أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - يحيى علوان - ظِلٌ لَجوج















المزيد.....

ظِلٌ لَجوج


يحيى علوان

الحوار المتمدن-العدد: 2535 - 2009 / 1 / 23 - 09:15
المحور: الادب والفن
    



في صباحٍ صافٍ مثل عين الديك ، ودّعتُ الفِراشَ بمزاجٍ صَبوح ، قرّرتُ أن أُذيب الفرحَةَ في فنجانِ القهوة ، وأن أبدأ النهارَ مُتراخياً ، تاركاً قميصي مفتوحاً لرياحِ الصدفة بما حَمَلَت .....

لا هو إستأذنني ، ولا أنا دعوته ،.... هكذا قرَّر مرافَقَتي ، ظهيرةً ، في
الطريق إلى البحيرة القريبة ... كنتُ أنشدُ خلوةً ، أخطِفُ فيها من الغفلة ما يُعينني على الكتابة ....

على المِصطَبَةِ ، إلى جانبي استراحَ ظلِّي ، واقيةٌ من الشمس تَعتَليه ... وبنظرةٍ جانبيةٍ ، راحَ يتلصّصُ على ما كنتُ أشرعُ بكتابته ... نهَرتُه ، لأني أكره اللصوصية واللصوص ...! فما أنتهر !... ثانية ،... ثالثة... ، .. فما نفعت معه ...

أخيراً ، قرّرتُ التعايش معه.. !! ... لكنني ، قَبلَها، قََرَصتُهُ من أُذنه ، عَلّي أَحمِِلُهُ
على الرحيل ، فأنفرِدَ بنفسي ....

هيهات !
.....................

نَهَض العراءُ ... لَملَمَ أشياءه على عَجَلٍ ، معهُ أخَذََ الغبارَ وارتَحَل ، إِلا ظِلّي !
صِحتُ به ...وَيحَك !! ماذا تُريدُ منّي ؟! أتركني وشأني ....

بمنتهى الهدوء هَمَسَ لي :" أُريدُ لكَ أن تَسمَعَ المرئي ، وترى المسموع! "
...............

قُلتُ له ، مُخاتلاً :" أُريدُ أن أكتُبَ عن صغيرتي ".

قالَ ...هات !

قُلتُ ، أسمَع ، إذاً.. "أمس ، عادَت ندى من الروضة على جناحٍ من الفرحَة غيرَ مسبوقٍ . طَوّقتني بيدَيها الصغيرتين.. بابا ، تعلّمتُ العدَّ .. ألديكَ حصىً ، أو حَجَراً
أُريكَ ما تعلَّمته اليوم... ؟! "

قُلتُ ..لا
قالت مُحتجّةً :" ولكنني أحتاجُ شيئاً أعُدُّه !"
قُلتُ .. هاكِ أذاً ، ولكن لا تَفزَعي ، فلديَّ من النُدوبِ ما يَفيضُ على ما تَعلّمته من العدِّ
اليوم ..!"

لم تَفهَم ما أرَدته ،... وكيفَ لها ؟!!

عرَّيتُ صدري وظهري ، وقُلتُ :" هاتِ يا ذُُُبالةَ العمرِ ما تعَلَّمتهِ !"
" واحد ، اثنان ، ثلاثة ، أربعة ، خم..سة ، س...بعة...تسعة ،ستة ؟ بابا ! هذا كثير ! فرانكا ، لم تَصِل معنا إلى هذا الحد.. !!.. كم هو عددُها ؟؟"

قلتُ .." خمساً وأربعين.... !!"

بأصابعها الصغيرة ، البضّة ، أشارت لي متسائلةً عن الأربعينَ وخَمساً ...
حاولتُ أَن أُقَرِّبَ لها الصورة :" إحدى عشَرَةَ مرة بقدرِ عيد ميلادكِ الأخير وأَزيَد !"
.......................

" قف ! هذا يكفي ! لا تَستعبطني أكثر ! ولا تكذب علَيّ ...!"قالَ الظل .
.......................
.......................

مُتَلبِساً ، أَمسَكَ بي ... !!!

" أنا كاذبٌ ، يا سيدي ، كاذب ! هل يكفيكَ هذا ؟!

هذه القصةُ ، اختَلَقتُها ، لأُخفي أُخرى ،.. فيها ظَبَطَتني بُنَيَّتي جاثِياً ، أتلَصَّصُ على نفسي .... لم تُكَلّمني ، تَرَكَتني مصعوقاً ، كَمَن ضُبِِطَ فوقَ امرأةٍ في فُندُقٍ مشبوه . - خَيَّبت أَمَلي فيك - عبارةُ وحيدة ، أَسقَطَتها في الفراغ، وانسحَبَت إلى غرفتها ، دون إيضاح !!"

"أصدِقِِ القولَ معَ نفسِكَ أَولاً ! فما جِئتَ إلى هنا من أَجلِِ هذا ..!"

قُلتُ :"صدَقت .. !

جئتُ اُحاوِرُ طيفاً ، وطناً... يُذكّرني برائحةِ أُمي وثيابها ، حيثُ يتدفأ القمرُ في حضنها..... وطناً جحوداً يُنكرُ حتى خوفَها عَلَي ....!"

" وعمَّ تبحث ؟!" سألني مستغربا .
ً
ـ" أبحثُ عن الاختلافِ ، يا هذا ، الاختلافُ الذي لا يكِفُّ عن الشك في اليقين ، لأنَّ
الإجماع َ من صِفاتِ القطيع !"

"ماذا تريدُ إذن...؟؟ "

- ـ " لا أُريدُ منه شهادة حُسنِ سلوك ! لأني أعرفُهُ جحوداً... فهذا وطنٌ أحرَقَ كلَّ مراكبه ليبني منها عروشاً للأميين ، والقَتَلَة ، واللصوص ، والنهّازين ، ويحوَّلَ أشرعتها عمائمَ للتنابلِ والأفّاقين ، وجلاّبات أفغانية للأعارِبَة ، والمعتوهين من الكبت الجنسي ...
-
إيـــــــه ...، يا وطناً يتسلّلُ إليَّ من الأبوابِ الخَلفيّة !!.. لا نفعَ في تَسَلُّلِكَ . فقد سَرَقتَ مني كل شيء ، إلاّ حفنة من رؤوسِ أقلامٍ ، ورؤوس أحلام..... لم يَعُد هناكَ ما يستحقُّ التسَلُّل مثل لص ....

وهبتُكَ كل شيء ، لكنكَ أكذب الأوطان ، وأنا أَحمَقُ عُشّاقِك....
أَجبني ، يا وطناً يحترفُ الردّة من يومِ عاد ، من أَيِّ تَكية ٍ تَعَلّمتَ الرقصَ في الجحيم ؟
مَن علَّمَكَ لُعبةَ الغولف ، بجراحاتنا وشظايا الذاكرة ... ؟!"

" إذا كان الوضعُ مثلما تقول ، فهل يعني أنكَ تَحِنُّ إلى ما فات ؟؟"

ـ "كنتُ أُؤمن بأن الغدَ أجمَل . لكن التأريخَ ، وإن فاجئني بخيباتٍ جديدة ، لن يُغريني
بمدحِ الأمس ... لأني ، دونَ خلاصٍ ، أدمَنتُ النظرَ إلى أبعد من أُرنُبَةِ الأنف ..! ولن
أقَعَ فريسة لثنائيةٍ موهومة... إما هذا الطاعون ... وإما ذاكَ الكابوس اللعنة...!!"

" لكنَّ الناسَ أرادت هذا !"

ـ "هذا كَذِبُ صريح ! كل الناس طيبون وشرفاء ، إذا أشفيتهم من الفاقة( مادية كانت
أم روحية) إلا تلكَ الزهور الحمراء ، المخصوفة في صدورِ العساكر ِ بين وسامٍ
ونجمة ....
...كلُّ اليمامات طاهرة ، حتى لو بالت على شُرُفاتِنا ، إلآّ تلكَ ، التي يُدّربها الجبابرة ُ
والطُغاة على الرفرفة في أعياد ميلادِهم ...!"

" أنتَ تهذي ، وفي أحسنِ الأحوال تحلم .." قال الظلُّ ساخراً

ـ قُلتُ :"هذا زمنٌ وغد ، إذا لم تُحافظ فيه على الحلم ، ستجِدُ نفسَكَ في خانةِ المزابل والقاذورات...
زمنٌ حقيرٌ تَقَزَّمَت فيه حتى قامات الأعداء ، فلا تَجدُ عدواً كبيراً تكبرُ به ...
فكيفَ تُريدُ منازلةَ ضآلةٍ يترَفّعُ سيفكَ عنها ...؟!"

" يبدو أن لا نفعَ مع ألمكَ وحُزنِك ...!"ثم أشاحَ بوجهه عنّي .

ـ "ليس للألم وطن ، يا سيَّدي ! وللحزن أكثر من طقس ! لكنني لستُ أدري ماذا يفعلُ الأنبياء والأولياء حينما يحزنون ؟ ماذا يفعلون زمن الرِدّة ؟ أتراهم يبكون
أم يُصلّون ؟ أما أنا ... فقد قّررتُ الرقصَ بركبَتَيَّ المعطوبتين ...فالرقص عبادةٌ أيضاً ...!"

" عِش حياتِكَ أنت ! وإن شئتَ جادلهم !!"

- " هذا هو عين ما يريدون ! لا حياةَ طبيعية مع الاحتلال ، وتحت الاحتلال !! نحن عراة الصدور، وهم في ‘ خضرائهم‘ مدججون بالواقيات... الناس تجوعُ حدَّ العهر ،
وهم مُتخمون عهراً... يُريدون لنا أن نُصَفِّقَ للبؤس ، ونُشهِِِرَ البهجَةَ لذلنا ‘ على طريقِ الاستقلال واستعادة السيادة ..!!‘ فكيفَ يستقيمُ الجدَل ..؟!"

قالَ : "من كلامكَ ، أَشمّ رائحةَ زمنٍ مضى ...!"

-" قد أُجازفُ بالظن أن المقاومةُ ، ليست تَرَفاً ، بل ضرورية وممكنة ! في زمنٍ شديد الغموض ، يتسَيَّدُ فيه انقلابُ المفاهيم والمعاني ، لكنه لا يُعَطِّلُ النشاط الذهني - الثقافي ، بل يشحذه ويدفعه حد رفضِ التطبيع مع ‘الواقع‘ المُصنَّع ‘إحتلالياً‘ ! فالنشاط الثقافي ، بما هو معرفة ، عاملٌ أساسيٌّ في صياغة الوعي ... من هنا تنبعُ أهميةُ علاقته بالواقع ، ليس انسجاماً ولا تكريساً ، بل إسهاماً في نشرِ الوعي الجمعي بضرورة تغيير هذا الواقع ، إلى ما هو أرقى إنسانياً ، وليس كما حصل في المرة السابقة ! فالجمال حرية ... والحرية جمال .. وبهذا تكونُ الثقافة المُدافعة عن الحياةِ والحرية ، شكلاً من أشكال المقاومة النوعية...."

" ليسَ لديَّ وقت كثير! قُل فكرتَكَ الأخيرة ، فقد تأَخّرتُ .. !"قالها الظل مثل طفلٍ انحبس بوله... نظرتُ ناحيته ، فوجدته قد استطال وابتعد عنّي ، متشوهاً مثل بقعة
زيتٍ على صفحة الماء..

ـ قلتُ :" سأُعلَّقُ كلماتي وصوتي على سعف النخيل ، وفي ساحات الذكرى ..، سأتسلّق قوسَ قَزَح وأكتُبَ نشيداً وطنياً ، لغيرِ هذا العاق.......... !!"

عندما انتهيتُ ، وجدته قد توارى ، فيما كانت الشمس تُلملِمُ آخرَ ضفائرها من البحيرة قبلَ أن "تحتضر!"

حَزَمتُ أوراقي وعُدتُ إلى البيت . فتَحتُ الثلاجة وتناولتُ زجاجة بيرة :"كاسك يا وطن!"ها أنا بفضلك نصفُ مواطن هنا ، لكن كامل الحرمان !!

كانت صغيرتي مستغرقةً في النوم ، والوطن يشخَرُ خارجَ اللحاف ، من صُرّته تشربُ
خيولُ الغزاة وتصهَل ....!!!

قَبَّلتُ صغيرتي ، التي ستكبرُ بعدي ، وذرَفتُ دمعةً على وطنٍ لن أراه ، لكنني أحمله معي وأُأُثِّثُ به غربتي ...
...........................

ررررررن .. أَفَقتُ ، ولقيتُ برلينَ تغطُّ في ظلمةِ فجرٍ شتائي كئيب .



#يحيى_علوان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- كَيْ لا تَهجُوكَ أُمُّكَ
- رأيتُ البَلّور
- هو الخريفُ يا صاحبي!
- أَيتامُ الله !
- حنين
- وطن يضيره العتاب، لا الموت!
- تنويعاتٌ تَشبهُ الهَذَيان
- وطنٌ يُضيره العِتابُ ، لا الموت !
- قناديل بشت ئاشان _ نقرٌ على ذاكرة مثقوبة
- تيتانك والجوقة !


المزيد.....




- -كائناتٌ مسكينة-: فيلم نسوي أم عمل خاضع لـ-النظرة الذكورية-؟ ...
- مصر.. الفنان بيومي فؤاد يدخل في نوبة بكاء ويوجه رسالة للفنان ...
- الذكاء الاصطناعي يعيد إحياء صورة فنان راحل شهير في أحد الأفل ...
- فعالية بمشاركة أوباما وكلينتون تجمع 25 مليون دولار لصالح حمل ...
- -سينما من أجل غزة- تنظم مزادا لجمع المساعدات الطبية للشعب ال ...
- مشهور سعودي يوضح سبب رفضه التصوير مع الفنانة ياسمين صبري.. م ...
- NOW.. مسلسل قيامة عثمان الحلقة 154 مترجمة عبر فيديو لاروزا
- لماذا تجعلنا بعض أنواع الموسيقى نرغب في الرقص؟
- فنان سعودي شهير يعلق على مشهد قديم له في مسلسل باللهجة المصر ...
- هاجس البقاء.. المؤسسة العلمية الإسرائيلية تئن من المقاطعة وا ...


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - يحيى علوان - ظِلٌ لَجوج