سعدي يوسف
الحوار المتمدن-العدد: 2592 - 2009 / 3 / 21 - 07:35
المحور:
الادب والفن
الشِّعرُ خُبزي اليوميّ
" لمناسبة يوم الشِّعر العالميّ"
سعدي يوسف
لي أكثرُ من نصفِ قرنٍ مع هذا الرفيقِ الذي لم يخذلْني يوماً ، وإنْ خذلتُهُ كثيراً ، في محاولتي التعرُّفَ عليه أكثرَ ، ومعرفةَ خِصالِهِ وطِباعِهِ ، وأدبَ مرافقَتِهِ ومُجالسَتِهِ .
والحقَّ أقولُ إنني أبذلُ ما أستطيعُ بَذلَه ،وأستمتِعُ بما أبذلُ .رِحلتي دائمةٌ ، وهو ، أعني الشِّعرَ ، قريبٌ ، ناءٍ .واضحٌ ، غامضٌ .كأنّ الحياةَ بأسْرِها ســاحةٌ للشِعرِ وملعبٌ . وكأنني مُكَلَّفٌ بأن أذرعَ هذه الساحةَ في محاولةِ بلوغِ الفنّ ، بلوغِ
الشِعر.
هل الشعرُ قراءةٌ للحياةِ فقط ؟
أعتقدُ أن الأمرَ أوسعُ وأعمقُ .
للبشــرِ ، طرائقُ عِدّةٌ في قراءة حياتهم ، طرائقُ بينَها العِلمُ والسياسةُ .
لكنّ شأنَ الشِعرِ مختلفٌ .
إنْ كان العِلمُ والمسعى السياسيُّ يَعِدانِ ، ويُعِدّانِ زمناً ما ، فإن الشِعرَ راهنٌ ، مباشــرٌ ، وفوريٌّ . أعني أن قدرةَ الشعرِ على القراءةِ والمشاركةِ والتغييرِ هي أكثرُ فاعليّةً ، وأعمقُ في مجرى العروقِ .
الشِعرُ مُغَيِّــرٌ .
الشعرُ مُغَيِّرٌ في اللحظةِ الحميمةِ التي تجمعُ ، بينَ الراهنِ والأبديّ ، في عناقٍ عجيبٍ .
الأداةُ التي يستعملُها ، هي الأكثرُ تداولاً ، وعاديّةً ، ويوميةً ، في حياةِ الناسِ . إنها في الأسواقِ ، وعـلى شفـَـــتَي الطفلِ ،قبلَ أن تكونَ بين دفّتَي كتابٍ . إنها أداةٌ متاحةٌ ، بسيطةٌ وديمقراطيةٌ . هي اللغةُ المستعمَلةُ .
إذاً ، من أين تأتّى للشِعرِ أن يأتي بمعجزتِهِ ؟
أحسَبُ أن ثمّتَ جذرَينِ غائرَينِ لهذه المعجزةِ :
أوّلُهُما ، أن الشِعرَ يعودُ باللغةِ إلى بداءتِها ، آنَ الكلمةُ مرهفةٌ كالوتَر الحسّاسِ.
ومن هنا علاقتُه.
وثانيهما ، أن الشِعرَ يقدِّمُ الخطوةَ الأولى في السُّـلَّـمِ الذي يحملُ البشرَ إلى السماءِ.
ومن هنا إغراؤهُ.
وأقولُ عن نفسي : ليس لي من حياةٍ فِعليّةٍ ، خارج الشِعر .
الشِعرُ خبزي اليومي .
وأريدُ له أن يكونَ خبزَ الناسِ جميعاً .
لندن 09.03.2009
#سعدي_يوسف (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟