أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عاصم بدرالدين - مجلس النواب في فكر ميشال شيحا















المزيد.....

مجلس النواب في فكر ميشال شيحا


عاصم بدرالدين

الحوار المتمدن-العدد: 2570 - 2009 / 2 / 27 - 09:22
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


ليس من السهل هضم أفكار ميشال شيحا، وخاصة إن كان قارئها يحمل رأياً مسبقاً عن أطروحاته ولديه خلفية فكرية مناقضة للأفكار التي حملها شيحا وتلامذته من بعده. ويزداد الأمر صعوبة، عندما يصبح نص شيحا الواحد نصين؛ ذلك يكون عندما تقرأ ما هو مكتوب في مقالاته، وتتذكر أن التأريخ، وهو تأريخ معارض لشيحا ومواقفه، قد أرخ لتلك المرحلة، التي لم يكن فيها شيحا صحافياً أو "فيلسوفاً" فقط، إنما كان من تلك الطبقة الحاكمة. تلك التي حولت الدولة، خاصة في العهد الاستقلالي الأول، زمن الرئيس بشارة الخوري، حولت الدولة ومؤسساتها إلى خلية من التجار. واستنبطت التاريخ بطريقة مشوهة، ليصبح الشعب على شاكلة حاكميه: شعباً من التجار!

في مقالاته، الموضوعة، في كتاب "في السياسة الداخلية" (ترجمة أحمد بيضون، دار النهار، الطبقة الأولى 2004) ينتقد شيحا هذه الطبقة وفسادها، ثم يتحول إلى انتقاد الإقطاع والإقطاعيين، والنظام السياسي الذي يعيدنا إلى القرون الوسطى. لكن كيف لنا أن نصدق؟ صحيح أن شيحا لم يشارك في الحكم مباشرة، لكنه كان موجوداً في الخلفية المالية، وعضواً رئيسياً في تلك المجموعة المشكلة، عن طريق صلات القرابة والزواج، بين العائلات الإقطاعية مثل آل الخوري وفرعون، والممسكة بالحركة الاقتصادية في البلاد. هذا على مستوى استرداد التاريخ، لكشف حقيقة وجدّية الأقوال والأطروحات المعبر عنها في المقالات التي كانت تنشر في جريدة "اللوريان لو جور". لكن في المقابل، إن قراءة العديد من الأفكار بما هي عليه، دونما العودة إلى الحقيقة التاريخية يدفعنا إلى رفض "الفلسفة" الشيحية. ونخص هنا، وهو موضوع نصنا الأصلي، نظرة شيحا لمجلس النواب وعلاقته بالطائفية والعكس.

يكتسب رأي ميشال شيحا أهميته، في كونه أباً للدستور، فهو الذي خطه بشكل كليّ تقريباً، فضلاً عن دوره الأس في إنتاج العملية السياسية الداخلية بعيد الاستقلال عن الانتداب الفرنسي. وفي النظام الديمقراطي البرلماني، وهذه حال لبنان مبدئياً، تحتل السلطة التشريعية المركز الأعلى في إدارة شؤون الدولة، لذلك فإن دورها –ومدى فعاليتها- وشكلها يؤثران بطريقة مباشرة على الحراك السياسي المحلي.

إن وجود المجلس النيابي حسب شيحا، ليس كرمة لعيون الديمقراطية، وهو الذي يمقت كل هذه النظريات الفكرية الغريبة عن طبيعية لبنان -التي يحق لنا ربما أن نصفها بالنيئة، طالما أن حاملي هذه النظريات هم أصحاب العقول الفجة حسبه- (مثل: الليبرالية والاشتراكية والشيوعية.. فضلاً عن الديمقراطية) إنما الغاية منه خلق حياة سياسية مشتركة بين العناصر المتنوعة وجعلها تسن القوانين معاً (مقال: مدخل إلى سياسة لبنانية) ثم إن الأقليات الطائفية المتشاركة محتاجة لتبقى متشاركة إلى تمثيل جماعي وذلك أن أياً منها لا يسعها في الواقع أن تسيطر على الأخريات من دون أن تعرض وجود الدولة نفسه للخطر وقد أثبت التاريخ اللبناني المعاصر أنه كلما اختفى المجلس وكلما مات مبدأ التمثيل كانت السلطة الطائفية تحل محل المجلس وكان يولد آلياً مجلس على الطراز اليهودي، فالطائفة حين تمسي ولا ممثلين سياسيين لها يمثلها بحكم الطبيعة رؤساء الدين، إذذاك تثور المسائل الطائفية من جديد عوض أن تنصهر في الحياة القومية (مقال: في شأن المجلس).

ذلك أن مجلس النواب في لبنان إلى كونه مكاناً ضرورياً للالتقاء ورمزاً لإرادة العيش المشترك فهو أيضاً مصدراً للتوازن وللوفاق (مقال: مؤسسة ضرورية) لكن هذا كله، لا يجب أن ينسينا حسب شيحا، الدور الآخر للبرلمان ألا وهو مراقبة السلطة التنفيذية ووضع القوانين، حتى إذا أصاب الجمود المجلس جمد معه كل شيء، وإذا دخلت الريبة رصيده من الثقة كان ما يطعن فيه عبره هو الدولة (مقال: صوت صارخ في البرية). فواجبنا بعد النظر إلى ما نحن عليه هنا: إلى تكون هذا الشعب وتقاليده وإلى ما له من سمات خاصة به وأصلية، أن نزوده مجلساً يكون صورة له من غير أن يكون من جهة أخرى عاجزاً عن الاضطلاع بمهمته (مقال: في عدد النواب) فالدستور يمنح النواب حق المبادرة إلى سن القوانين على أنهم إذا استعملوا هذا الحق فليقروا، على وجه التعميم، إجراءات تؤثر الحكومة أن لا تضع عليها مسؤولية أبوتها لها، تلك هي الحال -السيئة- وهي معلومة ومشهورة (مقال: حتى نقف على جلية الأمر) لكن، مع ذلك، فإن العضو الضروري أولى بأن يحفظ على أتم ما يمكن الحفظ وبأن يصان بالمتاح من وسائل (مقال: في عدد النواب).

في هذه المقتطفات يبدو لنا ميشال شيحا مهتماً فقط بثبات الكيان، وإن كان معطلاً وأشبه بالأموات، لأنه يسعى إلى تحويل المجلس النيابي، المؤسسة الأولى في الحكم والأكثر دينامية، إلى مجرد حاوية لممثلي الطوائف. وهو بإدراكته يعمل جاهداً، ويقنع نفسه، ويحاول أن يقنعنا، أن الطائفية حالة حميدة، وأن ممثلي الطوائف من السياسيين أفضل من رجال الدين، وفي هذا بساطة -وسذاجة؟- لا يقابلها شك! بمعنى آخر: يحاول أن يميز بين طائفية رجال السياسة الإيجابية، وطائفية رجال الدين السلبية، وهو إذذاك، ينظر إلى الطائفية بعكس ما يراها الآخرون، على أنها داء وكرب، لا بل أنه يرجعها، بفضائلها، إلى ذاك الغنى الروحي الذي يمتاز به لبنان دون غيره من الأمم والذي يضعنا في موضع المحسودين دوماً!

وإذ نرفض الفكرة هذه، ليس لأننا ضد استتباب أمن الكيان اللبناني، إنما لأننا نرى تناقضاً في الأفكار المطروحة، فالسلام بين المكونات لا يتحقق عندما يتحول المجلس إلى مقهى أو حديقة عامة يجتمع فيها ممثلو الطوائف. فضلاً عن أن النواب، الذين يهتدون على أفكار شيحا –وهم كثر-، سيعتبرون أن عملهم التشريعي ليس مهماً إلى حدٍ ما –حسب الترتيب الذي وضعه هو- فالأهم أن يلتقوا في البرلمان، هكذا لمجرد الالتقاء! ثم إن الواقع يتنافى مع أطروحات أبو الدستور، لأن المجلس المشكل من ممثلي الأقليات المختلفة، لا يعمل لصالح المساحة الجغرافية والقانونية والبشرية المشتركة التي هي لبنان، وإنما سيعمد كل فرد منه حكماً إلى تأمين مصالحه الذاتية أولاً (ومصالح طائفته من بعده إن رأى في ذلك أي إفادة له) وهذا ما يلحظه شيحا نفسه، رغم تشديده أن النظام القائم، "الطائفي" والذي يصر أن يضعه بين مزدوجين كأن له معنى آخر، هو خير للبنان وشعبه. مع أنه وحده، وهذا ما يتجاهله مفكرنا، الذي ينتج المحسوبية وتوابعها بنمطها المعروف لدينا، ويجعل من الإقطاع الطائفي المتخلف، سيداً، على المؤسسات الأكثر تقدماً وتحضراً. ويستحيل الشعب، فيه، إلى قطيع ممتلئ بالغرائز يطلع من حرب ليسير باتجاه أخرى دون فزع.

غير أن شيحا، في مكان ما، يعيد ترتيب أفكاره، وإن جاز لنا القول: يصححها، ليعود في مقال آخر ليناقضها. فهو يتمنى أن يبطل النظام الطائفي في لبنان، مما يعني أنه مضر، وإلا كيف يمكن أن نفهم قوله؟ لكن قدريته الزائدة عن اللزوم، والتي من المفترض أن تكون، حسبما نفهمها، مناقضة للعقل والمنطق -الذي يدعوا إليهما- قدريته هذه تحيله إلى أن الزمن وحده كفيل بإلغائها: هكذا وحدها! ليستطرد ويقول أن "محبة هذه البلاد ومعها العقل حملتنا على الشهادة لصالح الطائفية في لبنان شهادة مبنية على الضرورة".

نظرية تحويل المجلس إلى حاوية (والتي تبرز جلية في دعوة شيحا إلى زيادة أعضاء المجلس النيابي قدر المستطاع لاحتواء "الجميع")، يناقضها المنطق العقلي والمتعارف عليه حول فلسفة البرلمانات وأساليب عملها، فمجرد حصول هذا التحول، يعني أن البرلمان قد تعطل، وأن البلد كله يسير إلى الهاوية. وليس من الصعب الاستناد إلى وقائع من حاضرنا لتبيان ذلك، فالمرحلة السابقة، كانت خير شاهد على أن تعطيل المجلس النيابي، وإجهاض دوره، وتهشيم قيمته، أنتجته هذه الأقليات المتشاركة نفسها، والتي يفترض، حسب واضع دستورنا الأول أن تؤدي إلى تنشيط عمله وتأمين استقرار ووحدة الوطن.

لم يشهد ميشال شيحا أياً من الحروب الأهلية اللبنانية بعد إعلان دولة لبنان الكبير، ولم يرَ أن أقلياته المتشاركة هذه، هي نفسها، رغم أنها كانت حاضرة بأوسع مشاركة في المجلس النيابي المولج تأمين السلم، قد قررت اللجوء إلى المتاريس غير مرة وآخرها ما حدث في السابع من أيار العام الفائت. وهذا ما يجعلنا نشعر بالخفر، لأننا نفتري عليه، إلى حدٍ ما، وخاصةً عندما نحمل فكره هذا، مسؤولية الوضاعة التي نعيش فيها. فربما، ونشدد على نسبيتها، لو شاهد حروبنا لبدل رأيه، رغم ما تتسم به نصوصه من رفضٍ للتغيير وحب للثبات والجمود (حاله حال "فيلسوفنا" الآخر: شارل مالك، إذا ما اعتمدنا على ما قرره حسام عيتاني في كتابه "هويات كثيرة وحيرة واحدة: سيرة لبنانية"، دار الساقي 2007). وهذا على أي حال، لا يعفيه، من المسؤولية التاريخية، باعتباره مؤسساً لذاك العطب الدستوري.

"وقد أثبت التاريخ اللبناني المعاصر" أن الحراك السياسي في حقيقته ليس إلا صراعاً طوائفياً على كسب المزيد من النفوذ والمنافع، ويصح قول شيحا عندما يشير إلى صعوبة سيطرة أي أقلية على الأخريات بشكل تام. لكن التاريخ أيضاً، بما هو تراكم وخبرات، يؤكد أن هناك طوائف كانت أكثر قوة ومقدرة من أخرى –على الصعيدين الداخلي والخارجي-، وهي على هذا الأساس تحكم وتقرر. وهذا موضوعٌ آخر.

في نصوص شيحا الكثير من الأفكار التي يمكن التعقيب عليها. لكن الملفت حقاً، وهذا علامة تميز -ربما- لعقدية ميشال شيحا، أن معظمنا لا يزال يسير عليها، والأغلب من دون أن يعي ذلك!



#عاصم_بدرالدين (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- -العار- لتسليمة نسرين: سيكولوجية المضطهدِين
- -العمامة والقبعة- ل صنع الله إبراهيم: الماضي نسخة روائية عن ...
- على هامش الصراع الهامشي
- سرٌ وراء الحجاب - الصادق النيهوم
- زملاء من سوريا
- لا علاقة بين فكر النيهوم ومشروع الحريري
- الاستجابة الكاذبة، لبنانياً، لاستغاثات مسيحيي العراق!
- قراءة في رواية راوي حاج -مصائر الغبار-
- الكوتا اللبنانية
- إستراتيجية الردع بين الطوائف
- رمزية واقعة -كفررمان-: مدخل إلى الإستعارة
- جغرافيا الطوائف وسياسات تغييب الاندماج
- القاتل الشريف وحدود التنسيق ودولتنا
- في تسييس السنة على الطريقة اللبنانية!
- المواجهة مع حزب الله
- إلى محمود درويش: سيأتي الموت ويأخذنا معك
- بعض مفارقات التعامل اللبناني مع الذاكرة
- في نهرها: فلسطين حقاً عربية!
- العبارة المصرية كنموذج للغرق العربي
- إشكالية العلاقة بين العلماني والطائفي في لبنان


المزيد.....




- خمس مدن رائدة تجعل العالم مكانا أفضل
- هجوم إيران على إسرائيل: من الرابح ومن الخاسر؟
- فيضانات تضرب منطقتي تومسك وكورغان في روسيا
- أستراليا: الهجوم الذي استهدف كنيسة آشورية في سيدني -عمل إرها ...
- أدرعي: إيران ترسل ملايين الدولارات سنويا إلى كل ميليشيا تعمل ...
- نمو الناتج الصيني 5.3% في الربع الأول من 2024
- حضارة يابانية قديمة شوه فيها الآباء رؤوس أطفالهم
- الصحافة الأمريكية تفضح مضمون -ورقة غش- بايدن خلال اجتماعه مع ...
- الولايات المتحدة.. حريق بمصنع للقذائف المخصصة لأوكرانيا (صور ...
- جينوم يروي قصة أصل القهوة


المزيد.....

- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل
- شئ ما عن ألأخلاق / علي عبد الواحد محمد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عاصم بدرالدين - مجلس النواب في فكر ميشال شيحا