|
رأيتُ البَلّور
يحيى علوان
الحوار المتمدن-العدد: 2464 - 2008 / 11 / 13 - 06:36
المحور:
الادب والفن
صغيرتي إستوقفَتْ أُمّـها في الطريـق أمس ، جَسـَّتْ الـهواء بأنفـها الصغـير ، وصاحَتْ..ماما ! أَشُمُّ رائحةَ بابا..سيعود الآن .. أسرعي بنا إلى البيت..! أُمـها كانت قـد قالت لـها ... بابا في سـفرةِ عَمَل ، كـي لا تَجفَلَ الصغـيرة مـن مفـرَدَةِ مـريـض ، لأنَّ الأخـيرةَ إرتَبَطَتْ لديها برُعافٍ أصابَ خـالـها الصغـير بمراكـش ، إذ واصـَلَ الصـيامَ رُغمَ مَـرَضِه ! ، فراحت ندى تُقرِنُ مُفرَدَةَ مريض بالرُعاف ..)
مَنْ عَلَّمَكِ السِحرَ ، يا ندى ، بدونِ بخورٍ وخِرَزٍ ، أَو حَصىً ورمل ..؟ مَوكِبُ الغَجَرِ ما مَرَّ من هنا ، فالبلادُ على رَحيل ! أَتُراهم رَمَوا لكِ بسِحرِهم ، مَزموماً بصُرَّةٍ من قماشٍ ، يَتَخَفَّفوا بها من الجمارِك ؟!! * * * مـتى أَعــود ؟ ستنتظرينَ بعضَ وقتٍ ، يا ندى ، فَضُمّي إليكِ الأرنَبَ والدُبَّ ، ونامي ...، سيحملانِكِ على جناحٍ من اللهفَةِ ، إلى قصورِ الأميراتِ ، والفتياتِ الطيباتِ ، تَسومَهُنَّ أزواجُ الآباءِ سـوءَ العذاب .., لابُدَّ أنَّكِ ستساعدينهنَّ ، كما كُنتِ تقولينَ ، عندما أقراُ القِصصَ والأساطير لكِ .... نامي ، ندى ، نامي ! لنْ يأتيـكِ بابا عمّا قريب ! لأنـه مَرميٌّ فـي الشـريطِ العازلِ بين سـاحِلِ النسيان وتلالِ الذكرى ... إنـّه مـسافِرٌ إلـى حـدودِ مملَكَةِ البَلّور . هناكَ يسـمَعُ هَمـساً ، ويـرى أبخِـرَةً ... ، يُطِلُّ يسـارَ القلب ، فلا يـرى غيرَ بياضٍ بلّوري ، تضيعُ فيه الأبعادُ والمسافات ... أَهـوَ " العَــدَم "؟! ............................... يَسمعُ خريرَ سائلٍ ، ... أَتُراها نافورةٌ مستَتِرَة ، وهـذا نشـيجُ مـاءٍ يُغنِّي لحـناً في مَدحِ الصَمتْ ...!! ............................. صندوقانِ كبيـرانِ جـوارَ الكتِفَيْنِ ، يلفُظانِ أرقاماً خضـراءَ ، ويتجشئانِ أَصواتـــاً غريبةً ، ... أسـلاكٌ وأنابيبَ ، مثل أفـاعٍ نـحيفة ، تبـدأُ مـن الجانبيـن ، وتنتـهي في جسدٍ لا يشعُرُ به ... يَحارُ فـي الإجابَةِ عن سؤالٍ يُباغِتُهُ " مَنْ يَحمِلُ عَنْكَ خَيالَكَ ؟ فأنتَ مُنهَكٌ ، لا تَقوَى على مَنْعِهِ مِنَ السقوطِ على صَلابَةِ الواقِعْ ؟! "... يُعَلِّقُ السؤالَ على رَفِّ المُؤَجّلات ،.. يَستديرُ فيرى كائنـاتٌ خَضـراءَ ، وأَخضَرَ حـتى الخِمـار ، لا يدري أَبـوكِ لمـاذا يتراكضـون ، يقرصـونه فـي الوجـه ويضربونَ خَـدّه بين حينٍ وحين ...، يصيحون ، لكنـه لا يفهمُ ما يجري ... يَوَدُّ لو يسألُ.. . ، ربما يكونُ سألَ ، لكنَّ لسانَه ثقيلٌ ، ثقيل ، مثلُ رصاص ... يُغلِقُ عينيه كـي لا يرى " العالمَ الأخضَرَ " ومخلوقـاتِه ، يؤَمَّـلُ نفسـَهُ بسهوبٍ وسـفوحٍ ، يَعدو فيـها خَلفَكِ ، يَفحـَطُ مـن الركضِ ، فلا يلحـَقُ بكِ . وأنتِ ، أَنتِ تُكركرينَ ، كأنَّكِ ستفردينَ جناح المَرَحِ ، تطيرينَ مـعَ أسرابِ البـطِّ الـبرّيِّ ، صوبَ مَنبَتِ الدفء ... لكنَّ رجـاءَهُ لـمْ يُثمِـرْ ! .................................... تَتَلاشى من حوله دائرةٌ دوّارةٌ من الوجوه . يُداهمه بوليـرو رافيـل ، خَفيضاً ، مثـلَ حفيـفٍ ... يرتقي واثِقاً بعنـايةٍ ، صُـعوداً ، صُـعوداً ، بمظاهـرةٍ مـن الوترياتِ والنحاسيات والصنوج والطبول ... حتى يُهَيِّجَ البحـرَ ، لحنـاً يتواصَلُ صـداه ، حتى بعدَ الانتهاء ، ويتمَلَّكَ كـُلَّ حواسِّـه وأحاسيسه .... يقولُ لنفسه ، وهـو يقفزُ من السرير ، دوشٌ بــاردٌ ، هو مـا أحتاجه الآن . مُمتلأً بالبوليرو ، يقفُ تحـت الدوش ، يتـراءى له أنه يسـمعُ رنـينَ التلفـون .. تطيـرُ به الفرحَةُ ، يقفِزُ مـن تحتِ الدوشِ حـافياً نحـو الصـالة ، يُجَـرْجِرُ خَلفَـه خَيطـاً مـن المــاء يتَقَطَّر ، يكادُ يزلقُ به ويسقط .. وقبلَ أنْ يصِلَ إلى موقِعِ التلفون ، ينتبه إلى أنه تَرَكَ السمّاعةَ جانبَ الجهاز . إذن ، لمْ يرن التلفون . أَتكـونُ حواسـُّه قد خدَعَته إلى هذا الحـد ؟! أَمْ أنَّ خُدعَـةَ الحـواس ، وبسبب من وحدتِهِ ، قد بَنَتْ حولَه عالماً موهوماً تماماً ؟! قبْلَـها ، حاولَ الاتصالَ بصديقٍ لـه كان على موعدٍ مـعه وآخريـن اليـومَ ، ليذهبوا إلى مطعمٍ تعزِفُ فيه فـرقَةُ جـاز قَدِمَتْ إلى برلينَ من نيو أُورليانز.. ويَبُلُّـوا ريقـَهمْ بالبيرة الجيكية ... بيدَ أنَّ أحـداً من الأصدقـاء ، الذين فارقَهم متأخراً مساءَ الأمس ، لم يَرُدَّ على التلفون . اتصَلَ بالمستشفيات ليسألَ عنـهمْ ، مـا مـن أحدٍ يرُد .. مـراكز الشـرطة ، صامتةٌ أيضاً .. اتصَـلَ بعـدةِ مكـاتبَ لشـركات التكسي ، ليطلُبَ واحـداً ، يدور به على ُ بيوتهم ويتأكد من أمرٍ مجهولٍ ... لا أحَدَ يردُّ على الهاتف ... المـدينـةُ ، بشوارعها ، بساحاتها ومحلاتها تبدو قَفراً ، منقوعةً بسائلٍ أزرقَ يميلُ إلى السواد ! ما من ضوءٍ ، إلاّ فـي شـقّته ، فـي الـدور الحادي عَشَرْ ! كـأنها فـي ليلـةِ " شامي غريبون "*.
فَتـحَ التلفزيون ... الشاشةُ مَلأى بنُثـارٍ ثلجـيٍّ ، مصحوبٍ بخرخَشـَةٍ .... الراديـو ، هـو الآخـر أَخـرَس .... إذن ، هو وحيدٌ في المدينة ، ويمكنه القولُ أَنَّ المدينةَ أصبحَتْ مِلكَهُ ! ... ولكـن ماذا يفعَلُ بمدينـةٍ مُصـابَةٍ بجلطَةِ دمـاغٍ في الديموغرافيا والجغرافيا ، همُّها الوحيد اللعبُ على أعصابه المتوترة ... ، تكـاد بَوصلةُ الوقتِ تُجَنُّ في شوارعهـا وأزِقَّتِها ، حتى لكأَنَّ موشورَها أُصيبَ بالعمى ... لقـد غَـدَت مدينةً تعيـشُ زمناً لا أَرضيَّاً ، خـارجَ معـاطـِفِ الأزمنة ... من مكانه في الطابق الحادي عَشَرْ ، يُحاولُ ، خَلَلَ العتـمة ، أن يتبَيَّنَ خطـوطَ الترام ، التي لا تسـيرُ مستقيمةً كخطوطِ ثيرانِ الحرْث . إلتَمَعَ في خاطــره سؤال ، أَتكـونُ المدينـةُ كلُّها تشتركُ في مِزحَةٍ سـَمِجةٍ معه ، أطفَأوا الأنـوارَ ووقفوا يتَرَصّدونه خلفَ الستائرِ ؟ وإلـى متى تستمرّ هذه اللعبة ؟ لـمْ يَلبَثْ أَنْ أهمَـلَ السـؤالَ ،
فحديقةُ الحيوان ، في الشارع المقابل ، هي الأُخرى فَرِغَتْ . أَتُـرى أَنَّ الحيـواناتِ غـادَرَتْ أقفاصَها ، أزواجـاً ، أزواجـاً ، لِتَلحَـقَ بسفينةِ نـوح ؟ وهـلْ أَنَّ طـوفـانـاً آخَـرَ على الأبـواب ؟
يُغمِضُ عينيه بقوّة ، فيتَصَوَّرْ أنَّ الناسَ والحيوانات عَقَدَتْ معاهدَةَ عــدمِ اعتداء ، قبـلَ أَنْ يبـدؤوا الرحيـل ... يُفَكِّرُ هـل حَلَّتْ القيامـةُ فـي هـذه المدينـةِ فقط ؟ و أَيُ ذنبٍ اقتَرَفتُ ، كي أُعاقَبُ بهـذه الوحشـَةِ القاتِلَــة ؟!
لا يحتـاجُ المرءُ كثيراً حتى يُجَنَّ في مدينةٍ مهجورةٍ ، سَكَنَتْها الأشباح في ظرفِ ليلـة ، وتَبَخَّرَتْ فيها كلُّ أشكالِ الحياة والعيشِ المشترَكِ ... وعندما تنعَدِم أمكانيةُ الحديثِ مع أحَدٍ ، يغدو الجنونُ قريباً جداً ، يُمكِنُكَ أنْ تَمَسَّهُ باليد المجرَّدة ..! ............................. ............................. يُعيدُ السماعةَ إلى مكانها ، فوقَ الهاتف ، ويَرجِعُ إلى الحمّام ، يُدَندِنُ بلحنِ بوليـرو عالياً ، دونَ خوفٍ أن يُزعِجَ أحَداً من الجيران ، فالكلُ قد رَحَلْ . وعندما يمرُّ بالمرآة ، ينتبه إلـى أنَّ السـاعاتِ الماضية ، أضافَتْ إلى جبهته ومـا تحتَ العينين عدداً جديـداً من الغضونِ والتجاعيد . ورغـمَ بياضِ شعرِ رأسـه ، يتراءى له أنَّ شعره ازدادَ بياضاً. ثم لا يلبَثُ أنْ يكتَشِفَ في المرآةِ أمراً يُزيد من قَلَقِه وحيرته : فالمرآةُ تعكِـسُ قناني الكولونيا والعطـور ، بشكلٍ مخطـوء.... ! أو على الأقل ، لا ينطبقُ مـع الواقِـع . القناني ، التي على يميـن صحـنِ الزهور ، تبدو في المرآةِ على اليسار ، يُديرُ رأسه عدةِ مرّاتٍ بين المرآة والأصل . يَهُـزُّ رأسـه حيرةً ، غيرَ مُصَدِّقٍ ، ويقولُ لنفسه : حَـذارِ مـن هـذه الـمرآة الكاذبة ! فحتى عيناه لا تَبدوان بنفـس الحجم فـي هذه المرآة اللعينة .. فاليسرى أصغرُ ومرتفعةٌ عـن مستوى شقيقتها اليمنـى . وشـحمَةُ أُذنه اليمنى أطــولُ مـن مثيلتها اليسرى . وعندما تَطَلـَّعَ إلـى صـورةِ جسمه كاملاً في المرآة ، لاحَظَ أَنَّ خِصيتَه اليُمنى بعيدةٌ ، أسفَلُ اُختها اليسرى ...... كـلُّ ذلكَ وطَّـدَ اعتقادَه بأنَّ المرآةَ مغشوشة ! لكنه سُرعانَ ما فكـَّرَ ، لماذا يتَعَيَّنُ علَيَّ أن أُصَدِّقَ المـرآةَ ، في وقتٍ أعرِفُ تمامـاً موقـعَ قناني العطـور ، عكس ما تُظهِره المرآة !! خَـرَجَ إلى الشُرفَةِ ، فإذا الليلُ إبتَلَعَ آخـرَ خيـوطِ الضوء ، ونَـزَلَتِ العتمـةُ بالصمتِ المُعَلَقِ في الهواء ، إلـى مستوىً مُنخَفِضٍ يكادُ يُلمَسُ باليد ، لكنه لا يراه ....!
طَلَعَتْ أَناه من عنده وقالتْ له : أَحْسِن الإنصاتَ ، فأنَّ مَنْ يُجيده يغدو مشروعَ راوٍ يُتقِنُ الحَكَـايا ... قالَ : هذه مدينةٌ لا تَصلُحُ للحَكايا ... نحنُ جئنا من مُدُنٍ عتيقةٍ ، كنّـا نَحرِثُ النهارات بأزميل الشوق كي نحصِدَ الليلَ حَكايا . ونروحُ نَتَحَلَّقُ - بعدَ العشاء - حولَ موقِدِ النار ، ( المَنْقَلة أو المَجْمَرَة ) فَتَدورُ كؤوسُ الشاي وتتعالى أبخِرَةُ الحَرمَلْ ، وتَبلُغُ الفرحَةُ واحدةً من ذُراها عندما تَرفَعُ الجَدَّةُ الغطاءَ عن صحنٍ كبيرٍ ، لِما كانتْ تُسمّيه "فاكِهْة الشِتَه " ، هيَ تَمرٌ أَشرَسِيٌّ وجَوز ، بعدَها تَستَهِلُّ الحكايةَ بلازمَةٍ أَثيرةٍ عندَها : " يا سامعين الصوت ، صَلَوا عالنبي ..." فَنُصَلّي ونُكَبِّرَ بسرعةٍ ، نَستعجلُها لبدء الحكاية ، كي نَتوهَ في عوالمها ، دون أَنْ ننتبه إلى سُلطانِ النومِ حين يُداهِمُنا بغتةً . كنّا ، نحنُ الصغار ، نَنْحَشِرُ ببعضٍ طَلَباً لمزيدٍ من الدفء والشجاعة ، إذا ما إشتَدَّ توَتُّرُ الحكاية . فالحكايا كانت فِتنةَ المدينةِ وأزِقّتَها ، فِتنةٌ مُعَلَقة كفوانيسَ ماكِرِةٍ تُوهِمُ بالانطفاء ، كلما ازدادتْ شحوباً ، أَبًصَرَ ليلَ المدينةِ واتَسَعَتْ رؤيَتُه ، لرواةٍ سِهّيرينَ ، لا يمِلّـون أنْ يُلقُـوا في موقِدِ السهرَةِ ، مـا استطاعوا من حَطَبِ الحَكي . لذلكَ فأنَّ برلين لا تَصلُحُ لهذا اللون ، لأنها خَلَعَتْ قِفطانَ الحَكيِ ، أودَعَته متونَ التدوينِ ، وانصرَفَتْ إلى ألوانٍ أُخرى من السَهَر ..... * * *
فَتَحَ باباكِ عينيه مرةً أُخرى علَّه يرى وجهَكِ ولَوزَ عينيكِ ، بيدَ اَنّه سَقَطَ في كمينهمْ ، قالوا سنعمَلُ فتحَتَينِ في الرقَبَةِ ، نَلِجُ خلالهما إلـى داخِلِكَ .... ... افعلوا ما شِئتُمْ ، فليـسَ لديَّ ما أخـافُ من كشفِهِ ، فَصَفحتِيْ بيضـاء ، وسريرتي نقيَّةٌ بيضاء ...، اتركوني أنامْ ، لألحَقَ بالحُلُمِ ....
* * *
انتهَتْ "الحفلة" ، وما تَرَسَّبَ منها سوى صريرٍ في الأُذنِ ....نَقَلوه إلى غرفـَةٍ ، ذات إنارَةٍ هادئة مريحةٍ ، تشبه أَكواريومْ سمك الزينة ... قالوا له مرحبــاً بكَ مرةً أُخرى في هذه الدنيا ... فعلنا كلَّ ما نستطيع .. والباقي عليك ... هَمُّوا بالخروج .. صـاحَ باباكِ ، يا نـدى ، قفـوا بالله عليكم ! لا أَفهمُ شـيئاً ! ..... عليكَ أَنْ تَجِدَ حلاًّ للإضراب ... ..... أيَّ إضرابٍ ؟ وما علاقتي بالإضرابات ؟ أُريدُ أنْ أُواصِلَ حُلُمي ، كي أعودَ إلى عائلتي ، فصغيرتي لا تُطيقُ انتظاري ....! ..كِليَتاكَ والمثانة في حالةِ إضرابٍ ،.... تَصَرَّفْ ! ........................... ........................... مثلَ ستارةِ مَسرَحٍ ، أسدَلَ الأجفانَ بِبُطء ، وسافَرَ إلـى موقِعِ " الإضراب ". جَلَس قبالةَ المُضربينَ مُستكيناً ، لا يَلوي على قولٍ ..... .......................... .......................... كَسولاً ، كَسولاً ، يَتَفَصّدُ الزمنُ ، أَطرَشَ لا يَستَجيبُ لاستغاثَةٍ بالتعجيل ... يَطِقُّ كحبّاتِ مسبَحَةٍ ..... على إحدى الكليتينِ ، سـَقَطَتْ دَمعَةٌ ، قبـلَ أَنْ يُمسِكَ بـها .. انتَفَضَتْ ، خَضـَّتْ رأسَـهَا ورَفَسَتْ جارَتَها ، استأنفَتا الرقصَ رويداً ، رويداً إحداهُنَّ غَمَزَته أَنْ " عُدْ إلى مكانِكْ !"slow motion ......................... ......................... أَحَسَّ بكفٍ كبيرةٍ وثقيلةٍ ، حَطَّتْ على جَبهَتِهِ ، أَفاقَ ، أو رأى في المنامِ أَنـه أفاقَ ... رأى كائناً خُرافياً في حجمه ، مُلَفَّعاً بالأخضر ، من الرأس حتى القَدَمِ ، وخِمارٍ أَخضَرَ يَتَهَدَّلُ عندَ الذقن ، يَكشِفُ عن ابتسامةٍ حيادية ، لا تَني بشيء ... إلى جواره ، تقِفُ امرأةٌ بسحنةٍ خُلاسيَّة ، صغيرةُ الحجمِ ، مُجَعّدَةُ الشعر ، تنظرُ حانيةً مِثلَ أُم ...
مَـرَّ باباكِ ، يا نـدى ، بكاميرته ، مُتَمَهِّلاً ، كي يستوعِبَ المشـهَدَ ويفهـمَ لُغزَ حيرَتِهِ ........
ابتسَمَ المخلوقُ " الخرافي " ، حاملاً حُزمـَةَ أوراقٍ ... صَدَرَ صـوتٌ رقيقٌ ، غيرَ معلومِ المصدر :" نرجوكَ أَنْ تُوَقِّعَ هذه الأوراق ...." ..... " مَنْ أنتمْ ؟ أَينَ أَنا ؟ ولماذا أُوَقِّعُ ؟ " ..... " قُمنا بتدخُّلاتٍ على جسمِكَ ، يحظُرُ القانونُ القيامَ بها دونَ موافَقَـةٍ خَطيَّةٍ مُسبقَةٍ من صاحبِ الأمرِ ، أو أَحَدٍ من ذويه ... جاؤوا بِكَ إلى هنــا ، إلاّ أَنَّكَ لم تكـن هنا ...! لذلكَ نرجوكَ توقيـعَ هذه الأوراق ، كي لا نتَعَرَّضَ إلـى مُساءلةٍ قانونية .. خُلاصةُ الأمر ، انتَزَعناكَ من فمِ العفريت ، وجرجرناكَ لـهذه الدنيا..."
حينها ، أَحَسَّ بوَشوَشَةٍ ، تشبه تصفيقاً مكتوماً ، يَصِلُ من بعيــــــد . بعدَ شيءٍ من التردُّدِ ، وَقَّعَ بابا ، كي يعودَ إليكِ خلالَ أسبوعٍ أو اثنينْ ... ............................ ............................
أَشفَقُوا علَيكِ ، فأنقذوني ، لأَنَّكِ ما زِلتِ صغيرةً على اليُتمِ ، يا ندى !!
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ *تقليدٌ شيعيٌّ تُطفأُ فيه أنوارُ المدينة ، في الليلةِ التي تلي إستشهاد الحسين في واقعَةِ الطَفِّ ، تطوفُ فيه مواكِبَ ترتدي السواد وتحمِلُ شموعاً ، في محاولة لأستذكار محنةِ من بقيَ من عائلة الحسينِ وأتباعه ، حـينَ أُخِذوا سَـبَايا إلـى الشام ، في الغُربــة . ويبدو لي ، مما يتبَيَّن من التسمية ، وهي غير عربية ، أَنَّ التقليدَ المذكورَ ابتَدَعَهُ شيعةُ إيران ، فأَطلَقوا عليه هذه التَسمِيَة . ي.ع
برلين 24/ 10/2008
#يحيى_علوان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
هو الخريفُ يا صاحبي!
-
أَيتامُ الله !
-
حنين
-
وطن يضيره العتاب، لا الموت!
-
تنويعاتٌ تَشبهُ الهَذَيان
-
وطنٌ يُضيره العِتابُ ، لا الموت !
-
قناديل بشت ئاشان _ نقرٌ على ذاكرة مثقوبة
-
تيتانك والجوقة !
المزيد.....
-
هتستمتع بمسلسلات و أفلام و برامج هتخليك تنبسط من أول ما تشوف
...
-
وفاة الفنان المصري المعروف صلاح السعدني عن عمر ناهز 81 عاما
...
-
تعدد الروايات حول ما حدث في أصفهان
-
انطلاق الدورة الـ38 لمعرض تونس الدولي للكتاب
-
الثقافة الفلسطينية: 32 مؤسسة ثقافية تضررت جزئيا أو كليا في ح
...
-
في وداع صلاح السعدني.. فنانون ينعون عمدة الدراما المصرية
-
وفاة -عمدة الدراما المصرية- الممثل صلاح السعدني عن عمر ناهز
...
-
موسكو.. افتتاح معرض عن العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا
-
فنان مصري يكشف سبب وفاة صلاح السعدني ولحظاته الأخيرة
-
بنتُ السراب
المزيد.....
-
صغار لكن..
/ سليمان جبران
-
لا ميّةُ العراق
/ نزار ماضي
-
تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي
/ لمى محمد
-
علي السوري -الحب بالأزرق-
/ لمى محمد
-
صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ
...
/ عبد الحسين شعبان
-
غابة ـ قصص قصيرة جدا
/ حسين جداونه
-
اسبوع الآلام "عشر روايات قصار
/ محمود شاهين
-
أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي
/ بدري حسون فريد
-
أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية
/ علي ماجد شبو
المزيد.....
|