أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عادل حبه - مجنون فوق السقف للكاتب التركي الساخر: عزيز نسين















المزيد.....

مجنون فوق السقف للكاتب التركي الساخر: عزيز نسين


عادل حبه

الحوار المتمدن-العدد: 2536 - 2009 / 1 / 24 - 09:04
المحور: الادب والفن
    


ترجمة:عادل حبه

عمّ الصخب والضجيج في سائر أنحاء القرية.

- " مجنون فوق السقف!"

وتقاطر الناس من كل زاوية لإلقاء نظرة على هذا المشهد. وفي البداية وصلت سيارات الشرطة المحلية، وتلتها سيارات الإطفائية بسلالمها الطويلة.

وتوجهت أم المجنون تلتمس ابنها بالنزول من على السقف:

- " عزبز گليبي، وليدي! انزل أروح لك فدوه. انزل أروح فدوه لطولك!"

وأجاب المجنون من فوق السقف قائلاً:

- " لا ... إذا لم تنصبوني مختاراً للقرية، فسأرمي بنفسي إلى الأسفل!"

قام مأمورو الإطفائية بنشر شبكة النجاة لكي ينقذوا الموقف في حالة قيام المجنون برمي نفسه إلى الأسفل.

وقامت مجموعة من تسعة أفراد بالإمساك بالشبكة. أما المجنون فكان يهرول من هذا الطرف إلى الطرف الآخر من السقف...بحيث اضطر المأمورون إلى اللهاث ورائه.. وقد غرقوا في عرقهم جراء هذه الهرولة.

وحاول رئيس مركز الشرطة بالتهديد أو بالتراضي إلى إقناع المجنون بالعدول عن فعلته وأن ينزل من بغلة الشيطان:

- " انزل عمي..عزيزي انزل!"

- - "نصبوني مختاراً للقرية وسأنزل...وإلاّ فسوف أرمي بنفسي في الحال"

لم يثمر التهديد ولا الترغيب ولا الالتماس ولا الرجاء عن أية نتائج وبقيت بدون أثر.

- " أخي إنزل إلى الأسفل...إنزل ...تعال لنتجول قليلاً!"

- " طز! تضحكون علي!...حسناً اذا بقيتم مصرين على التجوال، فإصعد أنت إلى الأعلى، فلماذا أأنزل أنا إلى الأسفل؟"

صاح أحد المتجمهرين:

- " نصبوه مختاراً للمحلة كي ينزل إلى الأسفل"

ونفخ آخر في حنجرته وقال:

- " من غير الممكن....ما هذا الهراء ..هل يمكن أن يشغل مجنون منصب المختار؟"

- يا إلهي ! هل من الممكن تنصيب مثل هذا المجنون الفالت كمختار للقرية؟"

- وأشار شيخ كهل وهو يتكي على عصاه قائلاً:

- " إن تنصبوه مختاراً أولا، فإنني لا أرى أنه سينزل عن بغلته!"

- " ربما من الممكن أن ينزل بشكل من الأشكال"

- " كلا . إنني أعرفه جيداً. إنه لا ينزل بعد أن توفرت له الفرصة بالصعود وركوب السقف"

- " لنجرب هذه المرة فعسى أن ينزل.."

- " إذا استطعتم إقناعه بالنزول ..فلينزل!"

وصاح آخر قائلاً:

- " انزل ولدي! لقد أصبحت مختاراً للقرية!"

ما أن سمع المجنون هذا الكلام حتى شرع بالرقص والهز فوق السقف وقال:

- "حسناً.... لا أنزل أبداً، فإن لم تنصبونني عضواً في مجلس المدينة، فإنني سأرمي بنفسي من فوق السطح".

نظر الشيخ الكهل نظرة الانتصار وهو يحدق في الجميع وقال:

- " ها ... سمعتم؟ ألم أقل أنه عندما يركب بغلته فلن يترجل عنها؟"

- " حسناً علينا أن نحقق مطلبه"

- " هو يطلب وانتم تستجيبون لطلبه. ولكنه لا ينزل ...فالإنسان لا يصعد إلى الأعلى خلال كل عمره إلاّ مرة واحدة. وعندما يصعد فإنه لا .."

- قطع الشرطي حديث الشيخ الكهل وصرخ باتجاه المجنون:

- " لقد انتخبناك ..وأصبحت عضواً في مجلس المدينة. يكفي الآن وإنزل، ولا تدع أبناء قريتك في حالة انتظار واستنفار!"

شرع المجنون من جديد بالرقص والهز، وبدأ بالغناء"

- " لا أنزل ، هاي... لا أنزل ، آخ ...لا أنزل ، وإخ ...لا انزل، وإذا لم تعينونني رئيساً للبلدية فلا تفكروا في نزولي من أعلى السقف.."

عندها دمدم الشيخ الكهل بالكلمات التالية"

- ماذا قلنا؟ وهل رأيتم؟ كان عليكم اتخاذ الإجراءات في الوقت المناسب...أما الآن فقد فات الأوان. وإذا ما نزل فهو ليس بمجنون بل إنه حمار!"

غرق آمر كتيبة الإطفاء بعرقه وأخذ يلتقط أنفاسه بصعوبة، وقال:

- " إذا قلنا أنه أصبح رئيساً للبلدية..فماذا سيحدث؟ دعوه يصبح رئيساً للبلدية". وهنا جمع كفيه حول فمه على شكل بوق وصرخ بأعلى صوته:

- " إنزل يافخامة رئيس البلدية! تعال لتمارس وظيفتك!"

عاد المجنون إلى هز بطنه وخصره وقال متذمراً:

- "طز! هل أحشر نفسي مع أناس عينوا مجنوناً برئاسة البلدية؟ ..لا... لا أنزل إلى الأسفل!"

- " به...إذن ماذا تريد؟ وماذا حلّ بك؟"

- " أريد أن أشغل منصب عضو مجلس النواب!"

وقام أهل الحل والفصل بعد تبادل الرأي بإرغام أحد الأفراد بترديد الصراخ التالي:

- "حسناً، لقد أصبحت عضواً. وما عليك إلا أن تنزل فالجميع في انتظارك".

وضع المجنون سبابة يده اليمنى على أنفه وشرع بالسخرية من الحاضرين وصاح:

- "هه هه هه! من غر الممكن! أنا؟ هل أنزل وأخالط أناس يعينون مجنوناً عضواً في مجلس النواب؟"

- " يا رب ..يا أخي، أردت أن تصبح عضواً في مجلس النواب واستجبنا لطلبك. إن أعضاء مجلس النواب ينتظرونك كي يعقدوا جلسة المجلس".

- " هل أن المطر يهطل بحيث تخلى أعضاء المجلس عن نزهتهم وراحوا يجتمعون في قاعة المجلس؟... هل أنزل كي تقبضوا علي وتقودونني إلى مستشفى المجانين؟ لا ..لا أنزل".

التزم الشيخ الكهل الصمت، ولكن بعد مدة بادر بالكلام وقال:

- " لا تتعبوا أنفسكم بدون نتيجة. أنني أعرف هؤلاء المجانين. فحتى لو انتُخِبتم انتم أعضاءً في مجلس النواب فسوف لا تبدون الاستعداد بالنزول!"

أثناء ذلك كان المجنون يردد التالي:
- " محافظ..محافظ...إذا تم تعييني في منصب المحافظ فسوف أنزل. وإلا سوف أرمي بنفسي من السقف..واحد...اثنين...

منع الحضور المجنون من تلفظ كلمة ثلاثة وصاحوا بأعلى أصواتهم:

- " نصبناك كمحافظ..أصبحت محافظاً..ولا ترمي بنفسك!"

عاد المجنون إلى الرقص والتذمر وقال:

- " وزير..اريد منصب الوزارة كي لا أرمي بنفسي!"

تحققت نبوءة الشيخ الكهل، والتف الحضور حوله قائلين:

- " ماذا نعمل؟ هل نعينه وزيراً؟"

أجاب الشيخ الكهل:

- " لقد فات الأوان... فالمقص والريش أضحيا بيده، ويجب الاستجابة لكل طلباته"

تعالى صوت الحضور:

- "نعينك وزيراً، أصبحت وزيراً، لا ترمي بنفسك، لا ترميها!"

- " سوف أرمي بنفسي"

- " لماذا؟ لقد أصبحت وزيراً؟"

- "هه هه هه ! يجب أن أتولى مسؤولية رئاسة مجلس الوزراء حتى أنزل إلى الأسفل، وإلا سأرمي بنفسي من السقف".

تجمع الجمهور حول الشيخ الكهل مستفسرين:

- "ماذا سيفعل؟"

- " هل سيرمي بنفسه؟"

قال الشيخ الكهل:" طبعاً سيرمي بنفسه".

ارتعب الجمهور وقالوا:" واي واي ..هل سيرمي بنفسه"، وبعد أن أصابتهم حالة من الرعب والهلع توجهوا نحو المجنون وصاحوا:" حسناً، نسلمك منصب رئاسة الوزراء. وعليك بالنزول!"

أخرج المجنون لسانه لخلق الله وقال:

- " إن منصب رئاسة الوزراء منصب هام، فماذا سأفعل بين الحمقى من أمثالكم لو نزلت من السقف؟".

- "سننفذ كل طلباتك، ولكن لا ترمي بنفسك".

تمدد المجنون على حافة السقف ودار برأسه نحو الحضور وسأل:

- " هل يعني أنني الآن رئيس الوزراء؟"

رد الحضور بصوت واحد:"نعم يا فخامة رئيس الوزراء!"

- " حسناً..إذن إنني رئيس وزراء الآن، فمتى أود النزول فسأنزل، ولا يتعلق ذلك بإرادتكم؟ إذا أردت النزول فسأنزل، وأن لم أرد فسأبقى في مكاني".

بدت ملامح النرفزة والعصبية على الشرطي وقال:

- "لقد ضحك علينا، لنتركه يرتكب ما يحلوله من العبث، ويرمي بنفسه في نار جهنم كي يقل عدد المجانين!".

ولكن بعد لحظات أعاد الشرطي حساباته وخاف أن يخلق كلامه بعض المشاكل له، مما دفعه إلى التوجه نحو آمر الكتيبة وسأله:

- "ماذا سنفعل؟ هل هناك من وسيلة لإنزال المجنون إلى الأسفل؟ فما هي مهمتك؟"

جمد الآمر في مكانه، وطرح نفس السؤال على الشيخ الكهل:

- " هل ممكن؟ وكيف؟".

- " نعم ممكن. لماذا لا يمكن؟"

- "كيف؟"

- " دعوني أتولى أمر نزوله إن سمحتم"

تراجع الجمهور إلى الوراء وهم يحدقون بالشيخ الكهل وكيف سيقوم بانزال المجنون إلى الأسفل.

صاح الكهل بالمجنون، الذي كان يرقص ويؤدي حركات غريبة الأطوار، قائلاَ:

- يا فخامة رئيس الوزراء، هل تتفضل بالتشرف بزيارة الطابق السادس؟"

ما أن سمع المجنون كلام الشيخ الكهل حتى أجابه بكل جدية:

- " حسناً جداَ حسناً... لقد قررنا ذلك!"

عندها مر المجنون من الشباك المطل على السقف، ونزل من السلم الداخلي إلى الطابق السادس، وطل برأسه على الجمهور من أحد شبابيك غرف الطابق السادس.

قال الشيخ الكهل:

- " معالي رئيس الوزراء، هل ستزور الطابق الخامس؟"

- " نعم ... نعم سنقوم بزيارته"

وهكذا تفضل المجنون بزيارة الطابق الثالث وكف عن الرقص وهز البطن واداء الحركات الغريبة، واتخذ حالة من الوقار والجدية بدت على ملامح وجهه.

خاطب الكهل المجنون قائلاً:

- " هل سيتشرف رئيس الوزراء بزيارة الطابق الثاني؟"

- " نعم ..نعم! نتشرف بهذه الزيارة بناء على رغبتكم"

- " وهل سيتشرف رئيس وزراءنا المبجل بزيارة الطابق الأول؟"

وفي النهاية خرج المجنون من العمارة وسط الهلاهل وصياح الجمهور وترحيبهم متوجهاً إلى مركز الشرطة وقد مد يديه إلى الأمام كي توضع القيود وقال:

- " تعالوا يا أخوان، ثبتوا قيودكم في يداي، وقودوني إلى مستشفى المجانين... لا بد أنكم قد تعلمتم كيف تتصرفون مع المجانين!"

عندما قادوا المجنون، التف الجمهور بشوق وحماس حول الشيخ الكهل. نظر الرجل بحسرة على العمارة ثم ألقى بنظره على الجمهور، وهز رأسه بأسف وقال:

- " لم تواجهني مشكلة. لقد قضيت 40 سنة من عمري في السياسة، وأبيض شعر رأسي من جراء السياسة..".

عندها تأوه وقال:

- " للأسف ضعفت ركبتي، وإلاً لصعدت إلى فوق... وعندها سوف ترون ماذا يعني أن يقف الإنسان فوق السقف ... لو ذهبت إلى الأعلى فلا يستطيع بنو البشر أن يجروني إلى الأسفل.





#عادل_حبه (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قميص عثمان يفرخ قميص غزة
- هيهات منا الذلة-
- لنعمل على بناء الدولة العراقية الديمقراطية الحديثة المستقرة
- رئيس بلدية نموذجي!!! للكاتب التركي الساخر عزيز نسين
- هل أن السيد طارق الهاشمي جاد في دعوته لنبذ الطائفية ومحاصصته ...
- القبلة لإنطون پاڤلوڤيچ چيخوف
- حكاية وزير مزور
- على هامش طرح مسودة الاتفاقية العراقية-الامريكية
- كيف ستجرى الانتخابات في ظل عدم وجود قانون للأحزاب؟
- تغييرات في القاعدة الاجتماعية للحكم في إيران
- أية اتفاقية يريدها العراقيون مع الولايات المتحدة؟
- الأزمة المالية العالمية وآفاقها
- الطائفية داء اجتماعي مدمر يحتاج إلى علاج جذري
- لن يستطيعوا اغتيال ما تحمله من نور في قلبك ومن حبنا لك ياكام ...
- بغداد والشعراء والصور ذهب الزمان وضوعه العطر -رحبانيات-
- اليوبيل الذهبي لثورة 14 تموز عام 1958
- إنقذوا حياة أبو بشار
- جذور الاستبداد وبذور الديمقراطية وآفاقها في العراق
- نحو انتخابات نزيهة لمجالس المحافظات وقانون ديمقراطي للنشاط ا ...
- نحو إقامة مركز وثائقي للحزب الشيوعي العراقي


المزيد.....




- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...
- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...
- لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش ...
- مغنية تسقط صريعة على المسرح بعد تعثرها بفستانها!


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عادل حبه - مجنون فوق السقف للكاتب التركي الساخر: عزيز نسين