهة هذا الواقع كرست الحكومة اول ميزانية للاشهر الثلاثة الاولى لها (87 مليون دولار) لتغطية احتياجات مكتب الرئيس ومجلس الوزراء والوزارات المختلفة والمجلس التشريعي ، وجلبت افخر الأثاث والعربات باهظة الثمن .
* الصرف البذخي في تأسيس أجهزة السلطة الانتقالية.
* وتمتص الإعتمادات المالية لسفر موظفي حكومة الجنوب داخل البلاد وخارجها نسبة كبيرة من الميزانية العامة للإقليم .
* كما تم رفع ميزانية الجيش الشعبي بنسبة 40% (حوالي 536 مليون دولار) بحجة حماية الاتفاقية.
تجربة ودروس الحكم الذاتي الإقليمي أكدت أن الصرف ألبذخي على جهاز الدولة الإقليمي والفساد بكل أنواعه يمتصان الفائض للتنمية ويلحقان بمسيرتها إضرارا وآلاما . إن الجماهير الجنوبية التي تنتظر أن تتنزل لأرض الواقع كل ما خاطبته الاتفاقية من قضايا تخصها حول معناه الحياة اليومية، لن تسمح بتكرار التجارب المخيبة للآمال والتي سادت خلال الثلاثين عاماً الماضية من عمر الحكم الذاتي ، وهي تبحث عن طريق جديد تماماً يلبي طموحاتها المشروعة في الحياة الحرة الكريمة .
بالرجوع لتجربة الثلاثين عاماً نجد قيادات الانيانيا التي وصلت السلطة بعد اتفاقية أديس أبابا ، شكلت النواة الصلبة للبيروقراطية الرأسمالية الطفيلية النامية من المتعلمين الجنوبيين (ساسة وعسكريين وموظفين كبار في أجهزة السلطة والخدمة المدنية ). وأصبح جهاز الدولة الإقليمي وإداراته مصدراً أساسياً لتراكم رأس المال في يدها بالمرتبات العالية والرشوة والامتيازات وباقتسام العمولات والأرباح مع رجال الأعمال والتعامل مع الشركات الأجنبية العاملة في الجنوب واستحواذ على الرخص والمشاريع والعقارات . هذه النواة قادة لأول مرة في الجنوب عملية خلق طبقة رأسمالية طفيلية متجاهلة أن هذا الطريق لن ينقذ الجنوب . والآن بعد التوقيع على اتفاقية السلام الشامل ، يتشكل المجتمع الجنوبي وتبدأ ملامح الانقسام والتمايز الطبقي بالظهور . إفراد وجماعات تتراكم في أيديها الملايين والمليارات من الجنيهات . وتتنافس في تشييد الفنادق والشركات ووكالات السياحة وامتلاك الأراضي والعقارات وفي تهريب الدولار عبر الحدود . وهي تستهدف جهاز الدولة الإقليمي كأحد أهم أدواتها لمراكمة رأس المال . وليس ببعيد مشاركة عدد من القيادات النافذة في حكومة الجنوب في الاعتداء على المال العام والفساد مما أدى إلى إبعاد بعضهم من مناصبهم الرسمية وإيقاف البعض الأخر . أما في الجانب الآخر فيصطف الملايين من الفقراء الجنوبيين يعانون من الفاقة والجوع والمرض. فالفقر كان ولا يزال يشكل الهاجس الرئيسي لمواطني جنوب السودان ، وهو جزء من الفقر العام الذي يعم البلاد بأسرها . وسيبقى كذلك ويتزايد اذا غاب عن بال من هم في السلطة ولو للحظة واحدة مهمة مكافحته وتوجيه كل الجهود والإمكانات المتاحة لهزيمته عن طريق التنمية القومية الشاملة .
إن ميدان التنمية الرئيسي هو الريف الجنوبي بأكمله الذي يسوده اقتصاد معيشي تقليدي قائم على الزراعة التقليدية بشقيها الحيواني والنباتي وذلك من خلال عدة محاور يتصدرها تجميع صغار المزارعين وخلق تعاونيات زراعية طوعية لهم ، ووضع خطط ممكنة التنفيذ لتشييد البني التحتية من تعبيد للطرق وكهربة الريف وتوفير مياه الشرب النقية وتوجيه عائدات البترول لدعم الزراعة . ودفع الحكومة المركزية لتتحمل مسئولية أكبر لتنمية الجنوب من خلال برنامج التنمية القومية .
التنمية في نهاية المطاف تتحقق من خلال اعتماد سياسة تقشفية صارمة يضرب لها المثل من هم في قمة السلطة وذلك من خلال تقليل الصرف على جهاز الدولة وتوجيه كل مواردها لما ينفع الناس جميعاً .
هناك مؤشرات عديدة تنذر بمخاطر حقيقة تجاه الجنوب :-
- خطة التنمية التي تسعى حكومة الجنوب لتطبيقها تشرف عليها مؤتمرات المانحين وتوضع مؤشراتها تحت الاشراف المباشر للبنك الدولي وصندوق النقد الدولي في اطار توجهات سياساتهما مما يفتح الباب امام الاستثمارات الاجنبية، البرنامج الذي التزمت به حكومة الجنوب تحت مراقبة صندوق النقد الدولي يتبنى اجراءات تفرض خفض الدعم المخصص للوقود.
- يفاقم من هذا الوضع انخفاض عائدات صادرات البترول الخام كما تشير موازنة العام2007 . حيث تدنى العائد من 743.4 مليار دينار في 2006 الى 663.1 مليار دينار في 2007 هذا الانخفاض له اثره على ميزانية حكومة الجنوب والتي انخفضت في موازنة 2007 الى 296.2 مليار دينار مقارنة بـ319.4 مليار دينار في موازنة 2006.
هذا الانخفاض يؤثر سلباً على المواطنين في جنوب البلاد ويعيق اعادة اعماره ويصب في مصلحة القوى المعادية للوحدة.
* مع هذه السياسات بدا يتحول بعض قادة حركة الجنوب الى وكلاء للشركات متعددة الجنسيات التي سمح لها بالعمل في الجنوب وستنهب ثرواته وستخلق هذه السياسة الاقتصادية رأسمالية طفيلية تحوز على كل شئ وتكرس الفقر الماثل للاغلبية الساحقة من ابناء الجنوب.
* لهذا تصبح التنمية القومية في الجنوب كما هو منصوص عليه في اتفاقية السلام الشامل جزءاً لا يتجزأ من خطة التنمية العامة للبلاد خاصة تلك التي عانت بسبب الحرب او التهميش.

ثالثاً: هنالك مصاعب أخرى مختلفة ومتعددة تواجه الوضع في الجنوب :
- جهاز الخدمة المدنية في الجنوب على مستوى قياداته الوسيطة والدنيا تدرب وتربي في احضان حكم الانقاذ ولهذا فهو يمثل عائقاً في التنفيذ.
- التأثير القوي والفعال للتعصب القبلي خاصة بين بعض قبائل الاستوائية وغيرها.
- الوجود الكثيف للمليشيات التي لم تحسم الاتفاقية امرها وجزء كبير منها خاصة في القطاع القيادي موالِ للمؤتمر الوطني وتم تعيين عدد منهم في قمة الجهاز السياسي والتنفيذي.
لكل تلك العوامل الأسباب نقول إن تنفيذ الاتفاقية في اهم محاورها التي تؤسس لتعمير ما دمرته الحرب واصلاح البيئة والبنى التحتية والتنمية والتحول الديمقراطي الفعلي والاهتمام بمطالب استقرار ومعيشة الاغلبية الساحقة من كادحي الجنوب يسير ببطء شديد. ومع اقتراب نهاية الفترة الانتقالية واجراء الاستفتاء فإن ذلك يعرض خيار الوحدة لمخاطر حقيقية.
آفاق الوحدة او الانفصال:
نحن وقفنا مبدئياً وسنظل نقف مع وحدة السودان .ونسعى للعمل من أجل ذلك مع كافة الجنوبيين داخل البلاد وخارجها ، لأن قضية الجنوب ستظل مثقلة بالكثير من القضايا الشائكة والمتغيرات التي تلقي بظلالها على المستقبل .
انه رغم شراسة الانفصاليين سواء في الشمال او الجنوب. ورغم مواقف المؤتمر الوطني السالبة والمتعددة للتباطؤ في تنفيذ الاتفاقية وغم سلبية حكومة الجنوب في مواجهة القضايا التي تمس حياة جماهير الجنوب وتهميش دورها في دست رئاسة الجمهورية والحكومة الاتحادية رغم كل ذلك فإن فرص الوحدة ما زالت متوفرة اذا تمكنت حركة الجماهير الشعبية في الشمال والجنوب وعلى رأسها القوى الوطنية والديمقراطية من تنفيذ المهام الاتية:
اولاً: تجميع اوسع واشمل جبهة من الحادبين على وحدة الوطن والعمل المثابر لتنفيذ كل مالم يتم تنفيذه في اتفاقية السلام الشامل والالتزام بتنفيذ بروتوكول ابيي وفقاً لما جاء في الاتفاقية .
ثانياً: اعادة النظر في السياسات الاقتصادية بشكل عام ولحكومة الجنوب في تفاصيلها المختلفة التي تؤدي في نهاية المطاف الى الاهتمام بجميع الثروات التي يزخر بها الجنوب لتصبح ردفاً للبترول،وان تنتهج حكومة الجنوب نهجاً يؤدي الى ديمقراطية الاقتصاد والتوزيع العادل لعائداته بين المنتجين للثروة ووضع الاسس والسياسات التي تؤدي الى النهضة الصناعية الزراعية في الجنوب لمصلحة المواطن الجنوبي والتنمية والاستقرار بما يجعل العودة الطوعية امراً متيسراً ومقنعاً.
ثالثاً: الالتزام بتنفيذ الدستور الانتقالي للجنوب ومساواة المواطنين وفقاً لنصوصه والقوانين المنبثقة منه لجعل التحول الديمقراطي امراً واقعاً في التطبيق العملي وليس شعاراً اجوف لخداع الجماهير.
رابعاً: القيام بكل ما من شأنه ان يوقف الصراعات بين قبائل الجنوب المختلفة ويوحدها خلف اتفاقية السلام الشامل لضمان عدم استئناف الحرب من جديد وذلك بحل الخلافات المتفجرة بين القبائل على عدد من القضايا الهامة.
خامساً: ردم الفجوة الكبيرة بين واقع الحكم ومعاناة المواطنين خاصة بعد استشهاد د. جون قرنق وتفاقم الخلافات ومغادرة بعض قادة الحركة النافذين لصفوفها والتوحد حول الاسبقيات المتعلقة بالمواطن الجنوبي ووحدة الوطن.
سادساً: خلق ارضية للعمل المشترك مع كل التنظيمات الجنوبية التي تدعو للوحدة وتنمية وتطوير الجنوب. والسير في الطريق الذي درجنا عليه في الخارج ومواصلته في الداخل لخلق صلة ثابتة بالحركة الشعبية دعماً لايجابياتها ونقداً لسلبياتها في وجهة الاقتراب من البرنامج الوطني الديمقراطي.
سابعاً: الاستفادة من كل المواقف الداعمة لخيار الوحدة بين مؤسسة السلاطين والكنيسة وغيرهما.
واجبنا كحزب له تجاربه الثرة في النضال السياسي يتحمل أكثر من غيره مسئولية تجميع اوسع جبهة من القوى الديمقراطية في الشمال والجنوب للمحافظة على وحدة البلاد والتطور التنموي المتوازن في مناطقها المختلفة خاصة في جنوب البلاد لضمان تنفيذ اتفاقية السلام الشامل بإعتبارها قضية كل السودان وليس مهمة الحركة الشعبية وحدها.
حزبنا.. وهو يستعيد نضاله في تجميع كافة فعاليات ومنابر القوى الديمقراطية كأساس للوحدة الواسعة لا يبدأ من الصفر بل هناك تقاليد راسخة للعمل الديمقراطي والتقدمي ما زالت باقية ولم تندثر رغم الحرب. وهذا يستوجب بذل جهود مضاعفة لقراءة مستجدات الواقع في الجنوب بعد اتفاقية السلام الشامل والاستفادة من تجارب الماضي بكل سلبياتها وايجابياتها لبعث عمل القوى الديمقراطية في الجنوب من جديد على اسس وقواعد تستند على دراسة علمية للواقع.
ان العمل الجماهيري المتعدد الاشكال والاساليب يجب ان يكون ضمن اهدافه نشر ثقافة السلام لدعم الاتفاقية ولجعل الوحدة امراً متيسراً.

هـ/ ملامح ومؤشرات جديدة في العمل بين العمال والطلاب والنساء والشباب والمنظمات الطوعية:
1- علاقة الحزب الشيوعي بالطبقة العاملة:
سياسات التحرير الاقتصادي، ومصادرة الحريات السياسية والنقابية، أسفرت عن تدمير ركائز الاقتصاد الوطني، وتخريب الحركة النقابية وضرب استقلاليتها، واستنزاف كوادرها المجربة بالتشريد السياسي والنقابي والاقتصادي واسع النطاق. وقاد هذا الواقع إلى حدوث متغيرات كمية ونوعية في تركيب الطبقة العاملة السودانية، وأضعف من حركتها التي كان لها دورها الرائد في النضال ضد الاستعمار الأجنبي والأنظمة الدكتاتورية، وفي التصدي للقضايا التي تهم الوطن والمواطنين.لقد قاد التشريد وقفل المصانع و فتح باب الاستيراد على حساب الصناعة الوطنية إلى تدهور التركيب العضوي والتقني للطبقة العاملة . ومن ناحية أخرى نشأت فئات عمالية جديدة كعمال البترول ومستودعاته ومناجم التعدين وأسطول الشاحنات .
غير أن هذه المتغيرات لا تبدل من أهدافنا الاستراتيجية تجاه الطبقة العاملة، ولكنها بطبيعة الحال، تستوجب ان نطور تاكتيكاتنا لمواكبتها. وكذلك ان نضاعف جهدنا لتزويد الوافدين الجدد إلى صفوف العمال بتاريخ وتجارب وتقاليد الحركة النقابية والسياسية للطبقة العاملة.
فالطبقة العاملة في بلادنا، رغم السياسات الرامية لشل وإضعاف قدراتها على خوض الصراع السياسي/الاجتماعي والنقابي، تواصل نضالها بهذا المستوى أو ذاك من أجل حقوقها وحرية واستقلال تنظيماتها النقابية، ومن أجل دعم القطاع العام ورفض الخصخصة العشوائية وسياسات التحرير الاقتصادي.
ان علاقة الحزب الشيوعي بالطبقة العاملة السودانية علاقة تاريخية راسخة تمتد جذورها لبدايات تكوين تنظيماتها النقابية منتصف أربعينات القرن الماضي. وقد ظل العمال يجددون ثقتهم في أعداد متزايدة من العمال الشيوعيين وحلفائهم الديمقراطيين ليحتلوا مواقعهم بين قيادات الحركة النقابية لعشرات السنين. والواقع ان نضال العمال وانتصارهم في تأسيس حركتهم النقابية، ومدهم يد الأخوة الطبقية والتضامن للمزارعين والطلاب وغيرهم، كان هو نقطة الانطلاق لتفجير حركة واسعة للتنظيم بين كل فئات الشعب، على ضوئها استقام أمر النضال السياسي والاجتماعي الجماهيري في السودان ضد الاستعمار الأجنبي وضد الأنظمة الدكتاتورية المعادية لمصالح الشعب والوطن فيما بعد، ومن أجل الديمقراطية وتحسين مستوى المعيشة والعدالة الاجتماعية.
وهناك ضرورة ماثلة اليوم تستوجب مواصلة علاقة الحزب الشيوعي بالطبقة العاملة وترقية هذه العلاقة وتجويدها. وتتأكد هنا بصورة أكثر إلحاحاً مما مضى، الصلة المباشرة بجماهير العمال عبر اللقاءات والندوات، وكذلك عبر الدراسات حول الإجور ومستوى المعيشة والأوضاع الاقتصادية في البلاد وتاريخ الحركة النقابية السودانية. كما تتأكد ضرورة دراسة خريطة المتغيرات في البنيان الاقتصادي وما طرأ من تغير في التركيب العضوي لجماهير العمال. ان هذه الدراسة للمتغيرات تساعد كثيراً في ابتداع أشكال وأساليب ومناهج العمل المناسبة لمواكبتها.

المعالم العامة لخريطة المتغيرات
لقد حدتث بالفعل تغيرات هامة في تركيب الطبقة العاملة السودانية منذ المؤتمر الرابع للحزب في أكتوبر 1967. وكان قد ورد في التقرير العام لذلك المؤتمر "الماركسية وقضايا الثورة السودانية" ص (175-176) ما يلي: ..."فالطبقة العاملة مثلاً، وهي الطليعة التي يتوجه إليها الحزب الشيوعي ليركّز‏ عليها في مؤسساتها، نمت خلال هذه السنوات وتحت الدفع الرأسمالي عددياً ونوعياً. فعمال الانتاج الصناعي الذين يشكلون مستقبل الطبقة العاملة نما عددهم من حوالي 12 ألفاً إلى أكثر من 20 ألف عامل، ووجدت صناعات جديدة حديثة على رأسها صناعة الغزل والنسيج.
وهذه سمة جديدة للطبقة العاملة تضع قضية الطلائع بينها في وضع جديد. وقد أدى هذا النمو في الطبقة العاملة – بين الانتاج الصناعي وبين الخدمات – إلى الارتفاع في المستوى المهني للطبقة العاملة فاتسع نطاق التعليم المهني والفني. وبهذا جرى تطور في تركيب الطبقة العاملة نفسها واتسع نطاق الكادر الفني المؤثر على الانتاج. وهذا الكادر في الصناعات الجديدة يشكل قلبها ويؤثر في جماهير العمال ويمكن إذا تم تدريبه طبقياً على الماركسية اللينينية ان يلعب دوراً فعالاً في ربط جماهير الطبقة العاملة نهائياً بقضية الحزب الشيوعي السوداني".
وبعد المؤتمر الرابع حدثت قفزة نوعية في وزن الطبقة العاملة السودانية بأثر التوسع في صناعة النسيج والسكر والصناعات الغذائية وقطاع الصناعات الكيمائية التحويلية (بلاستيك، بوهيات) وكذلك بأثر التوسع في استعمال الآليات في الانتاج الزراعي.
وفي 1995 كانت نسبة الصناعة في الناتج القومي المحلي 7.7% وارتفعت حالياً إلى أكثر من 8.2% بأثر صناعة البترول والتعدين وقيام مجمع جياد الصناعي.
غير ان هناك ثمة معوقات أمام تطور الصناعة برزت تحت مظلة نظام الإنقاذ وسياسات التحرير الاقتصادي.وتتلخص هذه المعوقات في غياب التخطيط والتركيز على الربحية دون مراعاة للنهوض بالاقتصاد الوطني، وارتفاع تكلفة مدخلات الانتاج ، وازدياد الرسوم والضرائب والجمارك، وعدم حماية المنتج المحلي، وغياب الإدارات المؤهلة، وعدم توفر التدريب للعمالة.
وقد أسفرت هذه المعوقات عن:
أ‌- ازدياد عدد المنشآت الصناعية المتوقفة عن العمل بين صناعات الزيوت والأحذية والمصنوعات الجلدية والملابس الجاهزة وبعض الصناعات الغذائية.
ب‌- صناعة النسيج والصناعات الغذائية عموماً، باستثناء صناعة السكر، تعمل بطاقة إنتاجية لا تتجاوز15%.
ج‌- انهيار معظم مشاريع التنمية في الولايات بأثر الفساد والخصخصة العشوائية.
د‌- تدهور بعض الصناعات والخدمات ذات التقاليدالراسخة في الصراع السياسي والنقابي، وتقلص عمالتها بأثر التخريب الإنقاذي المتعمد لها عن طريق الخصخصة والتشريد السياسي والنقابي (السكة حديد، النسيج .. الخ) وعلى سبيل المثال نورد الأرقام التالية للقوى العاملة بالسكة جديد :

السنة 1986 1992 2007
العدد 30 ألف 17 ألف 11 ألف

وتوضح هذه الأرقام ان نسية التقلص في العمالة بلغت أكثر من 63% بالنسية لحجم العمالة في السكة جديد.
وبأثر عوامل عديدة سلبية تقلص عدد العمال الصناعيين في الصناعة التحويلية والتعدين والكهرباء والمياه والبناء والتشييد من حوالي 320 ألف في 1992 إلى حوالي 130 ألف في 2003.
وإذا قارنا الصورة التي كان عليها الأمر عند انعقاد المؤتمر الرابع للحزب (20 ألف عامل صناعي عام 1967 حين كان عدد سكان السودان 13 مليون) مع الصورة الراهنة (130 ألف وارتفاع عدد سكان السودان إلى أكثر من 33 مليون) نجد ان عدد الطبقة العاملة الصناعية تضاعف أكثر من 6 مرات، ولكنه لم يتضاعف بالنسبة لوزن الطبقة العاملة للسكان إلآّ إلى أقل من 3 مرات.
وكذلك تقلصت نسبة المرأة بين القوى العاملة في الصناعة من 10% عام 1992 إلى 8.5% عام 2003، وذلك بسب التدهور في صناعات النسيج والإغذية.
غير ان ترميم وإصلاح الاقتصاد الوطني السوداني كفيل بان يقود لإعادة العمل في المؤسسات الصناعية المتوقفة عن العمل، ورفع الطاقة الإنتاجية في المؤسسات التي تعمل بطاقة إنتاجية متدنية، ومعالجة ما حدث من تدهور في قطاع الخدمات، ومن ثم الانتقال للتنمية المستدامة والمتوازنة اتحادياً وولائياً، وهذا سيفتح الطريق في المستقبل المنظور لزيادة نسبة الصناعة في الناتج القومي المحلي وتجاوز التقلص الذي حدث في عدد عمال الصناعة والخدمات.
ويرد هنا ما يمكن تحقيقه، عبر الصراع السياسي والاجتماعي، بصدور قرار سياسي بارجاع المحالين للصالح العام. ويصب في ذات الوجهة النضال لكفالة الحريات النقابية وإلغاء قانون نقابة المنشأة. ونؤكد هنا ضرورة الاستفادة من قدرات كل الكوادر النقابية، الشيوعية والديمقراطية، المشردة في هذا المضمار.

خارطة الطريق لدعم علاقة الحزب الشيوعي بالطبقة العاملة
ان مواجهة ما حدث من تخريب في الحركة النقابية العمالية، ومقاومة السياسات الرامية لطمس معالم استقلال حركة الطبقة العاملة، تتطلب بصورة محددة:
أ‌- الوقوف بثبات إلى جانب النقابة الفئوية في البنيان النقابي، ورفض نقابة المنشإة التي تهدف إلى مصادرة الوجود النقابي المستقل للطبقة العاملة. ان واقع الاقتصاد السوداني الذي تكثر فيه المصانع والورش الصغيرة يقتضي كفالة الشخصية الاعتبارية لكافة التكوينات النقابية القاعدية في قوانين العمل.
ب‌- انتهاج طريق التحالفات النقابية الواسعة التي ترفع من قدرات جماهير العمال على تحرير حركتهم النقابية من قبضة السلطة ومكتب المسجل وجهاز الأمن. فالحركة النقابية هي في نهاية الأمر جبهة عريضة لكل العاملين الحادبين على مصالح العمال صرف النظر عن انتماءاتهم السياسية والفكرية.
ج‌- إعادة الروح إلى تقاليد ومناهج ديمقراطية العمل النقابي بتنظيم عقد الجمعيات العمومية وإصدار النشرات النقابية، والتحضير القاعدي الواسع للمعارك النقابية مهما صغرت، والسعي لاستجلاب أوسع تضامن نقابي مع كل معركة، وتفادي تصعيد أو تمديد أجل أية معركة دون الرجوع للجمعية العمومية، والمحاسبة في نهاية كل دورة نقابية على خطاب الدورة والميزانية .. الخ.
د‌- إن النضال ضد تفاقم شظف العيش إلى حد الإملاق (أكثر من 95% من الشعب تحت حد الفقر) يستوجب ان تكون المطالب النقابية أكثر راديكالية في أبعادها ومضامينها الاجتماعية. إلى جانب تحسين الإجور وشروط الخدمة وصرف الاستحقاقات في مواعيدها، هناك مطالب الدفاع عن القطاع العام ورفض الخصخصة العشوائية والتشريد، وزيادة الانفاق الحكومي على الخدمات، وتركيز ودعم أسعار السلع الاستراتيجية، وكذلك المطالب الخاصة بالمرأة العاملة كالأجر المتساوي للعمل المتساوي وإجازة الحمل والوضوع مدفوعة الأجر والإعفاء من الخدمة الليلية ..الخ.
هـ- رفع الاهتمام بتوسيع العمل النقابي، كمدرسة أولية للصراع الطبقي، ليشمل كل ما هو جاذب للوافدين الجدد إلى صفوف العمال للنشاط النقابي مثل المنتديات العمالية وفصول محو الأمية والنشاط التعاوني ..الخ إذ ان غياب الحريات النقابية والتشريد السياسي والنقابي واسع النطاق حال دون تشرب شباب الطبقة العاملة بتقاليد وأسس العمل النقابي والحركة النقابية .
و‌- إحياء " الجبهة النقابية" التحالف القاعدي بين العمال لمعاودة تنظيم كتلة العمال الديمقراطيين والشيوعيين بما يرفع من أثر نضالهم، وذلك استناداً إلى تقييم التجربة السابقة، وإعادة النظر في البرنامج والاسم، بعد التشاور الواسع مع العمال الديمقراطيين.
ز‌- التصدي لموضوع العمالة الأجنبية الوافدة في الصناعة والخدمات، وذلك بالمطالبة بنص دستوري ومواد في قوانين العمل والخدمة العامة يعطي الأسبقية في التخديم للعمالة المحلية ، ويقصر تخديم العمال الأجانب في أضيق نطاق ممكن لا تتوفر به مهارات وطنية.
ح‌- مواصلة الجهد لتدريب النقابيين الجدد من الشيوعيين والديمقراطيين بكل أساسيات وأركان العمل النقابي، والمواظبة على إعداد الدراسات والنشرات التي تخدم هذا الهدف.
ط‌- وضع خطط مناسبة لتركيز البناء الحزبي وسط الطبقة العاملة حسب واقع المجالات والقطاعات العمالية المختلفة في العاصمة والأقاليم ، مع وضع اهتمام خاص لدعم البناء الحزبي والديمقراطي بين العمال الفنيين والمهرة بوصفهم طلائع لجماهير العمال.
ي-علاقة الحزب الشيوعي التاريخية والفكرية والسياسية والاجتماعية بالطبقة العاملة تشكل أساساً مساعداً لعملية البناء الحزبي بين جماهير العمال بما يمكّن طلائعهم من احتلال مواقع قيادية في الحزب في كافة المستويات.
ك‌- ضرورة توسيع التضامن النقابي العالمي والإقليمي لدعم نضال عمال السودان في معركتهم من أجل الحريات النقابية، وبالتالي هناك ضرورة لان تمتد علاقات عمال السودان مع كافة المراكز التي ترعى شئون العمل والخدمة ومع الاتحادات والتكوينات النقابية دولياً وإقليمياً.

2/ قضايا التعليم والطلاب
ظلت قضايا التعليم مطروحة في السودان حتى قبل الاستقلال لارتباطها بالتنمية الاقتصادية والاجتماعية في بلادنا وكان الصراع يدور، من بين اشياء اخرى حول التوسع فيه جغرافياً لاستيعاب اكبر عدد ممكن من الاطفال حتى المدارس الثانوية. فديمقراطية التعليم تستند الى توفير التعليم للجنسين في كل ارجاء الوطن وربط محتواه ومناهجه بخطة تنمية قومية شاملة لتحقيق التطور المتكامل للوطن ولشخصية الفرد فكراً وبدناً وخلقاً ومهارة وعلماً.
غير ان التعليم لازمه التخريب طوال فترتي الحكم العسكري الثاني (مايو) والثالث (الانقاذ) من حيث التخطيط لكافة مراحلة فلسفة واهدافاً وتطبيقاً، في الواقع العملي نلاحظ تفاوت نسب الاستيعاب للاطفال بين الاقاليم وبين الذكور والاناث فأعلاها في الخرطوم واقلها في الولايات الجنوبية والبحر الاحمر وغرب دارفور وكردفان ثم النيل الازرق . ترتب على ذلك زيادة نسبة الامية خصوصاً وسط النساء حيث بلغت في المدن أ كثر من 60% وفي الريف اكثر من 80%.
فالفلسفة التعليمية والاهداف التربوية لحكومة الانقاذ تفتقر للمصداقية والديمقراطية لان بنيته تعتمد على القهر والقرارات الفوقية ومحتواه قائم على التلقين وحفظ النصوص قسراً بالجلد وادارته قائمة على تهميش دور المعلمين وتدريبهم بالغاء كل معاهد التربية في بخت الرضا وشندي والدلنج ومريدي وكل كليات المعلمات في امدرمان ومدني والابيض مع ان التدريب المتواصل وسيلة رئيسية للاعداد لممارسة هذه المهنة. وهذا الجدول يوضح الوضع في عام 2003 حسب تقرير الوزارة.


المرحلة المعلمين غير المدربين المعلمات غير مدربات
الاساس 46.226 39.9% 90.175 66.1%
الثانوي 18.975 56% 14892 44%

مع ملاحظة ان اعلى نسبة تدريب للمرحلة الثانوية توجد في الخرطوم حيث بلغت 45% تليها الجزيرة 15% وباقي الولايات اقل من ذلك بكثير.

مناهج التعليم العام ..
تميزت كل الدكتاتوريات الثلاث بالمحاولات المتكررة لتغيير محتوى التعليم العام بمختلف مراحله بهدف تربية اجيال موالية لفكرها وتوجهها لان التعليم غير محايد وهو احد مجالات الصراع الاجتماعي الهامة.
ففي مرحلة الاساس فرضت حكومة الانقاذ الاسلامية تغييرات كثيرة في مناهجها وكتبها الدراسية فتلميذ الصف السابع والثامن يدرس ثمانية مواد ضعيفة المحتوى وفيها تكرار وكل مقررات المنهج تغلب عليها المواد النظرية للحفظ الاعمى بدون ممارسات عملية تربوية مهمة لهذه الفئة العمرية .
كما فرضت حكومة الانقاذ الاسلامية تغييرات كثيرة في المناهج والكتب الدراسية للمرحلة الثانوية فاضافت مواداً دراسية بلغت السبعة عشر مادة دراسية اكاديمية اجبارية بالنسبة للصف الاول والثاني ثانوي واختيارية بالنسبة للصف الثالث. وهذه الكتب الكثيرة لا يستطيع الطالب حملها دعك من فهمها واستيعابها. زد على ذلك توجيه المنهج وتوظيفه ليخدم هيمنة الفكر الشمولي الاحادي متجاهلة مختلف الثقافات والاديان التي يعج بها السودان مثلما تجاهلت المعامل والمكتبات المدرسية والمناشط الثقافية.
عليه لابد من تطوير خطابنا السياسي نحو طلبة الثانويات وتطوير اساليب تقديمه انطلاقاً من ان الفئة العمرية لطلاب الثانويات هي فئة اجتماعية مهملة في سياسات الدولة والمجتمع وغير مخطط لها كفئة عمرية مستقلة والبرامج الموجهة غالباً ما تركز على من هم دون الـ14 سنة بإعتبارهم الاطفال، بينما تركز السياسات الشبابية على من هم فوق الـ18 سنة وبهذا المعنى فالاشخاص في الفئة العمرية مابين 14 الى 18 سنة ينتمون الى فئة اجتماعية مهملة ومنسية رغم ان لها اهميتها وخصوصيتها التي تستحق الاهتمام، فالعمل في الثانويات يتطلب محاصرة وتصفية وكالات النشاط الطلابي واستعادة ثقة الناس في العمل السياسي المدني وعودة المسئولية للطلاب والادارات المدرسية والاسر وتشجيع الطلبة على ممارسة حقهم في التنظيم النقابي والنشاط الثقافي والتعبير السياسي. ذلك لان متغيرات المجتمع السوداني جعلت من الضروري مناقشة اسباب عزوف طلاب الثانويات عن المشاركة في الحياة المدرسية والحياة العامة وتأكيد ان النضج العقلي والمعرفي المتراكم لطلبة الثانويات يؤهلهم لادوار اكبر من تلك التي لا تزال تنسب اليهم باعتبار انهم صغار السن لأن المشكلة ليست في صغر سنهم انما في الظروف القهرية المفروضة عليهم. علينا ان نقترح لهم الادوار الايجابية اللازمة في هذه الظروف على مستوى الاسرة والمدرسة والدولة بتأكيد ان طلبة الثانويات يمكنهم مواجهة المشاكل التي يعانون منها بصورة إيجابية بطرح القضايا بأشكال متنوعة واستخدام الاساليب والادوات التوضيحية الملائمة بالرسومات والصور والكتيبات والافلام والمسرحيات..الخ..
ازاء كل هذه المتغيرات للمعلمين دور مهم في تهيئة المناخ السليم في المدارس وتقديم الدعم الاكاديمي، تنظيم معسكرات الاستعداد للامتحانات. فروع السكن لها دور في ذلك بالاهتمام بالطلائع من الشباب إضافة إلى إعداد الدليل السياسي وتوفير المحطات، تبادل الاصدارات..الخ

التعليم العالي..
يتم انتقاء بعض نتاج التعليم العام من المؤهلين لولوج مؤسسات التعليم العالي الذي اختار نظام الانقاذ التوسع الافقي فيه ففتحت الابواب واسعة امام الجامعات الخاصة حتى وصل عددها الى 78، وانشأت في البلاد 26 جامعة حكومية وحولت المعاهد التربوية والدينية والفنية الى كليات جامعية أكاديمية فأصبحت في كل ولاية او مدينة جامعة دون اعتبار حقيقي للامكانات من اساتذة ومعامل ومكتبات وبعض هذه المؤسسات بها كليات مثل الطب والهندسة ...الخ وهي عوضاً عن تكلفتها الباهظة تحتاج الى اساتذة مؤهلين ومعامل ومكتبات غالبيتها غير متوفر نحن لسنا ضد توسع التعليم العالي ولكنه يجب ان يستند الى توسيع قاعدة التعليم العام لتشمل جميع الاطفال في كل ارجاء الوطن لكي يكون توسع التعليم العالي عقلانياً وليس للربح المادي ولا للدعاية السياسية واستجداء التكبير والتهليل.
وقد تم انشاء (وزراة التعليم العالي) اي انه اخضع الجامعات بالضرورة لسياسات الحزب الحاكم وصودرت الديمقراطية فيها مما افقدها اخص خصائصها وسبب تميزها وهو الاستقلال الاكاديمي والاداري. فالوظائف القيادية يتم ملؤها في جميع المستويات لا يستند الكفاءة العلمية واصبح التعيين في هيئة التدريس من اهم شروطه الولاء السياسي وليس التميز الاكاديمي.
لقد تعامل نظام الانقاذ مع التعليم العالي في السودان كوسيلة للتمكين في التسعينات فاستولت السلطة على أجهزة الجامعات الأكاديمية والإدارية، وشردت أساتذتها والإداريين فيها، وفرضت التعريب قسراً وانتقائياً دون استعداد بإسم اسلمة التعليم رغم عدم توفر كل المراجع العلمية باللغة العربية ثم اضافت بدعة لا مثيل لها في كل جامعات العالم تتمثل في الاستغناء عن الاساتذة الذين بلغوا سن الستين مع ان الاستاذ الجامعي عالم لا يتقاعد عن التدريس والبحث طالما هو قادر على العطاء.
وفي التسعينات ادخلوا بدعة جديدة وهي منح الطلاب المجاهدين 7% اضافة الى النسب التي حصلوا عليها في الشهادة الثانوية وهم بالطبع الطلاب الموالون للحركة الاسلامية فإمتلأت الجامعات بعناصرهم وتدنى مستوى الطلاب الاكاديمي وهذا عوضاً على انها خرق فظ لقواعد المنافسة الاكاديمية الشريفة يرى الان بالعين المجردة في الجامعات السودانية مما تسبب في زرع الفتنة بل والحقد احياناً بين طلاب الجامعات، فهؤلاء الطلاب اصبحوا يشعرون بانهم مميزون عن اقرانهم ويتوقعون معاملة خاصة حتى في الامتحانات ولا تطبق عليهم لوائح الحضور المطبقة في كل جامعات العالم بل وفرضت على الكليات وبقرار وزاري عقد دورات امتحانات خاصة متى ما يعودون من (الجهاد) وان لم يستوفوا شروط النسبة المقررة من المحاضرات والساعات التطبيقية والويل للاستاذ الذي يرسب على يده هذا (المجاهد).
فالتعليم العالي في ظل الانقاذ اصبح سلعة لمن يستطيع شراءها فأمست الرسوم الدراسية بالملايين في بلد يعاني شعبة من وطأة الفقر المدقع، وتمادياً في هذا الاتجاه وتكريساً له قاموا بتقليص الدعم الحكومي لميزانيات الجامعات، وحرموا الطلاب من السكن والاعاشة المجانية بعد انشاء صندوق دعم الطلاب الذي يعتبرونه قومياً ولا علاقة لادارات الجامعات في سياساته بعد نزع جميع الداخليات التي كانت مخصصة لكل جامعة منفردة، وجعلوا السكن والاعاشة لمن استطاع اليه سبيلا ولذلك يعاني الكثير من الطلاب من سوء التغذية وفقر الدم والسل، اما طالبات الاقاليم فمعاناتهن لا تحدها حدود. تبعاً لسياسة التحرير الاقتصادي حيث اصبحت خدمات الدولة سلعة تباع للمقتدرين. ادخلوا ما اسموه بالقبول الخاص في الجامعات الحكومية مقابل آلاف الدولارات وتمدد حتى اصبح يشكل اكثر مما تجيزه اللائحة وهو ربع اعداد المقبولين في الوقت الذي يحرم من الامتحان او استلام شهادة التخرج اي طالب عجز ولي امره عن تدبير الملايين هي رسومه الدراسية وفي وقت معلوم، فمئات الطلاب اما يتركون الدراسة او يعيدون السنة مضيفين عبئاً جديداً على اولياء الامور بعد تخلي الدولة عن ديمقراطية التعليم ومجانيته.
ومن بين افرازات سياسات التحرير الاقتصادي المتبعة في السودان منذ العام 1992 ان فتح الباب واسعاً امام الاستثمار الخاص في مجال التعليم العالي حتى بلغت اكثر من ثلث المقبولين في المتوسط، بل وافتتحت فروع لجامعات اجنبية. هذه ظاهرة يتعين ان يكون لها ضوابط واضحة. اولها ان لا تكون هذه المؤسسات الخاصة هدفها الربح للثراء مما يعزز الاتجاه السائد الان لتقديم هذه الخدمة على اسس تجارية، وثانياً ان ترتبط مناهجها باحتياجات التنمية في بلادنا اي تخضع لرقابة صارمة من مجلس قومي للتعليم العالي المفروض ان يكون مستقلاً والا فإن هذه المؤسسات سوف تكون مصدراً اضافياً لتفريخ شباب وشابات لا يستوعبهم سوق العمل الضامر اصلاً.
كما ادخلوا بدعة اخرى بدلاً عن نظام الخفراء الذي كان سائداً لحماية مباني الجامعات وممتلكاتها تسمى الحرس الجامعي المرتبط باجهزة الامن وليس ادارات الجامعات ومهمتهم الرئيسية هي مراقبة الاساتذة وقمع الطالبات والطلاب غير المنتمين لحزب المؤتمر الوطني، عليه لابد من الاستعاضة عن الحرس الجامعي الحالي بآلية تتبع لادارات الجامعات للحفاظ على ممتلكات ومباني الجامعات فقط . هناك ايضاً انتشار ممارسة العنف وسط طلاب الجامعات مما يتنافى مع الاسس التربوية السليمة ومن اثاره السلبية عزوف اعداد كبيرة من الطلاب من المشاركة في المناشط في الجامعات بسبب تخوف اسرهم مما قد ينجم عنه من اضرار. ويقع على عاتق الحزب واجب الاهتمام بالجبهة الديمقراطية في الجامعات لتأكيد دورنا في التميز الاكاديمي والدفاع عن مصالح الطلاب وقضاياهم ونبذ العنف مع المشاركة الفاعلة في مختلف اوجه النشاط الطلابي.

مؤشرات اصلاح التعليم:
1. إعادة النظر في مناهج ومقررات التعليم العام اساس وثانوي بمشاركة المعلمين الواسعة.
2. تخصيص ميزانيات كافية للتعليم العام لجعله مجانياً ولتوفير احتياجات المدارس والمعلمين والتلاميذ.
3. مراجعة السياسات التي قضت على معاهد التربية والتعليم الفني والمهني الوسيط
4. الغاء قوانين الجامعات الحالية واستبدالها بقوانين ديمقراطية تحقق استقلالها ادارياً ومالياً وتوفر للطلاب فرصاً حقيقية لممارسة النشاط الفني والثقافي المستقل بإعتبار ذلك وسيلة ناجعة لدرء العنف الطلابي السائد في الجامعات ومكون هام في العملية التربوية تشجع التميز الاكاديمي والحوار الفكري بين الطلاب.
5. إلغاء وزارة التعليم العالي والاستعاضة عنها بمجلس قومي يراعي في تكوينه النظرة القومية وليس الحزبية لوضع السياسة العامة للتعليم العالي ، وتشارك اسرة كل جامعة في صنع هذه السياسات.
6. توفير ميزانيات الجامعات من الدولة وربط التوسع باحتياجات الاقتصاد الوطني مما يتطلب تقليص عددها بالدمج.

3-الحزب الشيوعي وقضية المرأة
ينطلق الحزب الشيوعي من ان قضية المرأة رغم خصوصيتها النوعية الانثوية، قضية صراع طبقي في كل المجتمع. انها قضية اقتصادية/ اجتماعية/ سياسية/ ثقافية من الدرجة الاولى. فالمرأة يقع على عاتقها اضطهاد واستغلال مزدوجان : طبقي/ اجتماعي ومن ناحية الجنس. وعلى هذا النحو فإن قضية تحرير المرأة تندرج بين قضايا التغيير الاجتماعي والتقدم في السودان.
وكغيرها من القضايا المحورية في هذا التغيير فإن الرؤى لحلها تختلف حسب المنظور الطبقي للقوى المصطرعة في المجتمع السوداني، وتأثيرات الاتجاهات الوافدة عالمياً واقليمياً حول تحرر المرأة على هذا المنظور، وترد بين هذه الاتجاهات كتابات سيمون دي بوفوار ونوال السعداوي ومدارس الانثوية والجندر التي تنطلق في معالجتها لقضية المرأة اساساً من الخصوصية النوعية الانثوية لها. وهذا هو المعيار الحقيقي لفحص طروحات وامتحان صدقية مختلف المدارس والاتجاهات التي تتصدى لقضية تحرير المرأة وانهاء كافة اشكال التمييز ضدها.
وفي الواقع قادت طروحات المنظور الديني السلفي لقضية المرأة، التي تركز على المظهر دون الجوهر، وعلى فصل الحجر عن البيضة، للمفاصلة منذ وقت باكر، بين اليمين واليسار داخل حركة المراة في السودان. ولم تكن هذه الحركة موحدة عند تأسيسها مطلع خمسينات القرن الماضي، إلآّ حول برنامج عام وفضفاض، يشمل قضايا تعليم المرأة ومحاربة العادات الضارة ودعم الاسر الفقيرة بتعليم المرأة بعض الحرف وغير ذلك من القضايا.
وكما هو معروف فقد مكّن النهوض الاجتماعي الكاسح بعد ثورة اكتوبر 1964 ومناخها الديمقراطي الحركة الديمقراطية في السودان، من انتزاع بعض حقوق المرأة السياسية والاجتماعية حتى قبل الكثير من رصيفاتها في البلدان العربية والإفريقية.

المنظور السلفي يُكّبل تحرر المرأة..
لقد رفدت الطرح السلفي ودعمته في السودان قوانين سبتمبر1983 ولعب هذا الطرح بصفة خاصة تحت مظلة نظام الانقاذ، دوره في تكبيل المرأة بالمزيد من القيود، وفي توجيه ضربات موجعة لقضية تحريرالمرأة. وعانت المرأة من سياسات التحرير الاقتصادي الانقاذية واندلاع الحروب الاهلية وتصدع القطاع التقليدي وتدهور الخدمات الاساسية، ولجأت لمعسكرات النازحين والمهن الهامشية. وتعرضت المرأة للاعتقال والتعذيب والفصل للصالح العام والابعاد من مواقع العمل العام في القضاء والبنوك وغيرها، ولجأت للهجرة خارج الوطن.
وتحت قوانين الاحوال الشخصية الانقاذية والنظام العام وامن المجتمع، عانت المرأة من مختلف ضروب الذل والمهانة.
وكان طبيعياً، من المنظور الديني السلفي، ان يرفض نظام الانقاذ التوقيع على اتفاقية سيداو التي طرحت وضع حد لكافة اشكال التمييز ضد المرأة .
ورغم ان المرأة تشكل نصف المجتمع (نسبة النساء من شعب السودان حالياً 49%) إلاّ انه وبعد 17 عاماً من حكم الانقاذ، لا تزال نسبة الامية بين النساء في الريف 85% وفي المدن 60% ولا يغيِّر من هذه النسب شيئاً حقيقة ازدياد عدد الطالبات في الجامعات.
وفي اطار المنظور السلفي ايضاً، تجدر الاشارة للصيغة الواردة في المادة الخامسة من ميثاق التجمع الوطني الديمقراطي (فصل الدين عن الدولة) حول حقوق المرأة والتي فتحت مجالاً واسعاً للاعتداء على هذه الحقوق وسلبها بقيد (بما لا يتعارض مع الاديان السماوية).

منهج الحزب الشيوعي في قضية تحرر المرأة
درج الحزب الشيوعي منذ وقت باكر، في كل طروحاته البرنامجية وخطوطه السياسية ومواقفه العملية، على دعم قضايا تحرر المرأة. وكان الحزب في طليعة المبادرين بطرح مطالب : قانون ديمقراطي للاحوال الشخصية، وكفالة حق التعليم والعمل للمرأة، والاجر المتساوي للعمل المتساوي، واجازة الحمل والوضوع مدفوعة الاجر، الى جانب حقوق المرأة السياسية، وغير ذلك من المطالب.
وقد اسفر الرصيد النضالي للحزب بين حركة النساء، على سبيل المثال عن ان تنضم لعضويته اول طبيبة سودانية رائدة في عام 1949 ، وعن صعود عدد من عضويته النسائية لمراكز قيادية في نقابات العاملين، ولموقع اول نائبة برلمانية في السودان في انتخابات 1965، ولانتخاب المؤتمر الرابع للحزب 4 من عضويته النسائية لعضوية اللجنة المركزية للحزب.
وقامت علاقة الحزب بحركة النساء على استنهاض هذه الحركة باشكال واساليب العمل الجماهيري لانتزاع حقوقها، وعلى كسب طلائعها لعضوية الحزب بما يرفع من قدراتها ويوسع صفوفها وافقها. وفي منحنى ثورة اكتوبر 1964 قام الحزب بربط عضويته النسائية بفروعه في مجالات العمل والسكن مباشرة وبقرار من اللجنة المركزية للحزب. ولاحقاً حذف المؤتمر الرابع للحزب في اكتوبر 1967 رسمياً بند لائحة الحزب الذي كان ينص على قيام رابطة خاصة مستقلة للنساء الشيوعيات، والذي كانت قد املته اعتبارات المنظور الاجتماعي الرافض لاختلاط الجنسين قبل ثورة أكتوبر.

ترقية وتطوير علاقة الحزب الشيوعي بحركة النساء
وعلى سبيل تمتين علاقة الحزب الشيوعي بالنساء وحركتهن الديمقراطية، ودعم هذه العلاقة لتصل الى عمق المجتمع ولكل شرائح المرأة في المدينة والريف، دأب الحزب على فتح حوار ومناقشة عامة داخله من وقت لآخر، ونشير هنا بصفة خاصة للاجتماعات الموسعة التي انعقدت سابقاً ثم تواصلت حالياً لمناقشة وثيقة: ظروف مواتية لتطوير العمل وسط النساء. ولوثائق الحوار الداخلي في الحزب بهدف تجديده ليواكب العصر عبر الدراسة الانتقادية لتجربته خلال نصف قرن من الزمان في الواقع السوداني. ومن نافلة القول ان مواصلة الحوار وصراع الافكار حول علاقة الحزب الشيوعي بحركة النساء، وفق قواعد واسس الصراع الداخلي في الحزب، شرط هام ولا غنى عنه لدعم وتطوير هذه العلاقة.
واستناداً الى الحصيلة التي راكمها تبادل وصراع الافكار والتجارب العملية، فإن تعزيز علاقة الحزب الشيوعي بجماهير النساء رهين بـ:-
* تكوين لجنة دراسات متخصصة من زملاء وزميلات تأخذ في الاعتبار أننا ما عدنا الحزب الوحيد الذي يهتم بقضية وحركة المرأة . تهتم هذه اللجنة بتنمية وتطوير خطوط الحزب وطروحاته في قضايا تحرر المرأة، والدراسة الانتقادية الموضوعية لمختلف المدارس والاتجاهات العالمية والاقليمية التي تتصدى لهذه القضايا، والاستفادة في هذا الخصوص من تيار النهضة والتجديد في الفكر الاسلامي المستنير. إن هذا سيساعد في تطوير خطاب الحزب لجماهير النساء.
* انتهاج اسلوب البحوث والدراسات الميدانية للوقوف تفصيلاً على واقع المرأة السودانية وما طرأ عليه من متغيرات ومستجدات.
* ارتباط فرع الحزب في كل المواقع بصورة مباشرة بجماهير النساء بهدف توسيع دائرة نفوذ الحزب بينهن. وفي هذا الاطار هناك ضرورة لارتباط كل عضوات الحزب بالفروع. لا اعتراض بالطبع على مواصلة العمل الاصلاحي في المنظمات الطوعية ومنظمات المجتمع المدني ولكن الاسبقية والصدارة يجب ان تكون للعمل الثوري في فرع الحزب.
* اتخاذ الترتيبات والتدابير المناسبة، التي تكفل وصول اعداد متزايدة من الكوادر النسوية للمواقع القيادية في الحزب في كافة المستويات.
* استنهاض وتوسيع الحركة الديمقراطية للمرأة لتلبية الضرورة الماثلة في جدول العمل السياسي والتي تقتضي رفع قدرات شعبنا على مواجهة حركة العولمة ونهج التبعية.
وهذا يستوجب توضيح طبيعة الاتحاد النسائي على ضوء برنامجه ولوائحه.
وامر توسيعه ومضاعفة آثار نشاطه، رهين بإفساح الحيز المناسب في عمله للقضايا المرتبطة بالمرأة مباشرة وتعدد اشكال ومنابر ومستويات النشاط وفق خريطة جديدة لواقع المرأة السودانية، ومراعاة الاسس الديمقراطية في سائر اوجه العمل، واصدار مجلة نسائية تنطق بإسمه.
* الوضوح بالنسبة للقضايا التي تستوجبها التحديات الماثلة التي تواجه المرأة السودانية خلال الفترة الانتقالية. يرد على رأس هذه القضايا : النضال من اجل التحول الديمقراطي على ضوء نيفاشا والدستور الانتقالي، تغيير القوانين السارية التي تحد من نشاط المنظمات الطوعية، ومنظمات المجتمع المدني، قانون ديمقراطي للاحوال الشخصية على ضوء الانتقادات لقانون 1991، توقيع الاتفاقات الدولية بما يكفل الغاء كافة اشكال التمييز ضد المرأة ويصون ويعزز مبدأ الحقوق المتساوية، ضمان حق المرأة في احتلال المواقع القيادية ومواقع اتخاذ القرار. الغاء قوانين وتشريعات الانقاذ : النظام العام ، وامن المجتمع ، وضبط الشارع ..الخ، مواجهة آثار الحروب من نزوح وهجرة وطفولة مشردة، درء المظالم التي ارتكتبتها سلطة الانقاذ الانفرادية الشمولية ( الصالح العام، شهداء رمضان، ضحايا التعذيب الخ).
* تعدد التنظيمات النسوية في الساحة السودانية يستوجب التنسيق والعمل المشترك بينها وفق برنامج حد ادنى يتم الاتفاق عليه بالنسبة لقضايا الفترة الانتقالية. وفي هذا الاطار هناك ضرورة لتقويم تجربة العمل في التجمع النسوي الوطني الديمقراطي والاستفادة من دروسها ومؤشراتها.

4/ علاقة الحزب الشيوعي بحركة الشباب
يهتم الحزب الشيوعي بالشباب من الجنسين، بوصفهم قوى عمرية ديناميكية بإمكانها ان تلعب دوراً كبيراً في مسار حركة التقدم والتنمية في المجتمع السوداني، غير ان الانظمة الشمولية وخاصة نظام الانقاذ، اعاقت نمو حركة الشباب الديمقراطية التي انطلقت منذ فجر الحركة الوطنية في السودان، وبلغت ذروتها بعد ثورة اكتوبر 1964 وبعد انتفاضة مارس ابريل 1985 لقد حاربت هذه الانظمة تنظيمات الشباب الديمقراطية المستقلة وفرضت التنظيمات الشبابية السلطوية الخاوية والمظهرية. ومن جراء ذلك انحسرت حركة الشباب الديمقراطية وعزفت عن قضايا العمل العام. وتقلصت ضروب نشاط الشباب ومساحات عمله، وفق ارادة الانظمة الشمولية، في العمل العسكري والرياضة والفن والتأييد الاجوف لسياسات السلطة. بينما يزخر الواقع السوداني بعشرات الاجندة الحية لحركة شبابية ديمقراطية معافاة ومشبعة بالاحساس بالعمل العام. اذ تنتصب امام الشباب في السودان : قضايا الحقوق الديمقراطية وحرية عمل المنظمات الطوعية، وتوفير فرص التعليم ومحو الامية، والعمل والزواج والسكن، والتصدي لإنهيار القيم الاخلاقية وتفشي الايدز وغيره من الاوبئة، ومواجهة حركة العولمة التي تبشر بإنهيار قيم الوطن والوطنية والتراث الحضاري.

المؤشرات العامة للحركة الشبابية
يهدف الحزب الشيوعي في نشاطه الجماهيري الى بناء حركة شبابية، غنية المحتوى ومتعددة المنابر، حسب ما تملية الاجندة الماثلة في المجتمع السوداني اليوم وواقع التعدد والتنوع في السودان. حركة مستقلة تجعل من طاقات الشباب رافداً لتفجير النهوض الاجتماعي الوطني الديمقراطي، ثقافياً وفنياً ورياضياً، ولنشر ثقافة السلام والتسامح والديمقراطية وقبول الرأي الاخر في كل خلايا المجتمع السوداني.
كما يدعم الحزب الشيوعي مبدأ مد حبال الوصل والترابط وتبادل التجارب بين حركة الشباب السوداني ورصيفاتها اقليمياً وعالمياً، ومواصلة علاقات ومبادرات التضامن مع حركة الشباب الديمقراطية إقليميا وعالمياً.
ومن اجل ذلك يهتم الحزب الشيوعي بإعداد الدراسات المناسبة التي تساعد في تطوير حركة الشباب واغنائها واستقامتها على اجندتها الديمقراطية، كما يناضل الحزب لسيادة الاسس الديمقراطية في سائر اوجه عمل حركة الشباب، ويلزم اعضاءه العاملين داخل هذه الحركة بالتقيد ببرامجها ودساتيرها، وعدم استغلالها لاغراض سياسية، او جرها لتنساق وراء تفاصيل العمل الحزبي اليومي، او فرض مناهج واساليب العمل الحزبي الحلقي داخلها. ذلك ان حركة الشباب حركة جماهيرية ديمقراطية واسعة، لا تجذبها وتستنهضها وتفجر طاقاتها سوى اشكال العمل الجماهيري الواسعة.
ويتعاون الحزب الشيوعي بحكم العلاقة التاريخية، مع اتحاد الشباب السوداني، كتنظيم ديمقراطي مستقل، يعنى بقضايا الشباب وحقوقه واهتماماته المتنوعة. ان خرائط اسماء المشاركين في انشطة اتحاد الشباب داخل السودان، وفي مهرجانات الشباب العالمية التي اشترك فيها اتحاد الشباب منذ الخمسينات من القرن الماضي ، توضح بجلاء ان هناك طيف واسع من العناصر والشخصيات الديمقراطية والمستقلة الشابة يجذبها النشاط المتنوع لاتحاد الشباب السوداني.
وغني عن القول ان اتحاد الشباب السوداني، مواجه اليوم لمواصلة عمله على اسس سليمة، بتلخيص تجاربه السابقة وكذلك بدراسة خريطة المتغيرات في واقع الشباب السوداني على المستوى الوطني وتأسيس عمله على ضوئها.
وهناك ضرورة ايضاً لمواءمة نشاط اتحاد الشباب مع واقع بروز تنظيمات متعددة للشباب في السودان اليوم.
وهذا امر يستوجب تنسيق العمل فيما بينها على ضوء برنامج حد ادنى يشمل القضايا القومية النابعة من مستلزمات السلام والتحول الديمقراطي وعبور الفترة الانتقالية الى بر وحدة الوطن.

5-الجمعيات الطوعية ومنظمات المجتمع المدني
خلال العقدين الاخيرين تصاعد نشاط ونفوذ عدد كبير من الجمعيات الطوعية ومنظمات المجتمع المدني التي استكملت شروط ومقومات تكوينها وتسجيلها حتى تجاوز عددها الالف . وقد ارتبط الكثير منها بأهداف ديمقراطية انسانية ومناشط متنوعة، وكان لها دور فعال في استقطاب التضامن مع شعب السودان في جبهة حقوق الانسان واستجلاب الدعم لمعسكرات النازحين، ورعاية المرأة والطفل، وانشاء مراكز البحث والثقافة والنشر...الخ.
وقد اولى الحزب الشيوعي الجمعيات الطوعية ومنظمات المجتمع المدني اهتماماً مستحقاً هي جديرة به بدعم نشاطها في حدود مهامها المعلنة ويسعى لأن تتقيد بضوابط وعلى رأس هذه الضوابط ترد الدساتير واللوائح التي تحدد الاهداف ومجالات النشاط واساليب العمل ووسائل التمويل وكيفية اختيار القيادات والتمسك بالديمقراطية في سائر اوجه العمل وقد تناولت اللجنة المركزية للحزب الموضوع في دورة اغسطس2001 ص14-15 بإعتبارها:
} ظاهرة عالمية متعددة الاهداف مراكزها ومصادر تمويلها غرب اوروبا والولايات المتحدة وكندا..... ما زال المجتمع السوداني يفتقر لخدماتها ومساعداتها شريطة ان تصل مباشرة للمحتاجين اليها، او الشرائح المستهدفة دون سماسرة ووسطاء ومنتفعين وشبهات فساد وسياحة واسترواح. ولعل في هذه المحاذير ما يفسر الصراعات الشخصية والمناقشات العبثية التي تتناقلها المجالس، وتنحدر احياناً الى درجة المقاضاة في المحاكم، كأنما التجربة الوليدة لم يكفها تشوهاً واعاقة ما لحق بها من ممارسات حزب الجبهة الاسلامية الحاكم وسلطته السياسية التي انشأت مئات الجمعيات والمنظمات الطوعية –اسماً- واعفتها من الرسوم والضرائب والجمارك، وانعمت عليها (بالايلولة)، وملّكتها بعض مؤسسات القطاع العام المخصخصة وغير ذلك مما كشفه وزير المالية الاسبق، الدكتور عبد الوهاب عثمان، من بين عوامل تدهور الايرادات{.
وفي عام 2003 اصدر الحزب بياناً داخلياً عن نفس الموضوع اورد فيه مايلي:.... وبما ان هذه الجمعيات والمنظمات قد ارتبطت بأهداف انسانية وديمقراطية تلبي احتياجات ماسة للمجتمع السوداني يصبح لزاماً عليها ان تتقيد بضوابط ذاتية تسمو بأهدافها، وتحمي سمعتها من التجريح .. ومن تلك الضوابط:
1) ان تسجل كجمعية طوعية لاداء نشاط طوعي لا يشترط المكافأة او العائد المالي في صيغة اجور ومرتبات او حوافز.
2) ان تمتنع عن التسجيل كإسم تجاري او شخصية اعتبارية وهمية، وان تلتزم بكافة اجراءات التسجيل حتى الاشهار.
3) ان تظل عضويتها مفتوحة لكل راغب في المشاركة وفق اهدافها ونظمها، وان تعقد جمعياتها العمومية الدورية وتجري انتخاباتها وتعلن نتيجتها في الصحف او اي وسيلة اعلامية اخرى- هذا تقليد راسخ في مؤسسات النشاط الاهلي في المجتمع السوداني: الاندية، الهيئات الخيرية، اتحادات الطلاب...الخ.
4) ان تنشر ميزانيتها وتوضح اي دعم مالي او عيني تتلقاه من الداخل او الخارج وان تخضع ميزانيتها وحساباتها لمراجعة قانونية يتولاها، مقابل اجر زهيد، مكتب مراجعة قانوني ناشط في الجمعيات الطوعية او منظمات المجتمع المدني او تحت اشراف اتحاد المراجعين القانونين بوصفه احد منظمات المجتمع المدني.
5) ان تعلن التزامها بتقاليد النشاط الاهلي الطوعي، ذي الجذور الضاربة عميقاً في نسيج المجتمع السوداني، والذي شيَّد صروح تنظيماته ومؤسساته الاهلية بالجهد الذاتي وتبرعات المجتمع الذي اقتنع بجدوى تلك المؤسسات.
فإستناداً الى تجربة الجمعيات الطوعية في الاعوام الماضية، والى جانب مراعاة الاسس والقواعد الديمقراطية في كافة مؤسسات المجتمع المدني، لابد من مراعاة الدروس والاستنتاجات التالية:
1- لا يزال العديد من الجمعيات الطوعية ومنظمات المجتمع المدني، لحداثة التكوين والتجربة في حيز النخبة والصفوة واحياناً (الشلة) وعليها ان تجتاز تحديات الالتصاق الحميم ببسطاء الناس الذين نشأت اصلاً لخدمتهم.
2- ضرورة الوضوح الفكري حول ان المنظمات الطوعية ليست بديلاً عن التنظيمات السياسية والنقابية والتعاونية والشبابية والنسائية.. فالمنظمات الانسانية لها اهدافها وجبهات عملها المحددة.
3- ضرورة (اقلمة) التدريب الذي توفره بعض هذه المنظمات وفق احتياجات السودان وظروفه مما يتقتضي التركيز على قضايا ملموسة في الواقع السوداني مثل تقنين وممارسة الحقوق الدستورية، وتنظيم العمل التعاوني ديمقراطياً ..الخ.
4- تفادي جمع المعلومات عن الاحزاب السياسية في الاستبيانات وورش العمل التي تنظمها بعض هذه الجمعيات والمنظمات. فالمعلومات المتعلقة بعدد الاعضاء ومصادرالتمويل وما شابه ذلك لا غبار عليها في النظم الديمقراطية الراسخة. اما في العالم الثالث حيث يسود عدم الاستقرار وقفز العسكر لسدة الحكم مثل هذه المعلومات قد تستغل في توجيه ضربات قاسية للحركة السياسية.
في الختام، من المهم الحفاظ على استقلال هذه المنظمات الطوعية وحرية نشاطها لذلك نرى انه لابد من:
1/ التكوين القومي لمفوضية العون الانساني بدلاً عن الاحادية التي فرضتها سلطة الانقاذ الشمولية منفردة وبصورة احادية لخدمة مؤسساتها. لتحقيق ذلك لجأت المفوضية الحالية لوضع عراقيل عديدة في وجه الجمعيات والمنظمات الطوعية ومراقبة نشاطها والحد منه بواسطة الاجهزة الامنية.
2/ اجراء تعديلات اساسية في القانون الذي صدر من المجلس الوطني عام 2006 المتعلق بالمنظمات الطوعية بحيث يصبح تشريعاً داعماً لهذه المنظمات بتسهيل اجراءات التسجيل وكفالة حق النشاط المستقل عن الدولة في كافة ارجاء الوطن، وينبغي ان يدرج هذا الحق بنصوص واضحة وقاطعة في دستور البلاد.

هـ/ التجمع الوطني الديمقراطي وتجربة (مجد).
• تبلورت فكرة التجمع الوطني الديمقراطي في سجن كوبر، بمشاركة قادة الاحزاب الذين جمعهم الاعتقال عقب انقلاب الجبهة الاسلامية القومية في 30 يونيو1989. مشروع ميثاق التجمع اخضع للنقاش والتشاور في خارج المعتقل مع ممثلي النقابات والعسكريين والقيادات الحزبية وتم التوقيع عليه في 21 اكتوبر1989. وتجدر الاشارة الى ان هذه الفكرة يربطها خيط وثيق بتجربة التجمع الوطني لانقاذ البلاد بشقيه الحزبي والنقابي، والذي تأسس قبيل انتفاضة 1985.
• التجمع الوطني الديمقراطي اوسع جبهة سياسية عرفها تاريخ السودان الحديث، ضم الاحزاب والنقابات وممثلي القوات المسلحة والشخصيات الوطنية، وذلك كصيغة جديدة في التجربة السياسية السودانية، نبعت من جملة من التناقضات الملازمة للممارسة السياسية في السودان منذ الاستقلال، مثل تلك التناقضات التي تتجسد في ما عرف في الادب السياسي السوداني بالحلقة الشريرة: انقلاب عسكري- انتفاضة- حكم ديمقراطي- انقلاب عسكري. والتناقضات المرتبطة بالسلبيات الملازمة للممارسة الحزبية والبرلمانية وكذلك التناقضات الناتجة من تهميش قوى مراكز الانتاج الحديث (القوى الحديثة) وفي نفس الوقت تهميش قوى الاطراف (مراكز التوتر القومي). وهذه التناقضات تتقاطع هنا وهناك مع دور كل مكّون من مكّونات التجمع في مسار التطور السياسي والاجتماعي للسودان. ومن هنا نشأت المكّونات الثلاثة للتجمع، او اضلاعه الثلاثة: المؤسسة الحزبية والمؤسسة النقابية والمؤسسة العسكرية.
• بالنسبة للحزب، لم يكن التجمع مجرد جبهة معارضة من اجل ازالة نظام الجبهة الاسلامية وحسب، وانما صيغة تمثل احد اوجه الصراع الاجتماعي في السودان وذلك على ارضية الصراع في اطار التحالف، وفي هذا السياق فإن الانجاز الاكبر للتجمع هو عقد مؤتمر القضايا المصيرية في اسمرا يونيو1995 كشكل مصغر للمؤتمر الدستوري حيث تم الاتفاق على قضايا فصل الدين والسياسة، شكل الحكم في الفترة الانتقالية بعد ازالة الدكتاتورية،ايقاف الحرب والسلام، البرنامج الاقتصادي الانتقالي، عقد المؤتمر القومي الدستوري خلال الستة اشهر الاولى من الفترة الانتقالية وصولاً لصياغة دستور دائم للبلاد، كيفية تنظيم الانتخابات في نهاية الفترة الانتقالية على اساس النظام الديمقراطي التعددي ...الخ. وقد التزمت كافة اطراف الحركة السياسية السودانية بإعتبار ميثاق التجمع وملحقاته من قرارات مؤتمر اسمرا التاريخي بمثابة الثوابت التي ستبنى عليها الدولة السودانية الحديثة الموحدة والمستقرة. لقد كانت مقررات أسمرا بالفعل تجسيداً لإمكانية إدارة حوار بين أطراف الحركة السياسية السودانية حول قضايا الوطن المصيرية . إن تجربة التجمع تحتاج بالفعل إلى تقييم شامل يتطرق لكل الجوانب الإيجابية والسلبية في علاقة الحزب الشيوعي بالتجمع ودوره فيه .
• ولأن التجمع كان يلبي حاجة موضوعية للشعب السوداني، وانبثق من معاناته الطويلة فقد التفت حوله الجماهير وعقدت عليه آمالها لا في الخلاص من نظام الجبهة فحسب وانما في اخراجها من حالة الاحباط المزمنة منذ فجر الاستقلال وتحقيق تطلعاتها الى وطن تترجم فيه الديمقراطية والحرية السياسية الى حياة تزدهر مادياً وروحياً بإطراد. ورغم ان التجمع لم يتمكن من تلبية وتحقيق هذه الامال والتطلعات، الا انه ساهم بقسط وافر في النضال الذي افضى الى الواقع الراهن. هذه التجربة تحتاج الى تقييم واسع وشامل بما في ذلك التطرق الى النتائج الايجابية والسلبية في علاقة الحزب الشيوعي بالتجمع ودوره فيه. ونسبة لفشل التجمع في اتخاذ قرار موحد من قبل كل فصائله حول المشاركة في السلطتين التشريعية والتنفيذية بعد نيفاشا والسلام، اختار الحزب المشاركة في السلطة التشريعية واستنكف عن المشاركة في السلطة التنفيذية. وتقدم الهيئة البرلمانية للحزب تقارير منتظمة للجنة المركزية عن أدائها المستقل وكجزء من كتلة نواب التجمع في المجلس الوطني. ولا يزال الموقف من درجة المشاركة سليماً حسب تقدير اللجنة المركزية للحزب.

تجربة مجد
• في 25 يناير 1997 عقدت المجموعة المؤسسة لمجد اول اجتماع لها في اسمرا حيث اجازت مشروع لائحة المعسكر، واختارت اسم "مقاتلو الجبهة الديمقراطية السودانية (مجد)" كما انتخبت هيئة قيادة المعسكر. وفي 2 فبراير1997 أعلن رسمياً افتتاح المعسكر وصدر بذلك تصريح صحفي. ومنذ البداية تم التمسك بالموجهات التالية في العمل:-
1-أن يكون للمعسكر نشاطه المستقل وتحت اسمه الخاص.
2- ومن الموقع المستقل يعلن استعداده للتعاون مع كل من في الميدان.
3- لا يضع المعسكر نفسه تحت قيادة آخرين واقترح لجنة سياسية عسكرية مشتركة كصيغة للقيادة الموحدة لفصائل التجمع.
4-لم يكن هناك اي لبس او غموض او ارتباك تجاه فكرة العمل العسكري في الخارج، فمجد معسكر سياسي طوعي يضم مقاتلين من الحزب الشيوعي السوداني والقوى الديمقراطية المتحالفة معه، برنامجه هو مواثيق التجمع الوطني الديمقراطي وقرارات مؤتمر اسمرا للقضايا المصيرية التي سعت للانتفاضة الشعبية المحمية بالسلاح. وبينما يلتزم مقاتلو الجبهة الديمقراطية السودانية بالمشاركة مع قوات التجمع في العمليات المسلحة بالخارج فإن معسكر (مجد) لم يكن يرى في العمل المسلح بديلاً للانتفاضة الشعبية في الداخل
5-لكن تظل الحقيقة الواضحة هي قصور معسكر (مجد) في تحقيق أهدافه المتفق عليها عند تأسيس المعسكر. فقد ظل المعسكر وحتى تصفيته في نوفمبر2005 محدوداً لا يتناسب مع حجم وتاريخ الحزب.
6-وبالرغم من ان هذا الوجود المحدود، وبالرغم من اي سلبيات شابته، فإن تجربة "مجد" افرزت ايجابيات عديدة منها:
7-التجربة في حد ذاتها تشكل معلماً هاماً في تاريخ الحزب. اضف الى ذلك ان التجربة راكمت ثروة معرفية قيمة سواء من الناحية السياسية او الثقافية او العسكرية او الاستخباراتية.
ٍمعسكر (مجد) ارسى تقاليد جديدة في العمل العسكري. من هذه التقاليد:
- المجموعة المؤسسة للمعسكر هي التي اختارت اسمه ووضعت لائحة ذات طابع سياسي وعسكري لضبطه، وعبر التصويت المباشر تم انتخاب قائد المعسكر وهيئة قيادته.
- أنشأ المعسكر مستشفى وقام ببنائها وأوفد أطباء أخصائيين عملوا بها لفترات طويلة دربوا خلالها عدد كبيراً من المقالتين من الفصائل الأخرى على أعمال الإسعاف والتمريض.
- وأنجز الأطباء عمليات جراحية ضرورية لأسر المقاتلين.
- ونظموا مجموعة شبيه بالسلاح الطبي قامت بدور كبير في إخلاء الجرحى والشهداء من ميدان القتال.
- كما بنى المقاتلون مدرسة.
- ميزانية المعسكر وكل معاملاته المالية كانت تناقش في الاجتماع العام الدوري للمعسكر.
- نبذ المعسكر بحزم كل التجاوزات المتبعة في المعسكرات الاخرى مثل: ضرب المجندين، معاقبة المخطئين بالاعتقالات او الجزاءات المهينة للانسان..الخ.
التجربة أفرزت عائداً سياسياً كبيراً جداً اشتمل على: خلق علاقات قوية مع عدد كبير من القيادات الدينية في شرق السودان وتعريفها بالحزب الشيوعي وبرنامجه واهدافه ومحو ما في اذهانهم من صور سلبية مرتبطة بالالحاد ومفارقة الحزب للقيم السودانية..الخ، القيام بنشاط سياسي وثقافي وفكري ونشر ادب الحزب وسط سكان المنطقة من بجا وجنقو وكذلك وسط قواعد الفصائل الاخرى خاصة مجموعات الجنوبيين، خلق صلات بين الحزب وقواعد الفصائل الاخرى خاصة البجا والحركة الشعبية، خلق صلات عميقة مع القيادات الارترية في مواقعها المختلفة في الحزب واجهزة الدولة المختلفة.
غير أن هناك في هذه التجربة ما يستوجب المزيد من الدراسة والتقويم خاصة بالنسبة لقضايا :-
العوامل التي استوجبت أنشاء التنظيم ، والحيثيات التي تم بموجبها تعطيله بعد 8 سنوات من إنشائه ( 97-2005) . إن الحاجة ماسة وضرورية لاستكمال تقويم هذه التجربة ، فقد تنشأ الضرورة لإعادة تأسيس ( مجد) مرة أخرى .

الفصل الثالث
قضايا فكرية وسياسية

أ- 25مايو 1969
ب- 19 يوليو 1971.
ج- انتفاضة مارس/ ابريل 1985.
د- الإضراب السياسي العام والعصيان المدني .... أداة مجربة للثورة والانتفاض.
هـ- المشروع الوطني الديمقراطي والأفق الاشتراكي .
و- الإسلام السياسي .
ز- حقوق الإنسان .

(أ) 25 مايو 1969 :
عندما وقع الانقلاب فجر25 مايو 1969 لم يكن الحزب قد بلور بشكل نهائي موقفاً ثابتاً ضد التكتيكات الانقلابية،رغم الجهد الذي بذله قائده عبد الخالق محجوب منذ المؤتمر الرابع للحزب،قبل الانقلاب المايوي بعامين .
وفي اجتماع اللجنة المركزية دورة مارس 1969 طرح عبد الخالق الصيغة التالية : لا بديل للعمل الجماهيري ونشاط الجماهير وتنظيمها وإنهاضها لاستكمال الثورة الديمقراطية ، وليس هذا موضوعاً سطحياً عابراً فهو يعني أن الحزب الشيوعي يرفض العمل الانقلابي بديلا للنضال الجماهيري اليومي الصابر والدؤوب ، وبين النضال الجماهيري يمكن أن تحسم قضية قيادة الثورة ووضعها بين قوى الطبقة العاملة والشيوعيين وهذا هو الأمر الحاسم لمستقبل الثورة الديمقراطية في بلادنا .
إن التخلي عن هذا الطريق واتخاذ تكتيك الانقلاب هو إجهاض ونقل لمواقع قيادة الثورة في مستقبلها وحاضرها إلى فئات أخرى من البرجوازية والبورجوازية الصغيرة ، وهذه الفئات يتخذ جزء منها موقفاً معادياً لنمو حركة الثورة ، كما أن جزءاً منها ( البورجوازية الصغيرة ) مهتز وليس في استطاعته السير بحركة الثورة بطريقة متصلة ، بل سيعرضها للآلام ولإضرار واسعة.
وإن واقع أن هذه الأفكار صيغت قبل 25 مايو بأكثر من شهرين يؤكد أن عبد الخالق لم يفصّلها للتعامل مع الانقلاب المايوي، وإنما كانت حصيلة لدروس الحركة الثورية السودانية واحتمالها ، وبينها احتمال اللجوء إلى تنظيم انقلابات عسكرية ، بواسطة قوى يمينية أو فئات أخرى بين قوى الجبهة الوطنية الديمقراطية .
وعندما وقع الانقلاب بالفعل كان اختباراً حقيقياً لمبدئية الحزب. فما كان أسهل من أن يؤيده ويطلب الثمن ويحصل عليه .لكن في اجتماع اللجنة المركزية مساء يوم 25 مايو ، قدم عبد الخالق تقريراً ، عرف فيما بعد بالخطاب رقم(1)، تضمن تحليلاً علمياً موضوعياً لأحداث ذلك اليوم، وافقت عليه اللجنة بالإجماع . وجاء في الخطاب أن ما حدث صباح ذلك اليوم كان إنقلاباً عسكرياً لا عملاً شعبياً مسلحاً قامت به قوى الجبهة الوطنية الديمقراطية عن طريق قسمها المسلح. واستناداً إلى التكوين الطبقي لقيادة الانقلاب خلص الخطاب إلى أنها تتشكل من فئة البرجوازية الصغيرة .
الانقلاب أزاح الثورة المضادة من قمة السلطة في البلاد ووضع مكانها فئة اجتماعية هي بمصالحها النهائية جزء من قوى الثورة الوطنية الديمقراطية ، ومن ثم حدد البيان مهام الحزب الشيوعي في التالي :
(1) أن يدعم السلطة الجديدة ويتضامن معها أمام خطر الثورة المضادة .
(2) أن يحتفظ باستقلاله بما في ذلك حقه في نقد وكشف مناهج البرجوازية الصغيرة وتطلعاتها غير المؤسسة لنقل قيادة الثورة إلى يدها .
(3) دعوة الشيوعيين لدعم وحدة الحزب الفكرية والسياسية والتنظيمية وتأمينه من الأفكار الضارة وأن يكرسوا كل جهودهم ووقتهم لتنظيم الجماهير ورفع مستوى الحركة الشعبية في البلاد للسير في طريق استكمال الثورة الوطنية الديمقراطية .
ويتضح من كل ذلك ان الحزب كان يستهدف إقامة تحالف متكافئ مع قادة الانقلاب بما يفتح الباب أمام مسيرة الثورة الوطنية الديمقراطية .
وقد أكد تطور الأحداث لاحقاً أن القرار الذي كان يعبر حقيقة عن إستراتيجية وتكتيكات الحزب هو رفض المشاركة في سلطة الانقلاب مع الاحتفاظ بحق التأييد أو الانتقاد حسب مواقف هذه السلطة السياسية والاجتماعية .
بيان اللجنة المركزية أغضب قادة الانقلاب والعناصر اليمينية في قيادة الحزب ، وخلال فترة وجيزة تبين أنهم كانوا يطلبون تأييداً مطلقاً من الحزب ، بينما كان الحزب جاداً في موقفه كما يتضح من الخطوات التي أتخذها :
(1) لم يكشف سرهم.
(2) جاءت فكرة موكب 2يونيو 1969 النقابي /الجماهيري من الحزب.
(3) كما جاءت فكرة بيان 9 يونيو 1969 بشأن الجنوب من الحزب .
لكن الصراع داخل الحزب تفاقم واحتدم خصوصاً داخل اللجنة المركزية ، وفي أغسطس 1969 أجازت اللجنة المركزية اقتراحاً من عبد الخالق بفتح مناقشة عامة حول التكتيكات تحضيراً لمؤتمر تداولي من كادر الحزب لحسم الخلافات حولها. ومضى عام كامل قبل أن ينعقد المؤتمر. وكان عاماً مكتظاً بالأحداث والصراعات. وشاركت السلطة بقسط وافر في صراعات الحزب الداخلية وبمختلف إشكال الدعم المادي والسياسي للعناصر اليمينية التصفوية، وهناك شواهد عديدة على تدخلات من قوى دولية أيضاً في اتجاه تمزيق وحدة الحزب .
وفي 21 أغسطس 1970 أنعقد المؤتمر التداولي للكادر ، صوتت أغلبية المؤتمر لورقة عبد الخالق(69-15)، ولم يقبل التصفويون بالنتيجة ونظموا أكبر واخطر انقسام في تاريخ الحزب، شارك فيه 12 من أعضاء اللجنة المركزية والعشرات من الكوادر الحزبية وانضم إليهم محمد احمد سليمان الذي كان قد استقال من اللجنة المركزية في مارس 1969.
وكان المؤتمر التداولي المحاولة الأخيرة لإصلاح التحالف الشائه بين الحزب الشيوعي والسلطة المايوية . لكن نداءات المؤتمر وقعت على آذان صماء واختارت السلطة المايوية طريق المجابهة العدوانية بتحريض من المنشقين . وفي 16 نوفمبر 1970 أتخذ ( مجلس قيادة الثورة ) قراراً بأبعاد بابكر النور وهاشم العطا وفاروق حمد الله من مجلس الثورة ، واعتقال عبد الخالق محجوب وعز الدين على عامر ، وتطورت الأمور في اتجاه صدام 19 يوليو .
خلاصة :
أن العقلية الانقلابية لصيقة بالبرجوازية الصغيرة التي تتعجل النتائج وتضيق بالمهام التي تحتاج إلى العمل الصبور والدؤوب الذي لا يفرز عائداً سريعاً . ومن ثم فأن النضال ضد جميع الإفرازات الفكرية للبرجوازية الصغيرة يشكل واجباً مهماً ومتواصلاً داخل الحزب ، كما ينبغي عدم إغفال الصراع المثابر ضد العقلية الانقلابية في تكتيكات الثورة الوطنية الديمقراطية .
وطالما بقي المجتمع السوداني بتركيبته الاجتماعية الراهنة ، فأن العقلية الانقلابية تظل خطراً حقيقياً وقريباً داخل الحزب . بما يحتم اليقظة ضدها ومحاصرتها بمثابرة وصرامة بتنمية وتطوير القدرات الفكرية الماركسية لأعضاء الحزب ضدها.

(ب) 19 يوليو 1971:
* بلغ الصراع بين الحزب الشيوعي وانقلاب 25 مايو ذروته في انقلاب 19 يوليو 71. تسلسل هذا الصراع خطوة أثر خطوة معلوم وموثق .
* وقائع انقلاب 19 يوليو في مجملها معلومة ،( تخطيطاً وتنفيذاً ونتيجة)، بما في ذلك أدوار الافراد وحتى المجهول منها أو الغامض أو المختلف حوله يمكن كشفه والتحقق منه ، وقد يستغرق ذلك زمناً. في كل الأحوال سيعود الدارسون والمحققون إلى أحداث ذلك الانقلاب تكراراً، كما سيظل الانقلاب ودوافعه ونتائجه قضية صراع سياسي وفكري لآمد طويل.
* وتحديد المسؤولية بالنسبة للهيئات الحزبية والأفراد ممكن أيضاً ، مع كل الحساسيات الذاتية والشخصية التي لازمت ولا زالت تلازم أحداث الانقلاب وتفاصيله رغم مضي الزمن .
* من تجارب نضاله ودروسها واهتداء بالمنهج الماركسي توصل الحزب الشيوعي إلى رفض العقلية والتكتيكات الانقلابية . لكن هذا الموقف واجه مقاومة من داخل الحزب بأشكال مختلفة ، منها السافر ومنها الخفي والملتوي . وكثيراً ما أدت مصاعب العمل الثوري إلى إيجاد منافذ للعقلية الانقلابية حتى بين الذين يرفضونها فكرياً.
ولاشك أن العمل الفكري لدحر تلك العقلية لم يكن مثابراً ، بينما كانت نظريات ومفاهيم انقلابية تبث من خلال كتابات " المنظرين " السوفيت وغيرهم .
* تعريف للعقلية الانقلابية والتكتيكات الانقلابية . الوهم بإمكان تغيير الواقع الموضوعي باختراق توازن القوى القائم من خلال توازن ذاتي عابر.( هناك بالطبع دور للذكاء والحيلة والتآمر ... الخ ، لتوجيه ضربة خاطفة). كما يرد في إطار العقلية الانقلابية الاستناد فقط على حالة السخط والعزوف العام بين الجماهير دون وضع الاعتبار الكافي لحالة النهوض الثوري بين الجماهير وتطوراتها.
* 19 يوليو نتج عن تفكير انقلابي ، هدفه إحداث تغيير جذري في الوضع القائم من خلال توازن ذاتي عابر ، ( في مواجهة توازن قوي فعلي معاكس داخل القوات المسلحة ، وفي المجتمع السوداني ، والوضع الإقليمي والدولي آنذاك ).( 19 يوليو انقلاب عسكري ، نظمته وبادرت بتنفيذه مجموعة وطنية ديمقراطية ذات وزن وتاريخ من الضباط والصف والجنود الذين ارتبطوا بالحركة الثورية السودانية وتأثروا بها وشاركوا في نشاطها بقناعة ووعي قبل دخولهم صفوف الجيش وواصلوا ارتباطهم بها طيلة فترة حياتهم العسكرية – بينهم أعضاء في الحزب الشيوعي ، وبينهم ماركسيون دون التزام حزبي ، وأغلبهم وطنيون ديمقراطيون ).
(راجع كتيب تقييم 19 يوليو الذي أصدره الحزب).
ومثل حركات أخرى مماثلة في التاريخ الإنساني ، كانت 19 يوليو حركة بأسلة ذات طموح نبيل.(انتفاضات لا حصر لها ، بعضها كان ضد ظروف معاكسة معلومة سلفاً، نتجت منها خسائر جسيمة أثرت على مسار الحركة الثورية في بلدانها لآماد مختلفة ).
* خسائر 19 يوليو كانت جسيمة. وكانت تضحياتها أيضاً جسيمة ، أعدم ابرز قادة الحزب الشيوعي من المدنيين والعسكريين رمياً بالرصاص وعلى أعواد المشانق بعد محاكمات صورية واستشهد العشرات نتيجة عسف النظام المايوي وضاعت سنوات غالية من حياة مئات الشيوعيين والديمقراطيين في سجونه ومعتقلاته وخسر الحزب الشيوعي والقوى الوطنية الديمقراطية مواقع متقدمة بنيت بصبر عبر نضالات عديدة.
* تفاوتت ردود الفعل لانقلاب 19 يوليو بين التمجيد والتنديد ، فبينما يعتبره كثيرون حركة ثورية مجيدة ، يعتبره آخرون خطاً تاريخياً غير مبرر. وبلغ الأمر بأعدائها حد التزييف واختلاق الوقائع . وينعكس كل هذا في مقالات لا حصر لها نشرت وما زالت تنشر داخل البلاد وخارجها. ويحتل موقعاً مهماً في هذا النشر الاختلاف الحاد أحياناً في تقييم الحركة بين الشيوعيين أنفسهم مما أنعكس في المناقشة العامة .

الخلاصة التي نتوجه إلى المؤتمر كي يتبناها:
(1) تشكيل لجنة لتوثيق وقائع الانقلاب بتفاصيلها . بما في ذلك ما حدث في بيت الضيافة ، وتفاصيل الردة الدموية ضده وضد القوى الديمقراطية ، وأن يشمل التوثيق مظاهر التضامن معه ومشاركة الدول الاستعمارية والرجعية مع السلطة المايوية في جرائمها.
(2) أن يستكمل الحزب تقييم الانقلاب ويستخلص تجاربه ودروسه.
(3) تقدير دوافع وأهداف انقلاب 19 يوليو وبطولة وجسارة الذين قاموا به، من استشهد منهم ومن بقي منهم على قيد الحياة. والإشادة كذلك بمأثرة النساء والرجال الذين حموا الحزب وكادره أيام الردة الكالحة .

(ج) انتفاضة مارس/ ابريل 1985:
تؤكد التجارب في السودان وفي العالم ، أنه ما من قوة تستطيع ان تقمع الشعب إلى ما لا نهاية . كما أكدت أن مقاومة الجماهير وقدراتها تتراكم ، وتتراكم أيضاً خبراتها، وقد تلجأ القوة الحاكمة إلى أساليب التضليل والخداع أو إلى القهر والبطش ، ولكن برهن التاريخ بوقائع كثيرة أنه تأتي أوقات ترفض فيها الجماهير العيش بالطريقة القديمة وتعجز فيها القوى الحاكمة عن الاستمرار في الحكم بالأساليب والوسائل القديمة . وهذا ما يسمى في الأدب السياسي بالأزمة الثورية. وعندها إذا توفر للجماهير التنظيم والوحدة واختارت الوسائل المناسبة وكانت على رأسها قيادة مدركة ، فأن الثورة ستنفجر.
غني عن القول أنه ما كل ثورة تتفجر لابد أن تنتصر حتما. لكن خوض الثورات بنجاح إلى الانتصار له قواعد وفنون لابد من حذقها ، ليس من بينها الهواية أو التردد أو عدم الاستعداد . فما أكثر الثورات والانتفاضات التي فشلت رغم عدالة قضيتها وشجاعة جماهيرها وقياداتها. ومن الممكن دراسة كل حالة والتوصل إلى أسباب النجاح والفشل .
غير أنه من المهم التأكيد على أن القوة التي يتمتع بها نظام ما مهما بلغت لا تمنع مقاومته ومنازلته ومعارضته ، مرة ومرتين وأكثر وأخيرا هزيمته، وقد كان نظام عبود مسلحاً وكان الجيش نفسه بمثابة حزبه السياسي ، وكان محمياً بترسانة من القوانين المقيدة للحريات وكانت الأحزاب محظورة والنقابات مقيدة ومع ذلك جاءت ثورة أكتوبر . وكان نظام مايو محمياً أيضاً بالجيش والشرطة وأجهزة بوليسية وله حزب سياسي ، ومنح الدستور نظام نميري سلطات استثنائية واسعة مدنية ودينية ، فكان الرئيس القائد والأمام المجاهد . لكن الشعب صارعه ولاحقه بصرخة لن ترتاح ياسفاح ! حتى صرعه. ولم يكن ذلك بمعركة وحيدة ، ولم تأت الانتفاضة ضد النظام المايوي من عدم : فقد كانت هناك 19 يوليو 1971 وشعبان 1973 وسبتمبر 1975 ويوليو 1976 وإضرابات عمال السكة الحديد والطلاب والمظاهرات والتمردات في الجنوب وانتفاضة دار فور وغيرها. رغم لجوء السفاح إلى التطهير الدوري لأجهزة الدولة من الشيوعيين والديمقراطيين وتعديل الدستور لمنح نفسه أوسع الصلاحيات ورغم التعذيب وقوانين الشريعة واستخدام سلاح الإعدام .
إن النضال المرير الذي خاضته قوى المعارضة طيلة 16 عاماً أنهك السلطة المايوية وأدى إلى انهيارها النهائي . لكن عدم توحد المعارضة منح نميري لوقت طويل فرصة استغلال الانقسام وضرب كل جماعة منفردة وكانت ( الجبهة الوطنية) قد أنجزت عملها الموحد الأخير في يوليو 1976. لكن في يناير التالي كانت محادثات المصالحة الوطنية قد بدأت بين نميري والصادق المهدي لتنتهي بتمزيق الجبهة وانضمام الأخوان للنظام ومقاطعة الشريف الهندي وموقف مضطرب لحزب الأمة . وحققت المصالحة للسلطة المايوية مخرجاً من أزمتها السياسية والاقتصادية استمر سنوات .
لكن ديكتاتورية نميري ما كان بوسعها في أي حال تحقيق نظام مستقر . فلم تستطع الصبر على اتفاقية أديس ابابا وسعت إلى فرض هيمنة شاملة على الجنوب عبر تدخل فظ في الموازنات القبلية والسياسية ، وفي الشمال تدهور الإنتاج وتجاوزت الديون الخارجية عشرين بليون دولار مع انتشار فساد واسع شاركت فيه كل الطغمة المايوية والرأسمالية الطفيلية المستشرية. وانكشفت فضيحة نقل الفلاشا إلى إسرائيل.
وشهد العامان الأخيران من عمر النظام تسارعاً في مقاومته : ففي الجنوب ظهرت حركة / جيش تحرير شعب السودان ، وفي الشمال لقيت قوانين سبتمبر مقاومة عامة متصاعدة . وتأسس التجمع النقابي، وبدأت المحادثات بين أحزاب المعارضة تعالج بصورة أكثر جدية قضايا العمل المشترك لإسقاط النظام .
وكان إعدام الأستاذ محمود محمد طه قاصمة الظهر لدكتاتورية نميري.
تفجرت المظاهرات في أطراف العاصمة في الأسبوع الأخير من مارس 1985، وسرعان ما انتشرت (تستحق "تكتيكات" الانتفاضة دراسة متخصصة ، فقد كان لانتشار المظاهرات في أحياء العاصمة والمدن الأخرى دوره في إنهاك قوات الشرطة و" قوات مكافحة الشغب". وفي أحياء امدرمان ذات الخبرة في فن التظاهر ، لجأ المتظاهرون إلى الانتقال من شارع أبور وف الرئيس إلى الأزقة المتفرعة عنه حيث تصعب ملاحقتهم بالعربات وتتفرق قوات الشرطة في مجموعات صغيرة يسهل التعامل معها ، وكان المواطنون في الأحياء ، وخاصة النساء يوفرون الماء والطعام وأحياناً المأوى لحماية المتظاهرون ). وشارك طلاب الجامعات في المظاهرات ، وأنفضح موقف السلطة بالموكب الهزيل الذي سيرته قيادات الاتحاد الاشتراكي ، وفي اليوم التالي خرج موكب النقابات الحاشد الذي شاركت فيها جماهير غفيرة من المواطنين والمواطنات . وتنادت قيادات التحرك الجماهيري ( التجمع النقابي والتجمع الوطني( الحزبي)). إلى تنظيم عصيان مدني وإضراب سياسي يبدأ يوم السبت 6 أبريل . ولكن كبار ضباط القوات المسلحة استبقوا ذلك التاريخ وأعلنوا تكوين المجلس العسكري الانتقالي والانحياز للانتفاضة فجر السادس من أبريل نفسه .( استبق كبار الضباط أيضاً تحرك الضباط لصغار . الذين كانوا يميلون إلى دعم الانتفاضة . ولكن – كما أشارت اللجنة المركزية للحزب الشيوعي في دورتها في أيريل 1985 – فأن صغار الضباط يسود بينهم مفهوم أن الدعم الوحيد الذي يمكن أن يقدموه للشعب هو القيام بانقلاب عسكري بينما هناك خيارات أخرى .
استقبلت جماهير العاصمة إعلان القوات المسلحة كنصر لها وخرجت إلى الشوارع احتفاء بإسقاط النظام المايوي . ولكن بينما كانت أقسام كبيرة منها تدعو لاستمرار الانتفاضة وتنفيذ الإضراب السياسي والعصيان المدني( وبينها المجموعات التي حاصرت مباني جهاز الأمن وانتزعت قرار حله). وهي تهتف " لن تحكمنا بقايا مايو " صدر نداء بأسم التجمع النقابي بإيقاف الإضراب . ومهما كانت الشكوك في مصدر ذلك النداء فقد توقف الإضراب بالفعل . . إن حصار جهاز الأمن يوم السبت يرجح أن الانتفاضة كان بمقدورها الاستمرار . لكن ما تكشف من خلافات في نفس اليوم يؤكد من الناحية الأخرى أنها عانت من ضعف كامن في قيادتها . لقد أدى وقف الإضراب قبل تكوين السلطة الانتقالية إلى إضعاف خطير في مواقع التجمع الوطني وإلى دعم " من السماء للمجلس العسكري الانتقالي سهل له مهمة اختطاف السلطة .
لقد نجحت الانتفاضة بالفعل في إسقاط النظام المايوي وحل جهاز الأمن القومي والقضاء على رموز النظام من اتحاد اشتراكي ومنظمات مزيفة . واستعادت الانتفاضة الديمقراطية وفتحت الباب أمام حرية النشاط السياسي.
مع ذلك عانت الانتفاضة من مواطن ضعف . فعلى الأرض لم يتمكن التجمع الوطني من الإنفاق على ميثاق إلا في ساعة متأخرة من صباح يوم 6 ابريل . وعندما بدأت المحادثات مع المجلس العسكري الانتقالي كان ممثلو التجمع ما يزالون مختلفين على برنامج الفترة الانتقالية ومدتها وصلاحيات السلطة الانتقالية ، ناهيك عن علاقتها مع المجلس العسكري الانتقالي الذي لم يحسب له حساب من قبل.
وقد تمخض الموقف على الأرض عن سلطتين ، أحداهما المجلس العسكري الذي انبثق كممثل لسلطة مضروبة ومهزومة ، والتجمع الوطني( النقابي والحزبي) الذي قاد الانتفاضة. في البداية كان التجمع في مركز معنوي اقوى لكن الخلافات بين ممثليه فتحت ثغرة واسعة لكي ما يتقدم العسكر ليصبحوا أصحاب السلطة السيادية والتشريعية ، تاركين ممثلي التجمع لكي ما يقبلوا دون مقاومة أن يتعاركوا على مناصب تنفيذية منزوعة السلطات .وقد لعب ممثلا حزب الأمة والاتحاد الديمقراطي دوراً سلبياً ملحوظاً بموقفهما العدائي ضد الحزب الشيوعي والقوى الديمقراطية ، مما أتاح – حتى في حيز اختيار رئيس الوزراء والوزراء– للإخوان وحلفائهم احتلال عدد هام من الواقع دون أي استحقاق ، في حين كانوا معزولين تماماً وكان سهلاً توجيه ضربة قاسية لهم.
وكان لكل ذلك أثره :
أولاً: في تقصير فترة الانتقال إلى سنة واحدة – وقد تقرر في المفاوضات قبل 6 أبريل ان تكون طويلة نسبياً – ثلاث سنوات على الأقل.
ثانياً: في اختلال توازن القوى في مؤسسات الانتفاضة – بين المجلس العسكري والحكومة ، وداخل الحكومة نفسها ، وقد قاد هذا إلى عزل القوى الديمقراطية والشيوعيين وقوى الانتفاضة عموماً عن المشاركة في صياغة الدستور وقانون الانتخابات وتقسيم الدوائر الانتخابية والقواعد التي تحكم انتخابات الخريجين . كما أن ذلك الاختلال وإضعاف مواقع القوى الديمقراطية أدي إلى استمرار الحرب الأهلية في الجنوب على ذات النهج المايوي، بينما كان إسقاط النظام المايوي قد أتاح فرصة لا تقدر بثمن للتوصل إلى حل لصالح الديمقراطية والوحدة والتقدم .
وفي هذا الصدد تجدر الإشارة إلى موقف الحركة الشعبية التي دعت العمال والطلاب إلى استمرار الانتفاضة ووصف ما تمخض عنها بأنه مايو 2 . لكن الانتفاضة لم تجئ استجابة لنداء من الخارج أو من خارج صفوفها . غير أن الظروف كانت في كل الأحوال قد تغيرت ونشأت معطيات جديدة في الساحة . وقد سعى الحزب الشيوعي والتجمع النقابي والحزبي لإقناع الحركة بالانضمام لقوى الانتفاضة في المناخ السياسي الجديد . مهما كان رأيها فيه ، وبدون أن تلقى سلاحها. وكان ذلك أمراً ممكناً ، ولكنها رفضت .
ويمكن القول أن الخريطة السياسية في أعقاب سقوط النظام المايوي تمثلت في :
- التجمع الوطني لإنقاذ الوطن( بشقيه النقابي والحزبي ) ببرنامج ديمقراطي عام ، ولكن بتكوين هش واختلافات ليست هينة.
- تمرد مسلح في الجنوب بقيادة الحركة الشعبية ، إضافة إلى الكيانات السياسية الجنوبية القديمة ورغم تعاطف واسع بين القوى الديمقراطية في الشمال مع الحركة إلا أنه لم يتأسس عمل مشترك فعال.
- مجلس عسكري انتقالي يمثل كبار الضباط( يمين).
- الجبهة القومية الإسلامية بقدرات مالية كبيرة ومواقع مؤثرة في أجهزة الدولة .
* وكان طبيعياً مع كل هذا ( وفوق بقايا النظام المايوي ) أن تندلع الصراعات القديمة وصراعات أخرى جديدة.
أهم القضايا التي دار حولها الصراع كانت :
- تصفية آثار مايو. وعلى رأسها قوانين سبتمبر ومؤسسات تركها النظام وراءه.
-تصحيح مسار الاقتصاد ورفع الضائقة المعيشية .
- وقف الحرب الأهلية في الجنوب وحل المشاكل التي قادت إليها.
* ويمكن تلخيص توازن القوى في فترة ما بعد الانتفاضة على النحو التالي :
- تعاطف جماهيري واسع مع أهداف الانتفاضة ، تجلي في مواصلة الضغط حتى حل جهاز الأمن .والبهجة العارمة بسقوط نميري ، وإسقاط الترابي في " دائرة الانتفاضة " ورفض أقسام واسعة من جماهير حزب الأمة وقياداته الوسيطة للتحالف مع الجبهة الإسلامية .
- خرجت القوى الديمقراطية مثخنة ومنهكة من الضربات التي وجهها النظام المايوي لها جراء مقاومتها المتصلة( الحزب الشيوعي – النقابات – الضباط الوطنيون – القوى الديمقراطية في جهاز الدولة الخ ).
- تمخضت نتائج الانتخابات عن جمعية تأسيسية تطغى عليها شعارات التأسلم وعلى رأسها إبقاء قوانين سبتمبر والتوجه نحو دستور إسلامي وسن التشريعات معادية للديمقراطية والتقدم.
- ساد مناخ هزيمة عام في المنطقة العربية ودور الجوار.
- وفر استمرار الحرب الأهلية صيحة "إنقاذ القوات المسلحة والوطن " لقوى اليمين عامة ، وراية لانقلاب 30 يونيو فيما بعد.
(د) – الإضراب السياسي العام والعصيان المدني .. أداة مجربة للثورة والانتفاض :
ورد في ( ص124) من كتاب المؤتمر الرابع للحزب "الماركسية وقضايا الثورة السودانية" عن ثورة أكتوبر التالي :....." فالعناصر الساذجة سياسياً، أو العناصر اليمينية التي تحاول التقليل من الثورة والحيلولة دون تحوّل تجاربها إلى رصيد للحركة الشعبية ( الجماهيرية)، تعرض للثورة وكأنها بدأت بين أحداث جامعة الخرطوم ، وهذا مسلك خاطئ ".
فالثورة لا تأتي بالصدفة أو بالطلب ، ولا تقود كل مظاهرة أو إضراب للثورة أو الانتفاضة . جوهر الأمر ان التراكم النضالي ضد القهر والاستبداد والسياسات المعادية للشعب والوطن ، يجعل في نهاية المطاف خيار الثورة والانتفاض أمراً حتمياً لا مناص عنه ولا مرد له .
وفي الواقع ظلت القوى المعادية لتطور الثورة الديمقراطية والتغيير الاجتماعي في السودان. تسعى لطمس تجربة الإضراب السياسي العام والعصيان المدني كأداة مجربة للثورة والانتفاض، والحيلولة دون ترسخها في ضمير ووجدان ووعي الشعب ، بين تجاربه النضالية التي يتزود بها للإطاحة بالأنظمة الدكتاتورية والشمولية ، وجرى الحديث للوصول إلى هذا الهدف عن أن انتصار الشعب في ثورة 21 أكتوبر64 ، كان مجرد صدفة نادرة لا تتكرر وفلته من فلتات الزمان.
ورغم أن انتصار الشعب تكرر في الواقع العملي بذات سلاح الإضراب السياسي العام والعصيان المدني في انتفاضة مارس/ أبريل 1985، إلا أن اسطوانة الصدفة في إنتاج الثورة والانتفاضة لا يزال يتردد صداها . ويتم دعم وتأكيد مثل هذا الزعم بترسانة كاملة من الافتراضات والأباطيل المسيئة للشعب وتاريخه النضالي البطولي ودماء شهدائه الأبرار على شاكلة أن ثورة أكتوبر كانت خطأ كبيراً لأنها أطاحت بنظام وطني أهتم بالتنمية !. وأن عودة السفاح نميري أبان الانتفاضة كانت كفيلة بالقضاء عليها ، وأن الانتفاضة نفسها كانت مجرد انقلاب قصر قام به كبار جنرالات السفاح !.
وهكذا يتحدث أعداء الثورة والانتفاضة عن كل شيْ ويتحاشون الحديث في بيت القصيد ومربط الفرس. أنهم يسقطون من اعتبارهم الطبيعة الدكتاتورية المعادية للديمقراطية والشعب والوطن في سياسات هذين النظامين وعدائهما المتأصل للشعب والتقدم وفسادهما وإفسادهما والتراكم النضالي والنهوض الثوري لحركة جماهير الشعب وقواه السياسية والنقابية ضدهما وضد جرائمهما الذي قاد في نهاية الأمر للثورة وللانتفاض بسلاح الإضراب السياسي العام والعصيان المدني، وأودى بالنظامين إلى موارد الهلاك .
إن تمكن شعب السودان من الإطاحة بنظامين دكتاتوريين معاديين للشعب والوطن في أكتوبر 1964 ثم في مارس/ أبريل 1985، أي بعد أقل من 21 سنه، بالنضال السياسي الجماهيري والإضراب السياسي العام والعصيان المدني، أصبح مأثرة نضالية لشعب السودان. ذلك أن تجربة اسبانيا والبرتغال في الإطاحة بفرانكو وسلازار دشن لهما في البداية التمرد العسكري واسع النطاق خلال سبعينات القرن الماضي .

رافد جديد لمزاعم قديمة
وتحت مظلة نظام الإنقاذ الشمولي ، أطلت برأسها من جديد ، المزاعم القديمة المتجددة بعجز شعب السودان وقواه السياسية عن الإطاحة بنظام عسكري، أهم الحيثيات والأسانيد التي يقدمها مفكرو الانقاذ في هذا الصدد، هي أن الأخوان المسلمين الذين حرّكوا الشارع مع الشيوعيين في ثورة أكتوبر وفي الانتفاضة (!) أصبحوا بعد انقلاب الإنقاذ أهل سلطة. وأن سلاح الإضراب فقد بريقه ولمعانه ولم يعد العاملون يلجأون له ( هكذا) .
إن الواقع الماثل يمد لسانه على طوله على هذا الزعم الباطل . فقد وقع أربعون إضراب للعاملين خلال أقل من 6 شهور في الفترة من ديسمبر 2006 وحتى منتصف يونيو 2007. وبعض هذه الإضرابات عم ولايات بأسرها . كما هدد أصحاب العمل في الأسبوع الأول من يونيو 2007 بإعلان إلاضراب اعتراضاً على زيادة القيمة المضافة من 10% إلى 12%. كما يزعمون أن المعارضة الخارجية لا جدوى منها وليس بمقدورها تحريك الشارع بأي مستوى من المستويات ، وغير ذلك من الحيثيات .
إنهم ، من منظورهم الضيق وغير الموضوعي ، يتوهمون أن وصولهم للسلطة عبر الانقلاب العسكري ، قد غيّر وبدّل في قوانين الحركة الاجتماعية والسياسية التى تحكم بقاء واستقرار ، أو تأزم وزوال الأنظمة الحاكمة. كما أنهم يتجاهلون الواقع السياسي/ الاجتماعي السوداني المحدد والملوس الذي أنتج تجربتي أكتوبر والانتفاضة ، إن جوهر هاتين التجربتين يشير إلى أن التراكم النضالي ، عبر العمل اليومي الصبور ، ضد الأنظمة الاستبدادية وسياساتها ، يقود للنهوض الثوري بين الجماهير، وأن هذا النهوض يتطور صوب الأزمة الثورية التي يصبح التغيير في متناول اليد حين نضوجها وتبلور كل معالمها واستحكام حلقاتها . إن المدى الزمني للوصول لمرحلة الأزمة الثورية الناضجة تحدده عوامل موضوعية وذاتية متنوعة ، قد يطول أو يقصر هذا المدى الزمني ولكنه في النهاية آت لا محالة ، والواقع أن التراكم النضالي الذي قاد للإطاحة بنظام السفاح نميري استمر كما هو معروف لما يقرب من ستة عشر عاماً.
وقد تضافرت عدة عوامل موضوعية وذاتية في واقع الأمر لأن يطول هذا المدى الزمني بعض الشيء تحت مظلة نظام الإنقاذ . أهم هذه العوامل هي :
- الطبيعة الفاشية لنظام الإنقاذ الشمولي واستناده إلى قدرات تنظيم حزبي محلي وحركة إسلامية عالمية تمتلك قدرات كبيرة .
- انتهاج الإنقاذ لحزمة كاملة من التدابير والسياسات قادت لإضعاف حركة الجماهير وشل أدواتها النضالية ، المدنية والعسكرية ، على رأسها : مصادرة الحريات السياسية والنقابية ، سياسات التحرير الاقتصادي وإفقار الشعب ، التصفيات الدموية والتعذيب والاعتقال في بيوت الأشباح والفصل للصالح العام وضرب قومية كل أجهزة الدولة ومصادرة الممتلكات الشخصية .. الخ .
- التمكين بإضعاف حركات وتنظيمات و أحزاب قوى المعارضة وقسمها وشل نشاطها ، هذا إلى جانب أن أقساماً هامة ومؤثرة من حركة المعارضة غلّبت العمل الخارجي على العمل الداخلي ، والعمل الفوقي على العمل القاعدي ، وهما أمران اضعفا من التراكم النضالي بين حركة الجماهير.
ولكن ما يجب تأكيده والعض عليه بالنواجز، رغم كل هذه الظروف المعاكسة ، هو أن شعب السودان سار على درب الآلام والجمر الملتهب ، وشق طريقه بالناب والظفر رغم كل التضحيات، لتعميد طريق التراكم النضالي وتنمية حركة الاحتجاج ضد سياسات الإنقاذ ولاستجلاب التضامن ألأممي عالمياً وإقليمياً ، مع هذه الحركة .
فقد قاوم شعب السودان بالنضال المسلح في جنوب الوطن وفي جبال النوبة وفي شرق السودان ثم في دار فور. كما قاوم بمختلف أشكال النضال السياسي الجماهيري . فكانت مذكرة القادة النقابيين لرئيس مجلس قيادة الانقلاب في 30 يونيو 1989 من أجل استعادة الحريات النقابية وشرعية النقابات . وكانت إضرابات المهنيين وعلى رأسها إضراب الأطباء في نوفمبر 1989، وكذلك الإضرابات المتتالية للعاملين بالسكك الحديدية خلال 1990/1991 . وكانت مظاهرات الطلاب ضد الشمولية والقهر وسلبيات ثورة التعليم العالي ومن أجل ديمقراطية التعليم ، التي وصلت ذرواتها في سبتمبر 1995 وسبتمبر 1996. ثم تواصلت مقدمة الشهيد تلو الشهيد . ثم انتظمت السودان بأسره طيلة السنوات الماضية الحركة الاحتجاجية الواسعة والإضرابات من قبل العاملين والمزارعين من أجل حقوقهم المشروعة ومن أجل إرجاع المشردين وضد الخصخصة العشوائية
ولعب التجمع الوطني الديمقراطي ، وأحزاب المعارضة خارجه ، دوراً داخل وخارج السودان ، في فضح النظام و مقاومته واستجلاب .التضامن والدعم لحركة المقاومة الشعبية .
وأرتفع صوت المرأة السودانية في التجمع النسوي، وفي الجامعات وخارجها ضد ممارسات النظام العام وقوانينه ومحاكمه الممتهنة لكرامة المرأة.
وتنادت قوى المعارضة جميعاً، في محافل مشهودة كالاحتفال الجماهيري الكبير لتوقيع مذكرة 20 أغسطس 2002 حول اتفاق مشاكوس الإطاري ، وفعاليات منبر السودان أولاً التي رمت لتقديم تصور مشترك لحل الأزمة السودانية ، واللقاء الذي وقّع نداء الخرطوم الداعم لإعلان القاهرة حول قومية العاصمة. وتواترت لقاءات قوى المعارضة مع مقرري حقوق الإنسان للسودان ، ومع مبعوثي الاتحاد الأوربي وغيرهم .
وفي وجه نشاط جماعات الهوس الديني الخارجة من تحت عباءة الإنقاذ ، رفع أكثر من 500 من الكتاب والأدباء والمفكرين والصحفيين مذكرة لرئيس الجمهورية ، تطالب بوضع حد لنشاط هذه الجماعات التي اشهرت سيوف التكفير وإهدار الدم ، لقطع الطريق أمام الانفراج الذي تحقق بصمود ونضال الشعب والتحول الديمقراطي المرتقب بعد السلام .
ولعب الصحفيون دوراً مقدماً في فضح هذه الجماعات وفي انتقاد سياسات الإنقاذ بما في ذلك سياسة الرقابة على الصحف ومصادرة الحريات الصحفية .
وكانت طروحات قوى المعارضة لحل الأزمة من التواتر والشمول والموضوعية للدرجة التي تبنت بعضها الأمم المتحدة مثل المؤتمر الجامع والحل السياسي القومي للأزمة السودانية في كافة تجلياتها ومظاهرها بما في ذلك أزمة دار فور وأزمة الشرق . ومعروف أن هذه الطروحات وجدت طريقها للنشر في دوريات مراكز الدراسات الإستراتيجية في العالم.
وعبر هذا الطريق سجل شعب السودان انتصاره الأول على الإنقاذ وسياساتها كما تجلى في اتفاق السلام واجازة الدستور الانتقالي ونهاية السلطة الانفرادية وقيام حكومة الشراكة الجديدة فالثابت والأكيد أن هذا الانتصار لم يأت بضربة حظ مواتية أو بأثر صدفة عرضية ، بل أتى تتويجاً لصمود ومقاومة وصراع شعب السودان ضد سياسات الإنقاذ المعادية للشعب وللوطن .
وبالإمكان القول ، بكل اطمئنان أن التراكم النضالي عبر السنوات ، والتضامن العالمي والإقليمي مع صمود ومقاومة شعب السودان ، قاد لتفاقم واستفحال أزمة الإنقاذ. ومن هنا جاءت المساعي والجهود الدولية والإقليمية لحل الأزمة السودانية ، و هذا طبيعي في عالم اليوم . غير إن للمساعي والجهود الخارجية حدوداً لا تتخطاها ، وهي إطفاء البؤر المشتعلة وإيقاف نزيف الدم والحرب والاقتتال . والوصول لقدر معلوم من الاستقرار وحقوق الإنسان. حل الازمة من جذورها شأن داخلي يحسمه شعب السودان عبر الصراع السياسي والاجتماعي الكفيل بترجيح موازين القوى لصالحه في النهاية .
ويبقى الزعم بان شعب السودان عجز عن الإطاحة بنظام الإنقاذ زعماً لا يستند إلى اسس موضوعية أو إلى حيثيات كافية . فالصراع السياسي والاجتماعي لحل الأزمة من جذورها يدور تحت أبصارنا ، بما في ذلك تجليات الأزمة في دارفور وفي شرق السودان ، وبرد على رأس جدول الأعمال بالنسبة لحركة المعارضة إنزال نيفاشا إلى أرض الواقع بعقد المؤتمر الجامع لكل القوى والفعاليات على طريق الحل السياسي القومي للأزمة وتنفيذ اتفاق الشرق وحماية المدنيين في دارفور وفك الثنائية والجزئية من اتفاق ابوجا وتجاوز حلول الهيمنة الانفرادية والثنائية التي حوّلت السودان إلى دولة اتفاقيات . إن هذا هو المخرج العملي الذي يمكّن السودان من تجاوز وتخطي التلكؤ والتباطؤ الذي يكتنف تنفيذ نيفاشا حالياً والاختناقات الماثلة والخلافات بين شريكي الحكومة .
ويدور الصراع بصورة محددة حول قضايا التحول الديمقراطي ، بمراجعة وإعادة صياغة كل القوانين السارية لتتلاءم مع الدستور الانتقالي ، بما في ذلك قوانين الأمن الوطني والنقابات والصحافة والأحزاب و غيرها من القوانين المقيدة للحريات .
كما يدور الصراع حول سياسات التحرير الاقتصادي وأثارها، وحول خصخصة مشروع الجزيرة وإلغاء نظام الشراكة في علاقات الإنتاج به وبغيره من المشاريع الزراعية، بما فتح الطريق لإقامة سوق للأرض والماء في هذه المشاريع لمصلحة الرأسمالية الزراعية والتجارية على حساب فقراء المزارعين ، وحول التعويضات المجزية والعادلة للمتأثرين بسد مروي وأحقيتهم في تملك جزء من الأراضي حول بحيرة السد وكذلك حول إصلاح وضع التعليم في كل مراحله، وحول المظالم التي ارتكبتها سلطة الإنقاذ الانفرادية الشمولية ، وترتفع المطالب المسنودة بجماهير واسعة من أجل صدور قرار سياسي بإرجاع المحالين للصالح العام مدنيين وعسكريين وتسوية أوضاعهم ، ورد الاعتبار للشهداء وضحايا التعذيب.
وهناك تفاقم الضائقة المعيشية وانفلات الأسعار والرسوم والجبايات ، في السكن والمأكل والتعليم والصحة وكل الخدمات . وهناك الاحتجاج في الشمالية ضد التخطيط الجاري لإقامة السدود والخزانات في المنطقة لمصلحة الرأسمالية الطفيلية الحاكمة .وهو تخطيط يقود لإغراق المزيد من أراضي النوبيين وطمس معالم الحضارة النوبية .
وهكذا فأن التراكم النضالي يشق طريقه يومياً في كل الجبهات ، وعلى ضوء نتائج هذا التراكم ستتغير تدريجياً موازين القوى . وبمدى الاستجابة لمطالب الشعب وإنزال نيفاشا إلى ارض الواقع ، يتخلق ويتشكل الرأي العام والموقف في الشارع السياسي السوداني ، ويبقى الإضراب السياسي العام والعصيان المدني، في نهاية الأمر ، سلاحاً مجرباً بين أسلحة الشعب التي يلجا إليها إذا بلغت الأزمة الثورية مداها، وأصبح لا أفق مرئي أمام الجماهير سوى تغيير النظام ، وهذا حق مشروع لجماهير الشعب كفلته مواثيق الأمم المتحدة وأكدته عن طريق البيان بالعمل تجربة شعب السودان مرتين .

(هـ)- المشروع الوطني الديمقراطي والتحول الاشتراكي
ظلت القضية المركزية لدى حزبنا هي قضية الثورة السودانية، في تجلياتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية ، وفي تدرجها صعوداً وهبوطا ، عبر الفترات المختلفة في مسار هذه الثورة. وجرت تسمية هذه القضايا في وثيقة المؤتمر الثالث للحزب ، المنعقد في فبراير 1956، بالمشروع الوطني الديمقراطي . وهو برنامج نضالي للتغيير الاجتماعي وتحالف اجتماعي/ سياسي عريض في المدينة والريف حسب واقع التعدد والتنوع في السودان ، وسلطة سياسية لهذا التحالف تضطلع بأعباء تنفيذ البرنامج الوطني الديمقراطي .
ثم اسهم المؤتمر الرابع للحزب في أكتوبر 1967 ، في معالجة وتطوير قضايا هذا المشروع استناداً إلى دراسة باطنية للمجتمع السوداني . وإلى التجارب التي تراكمت عبر نضال جماهير الشعب على طريق بناء الحلف الوطني الديمقراطي وقيام السلطة السياسية لهذا التحالف . وكان ذلك النضال قد بدأ في التبلور منذ فترة الحكم الذاتي (1954-1956) حول قضايا دعم الاستقلال السياسي بالديمقراطية والتنمية والإصلاح الزراعي والثورة الثقافية وديمقراطية التعليم وتوفير الخدمات والحل الديمقراطي للمسالة القومية ... الخ .
وقد مرت مرحلة الثورة الوطنية الديمقراطية بعدة فترات امتحنت خلالها الجماهير الوطنية الديمقراطية بصورة ملموسة ، صحة طروحات وقضايا البرنامج الوطني الديمقراطي وإمكانية تحقيقها على أرض الواقع . على سبيل المثال هناك فترة ثورة أكتوبر 1964، وفترة انتفاضة مارس/ ابريل 1985.
وظلت ، في الجانب الآخر من المتاريس ، قوى المنتدى التقليدي تواصل قطع الطريق أمام تبلور وتطور المشروع الوطني الديمقراطي بالدكتاتوريات المدنية والعسكرية واستغلال الدين في السياسة ، وباختزال التنمية في إصلاحات هامشية ، وبالتفريط في السيادة الوطنية ، وباللجوء للحل العسكري في مواجهة المسألة القومية والجهوية في السودان.
وقد وصل نهج المنتدى التقليدي قمته في سياسات نظام 30 يونيو 1989 الشمولي بالدولة الدينية والتحرير الاقتصادي والخصخصة العشوائية والحرب الجهادية .

مستقبل المشروع الوطني الديمقراطي
خلال أربعين عاماً طرأت مستجدات ومتغيرات محلية وإقليمية وعالمية ألقت بظلالها وآثارها على المشروع الوطني الديمقراطي كما أقره المؤتمر الثالث وطوره المؤتمر الرابع لابد من وضعها في الاعتبار . ولكن الزعم بفشل المشروع في السودان ، زعم لا يستند إلى أسس موضوعية . فطالما ظلت قضايا هذا المشروع دون إنجاز ، ستتجمع قواه لانجازها . ولا سبيل لتقدم وازدهار السودان اقتصادياً وثقافياً ولا سبيل لمواجهة نهج التبعية للنظام العالمي الجديد دون تنفيذها.إن هذا المشروع تجسيد عملي للسؤال: أي طريق تسلك بلادنا؟ هل تنكفئ على الطريق التقليدي .... طريق التبعية ؟ أم تلج الطريق المستقل الذي يفضى لرفاه شعبنا وتحرره من الاستبداد والفقر والجوع ويقود لوحدته المتينة والراسخة في ظل التعدد والتنوع ؟ لقد أكدت تجارب شعبنا منذ الاستقلال إن الطريق التقليدي قاد للأزمة الوطنية العامة والمتفاقمة .
إن أهم معالم البرنامج الوطني الديمقراطي هي :
1- الدستور الديمقراطي والحريات السياسية والنقابية وقيام دولة المواطنة المدنية والجمهورية البرلمانية وقومية أجهزة الدولة جميعها .
2- السيادة الوطنية .
3- دعم وتطوير القطاع العام والتنمية المتوازنة والتصنيع .
4- انجاز الإصلاح الزراعي بشقية الزراعي والحيواني وانتهاج علاقات أنتاج الشراكة دون إسقاط للحساب الفردي في إطارها بما يفتح الباب لتطور الإنتاج بتحديد الحد الأدنى لإنتاجية الفدان استناداً إلى ريعية الأرض في المناطق المختلفة لكل مشروع ، وإدخال نظام الحافز التصاعدي في حالة زيادة الإنتاجية عن الحد الأدنى . فالثورة الوطنية الديمقراطية هي في نهاية الأمر ثورة التقدم والإصلاح الزراعي .
5- تجميع صغار المنتجين والحرفيين وتمويلهم .
6- الثورة الثقافية .
7- الحل الديمقراطي للمسالة القومية والجهوية .
8- وضع حد لكافة أشكال التمييز ضد المرأة .
* أن الواقع الماثل في بلادنا ، ومجرى الصراع السياسي والاجتماعي حول قضايا هذا الواقع ، يؤكدان ويعززان ضرورة المشروع الوطني الديمقراطي .
* فمطالب جماهير الشعب في مختلف أنحاء البلاد تطرح بصورة مباشرة مفردات هذا المشروع ... دولة المواطنة المدنية والحقوق المتساوية ، التحول الديمقراطي ، إنهاء التهميش ، التنمية المتوازنة ، ديمقراطية التعليم ، الإصلاح الزراعي ، وضع حد للخصخصة العشوائية ، الحل الديمقراطي للمسالة القومية والجهوية في السودان ... الخ .
* وعلى المستوى العالمي والإقليمي يتأكد باستمرار أن انحسار حركة الثورة عالمياً وإقليمياً في ظل حركة العولمة وانهيار المعسكر الاشتراكي وعالم القطب الواحد . لم يقد لانسداد الأفق أمام التغيير الاجتماعي . والواقع أن هناك تجارب إيجابية وسلبية عديدة تسند جميعها خيار المشروع الوطني الديمقراطي والطريق المستقل . فهناك تجارب النمور الآسيوية التي انهار بعضها وفشلت في أن تكون نموذجاً للتنمية والنمو المستقل في بلدان العالم الثالث ، وهناك التجارب الايجابية في بلدان أمريكا اللاتينية التي سلكت طريق التطور المستقل بعيداً عن نهج التبعية وحققت مكاسب ملموسة لشعوبها .

القوى المنوط بها تنفيذ المشروع الوطني الديمقراطي
إن القوى المؤهلة لتنفيذ المشروع الوطني الديمقراطي تضم أغلبية جماهير شعبنا، انها قوى الجماهير العاملة في المصانع والمعامل والحقول والمراعي، وقوى المثقفين ، وكل الطبقات والفئات الاجتماعية التي لها مصلحة في إنجاز البرنامج الوطني الديمقراطي بما في ذلك فئة الرأسمالية الوطنية المنتجة وغير المرتبطة بالاستعمار في الصناعة والزراعة والخدمات .
غير أن تحالف هذه القوى في جبهة وطنية ديمقراطية لا يتم بشكل هندسي عمودي، وإنما يتشكل هذا التحالف عبر حركة نضال يومي تتشابك فيها التحالفات السياسية الرأسية مع التحالفات القاعدية وعبر انتشار حركة التنظيم وتقديم البديل في مختلف آفاق الحياة . وطبيعي أن تحالف هذه القوى الجبهوي مهما أتخذ من أشكال ، هو تكتيك إلزامي في المشروع الوطني الديمقراطي .
صحيح أن سياسات التحرير الاقتصادي ونهج التبعية قاد لتدهور أوضاع الراسمالية الوطنية المنتجة ، وحلت محلها فئات جديدة من الرأسمالية الطفيلية الإسلامية والكمبرادورية ، ولكن الرأسمالية الوطنية المنتجة لم تختف من مسرح الأحداث كقوى اجتماعية لها دعاماتها القاعدية بين أثرياء ومتوسطي المزارعين وفي الصناعة والتجارة والخدمات . ومن ناحية أخرى فإن الإصلاح الاقتصادي وترميم وعلاج التدهور في الاقتصاد سيساعد في استعادة مواقعها وتحفيزها لاستثمار أموالها في التنمية .و صحيح أيضاً إن مواقع الرأسمالية المرتبطة بالاستعمار قد تنامت بأثر الدفع الرأسمالي العام في البلاد ، ولكن تشابك المصالح الاقتصادية تحت مظلة العولمة لا يعبر كله في أطلاقه عن ارتباطات عمالة وتبعية. كما إن للرأسمالية الوطنية على ضوء البرنامج الوطني الديمقراطي إسهاماً في الإنتاج حسب خطة التنمية مع مراعاة الضوابط الاقتصادية والقانونية .
وكان المؤتمر الرابع لحزبنا في أكتوبر 1967 قد توصل لاستنتاجات هامة خاصة بالرأسمالية الوطنية المنتجة ، على رأس هذه الاستنتاجات :-
• إنها معادية للاستعمار ولها مصلحة في التنمية الوطنية .
• إنها مشتتة بين أحزاب عديدة، ذلك أن الأحزاب السياسية السودانية لم تقم على أساس حديث ، بل استندت إلى تنظيمات طائفية وعشائرية ومعلوم أن الطائفة أو العشيرة تضم الجماهير من مختلف المواقع الطبقية والاجتماعية .
• إن الصراع السياسي والاجتماعي سيقود تدريجياً إلى فرز اجتماعي وسياسي بين فئة الرأسمالية الوطنية ، وإلى اتضاح معالم قسمها الذي ينحاز للتحول الوطني الديمقراطي والعداء للاستعمار .
• ضرورة كفالة مصالح الرأسمالية الوطنية المنتجة في البرنامج الوطني الديمقراطي ، وإفساح المجال لها في خطة التنمية مع تحفيزات لها في قوانين الاستثمار ، وضمانات بعدم المصادرة إلا بإحكام قضائية .
وقد أكد مسار الأحداث صدق هذه الاستنتاجات

التحول الاشتراكي
هناك شروط هامة وأساسية للتحول الاشتراكي لابد من تحقيقها :-
1- بقاء الحزب الشيوعي السوداني حزباً ماركسياً يستعين بالنظرية الماركسية كمرشد في استقرائه للواقع السوداني للوصول لاستنتاجات سليمة مستندة إلى ما هو إيجابي في تراث شعبنا النضالي وتجاربه الحية وكذلك تجارب الشعوب الأخرى . فمن الماركسية يستمد الحزب بقاءه وتطوره وتميزه عن بقية الأحزاب وبدون هذا الانتماء الأيدلوجي العلمي يفقد الحزب الشرط الأساسي لوجوده معبراً عن الاشتراكية .
2- إن تنفيذ مشروع البرنامج الوطني الديمقراطي هو الذي يضع حجر الأساس للبناء الاشتراكي، وهو غير منفصل عن راهنية النضال من أجل التحول الوطني الديمقراطي.
3- لن تصل الثورة في بلادنا إلى آفاق الاشتراكية مروراً بانجاز مهام الثورة الوطنية الديمقراطية إلاّ عبر الديمقراطية التي تفتح الباب أمام تلاحم أوسع جبهة جماهيرية تؤمن بالبرنامج الوطني الديمقراطي.
4- وضع الأسس المادية التي تسهم في تطور قوي الإنتاج و علاقات الإنتاج لتجاوز الواقع المتخلف الحالي ، وذلك بقيام الصناعة والزراعة المتطورة والمستوى الرفيع في الخدمات وكل ما يحتاجه البناء التحتي من تطوير .هذا التغيير في الواقع بكل مكّوناته هو الذي يجعل الاشتراكية هدفاً يمكن رؤية قسماته وملامحه بالعين المجردة ، وهذا لن نصل إليه دون تنفيذ المشروع الوطني الديمقراطي .
لقد توصلنا عبر نضالنا لعشرات السنين في الواقع السوداني إلى أن العلاقة بين المشروع الوطني الديمقراطي والوصول للاشتراكية علاقة جدلية يصعب الفصل بينهما إلا فيما يتعلق بالتنفيذ العملي . بمعنى أن وصولنا إلى الاشتراكية في واقع بلادنا المتخلف لابد أن يسبقه تحضير واسع وجاد ومدروس دراسة علمية لتنمية المجتمع ورفع قدرات القوى المنتجة والتطور المتسارع لعلاقات الإنتاج نحو الأفضل بما يجعلها تصل إلى البناء الشامل للمجتمع الزراعي الصناعي المتقدم ويجعل الدخول في مرحلة الرخاء والتوزيع العادل للدخل القومي أمراً ميسوراً . عليه فأن ما أشرنا إليه من مؤشرات مقتضبة في عرض مشروع البرنامج الوطني الديمقراطي يمثل المقدمات اللازمة والضرورية والتي بعد تنفيذها يمكن ملامسة الأفق الاشتراكي .
بالإضافة إلى ذلك فإن الأفق الاشتراكي في بلادنا غير مفصول عن التطورات والتغييرات عالمياً وإقليمياً. وفوق ذلك كله بل وأهم منه ما يحدث من تغيرات ومستجدات في بلادنا وكيفية نجاحنا في التعامل معها من أجل التغيير الأمر لذي سيكون له أثره في تطويل أو تقصير طريق وصولنا إلى الاشتراكية. يقول لينين: ان كل شعب سيكون له طريقه الخاص به للبناء الاشتراكي ويسهم بنوع جديد من الديمقراطية . لذا فإن خصائص المجتمع السوداني وما ستكون عليه الاشتراكية التي تميزه عن بقية التجارب الاشتراكية . كما قال الشهيد عبد الخالق محجوب... إنها مسالة لا يمكن التكهن بها الآن . إلا من زاوية واحدة هي التخلف العام في بلادنا وأثر ذلك على هذه القضية، ولكن هذه الخصائص ستنبع قطعاً من خصائص مرحلة الثورة الوطنية الديمقراطية ، وقدرة القوى الوطنية السودانية على تطبيق المنهج العلمي ، وعلى اكتشاف ما هو فريد حقاً في بلادنا .

(و) الإسلام السياسي
الإسلام السياسي في السودان
• اتسمت الحركة الوطنية والسياسية السودانية بطابع علماني عام حتى إعلان الاستقلال مطلع 1956 بل وبعده بسنوات .
• لكن الاستقلال دشن صراعاً احتدم مع الزمن بين نهجين لتطور السودان : نهج مارسته القوى الاجتماعية اليمينية التي تولت الحكم ، تجسد في وراثة سياسات دولة الاستعمار بأجهزتها وقوانينها ، ونهج مضاد طرحته القوى الوطنية والديمقراطية كان أبرز معالمه برنامج تعزيز الاستقلال والديمقراطية والسلم الذي أجازه مؤتمر الحزب الشيوعي في فبراير 1956.
• الطريق الذي اختارته قوى اليمين كان مواصلة لطريق التطور الرأسمالي الشائه والتابع الذي فرضه الاستعمار لنهب الفائض الاقتصادي . وقد عبر ذلك الاختيار عن ضعف الكيانات الاقتصادية والفكرية والاجتماعية لقوى اليمين جميعها وبينها الرأسمالية السودانية . ومن البداية ارتبط ذلك الاختيار بمعاداة الديمقراطية واللجوء للقمع ( المواقف المعادية للنقابات العمالية واتحادات المزارعيين ومجزرة عنبر جودة كنماذج ).
• أدت هذه السياسة إلى أزمة الحكم ثم انقلاب نوفمبر 1958 بقيادة اللواء عبود وكبار ضباط الجيش الذين كانوا في واقع الأمر من نفس النادي السياسي والاجتماعي الذي انتمى إليه عبد الله خليل وحكومته . وكان الانقلاب إشهارا للسلاح في وجه الشعب وحركته . وشهدت سنوات ديكتاتورية نوفمبر المزيد من العنف ضد الطبقة العاملة والجماهير الكادحة ( الاعتقالات والمنافي والمحاكم العسكرية والتعذيب) وبدايات ممارسة الاستعلاء العرقي والثقافي والديني وتصعيد الحرب الأهلية في الجنوب .
• عبّرت القوى الوطنية الديمقراطية عن فهمها للعلاقة بين الديمقراطية والتقدم بصراعها الممتد ضد ديكتاتورية 17 نوفمبر . وكانت ثورة أكتوبر 1964 التي أطاحت بتلك الديكتاتورية ثورة حقيقية من أجل الديمقراطية ، وأظهرت انعطافاً جماهيرياً غير مسبوق نحو اليسار والحزب الشيوعي .
• في مواجهة هذا الانعطاف تشكل تحالف يميني رجعي ضم حزب الأمة وجبهة الميثاق الإسلامي والحزب الوطني الاتحادي وقوى يمينية أخرى تحت برنامج ديني يلتحف زوراً بالإسلام ، وأسقط هذا التحالف حكومة أكتوبر الأولي وأجرى انتخابات نتجت عنها جمعية تأسيسية تطغي عليها اتجاهات التأسلم ودبرت مؤامرة معهد المعلمين التي حظر بسببها الحزب الشيوعي نهاية عام 1965، وسار التحالف اليميني في الشوط حتى صياغة مسودة دستور إسلامي عام 1968.
• إن الاحتماء بالدين كان الطريق المريح لقوى اليمين التي عجزت عن التعامل الإيجابي مع المتغيرات التي صاحبت ثورة أكتوبر . ولقد كان ذلك الاحتماء في الحقيقية مجرد غطاء إيديولوجي للطريق الرأسمالي الشائه الذي اتبعته تلك القوى ولم يكن طريقاً إسلامياً للرأسمالية في السودان .
• وتشير تجربة السودان في الفترة بين 1958 و 1968 إلى أن الحلف اليميني عجز عن إقامة نظام سياسي مستقر في ظل وجود الحقوق السياسية للجماهير والتي هي سلاح في يد تلك الجماهير . وظلت قوى اليمين تضيق بتلك الحقوق وتهدمها . ولذلك بدأت تتطابق في بلادنا عمليات التغيير الاجتماعي الثوري وعمليات التغيير الديمقراطي ، كما يقول عبد الخالق في مؤلفه ( حول البرنامج) . ثم رأينا كيف يستميت نظام 30 يونيو في عدم السماح بأية ثغرة للتحول الديمقراطي .
• إن تجربة الإسلام السياسي في السودان طيلة ما يزيد عن 40 عاماً تشير إلى أن القوى التي تستخدمه ليس هدفها تحقيق ما تدعو إليه قيم الإسلام وإنما تحقيق أغراضها الضيقة الشريرة . وأمامنا : تجربة ما بعد ثورة أكتوبر 64، ثم التجربة المتكاملة تحت سلطة 25 مايو حتى نهايتها، ثم تجربة الجبهة الإسلامية .
• وليست المشكلة في الدين ، " أي دين "، و أنما في الدين عندما يصبح سياسة ، كما يقول طه حسين . إن أية دولة دينية ، أياً كان دينها ، تتحول بالضرورة إلى ديكتاتورية . ذلك أن الخلافات في أحكام الأديان مهما صغرت تتضخم وتقود إلى التكفير وإلى صراعات دموية .
• والطريق الرأسمالي لا يفرق في ضحاياه بين مسلم وغير مسلم . فالمحصلة النهائية لحصيلة مجتمع الرأسمالية الطفيلية منذ 30 يونيو 1989 لم تميز بين السودانيين على أساس ديني ، وإنما على أساس اجتماعي وسياسي، وأكثر من 90% من السودانيين ، جلّهم مسلمون ، هم الآن تحت خط الفقر .

(ز)- حقوق الإنسان
على المستوى النظري ، فأن الآراء والأفكار المعاصرة حول حقوق الإنسان ، تستند إلى ثلاثة مناهج فلسفية وسياسية عامة .... المنهج المحافظ . والمنهج الليبرالي ، والمنهج الجماعي الذي يعتمد التحول الديمقراطي والحقوق المتساوية . واستناداً إلى رؤية الحزب الشيوعي الفلسفية التي تبشر بأن الجماهير الشعبية هي القوى المحددة في صنع التاريخ وفي التغيير السياسي والاجتماعي . فأن الأساس بالنسبة لنا هو توفر الديمقراطية وحقوق الإنسان وازدهارهما . وفي مضمار هذه الحقوق نجد انفسنا في حالة وفاق تام مع المنطلقات النظرية والعملية لتوجهات المنهج الجماعي الذي يصون ويعزز الديمقراطية والحقوق المتساوية للجماهير .وبطبيعة الحال نؤكد رفضنا التام للتشوهات الكبيرة التي أدخلتها تجربة النمط السوفيتي في هذا المنهج بآليات الشمولية وأفكار طليعية الحزب الشيوعي ، التي أضعفت مبدأ الحقوق المتساوية وصادرت الرأي الآخر .
وإلى جانب رؤيتنا الفلسفية ، فأن تجربتنا السياسية والعملية في الواقع السوداني على مدى أكثر من نصف قرن ، تؤشر إلى أن توفير الحريات الديمقراطية وازدهار حقوق الإنسان ، هما بيت القصيد في رفع قدرات شعب السودان لإنجاز ثورة التقدم والتغيير الاجتماعي . وقد دللت التجربة مرات عديدة ، أن القوى المعادية لتطور هذه الثورة , تضيق ذرعاً بهما وتلجأ لضرب الديمقراطية وحقوق الإنسان لقطع الطريق أمام هذا الإنجاز بآليات الديكتاتوريات المدنية والعسكرية .
ودون إغفال أو إسقاط لأية رؤى وتصورات وطروحات إيجابية في المنهجين الآخرين . المحافظ والليبرالي ، نرفض بحسم كل ما يقود إليه المنهج المحافظ بشتى تفريعاته من حقوق غير متساوية تحت دعاوي المستبد العادل والحق الإلهي وشعب الله المختار وغيرها من الدعاوي التي تفرض الوصاية على حركة الجماهير ، والتي تقود لحرمان الأغلبية من أية حقوق . كذلك نرفض الفصل الميكانيكي بين الديمقراطية السياسية والديمقراطية الاجتماعية كما في المنهج الليبرالي الذي يقر بالحقوق المتساوية من جهة ، ثم يتراجع عنها من جهة أخرى بسبب فصله المتعسف بين الديمقراطية السياسية والديمقراطية الاجتماعية أنه تعبير عن موقف طبقي يصم الديمقراطية الليبرالية الغربية بالانحياز التام للرأسمالية .

إن اعتماد الحزب الشيوعي للمنهج الجماعي والحقوق المتساوية ينطلق من عدة حقائق ماثلة
أولها : الديمقراطية والحقوق المتساوية والحريات السياسية والنقابية والصحفية وغيرها غدت مهاماً نضالية جماهيرية في عالم اليوم كتتويج لنضال البشرية عبر القرون ضد الاستبداد والشمولية ، وأصبحت لها آلياتها ومؤسساتها داخل الأمم المتحدة وخارجها ، وفي حركة التضامن العالمية التي وصل عدد المشاركين فيها في السنوات الأخيرة أرقاماً فلكية.
ثانيها :- أرباب النظام العالمي الجديد من محافظين جدد وغيرهم يكيلون بمكيالين مختلفين في جبهة الحريات وحقوق الإنسان صحيح إنهم يرفعون شعارات هذه الجبهة مجاراة لموجة العصر .ويشترطون توفر قدر من الديمقراطية وحقوق الإنسان ومن ثم الاستقرار السياسي ، لإسهامهم في الاستثمار والقروض . ولكنهم في الواقع العملي يقفون مع مصالحهم في نهاية الأمر ويرتكبون انتهاكات فظة لحقوق الإنسان حتى داخل بلدانهم . كما نجد مفارقات كثيرة في مواقفهم ، كدعم أنظمة دكتاتورية ومعاداة أنظمة ديمقراطية أتت بالإرادة الحرة للجماهير وعبر صناديق الاقتراع . كما يروجون في الجبهة الأيدلوجية لتراجع مفاهيم الوطن والثقافة الوطنية تحت مظلة العولمة .
ثالثها:- واقع التعدد والتنوع في السودان عرقياً ودينياً وثقافياُ ، يجعل ما من طريق لوحدة الوطن الطوعية وللتعايش المشترك بين مكونات شعب السودان الحضارية، سوى سيادة الحقوق المتساوية والتحول الديمقراطي .
وعلى سبيل المثال قادت رؤيتنا هذه المستندة إلى منطلقاتنا الفكرية والسياسية ، وإلى هذه الحقائق الماثلة لأن نطرح على الدوام مناهضة الاعتقال التحفظي والتضامن مع معتقلي الرأي والضمير المناضلين ضد الشمولية والاستبداد ، وتوحيدهم بهدف تحسين أحوالهم في المعتقلات ومن أجل اطلاق سراحهم . وفي هذا السياق سبق لنا أن انتقدنا موقفنا الخاطيء بعدم المطالبة بإطلاق سراح كل المعتقلين بعد انقلاب 19 يوليو 1971 الذي أطلق سراح المعتقلين الشيوعيين والديمقراطيين وحدهم .
كما درجنا على تضمين مبدأ الحقوق المتساوية في طروحاتنا البرنامجية للتطور الوطني الديمقراطي في السودان. ويستهدف هذا التطور توفير المقومات المادية لهذه الحقوق على شاكلة.
1- محو الأمية من جماهير شعبنا ، بوصف الأمية ركيزة أساسية لتكريس الحقوق غير المتساوية .
2-ديمقراطية التعليم بتوسيع قاعدته وتغيير مناهجه وإلزامية مرحلة الأساس ، وربط التعليم بخطة التنمية ، والتوازن بين التعليم الأكاديمي والفني والتدريب المهني ، وبعث الثقافة الوطنية والتعامل الإيجابي مع التيارات الثقافية الإنسانية في العالم أخذاً وعطاءاً.
3-قضايا تحرر المرأة وضمان حقوقها المتساوية مع الرجل في فرص التعليم والعمل والأجر المتساوي للعمل المتساوي ، ورفع كافة أشكال التمييز ضدها .
4 وصول التحول الديمقراطي إلى أعماق المجتمع بسن قانون ديمقراطي للحكم المحلي بوصفه المدرسة الأولية للممارسة الديمقراطية وللحقوق المتساوية .
5-الحل الديمقراطي للمسالة القومية والجهوية في السودان .
وقد ظللنا دوماً نسعى لتطوير هذه اللبنة من الطروحات لتوسيع المشاركة الجماهيرية على ضوء تطور التجربة واستناداً إلى المتغيرات والمستجدات على أرض الواقع , وكان ابرز ما قدمناه تطويراً لأفكارنا :
- الدولة المدنية الديمقراطية ، دولة المواطنة والحقوق المتساوية غض النظر عن المعتقد الديني او السياسي وكذلك عن الجنس واللون .
- معيار الأغلبية والأقلية معيار سياسي لا ينسحب على قضايا المعتقد الديني والفكري والثقافي .
- الفرص المتكافئة للأديان في التبشير والتعليم وغيرها.
- اعتماد الأديان السماوية وكريم المعتقدات والعرف كمصادر للتشريع .
- توسيع معادلة الحركة السياسية السودانية لتشمل أحزاب وتنظيمات وحركات المناطق المهمشة . فما عادت هذه المعادلة قاصرة فقط على الأحزاب القديمة والقوى الحديثة .
- كفالة حقوق وحرية نشاط منظمات المجتمع المدني والمنظمات الطوعية في الدستور والقوانين السارية ، وسن قانون ديمقراطي للحركة النقابية بمشاركة جماهير العاملين أنفسهم يكفل حرية وديمقراطية واستقلال الحركة النقابية والشخصية الاعتبارية لتنظيماتها القاعدية
- اعتماد التجربة السياسية السودانية منذ الاستقلال التي تخلو من أية قوانين لتنظيم الأحزاب والصحف. ذلك ان مواثيق الشرف التي يتوافق عليها رجالات الأحزاب والصحف تكفي والقانون الجنائي كفيل بمعالجة اية تجاوزات ومخالفات .
- إدراج مبادئ ومفاهيم حقوق الإنسان والحقوق المتساوية وثقافة السلام والتسامح واحتمال الرأي الأخر . في المناهج التعليمية ، وقفل الباب في هذه المناهج أمام تخرج أجيال ذوى تعليم أحادي الجانب وأمام المناهج الدينية المستندة لإطروحات أي حزب سياسي, والتي تقود لتربية النشء على التعصب و الانغلاق والسعي لتدمير المجتمع بوصفه مجتمعاً جاهلياً.
وفي مشروع دستورنا الجديد المقدم لهذا المؤتمر طرحنا :
*احترام معتقدات الشعب ، وسعي الحزب للتأصيل لطروحاته السياسية والاجتماعية من التراث السوداني
* ترسيخ مبدأ التداول الديمقراطي للسلطة ورفض الإرهاب ، والتصدي له كفكر وكممارسة ، ورفض الوسائل الانقلابية المدنية والعسكرية للوصول للسلطة .
* الانفتاح على مختلف الاتجاهات الفكرية ، عالمياً وإقليمياً ومحلياً.
* توفير الديمقراطية في حياة الحزب الداخلية بوصف هذا شرطاً جوهرياً لتطور فعالية الحزب النضالية .
* استعادة مفهوم الحزب الثوري كحزب يسعى في إطار برنامج عمل يومي ، لتحقيق ما يمكن تحقيقه من مطالب وشعارات وأهداف لحركة الجماهير ، وابتداع أشكال التنظيم المناسبة لهذا الغرض.
أن هذا هو المحك والفيصل بين إطلاق الشعارات السياسية الثورية الكبيرة وبين القدرة على تغيير الواقع المادي لجماهير الشعب . وهذا هو ما درج الأدب الثوري على تسميته بخط تغيير تركيب المجتمع ، وهو وثيق الارتباط بتوسيع وتعزيز حقوق الإنسان والحقوق المتساوية .

الفصل الرابع
بناء الحزب

أ- جذور الستالتنية في الفكر والممارسة :
ب- معالم التجديد
ج- الشعار المناسب لبناء الحزب

أ- جذور الستالينية في الفكر والممارسة
إحدى مرجعياتنا الهامة لمعالجة قضايا بناء الحزب ، هي المناقشة العامة لتجديد الحزب . وقد سادت خلال هذه المناقشة النظرة الانتقادية الموضوعية لتجربة الحزب منذ تأسيسه ، والإرادة الحزبية الغالبة على ارتياد طريق التجديد بخطى راسخة وواثقة ، استناداً إلى رصيد الحزب الثوري. وجرت تغطية هذه المناقشة في أعداد مجلة الشيوعي ونشرة قضايا سودانية ، كما تم إصدارها خلال العام الماضي (2006) في كتيبات خمسة .
وتشير حصيلة هذه المناقشة العامة ، ضمن ما تشير إليه ،إلى أن الستالينية منهج في التفكير والممارسة يتسم بالجمود وبتجاوز خصائص الواقع الموضوعي المحدد والملموس ومصادرة الديمقراطية واستبعاد الرأي الآخر . وقد افرز هذا المنهج المتلازمة والدالة الثنائيتين للنمط السوفيتي على مستوى كل أطراف الحركة الشيوعية في العالم: الجمود والركون لحتميات قدرية لا يستقيم أمرها على ضوء المنهج الماركسي، والتطبيق القابض لمبدأ المركزية الديمقراطية . وتجلى هذا من جهة ، في اختزال الماركسية في برشامات ووصفات مذهبية جامدة صالحة لكل زمان ومكان، وفي حرق المراحل وتخطي القوانين الموضوعية للتطور الاجتماعي . وفي التعامل مع الافتراضات النظرية والإمكانيات كواقع دون توفر الشروط والمقومات لذلك . كما تجلى من الجهة الأخرى ، كضربة لإزب للتبرير والإعتساف ، في القبضة المركزية الخانقة التي تقف سداً منيعاً أمام الرأي الآخر والنقد وتصحيح المسار ، ويدعم هذه القبضة أيضاً، بمركزيتها وشموليتها، الفهم الخاطئ لمقولة دكتاتورية البروليتاريا ، والانحدار بمقولتي الحزب الطليعي وطليعية الطبقة العاملة لمصاف الحتميات القدرية .
وجراء ذلك ينفتح الباب واسعاً للغرور والتعالي ، ولفرض الوصاية على حركة الجماهير ، وللممارسات التي تتجاوز استقلال الهيئات الحزبية وفروع الحزب ، ولاحتكار المواقع القيادية ، وللبلاغات الكيدية ، ولحصر النقد في القواعد دون القيادات ، والنظر باستخفاف ، بل ويتأفف ولا مبالاة للعمل الإصلاحي بوصفه عملاً غير ثوري من منطلق أن الحزب الذي لا يستهدف السلطة صفر على الشمال وما إلى ذلك.
وبطبيعة الحال ، قاد الجمود والانغلاق والمركزة الصارمة ، لإضعاف قدرات كل أطراف الحركة الشيوعية العالمية على البناء الحزبي والجماهيري.
واستناداً إلى ذلك طرحت الوجهة العامة للحوار الداخلي ، أن الديمقراطية الداخلية في الحزب ، هي شرط أساسي لنموه وفعالية نشاطه بين الجماهير ، كما أنها تفتح الباب لأن يجد كل عضو حزب نفسه في الحزب تماماً. فاعلاً ومؤثراُ ونشطاً، ومنمياً لقدراته السياسية والفكرية والتنظيمية ، وعلى هذا النحو تتضاعف وتتعزز استقلالية وقدرات فروع وتنظيمات الحزب ، كما يتم تجاوز الاعتقاد الخاطئ بأن الكلمة النهائية التي تطوى بعدها الصحف وتجف الأقلام . وأن القول الفصل الذي لا قول بعده ، يأتيها جميعاً من فوق ، من خارجها ، من الهيئات الأعلى عن طريق التلقين والحفظ أو ( من اليد للفم) ، ونقول اعتقاد خاطئ لأن الموروث الستاليني قد طمس ضمن ما طمسه ، مبادي تنظيم الحزب التي تشير فعلاً إلى استقلال فرع الحزب الذي هو سيد قراره في إطار الضوابط اللائحية ، وهو ممثل الحزب بين جماهير مجاله ، وإلى أن مفهوم الكادر والقيادة في الحزب يمتد من اللجنة المركزية وحتى مكاتب الفروع . وبطبيعة الحال تحتاج هذه المفاهيم للصراع المتواصل من أجل تحديدها ودخولها عميقاً بين حياة الحزب الداخلية.
ومعروف أن مؤسسي الاشتراكية العلمية لم يطرحا في جبهة التنظيم الحزبي سوى الضرورة الموضوعية للحزب كاتحاد اختياري لرفاق بالفكر . تسوده مبادئ الديمقراطية والقيادة الجماعية والنقد و النقد الذاتي . كما نبها إلى أن قوة ومتانة الحزب تكمن في مرونة تنظيمه ، وابتعاده عن الضوابط القاسية شديدة الصرامة التي تشجع صنمية السلطة والمركزية القابضة في تكوينه.
ورغم تمكن حزبنا من اختراق حصار الجمود في أكثر من مجال ، إلا أن آثار ومظاهر وتجليات الستالينية ظلت قائمة بهذا القدر او ذلك في الحزب منذ تأسيسه. وعلى سبيل المثال نذكر بعض المصطلحات ذات الجذور والدلالات الستالينية التي وردت في أدبيات حزبنا : الديمقراطية الثورية ، الديمقراطية الموجهة ، الديمقراطية الجديدة ، وكذلك ما ورد من ميل وجنوح للعمل المسلح وارتياد طريق الثورة الصينية .
وفي مضمار التنظيم الحزبي ، تعكس اللائحة الثانية المعدلة للحركة السودانية للتحرر الوطني بجلاء آثار الستالينية على الأحزاب الشيوعية دون وضع هامش أو اعتبار لخصوصية الواقع في أي بلد . فقد أشارت بعض بنود تلك اللائحة ، التي صدرت في النصف الثاني من أربعينات القرن الماضي( 1948) إلى : أن الأسس النظرية للحزب هي الماركسية اللينينية ، والأهداف العامة هي : توحيد الطبقة العاملة السودانية والشعب السوداني ضد الاستعمار وإقامة ديمقراطية شعبية تتدرج إلى الاشتراكية فالشيوعية ، وأن قيادة الحزب ، وهي المركز الذي يقود الحزب ، ارتبط تاريخها وامتزج دمها بحب الحزب والإخلاص لقضيته وتخلصت إلى أبعد الحدود من الرواسب الطبقية وأصبحت ذات آيدلوجية بروليتارية ، وأن الأيديولوجية في الحزب تتمثل في هذه القيادة .
ورغم التوصيف الواضح والمحدد للديمقراطية التي تستند إليها المركزية ، إلا أن تلك اللائحة نصت على أن التنظيم يقوم على أساس المركزية ، وتضمنت واجبات العضو دراسة نظرية ماركس وانجلز ولينين وستالين ، ونشر حب معسكر السلام و على رأسه الاتحاد السوفيتي وقائد البشرية التقدمية الرفيق العظيم ستالين .
إن كل هذا تجسيد للمنهج الستاليني القاتل لروح التفكير المستقل والذي فرضه ( الكمنفورم) على كل إطراف الحركة الشيوعية العالمية ، فلم ينج حزب من الهيمنة الستالينية ، أما يوغسلافيا التي استبدلت الستالينية بالتيتوية وشقت عصا الطاعة ، فقد واجهت حرباً سياسية واقتصادية أثرت على مجرى تطورها . وما كان لحزبنا في تلك الفترة ، مع حداثة التكوين وشح المعرفة والتجربة وضعف الإمكانات ، أن يكون استثناءاً.
وعلى الرغم من النصوص التي تحمل جذور الفكر الستاليني ، إلا أن تلك اللائحة وضعت الأسس والمبادئ العامة لتنظيم حزبنا ، ثم انتقل جوهر تلك المبادئ والأسس من لائحة لإخرى، بما في ذلك مشروع الدستور الحالي المقدم للمؤتمر الخامس ، والذي سعينا فيه إلى التخلص مما عفا عليه الزمن والتمسك بقوة بما هو إيجابي في تراث حزبنا وتاريخه .
وطبيعي أن مؤتمرات الحزب ، وبشكل خاص المؤتمرين الثالث والرابع وكتابات الشهيد عبدالخالق ، قد عالجت العديد من الجوانب النظرية والسياسية والتنظيمية الجامدة ، لقد توصلنا مثلا إلى ان مبادئ التنظيم الحزبي العامة . لا يستقيم أمرها إلا باندغامها في تجربة حزبنا الملموسة في الواقع السوداني . وإلى أن تلك المبادئ ليست نصوصاً صماء . بل تغتني وتتطور مع تطور تجربة الحزب ، ومع ذلك لا نستطيع القول ان حزبنا قد أنعتق نهائياً من آثار الستالينية والمركزية الديمقراطية الستالينية التي قادت لضمور الديمقراطية في الحزب في علاقاته بحركة الجماهير.
وعلى مستوى بعض التنظيمات الديمقراطية قادت النظرة الشمولية للتغول على الأسس الديمقراطية، الأمر الذي حول هذه التنظيمات إلى وجهين لعملة واحدة هي الحزب الشيوعي .

ب– معالم التجديد
معالم التجديد ليست منبتة ، ولا يجمعها جامع مع مفاهيم ودعاوى القطيعة العدمية مع التراث ، وإنما تستند إلى الطروحات الإيجابية عبر تاريخ الحزب في البناء الحزبي والعمل الجماهيري ، وقد حدّ من أثر هذه الطروحات وأضعفها طغيان المركزية وآثار الستالينية ، وبالتالي لم تدخل عميقاً بصورة راسخة بين حياة الحزب الداخلية . كذلك تستند هذه المعالم إلى ما أضافه الحوار الداخلي للتجديد الحزب من أفكار ومقترحات في هذا الخصوص عبر الدراسة الانتقادية لتجربة الحزب في الواقع السوداني .
وبناءاً على ذلك فان أهم المرتكزات والمعالم لتجديد الحزب هي :
* كإطار عام، نتوخى في كل أوجه عمل الحزب الداخلي والجماهيري ، إعمال المنهج الماركسي بصورة خلاقة ومستنيرة ومنفتحة على خصوصيات الواقع السوداني وتراثه ، وكذلك على الفكر والتجارب العالمية والإقليمية. وعلى رأس ما يقتضيه هذا التوخي هو إفساح مجال واسع للعمل بين الجماهير بهدف انتزاع حقوقها وتحسين أحوالها المعيشية والخدمية ، فالجماهير التي تنتزع بعض حقوقها اقدر وأصلب في النضال من غيرها على ارتياد طريق التغيير الاجتماعي.
* إن يقوم التنظيم الحزبي على أسس الديمقراطية والمؤسسية والقيادة الجماعية والتداول في المواقع القيادية .
* أن تكون اللجنة المركزية للحزب ، قولاً وفعلاً ، نصاً في الدستور وممارسة ، هي القيادة الفكرية والسياسية والتنظيمية للحزب بين المؤتمرين، بما يعني انتظام عقد دوراتها والحيلولة دون تغول سكرتاريتها على صلاحياتها.
* سيادة مبدأ أن المسئولية الفردية لا تلغي القيادة الجماعية بل تؤكدها وتعززها . فالمسئولية الفردية ليست تفويضاً مطلقاً ،وإنما تستوجب الحضور الفاعل للعقل الجماعي لأعضاء الحزب في الهيئات الحزبية وإثبات حقهم المشروع في المشاركة بالتدخل المستمر للتقويم والتصحيح والانتقاد.
* انتهاج أسس واضحة وملزمة للتقييم الموضوعي للكادر والأعضاء في الهيئات القيادية والفروع ، بما يحول دون عودة الممارسات الستالينية في هذا الخصوص كالتقييم الفردي والانطباعي والاستلطافي .
* إحاطة بند تقصي الحقائق بضمانات كافية للحيلولة دون وقوع أية تجاوزات وإجحاف ، وهذا يقتضي إثبات حق العضو المعنى في حضور الاجتماع الذي يتم فيه تقصي الحقائق ، والاستماع لوجهة نظره وكفالة حقه في الدفاع عن نفسه، وأن ينص النظام الداخلي على كيفية استئناف أو مراجعة القرارات التي تتوصل لها لجان تقصي الحقائق.
* إعلاء شأن مبدأ النقد والنقد الذاتي بإفراد مادة قائمة بذاتها له في الدستور ، تلخص بنودها أهم تجارب الحزب في هذا المضمار . بما يساعد على تجاوز الحساسيات البرجوازية الزائفة حيال ممارسة النقد . كاللف والدوران حول الخطأ دون توضيحه وانتقاده وتحمل المسئولية ومن أجل الوصول لهذا الهدف لابد من أن تتضمن مبادئ تنظيم الحزب التالي:
- رفض النقد التبريري .
- اعتماد النقد الثوري الذي يحدد الخطأ بوضوح وينتقده ويحدد البديل الصحيح له .
إلزام قيادة الحزب ولجان المناطق والمكاتب المركزية بإعطاء اسبقيه لنشر حالات النقد الموجه لها من خارجها والنابعة من داخلها ، بما يساعد على تشجيع و تطوير النظرة الانتقادية في الحزب والتي لا يتطور عمل الحزب بدونها .
* مواصلة الجهد الفكري لتلخيص أهم معالم تجارب الحزب في مضمار إصلاح الخطأ في العمل الجماهيري وتحسين الخط الجماهيري للحزب.
* وكذلك مواصلة الجهد الفكري لتلخيص أهم الدروس التي وقفنا عليها في العمل مع المنظمات الديمقراطية وفق برامجها ونظمها . على رأس هذه الدروس المرونة وتعدد المنابر والأشكال ، والالتزام بالأسس الديمقراطية في سائر أوجه العمل. دون هذا تقعد هذه المنظمات عن الإيفاء بمتطلبات تكوينها كتحالفات نضالية توسع من دائرة نفوذ البرنامج الوطني الديمقراطي بين أقسام وقطاعات هامة من الشعب .
وعبر هذه الوجهة والمعالم والأسس ومبادئ التنظيم ، نمسك بحزم بالأسس الديمقراطية في الحياة الداخلية للحزب ، وفي تعامل الحزب مع حركة الجماهير وتنظيماتها ، ولتجديد الحزب ليواكب العصر .
• إن على رأس مهام اللجنة المركزية التي سينتخبها المؤتمر الخامس ، مواصلة الجهد الفكري والسياسي والتنظيمي لاجتثاث الموروث الستاليني من جذوره، ومحاربة التخلف والبدائية. دون ذلك يصبح تجديد الحزب كلاماً على ورق ، مهما كانت درجة وضوح وسلامة البرنامج والدستور وكل طروحات المؤتمر . فما ترسب بحكم العادة لعشرات السنين يحتاج علاجه ونفيه جدلياً لجهد قيادي متواصل عبر مدى زمني طويل .

العلاقة بين الكادر القديم والجديد
في إطار معالم التجديد هناك قضية ترتبط بالكادر لابد من التصدي لها ، وهي قضية العلاقة بين الكادر القديم والجديد وما نشا من خلافات في التفكير والممارسة بين بعض هذا الكادر .
والواقع أن هناك ثمة تغيرات هيكلية طرأت في التركيب العضوي للحزب بصفة خاصة خلال سنوات الانقاذ وفاقمت من هذه القضية . إن الاعتقالات والفصل للصالح العام والهجرة واسعة النطاق إلى خارج البلاد والتي شملت عدداً كبيراً من أعضاء الحزب وكوادره واندثار عدد كبير من فروع الحزب في مجالات العمل والسكن وتعثر عملية البناء الحزبي في ظروف العمل السري، قد لعبت الدور الأكبر والأساسي في حدوث هذه التغيرات الهيكلية . وفي المقابل أخذت توصيلات أعضاء الحزب من خريجي الجامعات في التواتر لما يتمتع به الوسط الطلابي من حرية نسبية حتى في ظل الشمولية والقهر والاستبداد في البلاد . ومعروف أن فروع الحزب بين الطلاب عانت من ضعف ، إن لم يكن غياب ، الحياة الحزبية المستقرة من زوايا الإطلاع على الوثائق الحزبية ومناقشتها وتدريب المرشحين الجدد للعضوية وما إلى ذلك، كما قاد تواتر الحراك والمعارك الطلابية لتركيز معظم النشاط عبر تنظيم الجبهة الديمقراطية بوصفها الأداة الأوسع لإدارة الصراع ، وهو ما درجنا على تسميته بذوبان فرع الحزب في تنظيم الجبهة الديمقراطية والذي يقود لا محالة لإضعافهما معاً.
ومن جهة أخرى هناك عدد كبير من أعضاء وعضوات وكوادر الحزب ارتبط بعمل المنظمات الطوعية المختلفة ، وسجل غياباً عن فروع الحزب. لقد أجبرتهم ظروف كثيرة معلومة لممارسة النشاط وإشباع التطلعات الثورية من خارج تنظيم الحزب .
وقد شهدت الأعوام الأخيرة استناداً إلى لائحة الحزب ، تصعيد عدد كبير من الكوادر الجديدة لعضوية اللجنة المركزية للحزب ، وكذلك لعضوية لجان المناطق والمدن والمكاتب ( على سبيل المثال تشير نتيجة فحص الكادر حالياً إلى أن 30% من قيادات المناطق – عدا العاصمة – من الكادر الجديد).
وطبيعي إننا لا نسعى بتاتاً للتقليل من قدرات الكادر الجديد. فلا يختلف اثنان ، في أن هذا الكادر قد صمد وصارع وقدم التضحيات ، ورفع راية الحزب عالياً ضد الشمولية والقهر وسلبيات ثورة التعليم العالي وسياسات التحرير الاقتصادي وإفرازاتها، كما ناضل من اجل استجلاب التضامن مع نضال شعب السودان في ظروف قاسية وصعبة، ولا يزال معظم هذا الكادر صامداً ويقدم التضحيات.
ولكن تبقي الحقيقة ماثلة وشاخصة ، وفحواها أن هذا الكادر تشكل وتخلق وتكون في ظروف ضعف العمل الحزبي بتقاليده وركائزه المعروفة ، اما تحت ظل ذوبان الفرع في الجبهة الديمقراطية في الجامعات داخل السودان وخارجه ، أو بين يدى العمل في المنظمات الطوعية ، أو بسبب الانقطاع فترة طويلة عن العمل الحزبي المنظم بأثر ضعف العمل في جبهة التوصيلات. واستناداً إلى ذلك فان التغيرات الهيكلية التي طرأت في التركيب العضوي للحزب وبالتالي في تركيب الكادر ، قد قادت بالفعل إلى بعض مظاهر الاهتزاز في أساسيات ومبادئ وتقاليد العمل الحزبي، وإلى إضعاف الترابط والتواصل بين الكادر القديم والجديد.
فما هو الحل المناسب لتجاوز مظاهر الاهتزاز وضعف التواصل والترابط ؟
كيف نزوِّد الكادر الجديد ونسلحه بأساسيات ومبادئ وتقاليد عمل الحزب وتجاربه ؟وأيضاً كيف ننعش ذاكرة ووعي الكادر القديم بها؟ وكيف نردم الفجوة الماثلة بين النوعين من الكادر بما يقود إلى التعايش الإيجابي بينهما لمصلحة تجديد الحزب وبنائه ؟ فعبر هذا التعايش تتم عملية نقل دم متبادلة بين النوعين من الكادر ويتم التفاعل والتواصل بينهما .
وكيف نستبين حقائق وسنن الحياة التي تؤشر بوضوح إلى أن قضية الكادر قضية ديناميكية بين ثناياها التقدم والتراجع ، الجديد والقديم ؟
إن الموضوع برمته يحتاج للمعالجة ، أي أنه يتطلب نقاشا واسعاً في الحزب ، فتشخيص الموضوع والوعي بإبعاده والإحاطة به من كافة جوانبه هو أقصر الطرق لعلاجه .
ولعل توسيع مواعين الحوار الداخلي في الحزب ، لتشمل كذلك اجتماعات الكادر الموسعة يشكل خطوة هامة جداً لإزالة الكثير من أوجه ضعف العلاقة والتواصل بين الكادر القديم والجديد ، خاصة وقد ساعدت فترة السرية الطويلة بعد 30 يونيو 1989 في ضعف الصلة المباشرة والمنتظمة بين النوعين من الكادر . وبالتالي أعاقت التعايش الطبيعي بينهما .
وكذلك يساعد في هذا المضمار ، المضي قدماً في توسيع العمل القيادي، وإصلاح مناهجه وأساليبه، والاهتمام يتدريب الكادر قديمه وجديدة .( حالياً: أكثر من 25%من كادر المناطق – عدا العاصمة – لم يتلق كورسات حزبية ).
وأيضاً هناك ضرورة ، على سبيل تحسين التركيب الاجتماعي للحزب قواعد وقيادات على ضوء طبيعته وأهدافه، للانتباه لقضية تركيز البناء الحزبي بين العمال وبخاصة الفنيين والعمال المهرة وفقراء المزارعين وطلائع كادحي المناطق المهمشة (26% فقط من قيادات المناطق _ عدا العاصمة – من العمال والفنيين والمزارعين). وقد قاد تجديد وانتخاب قيادات المناطق في المؤتمرات الحزبية خلال العامين الماضيين لبعض التغيير في هذه النسبة.
وأخيراً هناك ضرورة لوضوح الأسس والمعايير المناسبة لاختيار وتصعيد الكادر من بين النشطاء والمبادرين ، نعتقد أن على رأس هذه الأسس والمعايير ، الارتباط بفرع الحزب وقضاياه ، أي بحياة الحزب الداخلية في قاعدة الحزب ، وهي المؤشر الحقيقي لقدرات الحزب ، وكذلك القدرة على تلخيص التجربة وتحسين مناهج العمل وإعلاء شأن أسس ومبادئ لائحة الحزب وعلى رأسها الانضباط الحزبي والنقد و النقد الذاتي .
نطرح هذه القضية للمناقشة على سبيل التمهيد لحلها لمصلحة تطور عمل الحزب. إذ أن الجهات المعادية للحزب تسعي حثيثاً لاستثمارها في حربها ضد الحزب ، فقد أصبحت الموضة الرائجة في هذه الحرب حالياً هي الحديث عن انتهاء صلاحية ، أو العمر الافتراضي ، للقدامى جميعاً ، أنهم يهدفون في الواقع لتحطيم القلعة من الداخل ، وهذا هو الهدف الأثير والمفضل دائماً لدوائر الأمن والاستخبارات . وللوصول لهذا الهدف يجترون الحديث عن الديناصورات ، وغياب الديمقراطية والشرعية القيادية في الحزب . وعن جهاز الحزب اليميني الذي تراجع 180 درجة عن تراث الحزب الثوري واعتقل تطور الحزب . ويتم ابتذال مقولة التجديد في قيادة الحزب لتصبح مترادفة تماماً مع مقولة أن يرث الكادر الشيوعي الشاب بصورة فوضوية قيادة الحزب ، بل يجري الحديث هنا بصورة مجردة من أية أبعاد تاريخية، اكتنفت نشوء الحركة السودانية للتحرر الوطني والحركة السياسية السودانية الحديثة عموماً ، عن أن الشهيد عبد الخالق أصبح سكرتيراً للحزب وعمره 25عاماً فقط .
إن هذه الضغوط الناعمة والماكرة التي تنطلق زوراً وبهتاناً من الحدب على مصلحة الحزب، تصب مزيداً من الزيت على نيران الظواهر السلبية في العلاقة بين كادر الحزب.

تغيير تركيب المجتمع
أن من أبرز معالم التجديد التي يجب أن نوليها الاهتمام الكافي ، هي رفع قدرات الحزب على تحقيق ما يمكن تحقيقه من مطالب وشعارات واهداف لحركة الجماهير تحت مظلة الأوضاع القائمة اليوم ، وابتداع أشكال التنظيم المناسبة لهذا الغرض بما يدعم عمل تنظيمات الصراع الطبقي والسياسي والاجتماعي القائمة. ان هذا هو المحك والفيصل بين إطلاق الشعارات السياسية الثورية الكبيرة وبين القدرة على تغيير الواقع المادي في قاع المجتمع عبر النضال اليومي الصبور بين الجماهير . وهذا هو مادرج الأدب الثوري والتجارب الثورية على تسميته عن حق بخط تغيير تركيب المجتمع .
ومعروف أن هذا المصطلح وارد ضمن أفكار قرامشي ، وطرحه الشهيد عبد الخالق محجوب في كتيب " قضايا ما بعد المؤتمر الرابع " للحزب في 1967 . ولكنه لم يدخل عميقاً بين حياة الحزب ونشاطه الجماهيري.
ولعل ما طرحه المؤتمر الرابع لحزبنا حول دراسة الواقع ( الدليل) وصياغة الخط التنظيمي على ضوئه في كل منطقة ، يفتح الطريق لتطبيق خط تغيير تركيب المجتمع بصورة منهجية مثابرة . فدراسة التغيرات في قاع المجتمع هي الخطوة الضرورية واللازمة لفتح الطريق لتغييره للأفضل والأحسن .
وترفد طروحات المؤتمر الرابع أيضاً . الدراسات الهامة التي أنجزتها عدة فروع وتنظيمات للحزب في الفترة الأخيرة . وتقف في مقدمة هذه الدراسات:
* الدراسات التي قدمها المتحدثون المحليون في عدد من مدن العاصمة والأقاليم عن القضايا والمشاكل المحلية في كل مدينة ومنطقة والمقترحات لحلها ، وذلك خلال الندوات الجماهيرية التي ساهم فيها مركز الحزب .
* الدراسات التي قدمتها الفروع الحزبية عبر المؤتمرات والندوات ، وعالجت فيها قضايا برنامجية هامة كقضايا المهن الصحية وقضايا التعليم وغيرها.
* الدراسات التي أعدتها بعض المناطق الزراعية حول استكمال برامج الإصلاح الزراعي فيها .

القطاع التقليدي يشقيه النباتي والحيواني
وعلى هذا المنوال تبرز أيضاً أمام فروع الحزب في القطاع التقليدي ، مهام الوصول مع طلائعه لصياغة برامج محلية للإصلاح السياسي والإداري والخدمي في مناطق هذا القطاع، على ضوء البرنامج العام للحزب . ففي هذا القطاع ، وكذلك في امتداداته في حزامات الكرتون والفقر والسكن العشوائي حول العاصمة والمدن الكبرى والتي تربطها آلاف الخيوط مع مناطقها، تكتسب قضية بناء الحزب أهمية خاصة في مسار توسيع النشاط السياسي الجماهيري.
إن تفاقم المسالة القومية في السودان يرتبط أوثق ارتباط بواقع التخلف والتهميش المزمن للقطاع التقليدي ، فالمسالة القومية في قاعها العميق وفي جوهرها اقتصادية/ اجتماعية / سياسية ، وقد أصبح لها اليوم شأن كبير في مجريات السياسة السودانية بفضل ما قد حدث من نهوض اجتماعي وسياسي بآثار تفاقم الأزمة الوطنية العامة في البلاد في ظل حكم الانقاذ.
وترتفع الضرورة البالغة اليوم ، لمستقبل تطور العمل الثوري في السودان . لأن تبتدع تنظيمات وفروع الحزب . الأساليب و الأشكال المناسبة للنفاذ إلى جماهير هذا القطاع بصورة مثابرة. وتمتد هذه الضرورة لتنظيمات الحزب في العاصمة وكل المدن الكبرى في البلاد للعمل بين النازحين من هذه المناطق ، والذين يتصدون ، وكذلك تتصدى روابط طلابهم في الجامعات ، لإثارة وطرح قضايا مناطقهم .
ولدى الحزب حصيلة وافرة من التجارب في هذا المضمار ،فقد انتبه الحزب منذ وقت باكر إلى هذه القضية ، وقاد نضالاً متواصلاً ضد الأفكار والممارسات التي استهدفت حبس الحزب ونشاطه في المدن بين الجماهير الحديثة. وأسهم الحزب مع جماهير شعبنا في شرق السودان في تأسيس مؤتمر البجا منتصف خمسينات القرن الماضي . وفي غرب السودان خاصة بعد ثورة أكتوبر 1964، نظمت الجماهير الروابط والاتحادات الإقليمية التي كانت لحزبنا لقاءات مثمرة مع العديد من قياداتها . وكذلك كانت للحزب اتصالاته وعلاقاته مع تنظيم قوى الريف بعد انتفاضة ابريل/1985 .وفي جنوب الوطن قام تنظيم حزب الجنوب الديمقراطي ، وتأسست بدور رائد اضطلع به حزبنا ، تنظيمات الشباب والسلام إلى جانب نقابات العمال .
ورغم أن حركة الأقليات القومية المهشمة ، بحكم مطالبها العادلة والمشروعة في الديمقراطية واللامركزية والتنمية ، حركة ديمقراطية ترفد المسار العام لحركة الثورة والتغيير الاجتماعي في السودان ، الإ أن قضية العمل في القطاع التقليدي ، وامتداداته في المدن ، ظلت حبيسة التلقائية وظروف المد والجذر في العمل السياسي . لذلك هناك ضرورة ماسة اليوم ، لدراسة التجربة وما حدث من متغيرات ومستجدات وعلى رأسها الهجرة والنزوح الواسع نحو المدن ، وما أحدثه من تأثير واضح على التركيب السكاني والمؤسسات الاجتماعية والنقابية وأجهزة الدولة المختلفة مدنية وعسكرية. كذلك هناك ضرورة لتنويع أشكال واساليب العمل في كل منطقة، استناداً إلى واقعها وخصائصها الاقتصادية والاجتماعية ، وكما توصل المؤتمر الرابع، فأن لأبناء هذا القطاع من المعلمين والطلاب والجيوب المتناثرة من عمال الخدمات ، دوراً رائداً في عملية بناء الحزب والحركة الديمقراطية فيه . وبأثر اكتشاف واستخراج وتكرير البترول في بعض مناطق هذا القطاع فقد رفدت صفوف هذه الطلائع أيضاً العمالة في هذه الصناعة الجديدة.
ومن نافلة القول أن الفرز الاجتماعي داخل هذا القطاع وخاصة خلال فترة حكم الإنقاذ يستوجب التركيز في البناء والعمل الجماهيري ، لا علي أبناء المنطقة المعنية بصورة مطلقة ومجّردة ، وإنما على كادحيها بصفة خاصة .

المناطق الزراعية المروية
وفي المناطق الزراعية المروية قام إلى جانب اتحاد المزارعين ، تنظيم وحدة المزارعين في منطقة الجزيرة والمناقل . ثم تحول بعد عام 1970 إلى تنظيم المزارعين الديمقراطيين . وحالياً يقود معارك المزارعين في هذا المشروع من أجل مطالبهم العادلة . تنظيم تحالف المزارعين ، وهو تحالف قاعدي واسع يناضل من أجل قانون ديمقراطي لانتخابات اتحاد المزارعين يكفل استرداد الاتحاد من قبضة الموالين للإنقاذ ، ومن أجل إلغاء قانون خصخصة المشروع لعام 2005 الذي رفعت السلطة بموجبه يدها عن تمويل العمليات الزراعية وعن نظام الشراكة في علاقات الإنتاج وغير ذلك من مطالب التحول الديمقراطي والإصلاح الزراعي .
وفي المناطق الزراعية الأخرى ، في النيلين الأبيض والأزرق وغيرها ، قامت تجمعات المزارعين بهذه الدرجة أو تلك من النجاح لتوحيد المزارعين في معارك انتزاع اتحاداتهم من قبضة السلطة وعملائها وللمطالبة بإصلاح زراعي يكفل علاقات إنتاجية عادلة لمصلحة جماهير المزارعين .
وعموماً تتأكد اليوم أكثر من ما مضى ، للدفاع عن علاقات إنتاج الشراكة والقطاع العام ، في كل المناطق الزراعية المروية ، ضرورات التحالف في إطار اتحادات المزارعين بين كل فئات المزارعين : اغنياء ومتوسطين وفقراء . مثل هذه التحالفات العريضة تقف كأشكال قاعدية هامة للحلف الوطني الديمقراطي. وبطبيعة الحال يركز الحزب الشيوعي السوداني عمله البنائي داخل هذه التحالفات بين فقراء المزارعين والعمال الزراعيين .
وفي شمال السودان ، كانت حركة تأسيس اتحادات المزارعين والجمعيات التعاونية و نفير الحصاد ، من الأشكال التي توسلت بها جماهير المزارعين لتحسين أحوالهم المعيشية.
وفي منطقة حلفا الجديدة كان للحزب دوره في إحياء وتأسيس العمل التعاوني .
إن ما يواجهنا اليوم في هذه المناطق الزراعية هو استكمال دراسة المستجدات والمتغيرات ، وتطوير برامج الإصلاح الزراعي ، ووضع الهيكل والخط التنظيمي والخرائط الاجتماعية للمزارعين ، لمواصلة عمليات البناء على أسس علمية راسخة ، فالثورة الوطنية الديمقراطية هي في نهاية الأمر ثورة التقدم والإصلاح الزراعي .

المؤتمر الرابع ووجهة الإصلاح والتجديد
لعله من المناسب ، في ختام طرحنا لمعالم التجديد ، أن نورد جوهر طروحات المؤتمر الرابع (الماركسية وقضايا الثورة السودانية ) لمعالجة النواقص في عمل الحزب الشيوعي. وتوفير الشروط اللازمة لالتحام الحزب بالحركة الجماهيرية ورفع قدراتها . فلهذا الجوهر ووجهته ، راهنيته التي تواكب وضع الحزب ومهامه حالياً . ويتلخص هذا الجوهر في : ( انظر الماركسية وقضايا الثورة السودانية ص 163- 183)
* وحدة الحزب على المستوى الأيدولوجي وليس على أساس البرنامج السياسي وحسب ، بوصف هذا شرطاً لرفع قدرات الحزب على طرح قضايا الثورة الاجتماعية .
* تدريب الكادر لكي يعبر مبدا القيادة الجماعية حقيقة عن توسيع العمل القيادي والمشاركة في رسم سياسة الحزب وطروحاته ، لا عن مستوى التفاوت بين قدرات الكادر .
* ابتداع الأشكال الملائمة لتنمية قدرات الحزب بين المثقفين الشيوعيين ، وتحديد العلاقات داخل الحزب بحيث يجد كادر المثقفين إمكانيات واسعة للعمل والإنتاج .
* هزيمة الاتجاهات اليسارية المتطرفة والمنعزلة التي تحصر كل حبال اتصال الحزب بالجماهير في العمل السياسي المباشر وحده.
* تنقية حياة الحزب الداخلية بسيادة مبادئ التنظيم اللائحية وعلى رأسها مبدأ النقد والنقد الذاتي، والنضال بحزم ضد المحاولات الرامية لبسط منهج البرجوازية الصغيرة في التفكير وفي العمل الحزبي والذي يخّرب حياة الحزب ويضعف من قدراته . وهذا النضال هام جداً في ظروف بلادنا التي تشكل فيها فئات البرجوازية الصغيرة معظم السكان.
* اعتماد البناء على أساس العلم والتخطيط بدراسة الواقع المحدد والملموس ، وصياغة الخط التنظيمي الملائم على ضوئه . وأدراك أن الحزب الشيوعي لا ينمو في جو عقيم ، بل في جو تنتشر فيه التنظيمات المتنوعة التي تعبر عن الاهتمامات الاجتماعية والثقافية بين الجماهير . فالحزب الشيوعي ، لكي يصبح حزباً جماهيرياً ، لابد أن يحتك بكل الآفاق وان يحس الشعب بوجوده في كافة المستويات .
وقد صاغ المؤتمر الرابع هذه الوجهة على النحو التالي (ص172-173)....
نستطيع اليوم أن نقول أن حزبنا . وبعد مجهود سنوات من تقليب الفكر والتجارب ودراسة ظروف بلادنا ، اكتشف فعلاً لا قولاً، القوانين الأساسية التي تتحكم في تطوره إلى قوة جماهيرية كبيرة . وهذه القوانين هي:
1- يتحول الحزب الشيوعي إلى قوة جماهيرية خلال عملية تشمل التطبيق الخلاق المستقل للماركسية في تنمية خطوطه السياسية والجماهيرية وفي اكتشاف الأشكال الملائمة لتنظيم .
2- لا ينمو الحزب الشيوعي السوداني إلى قوة جماهيرية بشكل تنظيمي واحد، بل تختلف هذه الأشكال من مديرية لأخرى نسبة للتطور غير المتوازن في البلاد.
3- لهذا فأن وجود خط تنظيمي واحد ( شكل تنظيمي ) لبناء الحزب خطأ. ولا يتفق مع تجاربنا وظروف بلادنا، يصبح إذن على حزبنا أن ينهض في حركة إصلاح واسعة لحياته الداخلية بحيث يبنى نشاطه على دراسات تفصيلية وملموسة لكل الأقاليم السودانية : تركيبها الاجتماعي والطبقي واقتصادياتها..الخ حتى يعمل الحزب بتنظيماته المختلفة وفق مرشد يحميه من تبديد الجهود ، ويستغل استغلالاً كاملاً طاقات كادرنا وتنظيماتنا بأقصى مستوى من الكفاءة والانجاز.
4- تحويل الحزب الشيوعي السوداني إلى قوة جماهيرية مؤثرة يتطلب عملية مستمرة وخلاقة لبناء التنظيمات الحديثة المختلفة بين الجماهير وتعريف الجماهير بتلك التنظيمات وارتباطها بها.
* التصدي للتضليل باسم الدين كسلاح فكري ضد نمو الحركة الثورية و حتمية تأسيس حركة فكرية / سياسية من أجل وضع المقاصد الكلية للدين رافداً لقضايا التقدم والتغيير الاجتماعي لا حرباً عليها .
* كشف ومواجهة أساليب العنف البدني والقانوني .
وعموماً بالامكان القول إن المؤتمر الرابع طرح أفكار الخط التنظيمي ودراسة الواقع والبناء على أساس العلم والتخطيط والعمل الاصلاحي في قاع المجتمع وتحسين وترقية الخط الجماهيري للحزب .
كما أفرد المؤتمر حيزاً مناسباً لمعالجة قضايا حلقة المتفرغين للعمل الحزبي ، والتي لا يستقيم عمل الحزب دونها ولن يتقدم في كل الظروف ، وبصفة خاصة في ظروف العمل السري . وذلك من زوايا الاختيار والتخصص والتدريب وغيرها . ولا تزال الضرورة قائمة لاستكمال وتطوير هذه السياسات على ضوء التجربة المتراكمة في كل جوانبها الفكرية والعملية ، والهدف هو الوصول إلى مناهج ملزمة لتذليل كافة الصعوبات أمام تجديد وتوسيع حلقة المتفرغين ، وتقييم أداء المتفرغين في الهيئات الحزبية التي يعملون معها في فترات دورية ، والاهتمام بأحوالهم المعيشية .وقد أعاقت مجمل ظروف معاكسة تطبيق توجهات المؤتمر الرابع. يرد ضمن هذه الظروف العمل السري طويل الأمد وسعي القوى الطبقية المعادية لتصفية الحزب بمختلف الأشكال.

ج) الشعار المناسب للبناء الحزبي
درج الحزب في مؤتمراته التي عقدها وصولاً لحل التناقض بين نفوذه السياسي الواسع وضمور عضويته ، على طرح شعار مناسب لبناء الحزب وتوسيع عضويته ، ذلك إن توسيع العضوية شرط ضروري لتوسيع العمل الثوري وشق الطريق للتغيير الاجتماعي الوطني الديمقراطي في السودان . إن جماهيرية الحزب تتوقف على مدى قدرته في الوصول إلى قراءة صحيحة للواقع السوداني ومتغيراته ومستجداته التي يؤسس الحزب على ضوئها برنامجه ودستوره ويرسم على أساسها سياساته وخطوطه . في المؤتمر الثالث للحزب ( فبراير 1956) طرح الحزب كشعار للبناء :- " اجعلوا من الحزب الشيوعي قوة اجتماعية كبرى".
وفي المؤتمر الرابع ( أكتوبر 1967).. إلى جانب تحويل الحزب إلى قوة جماهيرية ، تضمن الشعار للبناء بعض التحديد والتفصيل ...الحزب الشيوعي لكي يصبح حزباً جماهيرياً لابد ان يحتك بكل الأفاق وأن يحس الشعب بوجوده في كافة المستويات ( الماركسية وقضايا الثورة السودانية ص 172).
واستناداً إلى ذلك ، وبصفة خاصة إلى أفكار الخط التنظيمي والبناء على أسس علمية ، وإلى شعار المؤتمر الرابع للبناء، نطرح بصورة أكثر تحديداً كشعار للمؤتمر الخامس :.." أن يكون الحزب متواجداً في كل المواقع المفصلية والمفتاحية على المستوى الوطني ، وأن تشكل خطوطه وطروحاته في كل آفاق الحياة تياراً متقدماً في الصراع السياسي والاجتماعي الدائر في البلاد "

خاتمة ضرورية
إن الحزب الشيوعي السوداني يتصدي لتجديد نفسه اعتماداً على عضويته وعلى الديمقراطيين وأصدقائه من أبناء وبنات شعبنا الطيب الأصيل ، المفعمين تضحية ونكران ذات، في سبيل تحرير الإنسان السوداني من الاستغلال والاستلاب والاغتراب والتهميش . وعلى شرف انعقاد المؤتمر الخامس للحزب نحنى هامتنا إجلالاً وإكباراً وتقديراً لكل الذين قدموا التضحيات ليظل الحزب موجوداً وفاعلاً في الساحة السياسية والاجتماعية السودانية ومتمسكاً باستقلاله .
نرسل التحايا لأبطال تجميع الحزب وإيواء كادره المختفي بعد ردة يوليو 1971 من الشيوعيين والديمقراطيين وأصدقاء الحزب . وللذين صمدوا واستشهدوا في التعذيب بعد انقلاب 30 يونيو 1989 الذي هدف لتصفية الحزب واقتلاعه من جذوره .
ونرسل النداء الصادق إلى كل زميل وزميلة داخل السودان وخارجه ، أُبعد من الحزب ظلماً أو همش إهمالاً، أن يرفع ظلامته ليستعيد موقعه في الحزب .
ونحث كافة تنظيمات الحزب وفروعه للسعي لدعوة كل الذين ابتعدوا عن الحزب قي الفترة الماضية ، ولم يتخذوا مواقف عدائية ضد الحزب والشعب ، لاستعادة عضويتهم .



#الحزب_الشيوعي_السوداني (هاشتاغ)       Sudanese_Communist_Party#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- برنامج ودستور الحزب الشيوعي السوداني المجازين في المؤتمر الخ ...
- الرقابة علي صحيفة الميدان
- قضايا البناء والتنظيم
- حوار حول قضايا التنمية
- مشروع برنامج الحزب الشيوعي السوداني المقدم للمؤتمر الخامس
- بيان من سكرتارية اللجنة المركزية للحزب الشيوعي السوداني حول ...
- حوار مع مع السكرتير العام للحزب الشيوعي السوداني
- رأي الحزب الشيوعي السوداني في العقوبات الأمريكية
- الإضرابات المرتبطة بلقمة العيش
- الديمقراطية واستعادة الحريات
- لنوحد الصفوف من أجل التحول الديمقراطي الحقيقي
- محمد إبراهيم نقد..الإقرار بفشل نمط الحزب الواحد أبرز الدروس ...
- الصومال: أمة يأكلها بنوها
- الانتخابات قادمة فهل انتم مستعدون؟ حوار مع الاستاذ محمد ابرا ...
- رأي الحزب الشيوعي في زيادات الأسعار
- قانون الاحزاب
- زعيم الحزب الشيوعي السوداني: الحكومة أضاعت فرصة مبكرة لمعالج ...
- مسألة الدين والدولة: دراسة فى اطار التحضير للمؤتمر الخامس ال ...
- الحزب الشيوعي وقضية الديمقراطية (حول البرنامج) دراسة فى اطار ...
- المؤتمر الخامس 2 نشرة غير دورية تعنى بأخبار سير التحضير للمؤ ...


المزيد.....




- نيويورك.. الناجون من حصار لينينغراد يدينون توجه واشنطن لإحيا ...
- محتجون في كينيا يدعون لاتخاذ إجراءات بشأن تغير المناخ
- التنظيمات الليبراليةَّ على ضوء موقفها من تعديل مدونة الأسرة ...
- غايات الدولة في تعديل مدونة الاسرة بالمغرب
- الرفيق حنا غريب الأمين العام للحزب الشيوعي اللبناني في حوار ...
- يونس سراج ضيف برنامج “شباب في الواجهة” – حلقة 16 أبريل 2024 ...
- مسيرة وطنية للمتصرفين، صباح السبت 20 أبريل 2024 انطلاقا من ب ...
- فاتح ماي 2024 تحت شعار: “تحصين المكتسبات والحقوق والتصدي للم ...
- بلاغ الجبهة المغربية لدعم فلسطين ومناهضة التطبيع إثر اجتماع ...
- صدور أسبوعية المناضل-ة عدد 18 أبريل 2024


المزيد.....

- مساهمة في تقييم التجربة الاشتراكية السوفياتية (حوصلة كتاب صا ... / جيلاني الهمامي
- كراسات شيوعية:الفاشية منذ النشأة إلى تأسيس النظام (الذراع ال ... / عبدالرؤوف بطيخ
- lمواجهة الشيوعيّين الحقيقيّين عالميّا الإنقلاب التحريفي و إع ... / شادي الشماوي
- حول الجوهري والثانوي في دراسة الدين / مالك ابوعليا
- بيان الأممية الشيوعية الثورية / التيار الماركسي الأممي
- بمناسبة الذكرى المئوية لوفاة ف. آي. لينين (النص كاملا) / مرتضى العبيدي
- من خيمة النزوح ، حديث حول مفهوم الأخلاق وتطوره الفلسفي والتا ... / غازي الصوراني
- لينين، الشيوعية وتحرر النساء / ماري فريدريكسن
- تحديد اضطهادي: النيوليبرالية ومطالب الضحية / تشي-تشي شي
- مقالات بوب أفاكيان 2022 – الجزء الأوّل من كتاب : مقالات بوب ... / شادي الشماوي


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - الحزب الشيوعي السوداني - التقرير السياسي العام المجاز من المؤتمر الخامس للحزب الشيوعي السوداني يناير 2009م