أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - محمد الحداد - التترس والدماء الرخيصة















المزيد.....

التترس والدماء الرخيصة


محمد الحداد

الحوار المتمدن-العدد: 2557 - 2009 / 2 / 14 - 01:14
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


يبدوا لي أن هناك نوعين من الدماء البشرية الرئيسية ، ومن ثم تنقسم هذه للأنواع الأربعة التي يعرفها الأطباء وعلماء البيولوجي والتي يعطونا نوعيتها بالتحليل ألمختبري ، فهناك دماء رخيصة وأخرى لها قيمتها وثمنها ، وليس بالسهولة بمكان إراقتها .
بكل التشريعات الخاصة بالبشرية ، لاحتمالية أن تكون هناك تشريعات تخص أنواع أخرى غير بشرية ، سواء أكانت أديان إلهية ، أم وضعية أرضية ، نرى أن هناك حرمة عالية جدا للدماء البشرية ، والقصاص لها شديد لحد سفك دم المعتدي أو سافك الدم الأول ، ولو نظرنا نظرة تفقدية مرورا بكل المجتمعات البشرية منذ العصر الحجري وعصور ما قبل التأريخ وزمن الدويلات إلى عصرنا الحالي ، لوجدنا أن هذه المجتمعات تحرم إراقة الدم البشري ، وهي لا تحلله إلا في حالات خاصة جدا ، كالحروب مثلا .
وأي حروب هذه ؟
إنها حروب دفاعية عن مصالح مكتسبة ، كأن تكون ارض الصيد أو المرعى أو طرق التجارة أو غيرها ، أو كأن تكون سياسية بحتة خاصة بالحاكم ومنظومته ، أو أنها تشمل كيان الدولة بأكمله .
فقط بهذه الحروب نرى سفك الدماء البشرية محلل ، بل والأدهى أن القاتل يصبح بطلا ويُكَرَّم ، وتبقى تتذكره الأجيال وتتغزل النساء بأفعاله ، وتكتب القصائد تخليدا له ، وهناك مقولة قرأتها ولا أذكر قائلها ، تقول أقتل واحد أو اثنين فتصبح مجرم ، واقتل ألف أو مليون فتصبح بطل .
هذه النزعة الحربية نشترك بها نحن البشر اشتراك واضح تماما مع الأنواع الحيوانية ، وهي جزء من نزعة البقاء داخلنا ، ونزعة البقاء هذه هي ضرورية من جهة لاستمرار الجنس البشري ولإكمال سيطرته ونفوذه على مجمل الكائنات الحية ، حيوانية كانت أم نباتية ، ولكن عدم تقنين نزعة البقاء هذه وترويضها من جهة ثانية ستؤدي إلى هلاك الجنس البشري .
نعود إلى نوعي الدماء بعد هذه المقدمة لنرى ما المقصود بالدماء الرخيصة هنا والتي تعنينا بالذات لندافع عنها .
الدماء الرخيصة هي دماء الجنود الذين يموتون بأرض المعركة من اجل أحلام الحاكم وتحقيق رغباته ونزواته ودفاعا عنه ، فهنا نجد دم غال واحد هو دم الحاكم والرمز والقائد ، ودماء رخيصة بالملايين هي دماء الشعب تهدر لحماية دم القائد الملهم الأول تحت مسميات عديدة يخدع بها الحاكم أصحاب الدماء الرخيصة كي يعطوا دماءهم عن طيب خاطر ، بل وكأنه واجب مقدس ، وما هو إلا دفاعا عن دمه هو ، وما هم إلا تضحية من اجل دمه الغالي .
هذا لأننا نعيش بنظم حاكمة ليس للشعب فيها أي سلطة ولو شكلية ، بل كله خداع ونفاق وضحك على الذقون ، فمن سأل الشعب بأنه سيدخل صراعا عسكريا قبل دخوله ، ومن أعلم شعبه بما يدور بخلده من مغامرات و أحلام ، شعب مذلول مغلوب على أمره ، كأنهم الشاة ، تنتظر متى يأتي يوم الافتراس ، فهل رأيتم رجلا يسأل شاته قبل ذبحها ، بل نحن أتعس منها ، لأن الشاة حسب علمي لا تعرف مصيرها بالبطون ، ولكننا لنا عقول ، فلم نريد أن ننسى يوم التضحية .
و وجدت نوع جديد من الدماء الرخيصة ، ولا أدري أين أسجل براءة اختراعي ، دلوني وأريحوني ، هذا النوع موجود في العراق وفي أفغانستان ومصر والمغرب والجزائر ، وفي العديد من الدول التي ابتليت بالداء الجديد الذي له نفحة من التأريخ سنعرج عليها بقادم الأيام إن شاء الله .
هذا النوع الجديد ابتكره الإرهاب وبما يسمونه التترس ، والحقيقة أن التترس مصطلح إسلامي يقابل مصطلح الدروع البشرية بمصطلحات السياسة الحديثة ليكون قريبا من ذهن القارئ .
التترس يعني احتماء العدو خلف مجموعات بشرية إسلامية تمنع المسلمين من إصابة العدو مباشرة ، حيث يقول ابن تيمية :
«وقد اتفق العلماء على أن جيش الكفار إذا تترس بمن عنده من أسرى المسلمين وخيف على المسلمين الضرر إذا لم يقاتلوا فإنهم يقاتلون وإن أفضى ذلك إلى قتل المسلمين الذين تترسوا بهم». الفتاوى 28 / 546 - 537 و20 / 52
كما يقول في المجلد العشرون 382 من 645
مسالة التترس‏ التي ذكرها الفقهاء، فان الجهاد هو دفع فتنة الكفر فيحصل فيها من المضرة ما هو دونها، ولهذا اتفق الفقهاء على انه متى لم يمكن دفع الضرر عن المسلمين الا بما يفضي ‏[‏الى‏]‏ قتل اولئك المتترس بهم جاز ذلك، وان لم يخف الضرر لكن لم يمكن الجهاد الا بما يفضي الى قتلهم ففيه قولان‏.‏ ومن يسوغ ذلك يقول‏:‏ قتلهم لاجل مصلحة الجلاد مثل قتل المسلمين المقاتلين يكونون شهداء ومثل ذلك اقامة الحد على المباذل، وقتال البغاة وغير ذلك . انتهى
وقد استعمل هذا التكتيك الحربي كثيرا في التأريخ بصيغ عديدة . وهو أسلوب يتبعه المدافعون لحماية أنفسهم ، فتكون ضربات المهاجمين وزخم قوتهم التدميرية الأكبر تقع في الدروع البشرية أو الترس ، مما يؤدي لضعف قدرات المهاجم ، وامتصاص زخم الضربة فتصل للمدافع ضعيفة ممكن السيطرة عليها ومقاومتها ، وهي إن حكمنا عليها ضمن منظومة الأخلاق ، فهي تقع خارجها ، لأن لا عدالة ولا مساواة ولا حق فيها كذلك .
التقف شبابنا بسرعة هذه الفتوى ، فقد وجدوا من يذكرهم ويفتي لهم بها ، ويغسل أدمغتهم ويكتب بها ما شاء كأنه الورق الأبيض أو الطين المعجون ، تكتب به ما تشاء وأنى تشاء ، فبدئوا بحصد أرواح الملايين ، دون إحساس ولو بسيط بالذنب ، ولا شعور ولو قليل بما يحدث للمضحى بهم ، وكيف تقطع أوصالهم ، وتحرق ، وتنثر فوق رؤوس الأشهاد ، ولا ما يحدث لأهاليهم من لوعة الفراق ، وبكاء وعويل ، غير فقدان المعيل ، بل حتى لم ينظروا إلى الضحية لذاتها ، أهي شخصية فاضلة أم فاسدة ، وهل هي بناءة للمجتمع ، أم هدامة ، بل كأن أمامهم لعبة من الألعاب الالكترونية ، تقتل بها كيف تشاء ، وان لم تعجبك النتيجة تستطيع تدمير الكل ، أو إعادة اللعبة من جديد ، لتبدأ القتل من جديد .
ثم حتى وأن كانت الضحية فاسدة ، فهل من حق أي كان أن يحكم بموتها !! وينصب نفسه جلادا أيضا وينفذ ما حكم به مسبقا ، دون إعطاء الضحية فرصة للدفاع عن الذات ، إنها إذن حياة الغاب ، فهذا الأسلوب لم يعشه إنسان الكهوف ، ولا إنسان ما قبل التأريخ ، ولا بعد أن عرف الإنسان الكتابة ، ولكن هو اختراع جديد يسجل لنا كمسلمين ، وهو ماركة تجارية ، فحذار التقليد .
ثم تطور المفهوم بالتطبيق بحالات حدثت بالعراق ولبنان وفلسطين ، فلم يبقى التترس بمعناه السابق باحتماء العدو بالمسلمين ، بل بدأ بأن المسلم المقاتل الذي يدعي الجهاد يحتمي بالمجتمع المسلم تحوطا من نيران العدو ، فانظروا إلى أي درك نحن سائرون ، باختراعنا ملعونون .

المهم هنا معرفة أن الجماعات الإرهابية أو الجماعات الإسلامية المسلحة ، أو الجماعات التي تربط الدين بالسياسة ، والتي اتخذت منهج الكفاح المسلح الاسلاموي ، وهي أشكال وأنماط مختلفة بعقائدها وتنظيراتها وقيمها المجتمعية والسياسية ، ومختلفة بالأيديولوجيات التي تحملها ، ولكنها مشتركة جميعا ومتفقة حول موضوع التترس أو الدروع البشرية ، ولكن كل منها يسميه بتسمية وتبرير يناسب خطابه السياسي والإعلامي .
فالإرهابيين أو المقاومين ، سمهم ما شئت ، عندما يكونون غير قادرين على إيصال فعلهم العسكري إلى قوات العدو ، فأنهم يوقعونها بأبناء جلدتهم ، من طلاب وعمال وموظفين وصحفيين وحتى مرتادي مطاعم ، وأسموهم الترس ، وقالوا : إن مات ألف من أبناء شعبي وبلدي مقابل إصابة جندي واحد لعدو لهو نجاح ما بعده نجاح .

المقارنة هنا هي دماء ألف عراقي أو لبناني أو فلسطيني تعادل بضع قطرات دم تنزف من جرح جندي للعدو .

محمد الحداد
16 . 01 . 2008






#محمد_الحداد (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أحمد السيد عبد السلام الشافعي ...والثور الأبيض
- عادل إمام و النصر
- الليبرالية - الجزء الثاني
- كتل كونكريتية وكتل سياسية
- اللّيبرالية - الجزء الأول
- الليبرالية – الجزء الرابع
- الليبرالية ...الجزء الثالث فصل الدين عن الدولة
- الشعب في غزة بين كماشتي مٌجرِمَي الحرب ... إسرائيل وحماس
- غزة ... الضفة ... وصراع السلطة
- الماسونية
- نموذج جديد من أجل بناء الدولة لمواطني العراق
- الإستبداد الشرقي الضعيف


المزيد.....




- توجيه تهمة -السلوك الجنسي الإجرامي- لشرطي أمريكي اعتدى على ط ...
- مصر.. أول رد رسمي بعد موجة شكاوى قائدي السيارات من جودة الوق ...
- أسباب الفشل الإسرائيلي للتصدي لصاروخ حوثي باليستي استهدف مطا ...
- التلفزيون الجزائري يصف الإمارات بـ-الدويلة المصطنعة- بعد حدي ...
- العدل ترفض دعوى ضد الإمارات والحكومة السودانية تجدد اتهاماته ...
- حكومة نتنياهو تهدد حماس بـ-عربات جدعون- إذا لم تقبل بشروط إس ...
- قوات الدعم السريع تستهدف بورتسودان
- الشرطة الإسرائيلية تعلن إحباط محاولة تهريب أسلحة من الأردن
- ترامب يهاجم الديمقراطيين ويتهمهم بمحاولة عزله
- الجالية الروسية في تونس تحيي عيد النصر


المزيد.....

- الحرب الأهليةحرب على الدولة / محمد علي مقلد
- خشب الجميز :مؤامرة الإمبريالية لتدمير سورية / احمد صالح سلوم
- دونالد ترامب - النص الكامل / جيلاني الهمامي
- حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 3/4 / عبد الرحمان النوضة
- فهم حضارة العالم المعاصر / د. لبيب سلطان
- حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 1/3 / عبد الرحمان النوضة
- سلطة غير شرعية مواجهة تحديات عصرنا- / نعوم تشومسكي
- العولمة المتوحشة / فلاح أمين الرهيمي
- أمريكا وأوروبا: ملامح علاقات جديدة في عالم متحوّل (النص الكا ... / جيلاني الهمامي
- قراءة جديدة للتاريخ المبكر للاسلام / شريف عبد الرزاق


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - محمد الحداد - التترس والدماء الرخيصة