أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اخر الاخبار, المقالات والبيانات - محمد الحداد - الإستبداد الشرقي الضعيف















المزيد.....

الإستبداد الشرقي الضعيف


محمد الحداد

الحوار المتمدن-العدد: 583 - 2003 / 9 / 6 - 02:53
المحور: اخر الاخبار, المقالات والبيانات
    


      الحياة     2003/08/31
ككل الأحداث السياسية الكبرى، يمكن أن ننظر الى الضغوط التي تمارسها أميركا على العديد من بلدان العالم الثالث، ومنها البلدان العربية، متذرعة بحربها الكونية ضد الارهاب، من زاويتين: زاوية آنية وزاوية طويلة الأمد.

من زاوية آنية، قد يقول البعض ان أميركا تمارس الغطرسة بصفتها القوة الأعظم في العالم، ويقول آخرون انها تشعر فعلاً بالتهديد ولا تدرك أي طريق تسلكه للتوقي. وينصح البعض بالتحدي والبعض الآخر بالانحناء أمام العاصفة الى أن تنتهي ولاية الرئيس بوش الابن وفريقه. لكني أخشى أن الزاوية الآنية هي الشجرة التي تحجب الغابة، وأن مسار الأحداث أكثر تعقيداً وأقل ارتباطاً بالأشخاص الذين يكوّنون حالياً الادارة الأميركية. وأن المسار الذي اتخذته الأحداث لن ينتهي بانتخابات الرئاسة سنة 2004 ولا الانتخابات التالية.

فمنطق الضغوط الأميركية يختصر في ما يلي: كل دولة ينبغي أن تكون مسؤولة مسؤولية تامة عن المجتمع الذي تمثله. عندما تعلن الادارة الأميركية أنها تشجع الديموقراطية فغايتها أن تكون الدولة أكثر قدرة على احتواء المجتمع والمجتمع أقل ميلاً لتحدي الدولة، لذلك تشجع في الوقت نفسه الطائفية والقبلية والنشاط الاستخباراتي وما الى ذلك، فهي جميعاً طرق لاحتواء المفاجآت والعنف الفوضوي الذي قد يتحول ارهاباً. لنلاحظ عرَضاً أن الولايات المتحدة لا تطبق هذا المبدأ عندما يتعلق الأمر بشركاتها المتعددة الجنسية التي تلوث البيئة وتحدث مضارا بالغة بملايين البشر من دون أن تعتبر الادارة الاميركية ان لها مسؤولية في ذلك، ولا بمؤسسات المضاربة في البورصة التي تحقق الأرباح الخيالية برفقار المزارعين أو تتسبب في انهيار اقتصاديات دول بكاملها. لكن المنطق الأميركي انما يستند الى المبدأ السائد في الفكر السياسي الحديث، الليبرالي التوجه، ومفاده: مزيداً من الدولة لحماية التجار وقليلاً من الدولة لتحرير التجارة. وعليه، فإن المشكلة ليست جديدة وان تضخّمت بسبب أحداث معينة. فطوال القرن التاسع عشر كانت الضغوط التي تمارس على الدول تنطلق من قضايا أمنية: محاربة القرصنة، حماية الأقليات، مساعدة الحكام على إخماد ثورات داخلية، الخ. وكلها قضايا وجيهة لم تكن الدول المعنية قادرة على أن تبادر بنفسها لاتخاذ الاصلاحات الضرورية في الوقت المناسب بشأنها، فقدمت للبلدان الغربية الذريعة لأن تتدخل في شؤونها وتجعلها تحت وصايتها أو حمايتها.

وطرح القضية من هذه الزاوية الطويلة الأمد يدفع الى تقرير حقيقتين يجدر الاعتبار بهما قبل فوات الأوان: أن الفكر السياسي السائد يشهد عودة قوية الى فكرة أحادية التنظيم السياسي. وأن نماذج التنظيم السياسي غير الاحتكاري لا يمكن أن تصمد أمام ضغوط النموذج الاحتكاري الذي تمثله البلدان الغربية.

وينبغي أن نتذكر أنه قد سيطرت طويلاً على الفكر السياسي الرؤية التطورية، فاعتبر المفكرون ظاهرة الدولة مثلاً تطوراً يتحقق عبر مسار طويل في تاريخ كل مجتمع. وعندما بدأت الدول الغربية تتوسع نحو العالم، بعدما حققت الدولة الحديثة، ذات الطابع القومي المركزي، أدركت أن من أهم عوائق العولمة الرأسمالية الاختلاف بين مركزية الدولة القومية ولا مركزية الدولة التقليدية. واعتبرت هذا الفارق نتيجة تأخر النمط الثاني في التطور. لذلك كانت الإصلاحات التي اقترحتها تنصبّ دائماً على تدعيم المساحة التي تحتلها الدولة والوظائف التي تنهض بها في المجتمع. واستمرت سيطرة هذه الرؤية أكثر من قرن، إلى أن أحدث المد التحرري وحركات الاستقلال انقلاباً ضخماً في الفكر السياسي جسّده التحول من الوضعانية الأجناسية (الاثنولوجية) إلى الانتربولوجيا السياسية.

تقول النظرية الجديدة: الدولة بالشكل المركزي الذي ظهر في الغرب ليست تطوراً طبيعاً للمجتمع أو حتمية تاريخية لا مناص منها، ويمكن أن تتطور مجتمعات أخرى باتجاهات مختلفة. أحد ممثلي هذا الاتجاه، بيار كلاستر، يقدم في كتابه "المجتمع ضد الدولة" نقداً عميقاً للنظرية التطورية ويقترح تقسيماً آخر لأنماط السلطة. فهو يميز بين السلطة القهرية التي تقوم على العنف، وهي التي تتجسد في الدولة الغربية، والسلطة غير القهرية التي لا تقوم على العنف، وتمثلها المجتمعات التقليدية، وتحديداً قبائل الهنود في أميركا الجنوبية التي كانت محور دراساته الانتروبولوجية. هذا التنميط الذي يقترحه كلاستر لا يبدو قادراً على أن يدرج في صلبه الدولة "الشرقية"، التي تختلف عن مجتمعات الهنود لقيامها على العنف، وتختلف عن الدولة الغربية من جهة أنها عاجزة عن احتكار العنف.

الدولة على النمط الشرقي (استعمل هذه التسمية التي تعتبر مرفوضة من وجهة نظر الانثروبولوجيا السياسية لأنني لا أجد لها بديلاً) تقوم على توازن العنف، فهو يتوزع على أطراف عدة أحدها الدولة، فيمنع طرفاً من أن يلغي المنافسين، ولا يسمح للطرف الأقوى إلا بممارسة هيمنة موقتة على الآخرين. لا يتجسد ذلك فقط عبر انتشار الأسلحة بين الجميع، فهو يتجسد أيضاً في كون شرعية الدولة في احتكار قرار استخدام العنف يظل دائماً محل أخذ ورد. فالأخذ بالثأر هو أحد أمثلة عجز الدولة عن احتكار العنف، ومجادلات الفقهاء حول الجهاد واعتبار البعض أنه يتحول في حالات معينة فرض عين، ما يعني إمكان أن يكون قراراً يتخذه طرف آخر غير الدولة، هو مثال آخر لعجز الدولة عن احتكار العنف. وشرعية الدولة ذاتها تظل ناقصة، بما أنها مستمدة من نظام قيَمي لا تحدده الدولة وليس من داخلها - الدولة بصفتها مؤسسات وهيئة معنوية لا أشخاصاً حاكمين. لكن اختزال الدولة في شخص الحاكم هو أيضاً مظهر من مظاهر ضعف الدولة لا قوتها، وهذا ما اطلق عليه البعض الاستبداد الشرقي، القوي في الداخل الضعيف في الخارج، على رغم أن هذه التسمية لم تخل في الأصل من أثر المركزية الأوروبية.

أما العقد الأخير فتميز بقيام نظريات الفضاءات الثقافية أو الحضارات (الصدام أو الوئام، لا فارق على مستوى أدوات التحليل)، ما يمثل نوعاً من العودة إلى الاثنولوجيا على حساب الانثربولوجيا، عودة إلى مبدأ المسار الأوحد في تطور الدولة من حيث هو مسار لاحتكار العنف، كما حدث في التجربة الغربية. ومن الناحية السياسية على الأقل، سيعتبر كل من يتمسك بالنسبية الثقافية التي أرستها الانثروبولوجيا متهماً بالتعاطف مع الإرهاب، كما اتهمت الانثروبولوجيا مدة نصف قرن الاثنولوجيا التطورية بأنها مشروع استعماري. فالخنجر الذي يتوشح به العديد من الازياء التقليدية في آسيا لم يعد ظاهرة فولكلورية بريئة بل عنواناً للارهاب، وقس على ذلك. ففكرة احادية التنظيم السياسي ليست فكرة عابرة يستعملها بوش الابن او رامسفيلد او المحافظون الجدد، انها ايديولوجيا مرشحة ان تستمر عقوداً ولا يمكن مستقبلاً التعامل معها خارج اطارها.

ههنا تبرز الحقيقة الثانية: ان الدولة ذات النمط الشرقي التي لا تحتكر العنف بالمعنيين لا يمكنها الصمود امام المخاطر الخارجية، كما اثبتت ذلك تجربة القرن التاسع عشر. فالتوازن في توزيع العنف وتعميم الرضا بآثاره لا يكون ممكناً الا في ظل اتفاق داخلي ضمني على التراتبية الاجتماعية (خضوع الافراد لرؤساء العشائر، الاقليات لسيطرة الغالبية، النساء لنظم المبادلات التي يحددها الرجال، الخ) وعلى القواعد الدنيا لتنظيم العنف خارج احتكار الدولة (الاخذ بالثأر متغاضى عنه، لكن لا يسمح مثلاً بقتل الابرياء من دون سبب). والحال ان الضغط من الخارج يفجر هذا التوزان الدخلي ويحول المجتمع ودولته المتقلصة الى حالة فوضى، حيث يعمد كل طرف يتمتع ببعض وسائل العنف الى استعمالها حسب رؤيته الخاصة، لغياب رؤية مشتركة لا يمكن ان تقوم الا اذا توافرت آليات عمل سياسي جماعي. على ان هذه الآليات لا تتوفر بدورها الا اذا احتكرت الدولة مؤسسات وكياناً معنوياً وسائل العنف وقرار استعمالها دون الاطراف المنافسة لها، ودون مبادرات الافراد ورغباتهم بمن فيهم الحاكم نفسه، ما يعني ان الوضع يظل يدور في فراغ ما لم تتحقق الاصلاحات الجذرية. فكل الحلول القصيرة المدى التي كانت تمكّن سابقاً من احتواء الازمات تصبح غير ذات جدوى اذا اختل التوازن الداخلي والنظام العام.

 



#محمد_الحداد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- وثقته كاميرا.. فيديو يُظهر إعصارًا عنيفًا يعبر الطريق السريع ...
- -البعض يهتف لحماس.. ماذا بحق العالم يعني هذا؟-.. بلينكن يعلق ...
- مقتل فلسطينيين برصاص الجيش الإسرائيلي في الضفة الغربية (صور+ ...
- سماء غزة بين طرود المساعدات الإنسانية وتصاعد الدخان الناتج ع ...
- الناشطون المؤيدون للفلسطينيين يواصلون الاحتجاجات في جامعة كو ...
- حرب غزة في يومها الـ 204: لا بوادر تهدئة تلوح في الأفق وقصف ...
- تدريبات عسكرية على طول الحدود المشتركة بين بولندا وليتوانيا ...
- بعد أن اجتاحها السياح.. مدينة يابانية تحجب رؤية جبل فوجي الش ...
- ضابط استخبارات سابق يكشف عن عدد الضحايا الفرنسيين المرتزقة ف ...
- الدفاعات الروسية تسقط 68 مسيرة أوكرانية جنوبي البلاد


المزيد.....

- فيما السلطة مستمرة بإصدار مراسيم عفو وهمية للتخلص من قضية ال ... / المجلس الوطني للحقيقة والعدالة والمصالحة في سورية
- الخيار الوطني الديمقراطي .... طبيعته التاريخية وحدوده النظري ... / صالح ياسر
- نشرة اخبارية العدد 27 / الحزب الشيوعي العراقي
- مبروك عاشور نصر الورفلي : آملين من السلطات الليبية أن تكون ح ... / أحمد سليمان
- السلطات الليبيه تمارس ارهاب الدوله على مواطنيها / بصدد قضية ... / أحمد سليمان
- صرحت مسؤولة القسم الأوربي في ائتلاف السلم والحرية فيوليتا زل ... / أحمد سليمان
- الدولة العربية لا تتغير..ضحايا العنف ..مناشدة اقليم كوردستان ... / مركز الآن للثقافة والإعلام
- المصير المشترك .. لبنان... معارضاً.. عودة التحالف الفرنسي ال ... / مركز الآن للثقافة والإعلام
- نحو الوضوح....انسحاب الجيش السوري.. زائر غير منتظر ..دعاة ال ... / مركز الآن للثقافة والإعلام
- جمعية تارودانت الإجتماعية و الثقافية: محنة تماسينت الصامدة م ... / امال الحسين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اخر الاخبار, المقالات والبيانات - محمد الحداد - الإستبداد الشرقي الضعيف