أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حمزة الحسن - عندما تنتهي الحرب وسلالات المستقبل















المزيد.....

عندما تنتهي الحرب وسلالات المستقبل


حمزة الحسن

الحوار المتمدن-العدد: 2530 - 2009 / 1 / 18 - 07:52
المحور: الادب والفن
    


في كتاب الروائي الالماني هيرمان هيسه مؤلف روايات " ذئب السهوب" و" الكريات الزجاجية" وروسهالده"و" سد هارتا" وغيرها، في كتابه اذا ما استمرت الحرب ـ مذكرات في الحب والحرب والسلام ـ الذي كتبت اغلب مقالاته تحت مناخ الحرب العالمية الاولى وبعضها خلال وبعد الحرب العالمية الثانية، رسالة متبادلة بين هيرمان وبين ماكس برود الصديق الحميم لكافكا وحامل وصيته التي تتضمن حرق كل رواياته بعد موته ولم يكن كافكا قد نشرها بعد لكن ماكس رفض تنفيذ الوصية.

في رسالة ماكس برود المرسلة من ميناء جنوا في 22 يناير 1948، استغاثة كاذبة من ماكس الى هيرمان يناشده فيها المشاركة في حملة تضامن ضد الغزو الذي يتعرض له اليهود عام 1948 في فلسطين، ويقصد بذلك الغزو العربي في تلفيق شنيع للحقائق والتاريخ. يقول ماكس:" قبل ان استقل متن السفينة الى ستعيدني الى " بلدتي" حيفا أود ان اتقدم اليكم بطلب: اتمنى منك وحدك أو مجموعة من الكتاب العالميين، ان ترفع صوتك في هذه الساعة المأساوية من التاريخ اليهودي. إن الغزو الذي يلقي الضوء على ماخلفه كفاح ايثاري ولاهوادة فيه لأجيال كثيرة... يهدد مواقع عزيزة على البشرية جمعاء وسيعمل على تدمير نوادر الكتب المطبوعة ـ يقصد مخطوطات قديمة ـ في القدس وتل أبيب اذا لم يتدخل العالم المتحضر... إنني مقتنع بأنه سيكون لصوتك ابلغ الأثر في استنهاض الضمير الانساني من سباته العميق ".

ماكس برود هنا يتجاهل المذابح الوحشية سنة 1948 ضد العرب في تلك الفترة ويخشى على" المخطوطات القديمة" في محاولة لاستمالة هيرمان هيسه المعروف بصرامته الاخلاقية والروحية وكرهه للسياسة ومعاداة النازية حيث اعتبر في وطنه كما يقول نفسه" شخصا مشبوها وغير مرغوب فيه اساسا". لكن رد هيرمان هيسه على هذه الرسالة يعكس أكثر من جانب وتتجاوز الرد على رسالة ماكرة من شخص أعجب كيف اختاره كافكا كحامل وصيته الاخيرة,

يقول هيرمان هيسه في رده بعد التحيات:" عزيزي هر برود... في كل يوم يجلب لي بريدي حفنة من الطلبات، واغلبها قادم من المانيا. احدهم مريض ويجب أن يذهب الى مصح... وآخر كاتب أو فنان أو عالم يشارك غرفة واحدة مع ثلاثة اشخاص اخرين وليس عنده من معيل... ويقول اخر" كلمة واحدة منك الى السلطات السويسرية كفيلة بتوفير تأشيرة دخول..." الخ... والان ها أنت ذا، الصديق الحميم لكافكا المأساوي حتى الأعماق، تتجه لأمر مشابه وهذه المرة علي ان اعين ليس شخصا أو بضعة اشخاص بل شعبا بأكمله وأساعد" على استعادة السلام" زيادة على ذلك... إن الفكرة برمتها ترعبني... إن العقل لا يحسب بالكمية ولافائدة أن اناشد عشرة أم مئة من" المنارات الكبرى" لكي يفعلوا أو لا يفعلوا شيئا، فمثل هذه المناشدة ايضا لا أمل يرجى من ورائه... لا استطيع مشاركتك موقفك. على العكس انني اعتبر كل تحرك" روحي" كاذب... ان مملكتنا ياعزيزي ماكس برود" ليست من هذا العالم" ـ عبارة المسيح وقد كررها رامبو في صياغة اخرى ويعيدها هيرمان ـ وعملنا ليس ان نعظ ونأمر أو نناشد وإنما أن نصمد وسط الجحيم والشياطين... سيبقى شيء منا بعد ان ينسى وزراء هذه الايام وجنرالاتها ولكن على المدى القصير الآني نحن مخلوقات مسكينة، ولن يحلم العالم بأن يدعنا نشارك في لعبته... ان هؤلاء ـ الساسة ـ لا يتحلون بالذكاء، بالقلق الدائم، وبتوازن خاص بهم... اعلم ان هذا التصريح الفظ سوف يقود بعض المفكرين السطحيين والنقاد الى الاعتقاد أني احد اولئك الفنانين الحالمين وبأن الفن لا علاقة له بالسياسات. لست في حاجة الى أن ادافع عن نفسي، فمنذ الحرب الاولى التي ايقظتني بلا رحمة على الواقع، رفعت صوتي مرارا وتكرارا وكرست الردح الاكبر من حياتي لتحمل المسؤولية".

هيرمان هنا يلمح الى ان رواياته كانت صرخات تحذير ضد الحرب والكارثة الوشيكة خاصة في رواية ذئب السهوب التي قال عنها" كانت صرخة تحذير ضد الحرب القادمة وقد تعرضت بسببها للسخرية والهجوم، وحتى لعبة الكريات الزجاجية الزجاجية بعالم صورها الذي يبدو ظاهريا بعيدا عن الوقائع الجارية، سوف يقابل القارئ هذا الشعور مرارا وتكرارا".

إن جواب هيرمان هيسه يلقي الضوء على طبيعة عمل المثقف والمفكر والفنان في الازمنة العصيبة، وهذا الدور، بموجب هذا الفهم العميق للرسالة الاخلاقية والروحية والادبية، لا يقتصر على " رفع الصوت" في لحظات عاصفة تدمر حياة الكائن البشري، لا قبل المحنة بساعات ولا خلالها، ولكن من خلال عمل طويل وجريء ومثابر رغم التضحيات وقد دفعها غاليا هيرمان حين طورد هو ورواياته وناشره في بلده المانيا.

هيرمان هيسه الذي يشيد بالـ " المعزين الثلاثة" العظام رومان رولان وتولستوي وغاندي، يؤكد على البعيد الروحي والاخلاقي وجوهر الانسان العميق وهي قيم لا تصنع على عجل وتحت" وطأة" الظروف الصعبة، ولكنها عمل البشرية جمعاء بصبر وكدح وعرق وفي كل كل يوم.

وفي جواب هيرمان ما يلفت النظر الى فقدان" القلق" و" والتوازن" و" وفقدان الذكاء" لدى كائنات بشرية وهي المسألة الجوهرية في عالم هذا الروائي الروحي المجسد في رواياته وقصائده.

ان " التوازن" في ظروف عاصفة تهدد الحياة والانسان هو ضرب من البلادة وفقدان الحساسية، كما ان فقدان "القلق" في زمن تسقط فيه كل خمس دقائق مقدسات وحقائق راسخة ومعتقدات ثابتة من خلال العلوم والاكتشافات وتهز كيان الانسان وتعصف به ويواجه كل لحظة في حياته اليومية صدمة وجودية، ان فقدان القلق ازاء هذه" الصدمات"والحروب والمذابح والشعور" بالطمأنينة" والـ " التوازن" و" الأمان" هو ضرب من الصفاقة والبلادة وموت الكائن البشري وولادة الدمية.

نحن نحتفل بل نتباهى بتوازن مضحك وطمأنينة مخجلة ـ من باب الذكورة أو الصلابة المخزية ـ ونضع القلق والحساسية واللاتوازن في تعابير سلبية في عصر مكتسح وعاصف، مع ان القلق والحساسية واللاتوازن هي من مستلزمات الابداع والحداثة وجواب الكائن الحي على ما يشوه ويخرب.
جواب السوي على المنحرف المطمئن طمأنينة الابقار في المسالخ.
جواب الحب على الحقد الأصفر المدمر.

لكن اين يذهب الكاتب والفنان والمثقف قبل الحرب وما بعدها؟
هذا هو جوهر سؤال هيرمان هيسه ورسالته الفنية والاخلاقية.
ليست وظيفته الاحتجاج على الحرب قبل وخلال الحرب فحسب، ولكنها العمل على منع البشري من أن يتحول الى وحش، في الكتابة والتعبير عن" عوالم الانسان الفرد التي لا تصلها الدوافع والاشكال السياسية" بتعبيره.

ان الدعوة للجمال والمتع البيض والمسرة الانسانية النقية واحترام الفرد وتقديس الحياة والجسد والحق في الأمل والاختلاف والسفر والسكن والحب والتمرد والفردية والخيارات الخاصة والضحك والنوم الهانئ واليقظة الهادئة كيقظة طفل في الصباح والتغني بالطبيعة والتعبير عن الحنين والفرح واللذة وشجب التعذيب والاحتقار وجنون الكراهية وشهوة الانقام وغيرها من الدوافع هي اعمال تساعد كثيرا في تحقيق السلام خاصة وان نصف الانسان اليوم غاطس في الغابة ونصفه الاخر شبه مشوه في حداثة صادمة لا يعرف كيف يتصرف معها.

العمل من اجل تحفيز القلق، وتنمية الحسياسية الانسانية وهز القناعات المحنطة المستقرة بلا فحص ولا سؤال ـ هو جزء جوهري من عمل المثقف والفنان والكاتب.

تذكيره، مثلا، من بين الكثير من الصدمات، انه يستطيع أن يموت في أي وقت ولكنه سينجب اطفالا بعد عشرات السنوات وهو في القبر من خلال" بنك الحيامن" وان السلالة لم تعد موجودة في الماضي بل في المستقبل، وان اجمل أولاده سيأتون بعد أن يشبع موتا.
تذكيره ان هذا الشعور بالطمأنينة واللاقلق ورسوخ الاشياء من صفات الثيران والقبور.

تذكيره ان الكائن" المنسجم" و" العاقل" و" المتوازن" هو الكائن المروض والمدجن والغائب والدمية التي تعمل الانظمة القمعية على صنعه بطرق كثيرة منذ لحظة الولادة وحتى الموت، ومؤامرة الترويض تبدأ من سن الطفولة حيث يتم تعليم الطفل على احترام الاوضاع والمعتقدات السائدة والمقاييس التافهة.
وكما للقبيلة منظومات عقاب للمتمرد والعاصي على نظامها ـ الخلع أو النبذ أحدها ـ كذلك للمجتمع، والسلطة، والمؤسسات التربوية والثقافية والحزبية وحتى الادبية. المؤسسة العقابية، بتعبير ميشل فوكو، لا تشمل السلطة السياسية فحسب بل تمتد للاشكال والنماذج المجهرية.

نحن نتحرك في مستعمرة عقاب جهنمية تسمى وطنا.
ومن تجربة شخصية في عدة سجون في العراق وايران وباكستان رأيت كيف ان السجناء وهم من الضحايا يخلقون داخل السجن " سلطة" و" عقوبات" و" وقوانين" تماهيا من الضحية بجلادها ويتم كل ذلك في احتفال من التباهي والمفاخر والمرجلة.
المجتمعات القمعية تخلق" الشرطي" في اعماق الفرد وتتركه " طليقا" لكنه سجين من الداخل بقضبان أقوى من الحديد.

ان مظاهر الردع والزجر وعقلية الوصاية وكراهية المختلف والمتفرد وامتلاك الحقيقة والوطن والشرف كملكية خاصة أو عقار هي من تجليات الشرطي/ القرين/ المزروع في الاعماق.

حين لا يجد هذا المخلوق المحطم شخصا يمارس عليه سلطته، يمارس على نفسه سادية كريهة.
الانسان لا يولد مسخا، ولكنه يصير على مراحل ودون أن يدري.

غدا أو بعده تنتهي الحرب.
هل سنعود الى المقاهي والحانات والرتابة في انتظار مجزرة أخرى؟
ان الناس العزل، يقول هيرمان هيسه، الذين بلا تعزية، هو أيضا لديهم أصوات تصرخ في البرية.

هؤلاء " المعزون الثلاثة" هم صوت الانسان ومنعه من أن يتحول الى ذئب!



#حمزة_الحسن (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- بين قائد الاوركسترا الموسيقية وقائد الفرقة العسكرية
- الشرطي المصري اللغز أو عنكبوت غرفة النوم
- شهادة جنرال الغزو في جنرال الخيانة
- في حماية زهر اللوز
- نقد الفكر المغلق
- الدكتاتور القادم المستقبل الماضي
- لا يهم كيف تهب الريح، الأهم كيف ننشر الأشرعة
- ارهاب اللغة
- مؤذن فرعون
- خيارات السياسة خلق كالمتعة والأمل والأصالة
- ماركس العراقي
- المؤجل والمسكوت عنه في الاتفاقية الامنية وصراع مؤجل
- المتمرد القادم من الصحراء
- رسالة إلى البنفسج الى رباح
- فَتح الباب من دون أن يلتفت واجتاز العتبة
- إذا مت فدعوا الشرفة مفتوحة
- في انتظار جمهورية السراب
- التنظير لدولة غائبة
- قديم يتفسخ وجديد لا يولد
- صورة كارثية قادمة للمجتمع المستشفى


المزيد.....




- سمية الخشاب تقاضي رامز جلال (فيديو)
- وزير الثقافة الإيراني: نشر أعمال لمفكرين مسيحيين عن أهل البي ...
- -كائناتٌ مسكينة-: فيلم نسوي أم عمل خاضع لـ-النظرة الذكورية-؟ ...
- ألف ليلة وليلة: الجذور التاريخية للكتاب الأكثر سحرا في الشرق ...
- رواية -سيرة الرماد- لخديجة مروازي ضمن القائمة القصيرة لجائزة ...
- الغاوون .قصيدة (إرسم صورتك)الشاعرة روض صدقى.مصر
- صورة الممثل الأميركي ويل سميث في المغرب.. ما حقيقتها؟
- بوتين: من يتحدث عن إلغاء الثقافة الروسية هم فقط عديمو الذكاء ...
- -كنوز هوليوود-.. بيع باب فيلم -تايتانيك- المثير للجدل بمبلغ ...
- حديث عن الاندماج والانصهار والذوبان اللغوي… والترياق المطلوب ...


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حمزة الحسن - عندما تنتهي الحرب وسلالات المستقبل