أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبدالمنعم الاعسم - عن الواقعية السياسية














المزيد.....

عن الواقعية السياسية


عبدالمنعم الاعسم

الحوار المتمدن-العدد: 2529 - 2009 / 1 / 17 - 07:48
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    



دائما، حين يجري الحديث الناشط عن ضرورة اعتماد الواقعية السياسية، فان الدعوة لا بد ان تكون مسبوقة باحتقان سياسي واجتماعي لا حل له بالقوة او بالاساليب "الثورية" الانقلابية، او بتصفية الآخر.. وهذا ما يحدث عندنا، وما يملي الحاجة الى واقعية سياسية تؤثث الصراع بالحكمة.. حكمة النظر الى الواقع، تحليله وتغييرة، لا حكمة نكران الواقع.
تقول الواقعية السياسية، بوجيز الكلام، ان الحقيقة لا تظهر في شكل واحد، وليس لها، او عليها وصي، وان الصحيح الآن قد يتحول الى خطأ في آنٍ آخر، والمرذول في هذا الوقت قد يصبح مقبولا في وقت ما، وعكس الشئ واردٌ، وليس ثمة سقف، او حدّ، او مدى للاحتمالات، ومن ينظر الى الحقائق على انها ثابتة كمن ينظر من قعر بئر سحيق الى رقعة من الفضاء فيظن انها السماء.
والواقعية السياسية قد تكون مُرة، مرارة العلقم، او تكون حلوة حلاوة الشهد، وقد تستعين بحكمة جبان او فروسية شجاع لكي تصل الى غايتها، وفي (زهر الآداب) للحصري القيرواني حكاية تفيد في هذا المقام، إذ اتى قومٌ شيخا لهم قد اربى على الثمانين، فقالوا: ان عدونا سرق مواشينا، فماذا تشر علينا "بما ندرك به الثار وننفي به العار؟". فقال الشيخ: الضعف فسخ همّتي، ونكث إبرام عزيمتي، ولكن، عليكم باستشارة الشجعان من ذوي العزم، والجبناء من ذوي الحزم، فان الجبان لا يبخل برأي يقي مهجكم، والشجاع لا يبخل براي يشيّد ذكركم، ثم اخلصوا الرأي بنتيجة تبعد عنكم عار الجبناء وتهور الشجعان "فاذا نجم الرايُ على هذا كان أنفذ على عدوكم من السهم الصائب والحسام القاضب".
والواقعية السياسية عملية توفيق كيميائية بين متنافرات على ضوء ما هو معلوم، وبمعنى ما، لا تستقيم الواقعية السياسية مع الفرضيات المجردة، ولا مع غير المعلوم، علما بان الحكمة– يقول الفخر الرازي- "عبارة عن العمل بالعلم، فكل من اوتي العمل بالعلم فقد اوتي الحكمة.. اي العمل على وفق المعلوم" فان المعلوم الذي يرى بالعين المجردة ويرصد بالعقل هو اثاث الواقعية السياسية وهو مدخلها الى تأويل الاحداث وتفسير الصراعات وتقويم الافكار.
والواقعية السياسية ضد الجهل، لأنها توظف المعرفة في كشف اسرار الواقع واتجاهاته، لكي تضع مسار الحركة المطلوبة، والمقترحة، ونحتاج هنا الى التوقف عن اصناف الجهل، كما لخصها هادي العلوي عن الفلاسفة المسلمين الطليعيين بقوله: "الجهل نوعان: بسيط ومركب. الاول هو ان لا تعرف شيئا، والثاني، هو ان تعرف شيئا على وجه الخطأ. والمركّب افضل من البسيط، لأن معرفة شئ على وجه الخطأ افضل من عدم معرفة اي شئ".
الواقعية السياسية ليست مطلوبة لانها تأخذ بقاربنا الى استراحة المراجعة، فقط، بل انها ايضا ضرورية لحاجتنا الى الحاق الهزيمة بثقافة الشعارات الانشائية.
فليس ثمة خصومة مع الواقعية السياسية اكثر من الشعارات الانشائية. الاولى ميدانها ومطبخها الواقع، والثانية تحلق في الوهم وتتمترس به. الاولى تلزم المرونة وتلتزم احترام خصوصيات الراهن، فيما الثانية تهرب الى التشدد والعناد. الاولى تستعد للعطاء، والثانية لا تعطي شيئا، لانها لا تملك ما يمكن ان يُعطى.
في الظرف العراقي الحساس، ما احوجنا الى الواقعية السياسية، وقبل ذلك، ما احوجنا الى ثقافة تكشف عن حقائق الواقع وتصنع منها حشوة للسياسة، وبمعنى ما، فاننا من خلال تطبيقات الواقعية السياسية نستاصل بؤر التوتر بين الحافات المذهبية والقومية ونكيف انفسنا للتعايش مع الاختلافات والتنوع وصراع المصالح، ومن الطبيعي القول بان اشاعة منهج الواقعية السياسية في مفاصل العملية السياسية يتوقف، الى حد كبير، على قناعة سلطة القرار والحلقة التي تدير ماكنة الدولة الجديدة بجدوى هذا المنهج، وايضا في حسن تطبيق لوازمه على استحقاقات المرحلة.
فان الواقعية السياسية، واحدة من ممهدات السلم الاهلي في مجتمع متخاصم مع نفسه، فوق انه ضحية لعسف نظام شمولي فردي، فمن دون منهج يستوعب خصوصيات الواقع العراقي وينمي ويرتقي بايجابيات وعناصر هذا الواقع الى مسار البناء والتغيير فانه يتعذر رؤية نهاية قريبة للدوامة الامنية والاجتماعية والسياسية التي يمر بها العراق، ومن هنا فان الواقعية السياسية لا تراهن على الصدف، ولا ترجئ القرارات الصائبة بانتظار المعجزة.
ولعل الخطوة الاكثر اهمية على طريق التغيير، وهو الهدف المعلن للعملية السياسية في العراق، تتمثل في التخلي عن السياسات التي اصطدمت بالواقع، واثبتت الحياة عقمها وفشلها، وبين ايدينا سجل طويل من تلك السياسات الفاشلة والعقيمة، في المجال الاقتصادي وفي مجالات اعادة البناء، اخذا بالاعتبار حقيقة ان مراجعة الحصائل والنتائج تدخل في صلب الواقعية السياسية التي تعني، في ما تعنيه، تصويب القرارات والخطط وترشيد السياسات العامة بما يضمن نجاحها.
وفي التطبيق، لابد ان من البحث عن افضل السبل لتوسيع قاعدة المشاركة في تقرير مصائر البلاد والشعب، بل ولتعميق مفهوم المشاركة لتصبح حقا بدل ان تكون منّة من سلطة القرار، وهذا، في نهاية المطاف، هو جوهر الواقعية السياسية.
يردد العراقيون، دائما وبعفوية: "علينا ان نعترف في الواقع" وهي الغرسة الثقافية التي علينا رعايتها لتورق سياسات نركب في زوارقها الى ضفاف السلامة.
ـــــــــــــــ
كلام مفيد:
" عندما تلتقي السياسة والعناد إقرأ على البلد السلام".
نجيب مخفوظ



#عبدالمنعم_الاعسم (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هزيمة التشدد.. بانتظار الحوار
- هل يعود البعثيون الى حكم العراق
- الاتفاقية بين معسكر لا ومعسكر نعم
- سباق المجالس.. تدقيق مبكر ومهم
- اعداء حكومة المالكي.. وانصارها
- سبعة اخطاء في الدعوة الى دولة عراقية قوية
- حركة القرضاوي.. أبعد من الشيعة
- ليتحد العالم ضد حثالات الموصل
- نهاية مدير عام
- ايتها الكلمة الساحرة..
- احوال الصحافة في العراق
- كامل شياع وحموضة المثقفين العرب
- كوميديا.. .. هذا ما يجري بالضبط
- كركوك.. شهادة في الازمة والخلفيات
- في جدلية التوافق السياسي
- ما لم يقله رواندوزي .. في الاخطاء السياسية الكردية
- قطيع بلحى.. ودشاديش قصيرة
- الايزيديون.. رسالة الى العالم
- سياسة.. وراء طبول الحرب الدينية
- آخر القوميين الوحوش


المزيد.....




- للمرة الأولى.. أطباء أسناء يركّبون سنًّا لدب بني
- أمل عرابي: دفاع ترامب عن نتانياهو يؤكد وجود مصالح سياسية مشت ...
- تفاعل الأوساط السياسية الإسرائيلية مع دعوة ترامب لوقف محاكمة ...
- روسيا تطوي صفحة اتفاق نووي مع السويد عمره 37 عاما
- البرش: الاحتلال يكثف هجماته على مراكز الإيواء وإصابات منتظري ...
- إلغاء جلسات محاكمة نتنياهو بعد مشاركته في جلسة سرية بالمحكمة ...
- لماذا أفريقيا أولوية لإيران بعد الحرب؟
- شاهد.. بوغبا يبكي خلال توقيع عقده مع موناكو الفرنسي
- الاحتلال يصعد بالضفة ويعتقل العشرات بالخليل واعتداءات المستو ...
- إيران تشكك في التزام إسرائيل بوقف إطلاق النار وتؤكد جاهزيتها ...


المزيد.....

- الوعي والإرادة والثورة الثقافية عند غرامشي وماو / زهير الخويلدي
- كذبة الناسخ والمنسوخ _حبر الامة وبداية التحريف / اكرم طربوش
- كذبة الناسخ والمنسوخ / اكرم طربوش
- الازدواجية والإغتراب الذاتي أزمة الهوية السياسية عند المهاجر ... / عبدو اللهبي
- في فوضى العالم، ما اليقينيات، وما الشكوك / عبد الرحمان النوضة
- الشباب في سوريا.. حين تنعدم الحلول / رسلان جادالله عامر
- أرض النفاق الكتاب الثاني من ثلاثية ورقات من دفاتر ناظم العرب ... / بشير الحامدي
- الحرب الأهليةحرب على الدولة / محمد علي مقلد
- خشب الجميز :مؤامرة الإمبريالية لتدمير سورية / احمد صالح سلوم
- دونالد ترامب - النص الكامل / جيلاني الهمامي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبدالمنعم الاعسم - عن الواقعية السياسية