أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - محمد الحداد - الليبرالية – الجزء الرابع















المزيد.....

الليبرالية – الجزء الرابع


محمد الحداد

الحوار المتمدن-العدد: 2551 - 2009 / 2 / 8 - 08:00
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    




الليبرالية الديمقراطية
المقدمة :
يبدوا لي أن هناك خلط معرفي بين كنهي الديمقراطية والليبرالية ، أو بين الديمقراطية ومجموعة الحقوق الفردية ، كما هناك هرج و مرج عالي بين الكثير من المتحاورين وكأننا بأحد برامج فيصل القاسم على الجزيرة عندما يرمي الحطب على النار ليؤججها بدل إخمادها ، وهو أسلوب تسويقي سوقي بحت لا يمت للحضارة وبناتها بشيء إلا اللهم شبهه بعراك الديوك ، أو كبائعين في سوق شعبي هدفهم الأول والأخير ترويج بضاعتهم دون أي التزام أخلاقي أو أدبي لفعلهم ونتائجه ، فبالصراخ والطعن بالآخر ، كذا الكذب والتحايل والتلاعب بالمفردات وانتهاز الهفوات عند الآخر ، هي السمة الرئيسية لكذا صراخ ، مع احترامي الشديد له ولقناة الجزيرة ، ولكن لا عذر لمثقفي الأمة بالانجرار وراء مطاحن لا تؤدي بنا إلا للأسوأ ، ثم هي مثال سيء لباقي الناس ممن هم أقل وعيا و إدراكا بأن حالة العراك والصراخ هذه هي الحالة الطبيعية لتفاعل المتضادات وإيجاد الحلول والبدائل ، بدلا من أن تكون لغة الحوار البناء الهادف هي لغة المتحاورين للوصول إلى أفضل النتائج حتى و إن لم ترضي المتحاورين .
قبل أن نبدأ بالليبرالية الديمقراطية كفكر وكتطبيق ، علينا العرج على مفهوم الديمقراطية أولا .

الديمقراطية :
هذه الكلمة تكتب باللغة الانكليزية بالشكل التالي Democracy وهي تتكون من جزأين Demo وهي بادئة معناها العامة ، أو الشعب ، و كلمة Crat وهي لاحقة تعني مؤيد أو نصير ، وأصل الجزء الثاني اللاحقة كان Kratein ومعناها بالانكليزي To rule أي يحكم ، وكلمة Rule معناها قانون أو دستور أو قاعدة أو شرط .
أذن الديمقراطية تعني حكم الشعب .

أصل الكلمة :
أصل الكلمة يوناني قديم ، وقد استعملت الديمقراطية كتطبيق عملي في مدينة أثينا اليونانية ، حيث كان الشاعر والفيلسوف سولون قد أنتخب كحاكم لمدينة أثينا ، وكان يسمى Archon ، حيث قبله كانت المدينة تمر بأوقات عصيبة بسبب صعوبات اقتصادية ، من حجوزات ومصادرة أموال ، أدت الى بيع العديد من المزارعين لأنفسهم كعبيد إيفاء بديونهم .
أول ما قام به بعد تنصيبه حاكم للمدينة هو منع وضع الأفراد لأنفسهم أو غيرهم ضمانة للدين ، والغاءه لجميع الاستحقاقات والديون الموجودة ، وتشجيع المزارعين الفاقدين لمزارعهم على امتهان مهن أخرى .

التطبيق الديمقراطي القديم :
تم تطبيق الديمقراطية بشكل عملي في أثينا وبعض المدن اليونانية الاخرى التي لا يتجاوز عدد سكانها على العموم العشرة آلاف نسمة حيث كان الشعب يحكم نفسه بنفسه ، ويتم ذلك دون نواب او ممثلين عنه ، ويتم الامر بأجتماع اكبر عدد ممكن من افراد الشعب في احدى الساحات الكبيرة من أجل التصويت واتخاذ القرار بشأن أمر ما يهم مدينتهم .
ولكن لم يكن يسمح للجميع بالحضور والمناقشة والتصويت ، أي انها لم تكن مثالية كما نتصور ، فلم يكن يسمح للعبيد او الاجانب المستوطنين بالمدينة حتى وان عاشوا لزمن طويل هناك ، وكذلك للنساء ، لم يكن يسمح لهؤلاء بالتصويت أو إبداء الرأي .

أنواع الديمقراطيات :
هناك نوعان من الديمقراطية ، وهما :
• الديمقراطية المباشرة Direct Democracy
حيث يسمح لجميع المواطنين بالتكلم وإبداء الرأي ومناقشة الأمر المطروح والتصويت عليه ، ولم يكن بحاجة لانتخاب ممثلين أو نواب ، لأن عدد النفوس كان قليلا ، فأمكن جمعهم ، وهو بالضبط ما حصل سابقا في أثينا كما قلنا ، ولكن بسلبيات كثيرة من عدم اعطاء الحق لفئات عديدة من ممارسة حقوقها السياسية .

• الديمقراطية النيابية
وتتم على مرحلتين أو اكثر حسب النظام السياسي المتبع بالبلد المتبني للعملية الديمقراطية ، أولى المرحلتين تتم بانتخاب الشعب لممثلين عنه ، يلتمس فيهم التعبير عن آماله وطموحاته ،ويعطيهم الصلاحية بالتكلم باسمه .
والمرحلة الثانية هي بممارسة الممثلين لهذه الصلاحية المخولة لهم من الشعب باتخاذ القرارات باسمه وبالنيابة عنه .

الديمقراطية بالعصر الحديث :
بدأت بالعصيان المدني عام 1642 ميلادي ضد الملكية في انكلترا بزمن الملك شارلس الاول ، حيث التزمها مجموعة من النبلاء لتحديد صلاحيات الملك ، وأخذ جزء منها لهم ، ثم اتخذت مجموعة من الفلاسفة زمام المبادرة من أمثال الفرنسيين مونتسيكيو وجان جاك روسو ، والامريكيين توماس جيفرسون وجيمس ماديسون .
بنهاية القرن التاسع عشر اصبحت كل مملكة اوربية غربية تقريبا تحدد صلاحيات العرش ، واعطت صلاحيات أكثر للقيادات السياسية الشعبية .
نرى الآن اختلاف التطبيق الديمقراطي من بلد لآخر ، وكذلك اختلاف شكل المجالس النيابية وأعدادها ومسمياتها وصلاحياتها ، فهناك بلدان تأخذ شكل الملكية الدستورية كما في بريطانيا ، أو الجمهورية الدستورية كما في أميركا وفرنسا ، وهناك بلدان ينقسم المجلس النيابي إلى مجلسين كما في بريطانيا وأمريكا ، أو يبقى مجلس واحد كما في الديمقراطيات الاسكندينافية ، كذلك المسميات ، فهناك مجلس العموم ومجلس اللوردات كما في بريطانيا ، أو الكونغرس ومجلس الشيوخ كما في أمريكا ، وهكذا .
أذن الديمقراطية هي شكل من اشكال ممارسة السلطة ، تختلف من مكان لآخر ، وتختلف من زمن لآخر ، وتختلف حسب فهم الناس لها ، وحسب منظومة القيم السائدة بالمجتمع حين التطبيق . هي ممارسة للسلطة تحتاج لبناء مجتمعي يبدأ من اصغر خلية بالمجتمع والتي هي الاسرة ، لتنمو وتكبر وتحترم تطبيقا فعليا ، وليس قولا فقط .
وهناك خلط رهيب على مستوى الثقافة الشعبية بين مصطلح الديمقراطية والحرية ، نراه بالأخص بمجتمعاتنا الشرقية ، فالديمقراطية هي أسلوب ممارسة السلطة على مستوى الدولة ، كما هي أسلوب حياة ، أما الحرية فهي قيمة من القيم الأخلاقية المجتمعية الحضارية وبالأخص بالمجتمعات الليبرالية ، وهي حالة صحية بالمجتمع الديمقراطي .
نعم حتى تكون الديمقراطية ناجحة وفاعلة تحتاج الى الحرية ، ولن تعيش ديمقراطية وتستمر بدون حرية ، ولكن وجدت الديمقراطية دون الحرية بالعصور السحيقة كما رأينا ، حيث كانت ديمقراطية مع عبودية ، كذا الأمر بالعصر الحديث حيث كانت الديمقراطية الأمريكية حتى وقت قريب لا تعترف بحقوق السود أو الهنود الحمر .
وكل هذه الديمقراطيات هي ناقصة ، لأنها ميزت بين الناس على أسس اقتصادية أو لونية أو جنسية أو دينية أو غيرها ، وهي لا تمارس منظومة الحقوق المدنية لجميع أفراد المجتمع بالتساوي ، وهذا خلل أيضا بالتطبيق الليبرالي الضامن لحقوق الفرد دون تمييز .

الليبرالية الديمقراطية :
كما عرفنا بمقالاتنا السابقة حول الليبرالية من أنها هي الحرية الفردية المتمثلة بمجموعة الحقوق الفردية الضامنة لحياة كريمة للإنسان دون تمييز على أساس الجنس أو اللون أو المعتقد الديني أو أي شكل آخر من أشكال التمييز ، وكما رأينا من أن الديمقراطية هي شكل من أشكال تداول السلطة بطريقة سلمية سلسة ، وهي شكل من أشكال إدارة الدولة المدنية العصرية ، لذا كان من الضروري أن تقترن الليبرالية بالديمقراطية حتى تنجح الليبرالية ، وكذا تنجح الديمقراطية أيضا وتكتمل .

ولكن هل ممكن أن تكون هناك حرية فردية دون ديمقراطية ؟
نعم ممكن ذلك ، لكنها ستكون حرية مقيدة تصل لحدود معينة لا تستطيع تجاوزها ، وبالاخص على المستوى السياسي ، فهي ممكن ان تكون حرية جنسية او عقائدية او تعبيرية او فكرية اوغيرها من الحريات ، ولكن محرم عليها الوصول الى مستوى القرار السياسي أو محاكاته أو مجرد التقرب منه ، وبالتالي لن تكون هذه الحرية هي الليبرالية نفسها ، لأنها أعطت حقا أو أكثر وحجبت حقوق أخرى ، فمن ضمن الحقوق التي تنادي بها الليبرالية هو حق الانتخاب ، أي حق الفرد بشكل الحكم وطريقته ورجالاته .
وهل ممكن أن توجد ديمقراطية دون حرية ؟
طبعا غير ممكن ، لأن أهم أساس للديمقراطية أن تعطي حرية الاختيار ، فان سلبت هذه الحرية فلا أساس لهذه الديمقراطية ، بل ستكون ديمقراطية شكلية فقط ، كتلك الممارسة بأكثر بلداننا العربية ، من دعوة لانتخابات معروفة ومضمونة للحاكم مسبقا ، حتى دون حضور الناخب لصناديق الاقتراع أحيانا كثيرة .

الفرق بين الديمقراطية والديمقراطية الليبرالية :
• هناك فرق جوهري رئيسي بين الديمقراطية بشكلها العام وبين الليبرالية الديمقراطية ، فكما رأينا بمثال مدينة أثينا ببداية مقالنا ، كان حق الانتخاب مقتصر على أفراد بعينهم ، وحرمت طبقات كثيرة من هذا الحق ، كما حرمت النساء أيضا ، حتى المنتميات لطبقة الأغنياء .

بينما في الديمقراطية الليبرالية ، فجميع أفراد المجتمع لهم نفس الحقوق ، وبالتالي لن يكون هناك حجب أو منع لأي فرد من حق الانتخاب ، لا على أساس الطبقة ، أو المال ، أو الجنس ، فبالتالي سيسمح للنساء بالانتخاب ، كما لن توجد طبقة عبيد ، لأن الليبرالية لا تقبل بالعبودية بأي شكل كان أو مسمى ، وبالتالي لن نجد أي تمييز بين أفراد المجتمع .

• في الديمقراطية العادية يكون هناك حكم الأغلبية الفائزة بالانتخاب ، وبالتالي تتكون ديكتاتورية الأغلبية ، والتي تؤدي إلى ضياع حقوق الأقلية ، فلو كانت هذه الأقلية هي ليست فقط أقلية حزبية كما هو الحال في أكثر دول أوربا ، بل لو كانت أقلية دينية أو مذهبية مثلا كما في أكثر بلداننا العربية ، فأن ديكتاتورية الأغلبية هذه ستؤدي لضياع حقوق الأقليات ، بل ستؤدي حتما إلى كبت وتأزم داخل أفراد المجتمع عامة والمنقسمين بين أكثرية وأقلية ، وقد تؤدي بالتالي لعدم تطور المجتمع وتقدمه لأن جزء مهم منه مهضوم الحقوق ، كما قد تؤدي لعدم الاستقرار داخل المجتمع ، أو إلى معارك جانبية قد تؤدي إلى زعزعة نظام الحكم بالكامل .

بينما في الديمقراطية الليبرالية فهناك ضمانات للأقليات كافة ، عدا كونها أقليات حزبية ، فمثلا يتم تخصيص مقاعد خاصة للأقليات يتنافس عليها الأفراد المنتمين لتلك الأقلية ، قد تكون أقلية دينية مثلا ، نكون بالتالي ضمنا أن صوت الأقلية يكون مسموع ، كما انه سيكون مدافع عن حقوق أقليته بأي تشريع جديد قد يكون مجحف بحقها .

• في الديمقراطية العادية لن يكون هناك ضمان للحريات الفردية ، كحرية المعتقد وتغييره مثلا ، أو الحرية الثقافية ، كحرية النشر والتعبير ، وبالأخص للأقليات .

بينما في الديمقراطية الليبرالية فان كل هذه الحقوق مضمونة ضمن الحقوق الفردية لكل أفراد المجتمع ، وبالتالي لن نتخوف من تظلم من الأقليات بممارسة حقوقها ، كذا لن نتخوف من الأفراد بممارسة حقوقهم المضمونة بالقانون .

• في كثير من الديمقراطيات العادية الغير ليبرالية لا يكون هناك حدود واضحة تفصل بين السلطات الثلاث ، التشريعية والتنفيذية والقضائية ، بل أحيانا كثيرة نجد هناك تداخل بينها ، وبالأخص بين السلطتين التشريعية والتنفيذية ، وأقرب مثال جميع بلداننا العربية ، فالحاكم أو رئيس الجمهورية أو الملك أو الأمير يصدر قرار أو مرسوم جمهوري أو أميري ، وهذا القرار يصبح قانون ، ويقوم نفس الحاكم بتطبيق القرار باليوم التالي ، أي الحاكم مارس سلطة تشريعية بإصدار القرار أو القانون ، ثم مارس سلطة تنفيذية كسلطة حاكمة تنفذ القرار .

بينما الديمقراطية الليبرالية ترفض ذلك وتمنعه بالتطبيق ، حيث المبدأ الأول أنه لا يمكن لنفس الشخص من ممارسة أكثر من مهمة ، فأما أن يكون رئيس للبلد ، وبالتالي لا يستطيع التشريع ، لأن التشريع يكون محصور بالسلطة المنتخبة من الشعب ، أي البرلمان ، وحتى لو كان الرئيس منتخب من الشعب ، فمهامه تكون فقط تنفيذية ، أي هو بأعلى الهرم السلطوي التنفيذي ، ولكن ليس له الحق بتشريع القانون ، أو أن يكون بالسلطة التشريعية ، وبالتالي لا يستطيع التنفيذ .

• في الديمقراطيات العادية لا تجد فصل كامل بين الدين والدولة أو السلطة ، حيث أن مدى تدين الحاكم بدين معين أو مذهب معين سيؤدي لمحاولته أن يغلب رؤيته المذهبية على جميع أفراد المجتمع ، ولو كانت الأغلبية تدين بنفس ما يدين به الحاكم ، فما يكون مصير الأقلية الدينية التي تختلف معه عدا الظلم .

بينما في الديمقراطية الليبرالية لا يوجد خوف على تأثير الدين أو المذهب على السلطة ، لأن السلطات تكون نابعة من أفراد منتخبين من كل أطياف المجتمع باختلاف تنوعاته الدينية والأثنية ، وبالتالي سيكون هناك تمثيل ولو بسيط للأقلية الدينية يؤدي لدفاعها عن مصالحها .

• الشرعية للسلطة في الديمقراطية الغير ليبرالية تكون ضعيفة ، لأنه ما زالت هناك شرائح من المجتمع مغيبة ، وتشعر أنها ناقصة الحقوق ، كمثال الشرعية لنظام الحكم في مصر .

بينما في الديمقراطية الليبرالية فأن الشرعية للسلطة تكون كاملة ، لأن كل أفراد المجتمع قاموا بصناعة السلطة ، وبالتالي هي نتاج تفاعلاتهم مع بعض ، وهذا يؤدي إلى تقليل ظهور الحركات أو الأحزاب المسلحة المنادية بسقوط السلطة أو تغييرها ، أو على أقل احتمال المناداة بأنها لا تمثلهم .

• قد تتكون معارضة قوية في الديمقراطيات البسيطة بسبب أن الخاسر بالانتخاب يحس أنه ليس فقط خسر السلطة ، بل خسر حقوق يعتبرها جوهرية ، قد تؤدي هذه المعارضة إلى انقسام المجتمع على نفسه .

في حين أن في الديمقراطية الليبرالية فأن المعارضة لن تكون بشكل حاد كما سابقتها ، بل ممكن أن نسميها بالمعارضة الموالية أو الهادئة ، لأنها تعلم أن خسارتها هذه هي مرحلية أولا ، ثم أن خسارتها هي فقط خسارة سياسية لا تترتب عليها خسائر بالحقوق ، لأن حقوقها مضمونة ضمن الليبرالية .

• الديمقراطيات العادية تنادي بالانتخاب فقط وصناديق الاقتراع ، وهي بالتالي لن تنتج ديمقراطيات فاعلة حقيقية ، لأن المجتمع يفتقد لثقافة ديمقراطية حقيقية ممارسة ، مثل مؤسسات المجتمع المدني .

بينما الديمقراطية الليبرالية وبسبب وجود الليبرالية الملازمة للديمقراطية ، فأن الليبرالية ترفع من الثقافة المجتمعية بتشجيع إنشاء مؤسسات المجتمع المدني بمختلف مناحيه ، وهي ليست ممارسة انتخابية فقط بإملاء صناديق الاقتراع بين حين وآخر ، بل هي ثقافة تبنى داخل المجتمع يمارسها يوميا في الشارع والبيت والعمل والمدرسة ، تؤدي به لاحترام حقوق الغير ، كما تعرفه بحقوقه وتعطيه أدوات حمايتها ضد أي انتهاك من أفراد آخرين أو من سلطة حاكمة .

• في الديمقراطيات غير الليبرالية لا يتم تغيير الحكومة ، أي السلطة التنفيذية على أساس الذي نجح بالانتخاب ، بل يتم تعيين السلطة التنفيذية من قبل رئيس البلد ، وأكثر بلداننا العربية التي تدعي الديمقراطية ، يعين رئيس الجمهورية ، أو الملك ، أو الأمير رئيس الوزراء بأمر رئاسي ، كما أن ظهرت معارضة للحكومة ، أو إن تعرضت لاستجوابات بالبرلمان ، فما على رئيس البلد سوى تنحية رئيس الوزراء ، ثم بعد يومين يعيد تكليفه من جديد ، أنظر إلى حالة الكويت أو الأردن كمثال قريب على ذلك .

بينما في الديمقراطية الليبرالية ، فتعيين الرئيس ورئيس وزرائه يتم داخل البرلمان ، بل وتتطلب الكثير من الليبراليات الديمقراطية أن يكون المرشح للرئاسة أو رئاسة الوزراء عضوا بالبرلمان حتى يتم ترشيحه للمنصب ، إذن لن نجد عملية تعيين من هرم رئاسي ، أو تكليف ملكي أو أميري .

• في الديمقراطيات الغير ليبرالية تنبع شرعية السلطة الحاكمة من هرم السلطة ، كما أن السلطة تنزل من رأس الهرم إلى الأسفل حتى تصل للمواطن البسيط .

بينما في الديمقراطية الليبرالية فأن شرعية السلطة ، بل السلطة بذاتها تنبع من الأسفل نحو الأعلى ، حيث أن المواطن البسيط هو صاحب السلطة ، وهو الذي يقرر من سيكون بمرتبة أعلى بسلم السلطة ، وهو من يستطيع حرمان الحاكم من سلطاته بعدم انتخابه مرة ثانية ، أو بمسائلته ومحاكمته .

• في الديمقراطيات الغير ليبرالية ، لا يعني وجود ديمقراطية أن المجتمع ديمقراطي ، بل العكس ، فالأفراد ليست لهم حقوق متساوية بالكامل ، كما لا يستطيعون ممارسة حقوقهم التي تدعي ديمقراطيتهم حمايتها لهم .

بينما في الديمقراطية الليبرالية فأنك تجد مجتمع ديمقراطي يسير جنبا إلى جنب مع الديمقراطية على مستوى السلطة ، حيث من حق أي فرد أن يعترض ، وأن يشتكي حتى على أعلى رأس بالدولة ، كما من حقه أن يتظاهر ، أو أن يمتنع عن القيام بعمل غير مقتنع به ، أي أننا لن نجد جبروت سياسي أو ثقافي أو أي شكل آخر من الجبر .

• في الديمقراطيات الغير ليبرالية يكون هناك دستور ، ولكن تجد قلما يحترم هذا الدستور ، بل في كثير من الأحيان يعطل الدستور ويعمل بقانون طوارئ أو أحكام عرفية ، وهي أعذار واهية لتعطيل الدستور وبالتالي تحجيم دور المؤسسات الديمقراطية وعمل الأحزاب والحريات الفردية ، مثال ذلك ما قام به أمير الكويت السابق بتعطيل العمل بالدستور وحل مجلس الأمة لسنوات ، كذا حالة مصر ، حيث قانون الطوارئ منذ اغتيال السادات وليوم كتابة هذا المقال مستمر .

في الديمقراطيات الليبرالية لا يملك أي فرد سلطة تعطيل الدستور نهائيا ، حتى بزمن الحروب والاضطرابات ، وبالتالي ممكن تسميتها أيضا بالديمقراطيات الدستورية .

تعريف الديمقراطية الليبرالية :
نظام سياسي تكون فيه السلطة بيد الشعب عن طريق مشاركة جميع أفراده البالغين سن التصويت بانتخاب ممثليهم بمجالس برلمانية والتي تمثل السلطة التشريعية بالبلد ، كما تؤدي الانتخابات إلى إيجاد سلطة تنفيذية كحكومة للبلد .
يجب أن يكون للبلد دستور ، كما يجب الفصل بين السلطات الثلاث ، التشريعية والتنفيذية والقضائية .
أن تحترم حقوق الأقليات الأثنية والدينية ، كما أن تحترم حقوق الفرد عامة ، من حرية التعبير ، إلى تكوين الجمعيات ، وغيرها من الحقوق ، وأن لا يتم التمييز بين الأفراد على أساس الجنس ( رجل وامرأة ) ، أو اللون ، المعتقد ، أو أي شكل آخر من أشكال التمييز .
أن يتم إنشاء دولة القانون والمؤسسات .

محمد الحداد
07 . 02 . 2009




#محمد_الحداد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الليبرالية ...الجزء الثالث فصل الدين عن الدولة
- الشعب في غزة بين كماشتي مٌجرِمَي الحرب ... إسرائيل وحماس
- غزة ... الضفة ... وصراع السلطة
- الماسونية
- نموذج جديد من أجل بناء الدولة لمواطني العراق
- الإستبداد الشرقي الضعيف


المزيد.....




- فن الغرافيتي -يكتسح- مجمّعا مهجورا وسط لوس أنجلوس بأمريكا..ك ...
- إماراتي يوثق -وردة الموت- في سماء أبوظبي بمشهد مثير للإعجاب ...
- بعد التشويش بأنظمة تحديد المواقع.. رئيس -هيئة الاتصالات- الأ ...
- قبل ساعات من هجوم إسرائيل.. ماذا قال وزير خارجية إيران لـCNN ...
- قائد الجيش الإيراني يوضح حقيقة سبب الانفجارات في سماء أصفهان ...
- فيديو: في خان يونس... فلسطينيون ينبشون القبور المؤقتة أملًا ...
- ضريبة الإعجاب! السجن لمعجبة أمطرت هاري ستايلز بـ8 آلاف رسالة ...
- لافروف في مقابلة مع وسائل إعلام روسية يتحدث عن أولويات السيا ...
- بدعوى وجود حشرة في الطعام.. وافدان بالإمارات يطلبان 100 ألف ...
- إصابة جنديين إسرائيليين بجروح باشتباك مع فلسطينيين في مخيم ن ...


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - محمد الحداد - الليبرالية – الجزء الرابع