أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ملف: الانتخابات والدولة المدنية والديمقراطية في العراق - بسام البغدادي - لا يوجد شئ اسمه ثمن الحرية















المزيد.....

لا يوجد شئ اسمه ثمن الحرية


بسام البغدادي

الحوار المتمدن-العدد: 2618 - 2009 / 4 / 16 - 02:12
المحور: ملف: الانتخابات والدولة المدنية والديمقراطية في العراق
    


مرت علينا قبل ايام الذكرى السادسة لسقوط نظام البعث في العراق بقيادة المدعو صدام حسين. البعض منا يراه تحريراً قياساً لما سبق يوم التاسع من نيسان من خبرات و تجارب و ذل على يد رجال البعث و نظام صدام حسين, و البعض يصفه سقوطاً بناء على ماجرى بعد التاسع من نيسان من تدهور في الامن وتشتت و طائفية و عنصرية مقيتة و حقد عميق بين جميع مكونات الشعب العراقي.

فما هو موقعك؟ هل التاسع من نيسان هو يوم السقوط؟ ام يوم التحرير؟

الشعب العراقي هو خليط من القوميات و التوجهات الفكرية و الدينية و السياسية وكل هذه التوجهات تم ضغطها في عنق زجاجة ضيقة أبتداء من سقوط العراق بيد الخلافة الاسلامية حتى اليوم, في كل مرة يتم ضغط هذه المكونات كلها في عنق زجاجة ذات لون واحد و رائحة واحدة و محتوى واحد, وكل من حاول الخروج من عنق هذه الزجاجة فهو خائن و صهيوني و كافر و و و و و.

بعد يوم التاسع من نيسان قامت أمريكا بكسر هذه الزجاجة ليجد الشعب العراقي نفسه فجأة في الهواء الطلق ولا يمتلك من الزجاجة الا الاثر الذي انطبع في افكارنا, فحاول كل منهم صنع زجاجته بنفسه و حشر الباقيين معه وكل من لم يدخل في قالب الزجاجة هذه اصبح كافراً و خائنا وصهيونيا و و و و , ولان قتل من خارج الزجاجة عمل مشروع طبقاً لعرف الزجاجة الذي عشنا به خلال 1400 سنة فان انتشار سلسلة القتل و الاجرام و التكفير اصبح ايضاً عملا مشروعا

صدام حسين كان بالنسبة لي و للملايين غيري عنصر من عناصر الطبيعة, مثل الشمس و القمر و الماء و المطر, شي لا يختفي ولا يزول, في يوم التاسع من نيسان, اتذكر هذا اليوم بوضوح لانني كنت قد جلست طوال الليل لليوم العاشر على التوالي امام شاشة التلفزيون أتابع الاحداث, كنت امتلك رؤية واضحة للاحداث كما تصورت , نعم بغداد ستسقط لكن الجيش العراقي سينتصر, نعم العراق سيسقط لكن صدام برأسه الجهنمي سيخطط خطة مضادة و يقلب موازين الامور, نعم الوطن سيستباح لاخر قرية وشارع غير مبلط فيه ولكن القاعدة و من والاها ستنقذنا من شبح الولايات المتحدة الكريه التي جائت لتسرق نفط العراق.

هل كنت بشكل ما قاعدياً؟ نعم اتصور هذا, فقط لانني فكرت بكل الطرق و الوسائل للخروج من المأزق لكنني نسيت ان صدام و ازلامه مثلنا بشر, يقتلون و يموتون و يخافون ويجوعون. كما قلت, كنت اتصور بان العراق سيسقط, وبغداد ستسقط ولكن صدام لن يسقط, كيف له ان يسقط وهو شي طبيعي وجوده اشبه بوجود الله او الارض؟ لهذا فان الحل الوحيد الذي كنت أراه هو اندحار قوات التحالف امام عبثية الموت البعثي و القاعدي, وهذا بالطبع سيكون انتصاراً للبعث و القاعدة. كما ترون فان جميع الاحتمالات كانت واردة الا سقوط او هروب صدام, لا اعرف لماذا, صراحة لا اعرف لماذا؟

نحن جيل السبعينات نشأنا على صوت وصورة و اقوال القائد الضرورة, في الامتحانات كان سوآل الانشاء يتناول مقولة فذة للقائد الضرورة حفظه الله, وفي الواجبات اليومية كان لدينا تحفيظ لمقولات القائد الضرورة, وفي درس الفنية كنا نرسم صور من المعركة, وفي الصباح يجب ان نردد عدد الضحايا ليلة امس في الاخبار. فهل يستطيع فعلا جيل السبعينات ومن اتى بعده التحرر من عقدة صدام الاسطورة؟ نعم انني ارى انني وفي صباح يوم التاسع من نيسان عندما قرأت خبر السقوط, ورؤية تمثال الصنم يسقط, تغيرت موازيني تماماً كما لو أن احدهم قام بتلقيني قوانين فيزياء جديدة لكيفية حركة الكون و دوران الارض حول الشمس. كل شي كان جديداً لدرجة انني لا استطيع ان اتخيل حتى هذا اليوم بأنني استطيع ان امشي في شوارع بغداد دون ان اشعر بهذه الغمة الضاغطة القابضة على قلوب البشر و الظاهرة في عيونهم.

فهل كان يوم التاسع من نيسان يوم تحرير؟ نعم هو يوم تحرير بكل معاني الكلمة ونظرة بسيطة للحركة الفكرية العراقية خلال ست سنين تشهد عن مدى التقدم الذي لولا يوم التاسع من نيسان لكنا حتى هذا اليوم نخشى الحديث في الهاتف عن توافه الامور مع اهلنا في العراق خوفاً من اشباح حاشية صدام.

ما تبعه من حالة تشرذم وضياع للحقوق و قتل عبثي هو حالة رد فعل طبيعية لمجتمع متعدد الالوان عاش خلال تأريخه كله و خصوصاً الـ 1400 سنة الاخير تحت ضغوط الارهاب الفكري و العسكري التي حاولت كبت جماح الفكر و الباس هذا الشعب ثوب واحد ودين واحد و قومية واحدة ولغة واحدة و حشرنا في زجاجة الوطن الواحد, كل هذه العوامل و رغم طول المدة الزمنية اثبتت فشلها, وهذا الفشل الذريع ادى بنا الى حالة من انعدام او ضياع للهوية الانسانية بين عدة هويات مكتسبة معلبة تارة بقوانين الهية و تارة بقوانين وطنية زائفة تدعو للقضاء على الاخر. فالسقوط ماكان يوم التاسع من نيسان, بل قبل هذا بكثير, ولكننا لم نره الا بعد تحررنا و استطعنا ان نرى بفضل حرية الرأي و التعبير حجم وبشاعة و انحطاط الكارثة الحقيقية التي تراكمت على شعوب بلاد الرافدين خلال تلك القرون الطويلة الماضية.

كي لا ندخل في حلقة من الاحلام البرجوازية لخيرات التحرير و كي لا نخلق جهنم اكبر مما هي عليه على ارض الواقع في بغداد السقوط. يجب ان نفهم جميعاً بانه لا يوجد شي اسمه ثمن للحرية, الحرية لا تشترى, الحرية ثقافة و الديمقراطية نمط حياة, ولو سألنا اي شخص من الاشخاص الذين دفعوا حياتهم او حياة اعز الناس عليهم ثمناً لهذه الحرية المزعومة لانهالوا علينا بالـ...... لان لا احد يدفع حياته ثمناً كي يحيا غيره, تذكروني بقصيدة لاحمد مطر

نموت كي يحيا الوطن
يحيا لمن ؟
لابن زنى
يهتكه .. ثم يقاضيه الثمن ؟!
لمن؟
لإثنين وعشرين وباء مزمناً
لمن؟
...
تف على هذا الوطن!
وألف تف مرة أخرى!
على هذا الوطن

هذا الذي يحدث في العراق الان وبعيد ان ادلجة و فسلجة و احلمه و زردشة و ووو هو النتيجة الطبيعية للأرث الثقافي المتراكم في هذا الشعب على مدى اجيال طويلة, ماهي الثقافة, هي كل التعاليم و الافكار و القيم التي تملكها مجموعة معينة من الناس و تحاول الحفاظ عليها بشكل من الاشكال. اسمحولي ان اسميها انها ثقافة القطيع و الذي لا يمشي مع القطيع يرسل لاقرب مذبحة, هذه هي الثقافة التي تسمح للاب بقتل ابنته بحجة الشرف, و الاخ بأجبار امه على لبس الحجاب او الحياة بشكل ما وفقاً لتعاليم خرافية من جهة لا احد يعرفها حقيقة, هذه الثقافة التي لا تحترم كيانك الانساني كأنسان بعيداً عن القطيع لا يمكن ان تنتهي الا في مقصلة التأريخ و مزابله, انه ومع الاسف الشديد قانون الحياة الطبيعي من لا يستطيع ان يحيا و ينظر للامام في عالم يسير الى الامام يسقط في اقرب هاوية على الطريق و تتكسر جميع اضلاعه و مفاصله ورقبته و جمجمته.

سكوتنا على هذه الثقافة , سكوت الشعب العراقي على هذه الثقافة خلال هذه الفترات السحيقة و الطويلة هو السبب وراء هذه المأساة التي نعيشها اليوم, ولا داعي ان نتبجح بأننا ابناء الحضارة و التأريخ و الثقافة و الفن و ان الذي حدث في العراق مرشح ليحدث في اي دولة اخرى متطورة فقط اذا خفت مفاصل الدولة, فالذي حدث في العراق لن يحدث في اي دولة متطورة اخرى ولو قام مليون اعصار و لو اختفت كل مفاصل الدولة من جيش وشرطة فلن يقوم الجيران بذبح جاره او طرده من مدينته. هذه الثقافة ليست دخيلة علينا, لا ابداً, أنها ثقافتنا و نحن ادرى بها.

تربينا وفي شارعنا كانت توجد عدة اديان و طوائف لحسن الحظ او سؤه, المسلم كان شرذمة بعين المسيحي, و المسيحي كان نجس بعين المسلم, الصابئي كان انسان نجس طبعا بعين المسلم و غبي بعين المسيحي, السني كان يكره الشيعي و الشيعي كان يتحين الفرصة للاستهانة بالسني, و الاثنين كانوا أغبى من الاخر بالنسبة للمسيحي و الصابئي.هل تفهمون اصل الكارثة الثقافية التي كنا نعيش بها وكنا نعتبرها بانها شي طبيعي و سنة من سنن الحياة.

فهل من الغرابة ان يموت مليون عراقي خلال ست سنوات؟ نعم من الغرابة فعلا مع كل هذا الحقد و الكره الذي تربينا عليه خلال عقود طويلة, العدد الصحيح كان يجب ان يكون اكثر من هذا بكثير, ولكن؟؟ ما الذي منعنا من مذبحة عامة و شاملة كما حصل في رواندا؟ من الذي منع هذه المذبحة؟ سوآل يجب ان يجيب عليه كل عراقي و أتمنى ان نكون صريحين مع نفسنا ولو مرة واحدة كي نستطيع ان ندخل التأريخ مرة اخرى بعد ان عشنا خارجه لمئات السنين اليوم.


ارجو ان نبتعد عن محاولة الباس الواقع ملابس وردية او سوداء, هناك الوان اخرى تليق بالواقع وقبل ان نرى الواقع كما هو لن نستطيع معالجته.

تحية وسلام



#بسام_البغدادي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- وطني كوكب الارض, وديني سعادة الانسان
- هل أنت مخلوق لا يتطور ام على قمة سلم التطور؟
- هل نستطيع أخذ نظرية الخلق على محمل الجد فعلا؟
- هل نستطيع أخذ نظرية الخلق على محمل الجد؟
- الشعرة التي ستقصم ظهر نظرية التطور
- الرجل الذي أخرج الانسان من كهوف الاديان , الجزء الثاني
- حياة الرجل الذي أعاد رسم خارطة الحياة
- دارون الرجل الذي أخرج الانسان من كهوف الاديان
- هل كان المسيح ابن الله فعلاً ام كان أبن...؟
- هل حان الوقت لمحاكمة نزار قباني؟
- انجازات عام سعيد اسمه 2008
- مؤتمر صحفي مع الله ومحمد و المسيح
- هل سيغير الفيسبوك شكل الخريطة السياسية في العراق؟
- هل تؤمن بالله؟ مفارقات الايمان الاعمى
- مقارنة بين عشتار اله الحياة و الله اله الموت
- عشرة أسئلة لكل من يدعي انه مؤمن ب الله
- القتل بأسم الشعوب
- أثنان وعشرون سوآلا لاتحتمل التأجيل
- المسؤول رقم واحد
- كتابة السيناريو الاحترافي -الجزء الاول


المزيد.....




- كاميرا مراقبة ترصد لحظة اختناق طفل.. شاهد رد فعل موظفة مطعم ...
- أردوغان وهنية يلتقيان في تركيا السبت.. والأول يُعلق: ما سنتح ...
- صحة غزة تعلن حصيلة جديدة لضحايا القصف الإسرائيلي
- الدفاع الروسية تكشف خسائر أوكرانيا خلال آخر أسبوع للعملية ال ...
- بعد أن قالت إن إسرائيل ترتكب إبادة جماعية في غزة.. أستاذة جا ...
- واشنطن تؤكد: لا دولة فلسطينية إلا بمفاوضات مباشرة مع إسرائيل ...
- بينس: لن أؤيد ترامب وبالتأكيد لن أصوت لبايدن (فيديو)
- أهالي رفح والنازحون إليها: نناشد العالم حماية المدنيين في أك ...
- جامعة كولومبيا تفصل ابنة النائبة الأمريكية إلهان عمر
- مجموعة السبع تستنكر -العدد غير المقبول من المدنيين- الذين قت ...


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - ملف: الانتخابات والدولة المدنية والديمقراطية في العراق - بسام البغدادي - لا يوجد شئ اسمه ثمن الحرية