أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الصحافة والاعلام - عبد الحسين شعبان - محاكمة منتظر الزيدي ولحظة الحسم















المزيد.....

محاكمة منتظر الزيدي ولحظة الحسم


عبد الحسين شعبان

الحوار المتمدن-العدد: 2566 - 2009 / 2 / 23 - 10:15
المحور: الصحافة والاعلام
    


بعد إعلان يوم 19 فبراير الجاري موعداً لمحاكمة منتظر الزيدي بدأ الكثيرون بتمجيده والإشادة بموقفه، واعتبروا ما قام به عملاً شجاعاً يضع حدّاً فاصلاً بين مرحلتين، لا سيما وقد واجه رجل أقوى دولة في العالم، خصوصاً بعد أن اعترف الرئيس بوش بأن غزو العراق كان بناء على معلومات مضللة، حيث إن رد الفعل الغريزي للاحتلال هو مقاومته. من جهة أخرى، كثيرون من اعتبروا تصرف الزيدي إساءة للمهنة ما بعدها من إساءة، وأن سلوكه كان غير حضاري، وكان الأجدر به محاصرة الرئيس بوش بأسئلته وتوجيه الاتهامات إليه، فضلاً عن أن تصرفه كان همجياً!
وبعيداً عن الانحياز المسبق أو لغة التمجيد والتأييد أو التنديد والتفنيد، دعونا نفحص الحدث بمقاربة مختلفة، ثم ندقق في كل الأطروحات المنحازة أو المناوئة.
ولا بد هنا من التمييز بين الرأي الشخصي والرأي المهني وبين الرأي السياسي والرأي الحقوقي، فثمة من يقول إن ما قام به الزيدي كان الطريقة الوحيدة التي يمتلكها للتعبير عما يجيش في قلوب غالبية العراقيين والعرب إزاء السياسة الأميركية، لا سيما بعد كل الآلام والمآسي التي حلّت ببلدهم، وبالطبع لا أحد يريد أن يقارن ماذا كان سيحل بالصحافي الزيدي لو تجرأ وخاطب رئيس النظام السابق باللغة ذاتها أو حتى بأقل منها!؟
إذا كان ما قام به الزيدي «مبرراً» من الناحية السياسية، فالأمر يعود إلى ما خلفته الإدارة الأميركية في العراق من آثام وجرائم، وهي أفعال تستحق الإدانة والمحاكمة القانونية، خصوصاً أن العراق لم يعرف الحرية وحق التعبير، لا في العهد السابق الذي كرّس الأحادية والإطلاقية والإجماعية على نحو مصطنع، ولا بعد الاحتلال الذي انتهك كامل منظومة حقوق الإنسان، عبر عمليات محق وإذلال وهدر للكرامة الوطنية العراقية.
ولم يكن الحذاء في يوم من الأيام وسيلة مثلى لاستعادة الكرامة أو تحقيق الحقوق، ولم يحصل أن نظر الناس إليه بهذه النظرة السريالية التي جعلها الرئيس بوش إحدى الوسائل المتبقية في بلد يعاني ويتألم بصمت منذ سنوات طويلة وبدأ ينزف ويئن، بصخب وبدونه، في سنوات الاحتلال، حيث التشظي المجتمعي بعد القسمة الإثنية- الطائفية، وانتشار الميليشيات وانفلات الأمن وأعمال العنف والإرهاب، إضافة إلى الفساد والرشوة ونهب المال العام.
يضاف إلى ذلك أن شاباً يسارياً حالماً ومجروحاً على المستويين الشخصي والعام، أراد أن يصنع أسطورته بعد إجهاض أسطورة التغيير الذي ظل منتظر ينتظره، وهكذا ضاع حلمه وتبدد الأمل من بين أصابعه، وهنا امتزج العام بالخاص، فأنتج ردة فعل أرادها على طريقته الخاصة، باستقبال ضيف ثقيل لم يحترم أصول الضيافة، وهنا اعتملت في نفسه ازدواجية مشاعر الوطني والمهني، فحاول أن يؤرخ اللحظة حسب ألبير كامو!! ولكن بطريقة سياسية، لكنها غير مهنية!
لقد استمر الوعي العراقي في حالة من الشحن ومحاولات التزييف، لا سيما في ظل حشود مليونية مسخّرة، وانتخابات استقطابية حاشدة، وانقسامات تمزيقية حادة، وغياب الدولة وهيبتها، وشعور عام باليأس والهزيمة، وضعف الشعور بالمواطنة، لدرجة أن فعلاً غير متوقع كالذي حصل أعاد صدم المشاعر سلباً أو إيجاباً من جانب جميع الأطراف!!
لا يطيح الحذاء بالاحتلال ولن يعيد الكرامة، ولا رمي الحذاء دليل عمل جبان أو عدم احترام للضيف أو تعبيراً عن عدم التحضر. فالتحضّر بالمدنية واحترام المرأة ومساواتها مع الرجل واحترام حقوق الأقليات والسير في درب الحداثة وتحقيق التحرر الوطني والاجتماعي وبالتخلص من الاحتلال والهيمنة!
لعل هناك من جرحت كرامته حين طار الحذاء السريالي بغض النظر عن مقاصده ونواياه ومهنيته، وهناك من تجرح كرامتهم مهنياً ووطنياً كل دقيقة عندما يشاهدون الجنود الأميركان وهم يذلّون العراقيين ويرسلون الجثث المقطوعة الرؤوس المجهولة الهوية إلى المقبرة، ويمارسون الاغتصاب والتعذيب ضد النساء والرجال على حد سواء.
جاء الرئيس بوش بزيارة غير رسمية إلى العراق، خارج ما تقتضيه الأعراف الدبلوماسية والقوانين الدولية، فهو لم يتلق دعوة من الحكومة العراقية، كما لم يطلب هو بدء زيارة علنية محددة بزمن، بل جاء بزيارة مفاجئة دون أن يبلغ أحداً، ليؤكد أن الأمن مستتب وأن مشروعه الإمبراطوري نجح في العراق بتوقيع المعاهدة الأمنية العراقية- الأميركية، ولكن من جهة أخرى فإنه قام بخرق السيادة العراقية المزعومة، تلك التي يتم التشبث بها صباح مساء، حيث كانت زيارته أقرب إلى التسلل وللقاء القوات الأميركية الموجودة في العراق بما يتعارض مع اتفاقية فيينا حول العلاقات الدبلوماسية العام 1963، وعندما وصل إلى العراق طلب من رئيس وزراء العراق مقابلته ليحتفلا بالمنجزات المتحققة.
إذا كان خيار الزيدي سياسياً وليس إعلامياً أو مهنياً برمي الرئيس بوش بفردتي حذائه، فهل كان تصرف الحماية الخاصة وعدد من زملائه مهنياً؟ كان يمكن إخراجه من القاعة واتباع الإجراءات الأصولية بحقه، على افتراض أنه قام بعمل يخالف قواعد القانون، الأمر يقتضي مساءلة، لكن الهمجية التي استخدمت ضده وألحقت أضراراً بدنية ومعنوية به، بما فيها كسر إحدى أسنانه والتقرحات في عينه والضرب المبرح والكدمات التي لا تزال على وجهه وأطرافه كما أفاد فريق المحامين الذي زاره واطلع على تقارير الطبيب، تضع أكثر من علامة استفهام على هذا التصرف اللاحضاري من جانب جهات رسمية تمتلك سلطة القانون التي يمكنها أن تكون فيصلاً في إدانة أو تبرئة المتهم الزيدي، وإذا كان رجال السلطة يتصرفون هكذا، فمن سيحمي المواطن من التجاوز إذا كان من يعمل على إنفاذ القانون يتعامل معه بهذه الطريقة؟
لعل هذه الصورة ستبقى راسخة في الأذهان مثل صورة رمي الحذاء، والصورة خبر، وبهذا المعنى تُغني عن أدلة وأسانيد وشهود ودوافع وقرائن طالما شاهد العالم أجمع أن اعتداء سافراً وصارخاً حدث لمنتظر الزيدي، وهو الأمر الذي يخرج قضية رمية الحذاء على الرئيس بوش من نطاقها السياسي إلى إطارها القانوني.
وإذا كان العراق رغم توقيع الاتفاقية الأمنية مع واشنطن، لا يزال يعتبر تحت الاحتلال وأن السيادة لم تسترجع كاملة، وأن القوات الأميركية لا تزال تتصرف بعيداً عن أي ضوابط تخضعها للولاية القضائية العراقية، فبهذا المعنى يمكن التفريق بين عمل منتظر الزيدي المهني والصحافي من جهة وبين رأيه السياسي اليساري الوطني من جهة أخرى، وهو ما عبّرتُ عنه بوضوح كأول متحدث عن قضية الزيدي في تلفزيون «الجزيرة»، فقد كان ما قام به جزءاً من احتجاج ضد الاحتلال، بطريقة هو اختارها سياسية وليست مهنية، طالما هي محكومة بقواعد القانون الدولي الإنساني واتفاقيات جنيف لعام 1949 وملحقيها لعام 1977، تلك التي تقضي بالحق في مقاومة المحتل.
وإذا أحلنا المسألة للمعيار القانوني العراقي، فيمكن الرجوع إلى قانون العقوبات البغدادي، رقم 111، لعام 1969، وهو القانون الذي جمّد الكثير من نصوصه بول بريمر الحاكم المدني الأميركي للعراق (مايو 2003- يونيو 2004) وظلّت دون تعديل، ولا سيما المواد من 156 وإلى 225، حيث اعتبرت معطلة، وإذا استبعدنا المادة 223 الخاصة بالقتل أو الاعتداء السافر الذي لا يصل إلى درجة القتل أو الشروع فيه بخصوص رئيس دولة أجنبية أثناء وجوده في العراق، وهي تقرر أحكاماً غليظة لكنها لا تنطبق على حالة الزيدي، فإن المادة 227 تقضي بعقوبة لا تزيد عن سنتين وبغرامة لا تزيد عن 200 دينار، على كل من أهان بإحدى طرق العلانية دولة أجنبية أو منظمة دولية لها مقر في العراق أو أهان رئيسها أو ممثلها أو علمها أو شعارها الوطني.
ومثل هذه الدعوى حسب منطوق المادة لا تقوم إلا بإذن تحريري من وزير العدل، والأمر سيكون مردوداً، ما دام الرئيس بوش هو من نظم فعل العدوان على العراق، وقام بغزوه، وقتل مئات الآلاف بسبب معلومات مضللة كما اعترف بذلك، والاعتراف سيد الأدلة كما يُقال في القانون، كما دمّر البنية التحتية والمرافق الحيوية وحل العديد من مؤسسات الدولة، لا سيما العسكرية والأمنية وترك البلاد عرضة للعنف والإرهاب والطائفية، الأمر الذي يحمّله مسؤولية دولية جنائية.
نقل السيد رئيس الوزراء نوري المالكي إلى عدد من الصحافيين الذين التقاهم بعد أقل من أسبوع على الحادث أن الزيدي اعترف بأن هناك من دفعه للقيام بمثل هذا الفعل، ورددت بعض الأوساط أخباراً عن اعتذاره، لكن أخباراً وردت عن طريق محاميه أشارت إلى أنه يرفض الاعتذار ويريد الحصول على حقوقه إزاء الأضرار التي تعرض لها بالاعتداء عليه.
وعلى افتراض حصول الاعتراف، فإذا كان تحت الإكراه والتعذيب فسيكون باطلاً ولا يعتد به، ولا بد من حضور محاميه أمام قاضي التحقيق، ومن المحتمل أن يكون قد تعرض للتعذيب النفسي أو الجسدي، والمهم الآن بغض النظر عن تهمة «ارتكاب» رمي الحذاء، تأمين الحقوق القانونية والحماية الكاملة للزيدي وحقه في محاكمة عادلة واحترام حقوقه كإنسان في إطار اللوائح والمواثيق الدولية، ناهيكم عن حقوقه في مقاضاة من قاموا بالاعتداء عليه وتعويضه تعويضاً مادياً ومعنوياً.
جدير بالذكر أن الدستور العراقي النافذ لا يتضمن إشارة إلى ما يفيد النظر في قضية مثل قضية الزيدي، مع أنه أكد على استقلال القضاء، وهذا يعني عدم جواز تدخل السلطة التنفيذية (الحكومة) بمساره، كما لا يحق لها إطلاق التصريحات، وربما الإشاعات التي قد تؤثر عليه، وحسب شروط المحاكمة العدالة، لا يحق للقضاء تسريب معلومات للسلطة التنفيذية، أو للإعلام أو لأي جهة من شأنها تشويه موقف المتهم، أو خلق رأي عام ضده، وفي حالة منتظر الزيدي، خلق رأي عام مضاد للرأي العام المؤيد له، لأن مثل هذه الأمور قد تؤدي إلى تشويه صورته، وفي ذلك مقاربة غير سياسية، ولكنها تستمد كينونتها من الحيثيات القانونية!!



#عبد_الحسين_شعبان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عبدالحسين شعبان: خمسة خيارات لمقاضاة مسؤولي إسرائيل
- بروموثيوس و متحفية الماركسية!!
- ثلاثة مخاطر أساسية تهدد الإعلاميين! (2-2)
- السفير مختار لماني والمواطنة العراقية!
- قمة الكويت والمجتمع المدني
- الأكاديميون العراقيون: أليس في الصمت شيء من التواطؤ؟
- ثلاثة مخاطر أساسية تهدد الإعلاميين!
- غزة من شارون إلى أولمرت: حسابات الحقل والبيدر!
- عملية «الرصاص المنصهر»: غزة و«الثأر المبرر»!
- الانتخابات العراقية: الدستور والطائفية!!
- غوانتانامو والعدّ العكسي!
- غزة: أمتان ... بل عالمان!
- مواطنة بلا ضفاف!!
- الإعلامي والحقوقي ومن يعتمر القبعتين
- مغزى كلام بوش
- العراق وشرنقة الفصل السابع
- سريالية عراقية!
- حقوق الإنسان.. إشكاليات أم معايير؟
- ماذا يريد سانتا كلوز من أوباما؟
- حكم القانون ... من أين نبدأ؟!


المزيد.....




- الناطق باسم نتنياهو يرد على تصريحات نائب قطري: لا تصدر عن وس ...
- تقرير: مصر تتعهد بالكف عن الاقتراض المباشر
- القضاء الفرنسي يصدر حكمه على رئيس حكومة سابق لتورطه في فضيحة ...
- بتكليف من بوتين.. مسؤولة روسية في الدوحة بعد حديث عن مفاوضات ...
- هروب خيول عسكرية في جميع أنحاء لندن
- العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز يدخل المستشفى التخص ...
- شاهد: نائب وزير الدفاع الروسي يمثل أمام المحكمة بتهمة الرشوة ...
- مقتل عائلة أوكرانية ونجاة طفل في السادسة من عمره بأعجوبة في ...
- الرئيس الألماني يختتم زيارته لتركيا بلقاء أردوغان
- شويغو: هذا العام لدينا ثلاث عمليات إطلاق جديدة لصاروخ -أنغار ...


المزيد.....

- السوق المريضة: الصحافة في العصر الرقمي / كرم نعمة
- سلاح غير مرخص: دونالد ترامب قوة إعلامية بلا مسؤولية / كرم نعمة
- مجلة سماء الأمير / أسماء محمد مصطفى
- إنتخابات الكنيست 25 / محمد السهلي
- المسؤولية الاجتماعية لوسائل الإعلام التقليدية في المجتمع. / غادة محمود عبد الحميد
- داخل الكليبتوقراطية العراقية / يونس الخشاب
- تقنيات وطرق حديثة في سرد القصص الصحفية / حسني رفعت حسني
- فنّ السخريّة السياسيّة في الوطن العربي: الوظيفة التصحيحيّة ل ... / عصام بن الشيخ
- ‏ / زياد بوزيان
- الإعلام و الوساطة : أدوار و معايير و فخ تمثيل الجماهير / مريم الحسن


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الصحافة والاعلام - عبد الحسين شعبان - محاكمة منتظر الزيدي ولحظة الحسم