أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - حمزة الحسن - ارهاب اللغة















المزيد.....

ارهاب اللغة


حمزة الحسن

الحوار المتمدن-العدد: 2500 - 2008 / 12 / 19 - 09:06
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


كل ارهاب يتأسس ويتموضع من خلال اللغة. عكس ذلك هو المستحيل. اذا كانت الوظيفة الاصلية للغة هي التواصل، فإن أكبر انحراف في تاريخ البشرية هو انتقال هذه الوظيفة من التواصل الى القطيعة. لا يوجد ارهاب خارج اللغة حتى لو كانت هذه اللغة تعبر عن نفسها من خلال خطاب البراءة. براءة في اي شيء؟


على سبيل المثال الخطاب النسوي الذي يتحدث عن المساواة بين الجنسين وغالبا ما تكتبه النساء. هذا الخطاب المساواتى مكتوب من وجهة نظر ذكورية وبقاموس ذكوري ورموزه ذكورية: فالحديث مثلا ـ حديث النساء ـ عن تغيير العالم ودولة القانون والحق في الحب وفي غيرها كل هذه التصورات مبنية على فكر ذكوري وعلى فلسفة الرجل.

ان أفكار" التحدي" و" قلب العالم" والدفاع " حتى الموت" و" اما الحرية أو الموت" هي لغة ذكورية ملصقة على شفاه النساء، وهذا الخطاب ينسى ان العالم لا يقلب وان خيارات كثيرة بين الحرية أو الموت وان فكرة نكون أو لا نكون الشكسبيرية تصلح في ظروف فردية ولا تصلح كقانون.

اللغة حسب دوسوسير كائن متعدد الالوان ومختلط العناصر.
ليست الاسطورة من خلق اللغة بل العكس ، يقول كاسيرر. اللغة قادرة على تحويل البشر الى الهة تسنزل المطر أو تحجبه. هذا لا يحدث خارج اللغة. المطر يهطل أو يحجب داخل لغة. داخل ذهن. ذهن مؤمن بما يقول ومستعد للتضحية في سبيل خرافة متوارثة أو مصنوعة.

هناك كذبة كبرى مستمرة، حسب نيتشة، تقوم على ان الانسان أودع في اللغة أوهاما هائلة وصار يفكر من خلالها. بمعنى ان الانسان اسير لغته. لا يوجد ذهن بلا لغة حتى الحلم والوهم.

نحن نصنع أوهاما كل لحظة ونصعدها الى مستوى اليقين بل الشرف ـ وهو يقين ملفق وشرف تافه.

اللغة أخطر النعم ـ حسب هايدجر. الانسان يحاصر نفسه بشبكة لغوية وتصورات وعقائد يتم رفعها مع الوقت وبلا فحص الى مستوى المطلق. كل مطلق هو قمع. كل مطلق هو اكراه. الحياة احتمالات. اللغة احتمالات ورموز وعلامات.

كل لغة مغلقة ـ لغة حكم ويقين وتصنيف ـ هي لغة ارهاب.
اللغة حسب تودورف لا تختزن فقط الرموز بل تصنعها. بهذا المعنى اللغة تنتج. لكن ما طبيعة هذا الانتاج اليومي غير المفكر فيه؟ من يفحص مرة واحدة في السنة طبيعة لغته؟

ليس حتما ان تقوم العلائق بين الطبيعة على نظام جوهري لغوي وربما تقوم هذه العلائق على بناء لغوي اتفاقي ـ دوسويسر مرة اخرى. هذا ينفي علاقة اللغة بالمقدس.

اللغة هي حقل للاختلاف وإلا تحولت الى حقل للاصنام. لكن اختلاف" الألسن" هو في الباطن اختلاف اجتماعي وسياسي وطبقي وفكري. من هنا تأتي اللغة كأداة قهر. لا يوجد قهر بلا لغة. لا يوجد تلفيق بلا لغة. اللغة حقل واسع للتلفيق بمعناه الاجتماعي والسياسي والفردي.

هنا يجب ان نفرق بين وظيفة اللغة ووظيفة اللسان استنادا لرولان بارت: اللسان مؤسسة اجتماعية، وظيفة عامة، ينطق بما هو مقبول ومتفق عليه، لكن اللغة فردية، لذلك يأتي النشاط الثقافي بواسطة اللغة وليس عن طريق اللسان ـ حتى الفولكلور الشعبي الشفوي هو نشاط تكراري لا مجال للابداع فيه.

يتعارض اللسان مع الكتابة في الحقل الثقافي. لكن هناك ايضا من يكتب بلسانه ـ أي من يكتب الشائع والمكرر والمسموع وهنا يلتقي اللسان البشري الاستعادي مع لسان حيوانات كثيرة تؤسس علاقتها عن طريق اصوات أو اشارات كالقرود والطيور والنمل.

حين تنحط اللغة الثقافية والسياسية الى هذا المستوى الحيواني البدائي المتخلف يصبح حقل الكتابة الابداعية ضربا من الرعب ـ الرعب المخل بالجمال والحشمة والذوق وهو النهج الشائع وعلامة التخلف الكبرى.

ليست هناك تسمية واحدة للاشياء والمواقف والافكار بل هناك تسميات لكن في" لغة القهر اللساني" هناك تسميات ومصنفات ومقدسات. حين تتحول لغة السياسة مثلا الى لغة أحكام وفرض ومسلمات ومطلقات ويقينيات تتحول الى لغة بهائم.

اللغة احتمال، لغة السياسة مثلا، لغة تصورات لا لغة احكام قاطعة: ما ان تصل لغة السياسة الى هذا المستوى حتى تكف ان تكون لغة بشرية منتجة وتصير نوعا من اللغو والهذر ـ هذا هو الشائع اليوم في الخطاب السياسي العربي والعراقي تحديدا حين فسح المجال امام الجهلة لقول ما يقوله اللسان ـ اللسان شارعي ـ لا كما تقوله اللغة كنشاط فردي مستقل.

الوظائف الاساسية للغة في الخطاب السياسي اليومي لم تعد موجودة: هذه الوظائف، حسب رومان ياكوبسون، هي المرسل، المرسل اليه، السياق، الرسالة، الاتصال، الشفرة....

لم يعد هذا موجودا في خطاب"نا" السياسي. انه نوع من القنص والوصم والادانة ـ عودة بدائية للغة الزمجرة الغابية بصورة منحطة.

الخطاب السياسي اللغوي اليوم هو : إما أنا أو أنت. أوبالاحرى أنا فقط ولا حاجة لأنت لأنك ، أمامي، فائض، هامشي، مرفوض.السبب؟ لأنك تتكلم بلغة فردية تعارض خطاب الجماعة ـ خطاب اللسان، خطاب العرف السائد، بصريح العبارة لأنك خارج القطيع، خارج الاجماع العام الخ.

اللغة الثقافية لغة ذاتية. لغة السياسة هي تملق الجمهور العام. بمعنى ان خطاب السياسي هو خطاب لسان. ليس لغة فردية. انه نوع من التكرار والاغواء. خطاب أو فخ أو تلفيق ومراعاة الاذواق العامة. ليس هذا حقل الادب. الادب لغة نبذ، لغة فرد، لغة حلم، لغة ذهن مستقل. لغة زلزلة لا خطاب مسلمات وقوالب جاهزة اخبارية.

يتعارض" اللسان" السياسي الغوغائي مع" الأنا" المبدعة. الانا انسلاخ واللسان دمج.
الانا مهر واللسان مروض خيول.

نحن لا نفكر بدون كلمات ولا بدون لغة كما يقول هيجل ، اي اننا لسنا احرارا في التفكير مادام التفكير يتم بلغة جماعية.
اللغة الجماعية سجن، خدعة، استقالة عقلية، يتنازل الانسان ويتبرع بعقله وكرامته الى القاموس العام كي يتجنب التهميش والحصار ـ وهو امر يسعى اليه الاديب، اي يقبل بالهامشية والنبذ كي يحافظ على كرامة الانا واستقلالية العقل.

اللغة سلطة، حسب رولان بارت، لكن اللسان قانون. اللسان يحكم ويدين ويقرر. اللغة سلطة لانها تفرض خطابا، قيما، شبكة مفاهيم، تبيع تصورات، بمعنى تحاول الاقناع. لكن حين تفشل اللغة في تحقيق ذلك يتكفل اللسان، المؤسسة، التشريع، بفرض قاموسه.

في المحاكم عموما يتكلم المتهم بلغة المؤسسة، لغة القانون. اي انه يتكلم بغير لغته. يحاول عن طريق استخدام اللسان العام اقناع الهيئة القضائية انه مؤمن بالمؤسسة والقانون والتشريع. دون ان يدري على مستوى لا شعوري انه يتنازل عن أناه الى القضاة، اللجنة، الجماعة الخ السلطات، المرجعية ـ هذا هو السبب الذي جعل بطل رواية كافكا" المحاكمة" لا يفهم ما يقوله القضاة ووجد نفسه في موقع الغريب والمنفي.

في الادب لا مرجعية خارج الذات.

ان اكثر اجراءات الاستبعاد، يقول فوكو في سلطة الخطاب، هي المنع. منع اللغة. اللسان طليق في قول ما يريد مادام محافظا على التشريع والعرف ومحترم سلطة الجماعة. لكن في الادب يصبح هذا هراءً. كل استبعاد هو في الوقت نفسه تكريم.

حسب روبول، نحن لا نتكلم كما نريد، بل كما يراد لنا ان نتكلم. بمعنى مطلوب أن نرطن. نهذي، نثرثر. هذا ما يقوم به اليوم الخطاب السياسي المفرط في الضحالة: انه يقفل كل احتمال ويغلق كل فرضية ويسد الافق أمام كل رؤية اخرى ويتكلم بلسان يقيني واثق ومطلق.

الجهل؟ ربما.
لكن الجهل هنا ليس عدم المعرفة، بل المعرفة المضادة.

*هامش:
بعض الاستشهادات ماخوذة من سلسلة" الدفاتر الفلسفية" الجزء الخامس" اللغة" ترجمة محمد سبيلا، وعبد السلام بنعبد العالي ـ دار توبقال، الدار البيضاء.



#حمزة_الحسن (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مؤذن فرعون
- خيارات السياسة خلق كالمتعة والأمل والأصالة
- ماركس العراقي
- المؤجل والمسكوت عنه في الاتفاقية الامنية وصراع مؤجل
- المتمرد القادم من الصحراء
- رسالة إلى البنفسج الى رباح
- فَتح الباب من دون أن يلتفت واجتاز العتبة
- إذا مت فدعوا الشرفة مفتوحة
- في انتظار جمهورية السراب
- التنظير لدولة غائبة
- قديم يتفسخ وجديد لا يولد
- صورة كارثية قادمة للمجتمع المستشفى
- صلوا على أرواح موتانا وموتاهم
- باتريك سيل والشجاعة الملهمة
- الأسباب الخفية في الحملة على الحركة الإسلامية
- مساوئ الغرف المغلقة
- ماذا يعني ان تكون كاتبا في الوطن العربي؟
- خطاب الاجتثاث
- احتفالية ثانية بالشاعر رعد عبد القادر: سفر إلى أقاصي الجرح ف ...
- أوهام القبض على الدكتاتور( الأخيرة) ثلاثة قوانين للموت


المزيد.....




- لوحة كانت مفقودة للرسام غوستاف كليمت تُباع بـ32 مليون دولار ...
- حب بين الغيوم.. طيار يتقدم للزواج من مضيفة طيران أمام الركاب ...
- جهاز كشف الكذب وإجابة -ولي عهد السعودية-.. رد أحد أشهر لاعبي ...
- السعودية.. فيديو ادعاء فتاة تعرضها لتهديد وضرب في الرياض يثي ...
- قيادي في حماس يوضح لـCNN موقف الحركة بشأن -نزع السلاح مقابل ...
- -يسرقون بيوت الله-.. غضب في السعودية بعد اكتشاف اختلاسات في ...
- -تايمز أوف إسرائيل-: تل أبيب مستعدة لتغيير مطلبها للإفراج عن ...
- الحرب الإسرائيلية على غزة في يومها الـ203.. تحذيرات عربية ود ...
- -بلومبيرغ-: السعودية تستعد لاستضافة اجتماع لمناقشة مستقبل غز ...
- هل تشيخ المجتمعات وتصبح عرضة للانهيار بمرور الوقت؟


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - حمزة الحسن - ارهاب اللغة