أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - حمزة الحسن - الدكتاتور القادم المستقبل الماضي














المزيد.....

الدكتاتور القادم المستقبل الماضي


حمزة الحسن

الحوار المتمدن-العدد: 2506 - 2008 / 12 / 25 - 10:04
المحور: اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
    


الافراط في رثاء الواقع هو عجز معرفي عن وصفه والثقافة السياسية السائدة اليوم هي ثقافة تأويل أكثر منها ثقافة تفكيك وتحليل ووصف، وحين تصبح ثقافة المراثي السياسية وبكاء الحاضر هي السائدة، فهذا يعني اننا في الطريق الى مستقبل بلا ملامح وضبابي ومجهول.


بكاء الحاضر يمكن ان يكون مهمة الثكالى وزوار القبور والمشارح والمآتم وليست مهمة الكتابة المعرفة الاستشرافية والاستباقية: من قال ان المستقبل في رحم الغيب؟
المستقبل هو خطواتنا اليوم، كل ما نحلم به ، ونتوهمه، ونتمناه.
اليوم هناك علم يدرس اسمه : علم المستقبل.

بدل الهروب من خلال شتم الحاضر، لماذا لا نواجه الحقائق القادمة المهملة مثل كل المعضلات الصعبة قبل أن تنفجر في أوقات وأزمنة غبر مناسبة وبعد أن يصبح الخطر أكبر من القدرة على الحل؟

الافراط في شتم الماضي والحاضر، في لعن الدكتاتورية وغيرها، لا يلغي الكثير من الحقائق الصلبة القادمة التي تنمو في هدوء وسرية وكتمان وتنخر القادم من الايام.

الدكتاتورية ليست شخصا بل عقلية، ليست مؤسسة اقتصادية وسياسية واجتماعية بل ذهنية ونمط تفكير وطريقة تعامل واسلوب حياة. ليس لعن الدكتاتورية يعني الوقوف على الطرف الاخر من الحرية والانفتاح والوضوح والمحبة.

لماذا يميل العقل العراقي ـ والمشرقي عموما ـ الى الهيام في لعن الحاضر والماضي والهروب من مواجهة المستقبل؟ لماذا لا يقترب من وصف الحاضر وتحليله وشرحه ويكتفي بالشتم والمراثي والبكاء؟

السبب لأنه عقل صوري اخباري، شعاراتي، يقرأ الاعلان والصورة القائمة، اي انه عقل بصري يقوم على الرؤية لا الرؤيا، عقل مؤسس على المرئي لا على المختفي. هذه خاصية العقل" المستقيل".

لا توجد حقيقة في الحياة مرئية. لم يعثر أحد في العالم على حقيقة في الطريق. طبيعة الحقيقة انها تميل الى الاختفاء لذلك فهي تكتشف: الحقيقة اكتشاف. الحقائق الجاهزة سجن يصنعه الانسان من اجل الشعور بالطمأنينة الزائفة.


العقل الصوري، عقل المراثي، عقل التأويل، العقل البصري، هو تنازل الكائن البشري عن القدرة الانسانية الخلاقة في رؤية المستتر والمخبوء وغير المرئي.
المستقبل هو حقائق مخفية، غير مكتشفة، مخبوءة.

في مواجهة كل تحديات اللحظة الراهنة، الاحتلال والارهاب وفقدان السلم الاهلي، هناك كارثة قادمة تضيع بين هذا الكم الهائل من المقالات والمراثي والاخبار والحوادث اليومية: هذه الكارثة كما تؤكد تقارير دولية موثوقة وحتى تقارير المؤسسة الحاكمة اليوم هي ان عدد اليتامى وصل الى أكثر من خمسة ملايين.

كابوس يثقل الصدر حين أفكر في المستقبل ورسم ملامحه واكتشاف دروبه حين أصل الى هذا الرقم المتحرك كأفعى قاتلة تزحف في عشب الايام، تزحف بهدوء وكتمان وسرية داخل غابات العجز والبلادة وثقافة المراثي والوصم.

في المستقبل القريب سنكون في مواجهة خمسة ملايين مشروع دكتاتور.
طبعة منقحة ومزيدة ومحسنة ستخرج علينا في القادم من الايام ليس حتما نسخة طبق الاصل.

دكتاتورنا القادم ـ ومن معه ـ هو ايضا جريح العائلة والمجتمع والقبيلة والحزب وفكرة" الانقلاب" والسخط على المجتمع، وهوس" التغيير".

هو أيضا خريج سجون أو اصلاحيات ان وجدت وابن شارع وعقلية قلب الكراسي في المقهى ومداهمة بيوت الناس في أسرتهم من أجل الحصول على شهادة وجود لذات ملغية ومحذوفة ومحتقرة.

هو ايضا ـ من معه ـ جريح ذاكرة وسلطة ومجتمع.
هو أيضا يقرأ ويكتب ـ كغيره ـ ولا يستطيع أن يكون نبيا في مجتمع مسلح وعنفي وتراتبي مؤسس كالدولة العراقية منذ التأسيس وحتى اليوم على نظام" العزل" والتراتبية الاجتماعية في المعايير وفي بناء الضواحي والعمل.

نظام" العزل" الاجتماعي العراقي يمنح فرضة استثنائية لولادة الدكتاتور أو المؤسسة الفاسدة: هذا النظام يزرع عقد التشفي والانتقام ومشاعر الاهمال والاحتقار ويلغي المواطن في الدولة ويحل محله المواطن في وظيفة، في شريحة، في عشيرة، في حزب.
هذا هو السبب الرئيس الذي جعل الكثير من ابناء الطوائف الدينية والعرقية والقومية المهمشة والخائفة كاليهود العراقيين والصابئة يلجأون الى البحث عن انتماءات حزبية احتجاجا أولا على غياب الدولة الأمة، الدولة العادلة، وثانيا البحث عن غطاء حماية أكبر في دولة العزل السياسي والاجتماعي والاخلاقي.

ونظام العزل قائم وموجود حتى في صفوف النخبة" المثقفة" المتباهية بالاصول العائلية والطبقية والثقافية وكل امتيازات التراتبية أو امتيازات الفصل الاجتماعي.

التراتبية اليوم أكثر حدة وقوة من الأمس في وجود الهرم الكهنوتي المسيطر. شكل جديد من اشكال الهيمنة الايديولوجية: قدرنا منذ عشرات القرون ان نحتاج الى وصاية ورعاية وحماية مؤسسة أكبر لأن كل هذه القرون لم تبلغ بنا سن الرشد ومازلنا في حاجة الى وصاية/ حماية/ رعاية/ وهي عناصر الحياة البدائية الاولى.

الدكتاتور لا يأتي الا اذا استدعيناه، بتعبير الروائي ماريا فارغاس يوسا مؤلف رواية" حفلة التيس" التفكيك والتحليل والوصف المذهل للدكتاتورية في امريكا اللاتينية.

أمامنا خمسة ملايين منهم ـ لن نتحدث عن ضحايا الحروب والتعذيب والتهميش فهؤلاء يشكلون جيشا خاصا في انتظار لحظة قادمة.

المؤسسة الدكتاتورية القادمة ستخرج علينا يوما من أكواخ وضواحي العزل ومقاهي المنبوذين والمحتقرين.

وستنتقم ، كما فعل الدكتاتور السابق، وتعيد بناء صورة المجتمع على شاكلتها: تقلب التراتبية القائمة وتبني هويات مغايرة وتفتح نفقا جديدا من الدم والانتقام في حين نغرق اليوم في لعن الماضي ووصم الحاضر والتعليق على نشرات الاخبار.









#حمزة_الحسن (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لا يهم كيف تهب الريح، الأهم كيف ننشر الأشرعة
- ارهاب اللغة
- مؤذن فرعون
- خيارات السياسة خلق كالمتعة والأمل والأصالة
- ماركس العراقي
- المؤجل والمسكوت عنه في الاتفاقية الامنية وصراع مؤجل
- المتمرد القادم من الصحراء
- رسالة إلى البنفسج الى رباح
- فَتح الباب من دون أن يلتفت واجتاز العتبة
- إذا مت فدعوا الشرفة مفتوحة
- في انتظار جمهورية السراب
- التنظير لدولة غائبة
- قديم يتفسخ وجديد لا يولد
- صورة كارثية قادمة للمجتمع المستشفى
- صلوا على أرواح موتانا وموتاهم
- باتريك سيل والشجاعة الملهمة
- الأسباب الخفية في الحملة على الحركة الإسلامية
- مساوئ الغرف المغلقة
- ماذا يعني ان تكون كاتبا في الوطن العربي؟
- خطاب الاجتثاث


المزيد.....




- السعودية.. الديوان الملكي: دخول الملك سلمان إلى المستشفى لإج ...
- الأعنف منذ أسابيع.. إسرائيل تزيد من عمليات القصف بعد توقف ال ...
- الكرملين: الأسلحة الأمريكية لن تغير الوضع على أرض المعركة لص ...
- شمال فرنسا: هل تعتبر الحواجز المائية العائمة فعّالة في منع ق ...
- قائد قوات -أحمد-: وحدات القوات الروسية تحرر مناطق واسعة كل ي ...
- -وول ستريت جورنال-: القوات المسلحة الأوكرانية تعاني من نقص ف ...
- -لا يمكن الثقة بنا-.. هفوة جديدة لبايدن (فيديو)
- الديوان الملكي: دخول العاهل السعودي إلى المستشفى لإجراء فحوص ...
- الدفاع الروسية تنشر مشاهد لنقل دبابة ليوبارد المغتنمة لإصلاح ...
- وزير الخارجية الإيرلندي: نعمل مع دول أوروبية للاعتراف بدولة ...


المزيد.....

- الحزب الشيوعي العراقي.. رسائل وملاحظات / صباح كنجي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية الاعتيادي ل ... / الحزب الشيوعي العراقي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية للحزب الشيو ... / الحزب الشيوعي العراقي
- المجتمع العراقي والدولة المركزية : الخيار الصعب والضرورة الت ... / ثامر عباس
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 11 - 11 العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 10 - 11- العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 9 - 11 - العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 7 - 11 / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 6 - 11 العراق في العهد ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 5 - 11 العهد الملكي 3 / كاظم حبيب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - حمزة الحسن - الدكتاتور القادم المستقبل الماضي